أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عماد عبد اللطيف سالم - الموازنة العامة في العراق : مأزق العلاقة بين مدخلات العبث السياسي ومخرجات الكفاءة الأقتصادية















المزيد.....


الموازنة العامة في العراق : مأزق العلاقة بين مدخلات العبث السياسي ومخرجات الكفاءة الأقتصادية


عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)


الحوار المتمدن-العدد: 4014 - 2013 / 2 / 26 - 00:34
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الموازنة العامة في العراق : مأزق العلاقة بين مدخلات العبث السياسي ومخرجات الكفاءة الأقتصادية

تمهيد

ان كون الموازنة العامة قضية ذات صلة بالشأن السياسي العام , لايعني جعلها جزءاً اساسياً من الجدل السياسي العقيم . ان مناقشة واقرار الموازنة العامة في البرلمان , تمثل فرصة لطرح برامج عمل افضل . ومن خلال هذه المناقشة يمكن البحث في سبل افضل لإعداد الموازنة العامة , بدلاً عن هذا النمط العقيم المعمول به حالياً .
لهذا نجد اننا , وفي كل عام , نعيد اكتشاف العجلة ذاتها , ونختلف فقط حول تفاصيل سعتها , وعدد الراكبين فيها , وحول مظهرها العام , والرسوم الموشومة على عجلاتها .. مع انها اخترعت قبل سبعة الاف عام .
وحتّى في ظروف أفضل من ظروف العراق الحالية .. لاينبغي القبول بهذا العبث " السنوي " . فالموازنة للمواطن أولاً , ويتوقف عليها مصير البلد بأسره حاضراً ومستقبلاً , وليست مناسبة للتهريج , والتسقيط , وأستعراض المهازل , من كل صنف ونوع .
ومشكلة الموازنة العامة في العراق ليست مشكلة جهة تنفيذية معينة . لقد ورثنا هذا الاسلوب العقيم في اعدادها منذ مائة عام . وها نحن الآن لا نجرؤ على تغييره , إلا في أضيق نطاق ممكن , وبتواضع وبطء لا يتناسبان مع حجم الأزمات الأقتصادية والأجتماعية , ومأزق التنمية , الذي ظلّ العراق يعاني من تبعاته وتداعياته طيلة العقود الخمسة الماضية .
لقد اضعنا عقداً كاملاً في التخبط , وأوقفنا .. او ابطأنا , عملية الاصلاح المطلوبة . وكانت لدينا بعد العام 2003 فرصة لا تعوض لتغيير كل شيء . لكننا فرّطنا بهذه الفرصة .. التي يصعب تكرارها , من الناحية التاريخية على الأقل .
ان الموازنة الحالية , كسياسات واجراءات , لا تستنزف الجهد والمال فقط , لكنها تفرّط ايضا بجهد عراقيين نبلاء ومخلصين ؛ كتبوا وبحثوا وناقشوا وقدموا كل ما لديهم من أجل أصلاحها , وفهم دورها , بينما لا يفعل السياسيون شيئاً , غير ان يبخسوا العراقيين اشياءهم دون رحمة .
ان غياب الشفافية , وانعدام الوضوح , وضآلة الجدوى , وعقم الاسلوب ( في الأعداد والتنفيذ ) , هي التي تجعل الموازنة العامة جزءاً من الأزمة العامة في هذا البلد , وليست جزءاً من الحل .
ان بداية عملية الاصلاح الحقيقي في العراق ينبغي ان تبدأ بأصلاح الموازنة العامة إعداداً وتنفيذاً .
فهذه الموازنة التي يعلو الصراخ بشأنها عاما بعد آخر , لا تمنحنا أية فرصة للتقدم في اي مجال , وعلى جميع المستويات . وفي اطارها لايمكن تحقيق أي شيء ذي جدوى : لا تنمية بشرية , ولا نمو حقيقي , بل ولا استثمار , ولا تكامل مع الخطط والستراتيجيات الكثيرة , التي تم اعدادها في اكثر من مجال , لتتحول فيما بعد الى مجرد غبار يغلّف اسماء البنود والتخصيصات وارقامها المبهمة .
انها موازنة " بدائية " , لكنها لا تقدّم الى مجلس الوزراء في ايلول , والى مجلس النواب في تشرين الاول , والى مجلس النواب في تشرين الثاني , ولا تصدر بقانون الا في آذار من العام التالي في افضل الاحوال ( في مخالفة صريحة لقانون الأدارة المالية النافذ ) . ثم تتسابق وحدات الانفاق على استنفاد نفقاتها التشغيلية , بينما لا يتم الاعلان عن مناقصات مشاريعها الاستثمارية الا في حزيران , ولا تحال هذه المناقصات (اذا احيلت) الا في ايلول, الذي هو موعد تقديم الموازنة الجديدة الى مجلس الوزراء . والنتيجة ان نسبة انفاق تخصيصات الموازنة الاستثمارية تتراوح عادة بين 25% في أسوأ الأحوال الى 50% في افضلها , بل ان هناك وحدات انفاق لا تستطيع انفاق حتى تخصيصاتها التشغيلية كاملة خلال السنة المالية للموازنة العامة .
وبهذه التفاصيل فأنها موازنة عامة تجسد اسوأ ما في الحاضر , ولا تعبأ بالمستقبل , ولا تعكس هموماً تنموية,ولا تأبه باستدامة العيش الكريم لمواطنين ذاقوا الامرّين طيلة خمسين عاماً حتى الآن .
لقد قطعت بلدان كثيرة ( ومنها بلدان من العالم المتخلف ) , أشواطاً لا نستطيع استيعابها بهذا الصدد , بينما نراوح نحن في اماكننا (نحن البلد المتخم بأفضل الكفاءات البشرية وأغزر الموارد المالية) , لأسباب معروفة , لا مجال لأستعراض تفاصيلها الآن .
لقد أضاع الحكّام السابقون عقودا ً من التنمية , والحكّام الجدد أضاعوا عقداً أضافيا واحداً حتّى الآن . ولكن خطورة المشكلة تتجسد في ان الحكام السابقين قد " نجحوا " في حشر العراق في زاوية مميتة . وبذلك فان ضياع عقد آخر لن يعني سوى الفوضى , وربما ضياع العراق ذاته . ولا ينبغي ان يكون هذا السلوك اختيارا لأي من الفرقاء السياسيينً , لأنه في محصلته النهائية سيكون انتحاراً يقوّض البناء الاقتصادي والمجتمعي والمعرفي والنفسي لوطن بأسره .

الموازنة العامة : اشكالية العلاقة بين منهج الاعداد , ومنهج المناقشة

ان اشكالية " التوافق السياسي " على قانون الموازنة العامة في العراق ذات شقين :
1) الشق الأول ذو صلة بالمنهج المعتمد في اعداد الموازنة . فهي تعد كموازنة بنود تقليدية في وزارة المالية ، وتناقش في مجلس الوزراء بهذه الصيغة . والفرقاء السياسيون موجودون , و مطلّعون , ويعرفون من خلال ممثليهم / وزرائهم / في مجلس الوزراء , انها موازنة بنود تقليدية .
2) هنا يأتي الشق الثاني من المشكلة , فما ان تعرض الموازنة على مجلس النواب للمصادقة عليها , حتّى تتحول , بقدرة قادر , الى موازنة برامج واهداف , وتحشر فيها كلمة " التنمية " حشرا , من خلال مفاهيم فضفاضة كـ " تنمية الاقاليم " . وهذه المفردة تعني في حقيقتها " تخصيصات المحافظات " او حصتها من " الكعكة الريعية " , ولا شيء آخر .
وتحدث هذه الاشكالية سنويا , لانه لا يمكن الجمع بين المتناقضين : الاعداد وفق منهج معين , والمناقشة ( او المناكفة السياسية ) وفق منهج آخر .
فإذا كنت تبحث عن جدل بيزنطي حقيقي , فلا توجد موازنة في العالم تعكس , او تجسد هذا الجدل العقيم اكثر من الموازنة العامة العراقية , لأنها تجمع منهجين متناقضين : منهج اعداد يقبل الجميع به , ومنهج مناقشة , او اقرار او مصادقة . يختلف عليه الجميع .
ومنذ عشر سنوات لا يحظى العراقيون بصخب سياسي موسمي افضل من هذا الصخب . فالجميع يتحدث ( عندما يحين موسم مناقشة الموازنة في البرلمان ) عن مصالح وآمال وأحتياجات العراقيين غير الملبّاة , وحرمانهم المزمن .
اما المواسم الثلاثة الاخرى فلا يعلو فيها صوت فوق صوت المفخخات , والاعمال الارهابية , والتقصير في تقديم الحد الأدنى من الخدمات العامة , والعجز الفاضح عن عمل شيء ذي قيمة , وذو استدامة , مع بعض الاستثناءات النادرة هنا , وهناك .
واذا كان كل شيء في العراق يتجاوز المهنية والكفاءة والاختصاص ويعمل في الغالب على وفق منطق نظام المحاصصة , فقد كان يفترض بهذا النظام ان يعمل على تسهيل تمرير الموازنة في مجلس النواب لا العكس .
فالموازنة تعد في وزارة المالية , وتوزّع تخصيصاتها هناك . وهي أصلاً تقديرات وحدات الانفاق المستلمة من الوزارات المختلفة , التي يفترض ان الوزير قد ناقشها تفصيلاً مع المسؤولين التنفيذيين في وزارته , قبل ارسالها الى وزارة المالية .
وهؤلاء الوزراء موجودون في مجلس الوزراء , الذي يفترض انه يناقش الموازنة , ويوافق , ويتفق على صيغتها التي ستُرسل الى مجلس النواب للمصادقة عليها .
وأكثر الأسئلة " سذاجة " هنا هو : لماذا لا تمرِّر محاصصة الوزارات , مشروع الموازنة العامة , في مجلس نواب , يقوم على هذه المحاصصة ذاتها ؟
لماذا يتعامل الفرقاء السياسيون في مجلس النواب مع الموازنة وكأن وزراء من " دولة المريخ " هم من قاموا باعدادها , وليس وزراء " محاصصة " و " توافق " إنتدبتهم كتلهم السياسية , ومكوناتهم الأثنيّة , ليمثلونها في مجلس الوزراء ؟
ووفق هذا المنطق , فأن تكرار اعادة مشروع قانون الموازنة العامة من مجلس النواب الى مجلس الوزراء , لأجراء تعديلات جذرية عليها هو مجرد عبث سياسي , لا طائل من وراءه .
فنحن ككتل سياسية .. نعيد الموازنة الى وزرائنا .. ليتفقوا عليها في مجلس الوزراء .. ثم نسترجعها منهم .. لنختلف عليها في مجلس النواب . وهكذا .. نبدد الوقت والجهد .. ونعمّق الخلافات / العميقة اصلاً / ونزرع الشكوك والهواجس .. ونوزّع التهم , ونمارس جميع انواع التسقيط , لمدة خمسة اشهر تقريباً , تمتد من تشرين الاول من العام الماضي لتصل الى آذار من العام اللاحق له .

الموازنة العامة والمشروع الملتبس للدولة العراقية
تعمل الموازنة العامة من خلال منهج اعدادها ومقارباتها القائمة حالياً على تفتيت وتقويض وحدة الهدف / دالة الهدف / في خطة التنمية الوطنية . ويعمل الخلاف السياسي الذي لا يستند الى مشروع محدد للدولة العراقية , أو الى توصيف محدد للنظام الأقتصادي , على تحويل الموازنة العامة , من موازنة " اتحادية " الى موازنة " تقسيمية – تفكيكية " حتى لبنية المجتمع العراقي . ففي غياب الحد الأدنى من قواعد الشفافية في الموازنة العامة , وضعف الوعي المجتمعي بالمفاهيم المالية والمحاسبية المرتبطة بها , فان الشرائح المختلفة في هذا المجتمع , سيتم حشدها وراء ادعاءات ومطالبات من يفترض انه يمثلها في مجلس النواب . وليس امام هذه الشرائح من دور في المساهمة في رسم السياسة الأقتصادية العامة غير الأستماع الى صخب هؤلاء النواب وهم يدَّعون سياسياً / تعبوياً / ( وليس اقتصادياً أو تنموياً ) تمثيلهم لمصالحها واحتياجاتها الاساسية , بينما يقف " الاخرون " / الأعداء / موقفاً معارضاً منها .
وعندما يتم عرض وتوظيف الموقف السياسي بهذه الطريق الفجّة , يتم تحويل بنود وتخصيصات الموازنة العامة الى " مزاد سياسي علني " , تُباع وتُشترى فيه احجام الانفاق القطاعية والمكانية , ويتم رفع وخفض العجز , والتشكيك في مصادر التمويل , والتلاعب بمفاهيم ( هي غير مفهومة اصلا إلا للمختصين ) والتعامل مع هذه المفردات وكأنها مجرد شعارات سياسية وليست موضوع فني – مهني يعكس مصالح اقتصادية وطنية عليها لاينبغي المساس بها تحت اي ظرف كان .
وفي نهاية كل عام تجسد الموازنة العامة خلاف العراقيين المرير حول تفسير بنود الدستور ذات الصلة بالشأن الأقتصادي , وبمشروع الدولة على حد سواء . وبهذا الصدد لم تعد عملية اعداد الموازنة العامة بمثابة " شأن سيادي " يقع في صلب " الاختصاصات الحصرية " للسلطة الاتحادية , شأنها في ذلك شأن التعداد العام للسكان . ويتم جرّ وحدات الانفاق في المحافظات لممارسة سلوك مالي " وتفاوضي " مشابه لسلوك الاقاليم , مما يتطلب اعادة النظر في اساس المشكلة ومقدماتها , وليس في نتائجها غير المنطقية الشاخصة امامنا الآن .
يتضح مما سبق ذكره , أن اشكالية الموازنة العامة في العراق , ليست اشكالية مالية – اقتصادية فحسب, بل هي اشكالية مشروع الدولة العراقية ذاته . انها اشكالية مرتبطة بعدم الاتفاق بين العراقيين على توصيف هذا المشروع , وعلى توصيف النظام الاقتصادي والسياسي المعبّر عنه .
ان الجدل حول مشروع الدولة لم يحسم بعد ( أو لم يبدأ بعد ) . فهل الدولة العراقية " الجديدة " هي دولة مكونات , أم دولة مواطنة ؟ دولة فيدرالية , أم كونفدرالية ؟ دولة ريعية - مركزية , ام دولة اقتصاد السوق ؟ .
أن غياب هذا المشروع , أو تغييبه , وغياب الأجوبة عن الأسئلة المرتبطة به , يجعل الموازنة العامة تفقد اهليتها " الاتحادية " تدريجياً لصالح فيدرالية محافظات " تجزيئية " , بدلا ً من تركيزها على توزيع عادل للدخل والثروة , وعلى صلاحيات التصرف بالموارد بين مواطني هذه المحافظات , الذين هم ابناء وطن واحد في نهاية المطاف . كما ان هذه الموازنة ستفقد اهليتها الاتحادية لصالح مطالب " كونفدرالية " أو " شبه كونفدرالية " متأرجحة بين أن تكون جزءاً من هذه الموازنة الاتحادية في نفقاتها وايرداتها , والسياسات التي تتضمنها , أو ان تكون وحدات تصرّف بموارد الموازنة العامة " إتحاديّاً " , ولكنها في حقيقة المر تكون مستقلة عنها بشكل يكاد يكون كاملاً .
واذا كان مايحدث بهذا الصدد هو جزء من توافق سياسي , بين " مكونات " الدولة العراقية , فأن الموازنة بشكلها الحالي , ومضمونها الحالي أيضا , لا تصلح , بل وليست مهيأة بعد , ولا تستطيع , وليس من مهامها اصلا , أن تعكس او ان تكون التجسيد " المالي " , لا للتوافق السياسي , ولا للخلاف السياسي المزمن المترتب عليه .

الموازنة العامة وأدارة المالية العامة في العراق : الخصائص والسمات الرئيسة

1- أن هناك صلة متعددة الابعاد بين الموازنة والاطار الاقتصادي الكلي . وميزانية البنود الحالية لا تسمح بكشف ابعاد هذه الصلة ولا في تحقيقها . لهذا تتسم ادارة المالية العامة في العراق بكونها مجتزأة , ومقطوعة الصلة , ومستقلة , عن الاطار الاقتصادي الكلي .
2- أن الموازنة العامة قد تشير الى ربط ما مع خطة التنمية واستراتيجيات اخرى , غير أن هذا ليس بديلا عن كونها مرآة للعلاقة بين الموازنة والنمو والتشغيل والميزان الخارجي واستقرار الاسعار , وعدالة توزيع الدخل والثروة . ولا ينبغي رمي هذه المهام على عاتق سياسات اقتصادية اخرى وادارات اخرى . فالعنصر الحاسم في ادارة الدولة للاقتصاد هو الموازنة . والانفاق العام هو العامل الديناميكي الحاسم في كل شئ حالياً , شئنا ذلك أم أبينا .
3- ان هذه الموازنة تركز على النمو المتأتي من زيادة الانتاج والصادرات النفطية مع بقاء اسعار النفط في اعلى معدلاتها . وعلينا مغادرة هذا المنهج . فالعالم لا يقيس , أو لم يعد يعتمد , على نمو الناتج من مورد معين أو قطاع معين لوحده , بل على نمو الانتاجية المرتبط بأنماط تكنولوجية معينة , يعمل القطاع الخاص والعام معا على وفقها . وهذا لايتوقف على حجم الموارد المتاحة للموازنة وانما على التقدم الملموس في " الكفاءة ". وهذه " الكفاءة " وليس غيرها هي التي تتوقف عليها فاعلية المورد المالي في نهاية المطاف .
4- ان هذه المقاربة يجب ان ترتبط بإصلاح اداري جذري للمالية العامة في العراق , يبدأ من قواعد المعلومات وانماط العمل المحاسبي , وينتهي بأنماط التدقيق والرقابة وتقويم الاداء على وفق المعايير الدولية المعتمدة بهذا الصدد .
5- أن الموازنة العامة تتجه سنوياً لزيادة الانفاق . ولا تعمل اي موازنة (بما فيها موازنة العام 2013) على النظر في كيفية الخفض التدريجي لحجم الالتزامات أمام الموازنات القادمة . ومثل هذا التوجه يساعد على توظيف الموارد بفاعلية أعلى لخدمة الاهداف الأساسية للمالية العامة .
وهنا ينبغي التأكيد على أن حجم الانفاق الحكومي بذاته يساهم في تحديد مستوى الرفاه وانماط المعيشة للقطاع العائلي باستقلال عن كفاءة التصرف به . لهذا ينبغي عدم الخلط بين أثر الكفاءة وأثر الحجم للأنفاق الحكزمي . بمعنى أن الخفض العنيف للانفاق الحكومي سيؤدي الى تردي الوضع الاقتصادي , ولذلك لاينبغي السماح به تحت كل الظروف .
6- لا نعرف لماذا هذا الاصرار على تكليف قطاع المقاولات المحلي بإنجاز مشاريع الموازنة الاستثمارية وبرامج الاستثمار الحكومي . أن هذا القطاع فاسد ومتخلف , ومع ذلك فاننا نجعل تنمية البلد بأسرها متوقفة عليه . وبهذا الصدد فقد قدّم العديد من الاقتصاديين العراقيين , الاكفاء والمخلصين , حلولهم البديلة ... فلم يصغ اليهم احد .
7- لا يوجد توجه محدد بصدد الايرادات غير النفطية . فهذه الايرادات تتجاوز كونها أحد مصادر التمويل , الى كونها تسمح بزيادة الانفاق الحكومي دون توسع نقدي . ومع تزايدها يتقلص تدريجيا عدم الانسجام البنيوي بين الانفاق الحكومي والاقتصاد الوطني . ( ومع ذلك فأن نمو الايرادات غير النفطية في موازنة هذا العام ينخفض بنسبة 3.4 % عن السنة السابقة ) .

البديل : موازنة البرامج والاداء
أن اول مهمة عند اعداد الموازنة العامة يجب ان تكون تحديد السياسات والاهداف التي تهدف هذه الموازنة الى تحقيقها . فالموازنة يجب أن تأتي بعد السياسة الاقتصادية العامة وليس العكس . فاذا كان هناك خلل في السياسات فان الموازنة لا يمكن ان تكون فعالة .
وتساعد " موازنة البرامج والاداء " على تحقيق هذه المهمة بالاعتماد على مخرجات الانفاق ( أي على العمل المنجز نفسه ) . وهي الكفيلة بالأجابة عما اذا كانت آلية العمل المنجز تساوي ماانفق فعلا , وهل تتناسب الخدمة المقدمة مع كلفتها , مع التركيز على كفاءة استخدام الموارد .
وبالتالي فان موازنة البرامج ( وهي نتاج المحاولات الاولى لتطوير الموازنة التقليدية ) ستعمل على الحد من الفساد , لانها تفرض رقابة لاحقة على الصرف , وتسمح لديوان الرقابة المالية بتقييم كفاءة اداء وحدات الانفاق . لهذا تعتمد هذه الموازنة على على ثلاثة اسس رئيسة هي :
- تصنيف البرامج والاجراءات الحكومية الى مجموعات اساسية ذات معنى مرتبط بكل وظيفة من الوظائف التي تقوم بها الوحدات الادارية او الاقتصادية .
- قياس الاداء من خلال التكلفة المعتمدة لهذه البرامج .
- أعتماد الادارة العلمية في كيفية استخدام الموارد واستغلالها الاستغلال الامثل .
- ان هذه الموازنة تعد خطوة أولى وأساسية على طريق الأصلاح الأقتصادي المنشود , لأنها تتطلب تطوير النظام المحاسبي , وتغيير جذري لنمط الأدارة المالية , بينما تعمل ميزانية البنود على ترسيخ تخلفه , او أعاقة عملية اصلاحه كلاً أو جزءاً . كما ان موازنة البرامج والاداء تعمل , او تفرض , اعادة النظر بالهيكل التنظيمي للادارة الحكومية بشكل يتناسب مع حسن الاداء في تنفيذ البرامج والانشطة التي تتضمنها مثل هذه الموازنات .
- أنها موازنة تهتم بكفاءة الاداء في مجال التخطيط , وخاصة في الاجل الطويل . ولا تحصر برامج الوزارات بسنة واحدة . كما انها تتسم بالمرونة كونها تسمح بالأعتماد على طرق وحلول بديلة لتنفيذ البرامج والأهداف , في حال تلكؤ أو أخفاق وحدات الأنفاق في تنفيذها على وفق الآليات المصممة لتنفيذها في الأصل .
- ان موازنة البرامج والأداء تشكل المدخل الأساس لنمط أكثر تقدما في اعداد الموازنة العامة . وهذه الموازنة هي " الموازنة العامة المستجيبة للنوع الأجتماعي " . وقد طبقت أكثر من خمسين دولة هذا النمط من الموازنات حتّى الآن . وتعد مصر والمغرب من بين أكثر البلدان نجاحا في هذا الصدد .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تَذكّرْ الكثيرَ ممّا نسيتْ .. لعلّكَ تَنسى
- مظهر محمد صالح : محنة العقل في بلد ممنوع من الأنتقال إلى وضع ...
- دعوةٌ للصلاة .. من أجل وطنٍ .. مطوّقٍ بالرماد والرمل
- تارا .. لاتُحبّ ُ الجنود
- إلياذة المطر .. في عراق الرماد
- سيناريوهات الخراب .. التي لا يومضُ ضوءٌ عداها .. في وجوه الع ...
- التشغيل والبطالة والأنتاجية في العراق : فضائيّون .. ومقنّعون ...
- ضدّ النَسَق والنظام .. والحزب والثورة
- النفط ُ والدين .. وما أكل َ السبع ُ منه
- ها أنذا .. أبلغ ُ الستّين َ للمرّة ِ الألف ِ .. وأحبو إليها
- قصص قصيرة
- حكاية ُ حمار ٍ يُدعى ( سموك )
- عيوب عاديّة
- جئت ُ كالماء ِ .. و كالريح ِ أمضي
- الموازنة العامة المستجيبة للنوع الأجتماعي
- الأكاديمية العراقية لمكافحة الفساد : مقترحات ورؤى أولية حول ...
- ليس َ الآن
- الأقتصاد العراقي : قيود ومحددات صنع السياسة في مرحلة الأنتقا ...
- وقائع ُ الجَمْر ِ .. في بلاد الرماد
- مباديء الأستثمار .. في سوق النخاسة


المزيد.....




- صندوق الثروة النرويجي الأكبر عالميا يراجع استثماراته في إسرا ...
- ترامب يطلق ممر القوقاز وسط مخاوف من تداعياته الجيوسياسية
- سلطنة عمان: ارتفاع إنتاج الغاز لـ27.6 مليار متر مكعب خلال ال ...
- أزمة السيولة في غزة.. سلاح صامت في حرب ممنهجة لخنق اقتصاد ال ...
- كيف تهيمن الشركات العالمية على الاقتصادات الأفريقية وما تأثي ...
- 10 تخصصات جامعية مستقبلية تضمن لك وظيفة براتب مرتفع
- إيران: حريق كبير في منطقة اقتصادية جنوب غربي طهران
-  كيف سيتأثر الاقتصاد السويسري بالرسوم الجمركية الأمريكية على ...
- هل تكون أفريقيا طوق نجاة للاقتصاد الكندي؟
- العراق ينفي ضلوعه في تهريب النفط الإيراني


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عماد عبد اللطيف سالم - الموازنة العامة في العراق : مأزق العلاقة بين مدخلات العبث السياسي ومخرجات الكفاءة الأقتصادية