أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - يؤمنون ليحققون ألوهية الإنسان-لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .















المزيد.....


يؤمنون ليحققون ألوهية الإنسان-لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4011 - 2013 / 2 / 22 - 14:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يؤمنون ليحققون ألوهية الإنسان -لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (32).

فكرة الإله فكرة ثرية تحتوى على فسيفساء شديدة التنوع لتجمع فى أحشاءها موزاييك الفكر البشرى المعبر عن إحتياجات نفسية عميقة لإنسان باحث عن الأمان والسلام, لذا تجد سلسلة " لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون" الكثير من الزخم الذى تقدمه كون فكرة الإله تعبير عن فكر وإحساس وموقف إنسانى تجاه الطبيعة يحاول تجاوز تصادمه ومعاناته بالإرتماء فى فكرة متخيلة واهمة يأمل منها أن تحقق له التوازن و السلام والأمان فى ظل حالة عجز وإخفاق آسره .. لذا تحمل فكرة الإله وتتحمل فى ثناياها رغبات نفسية عميقة بل متباينة وهذا يفسر لنا التناقض الذى يعتريها فهى إضافات ورؤى وإحتياجات إنسانية شتى تموج بأفكار عميقة متنوعة وإن كانت الخطوط العريضة المؤسسة لصعودها ذات نهج يرمى لتبديد الخوف وإيجاد مصالحة مع وجود مادى غير معتنى .

يتصور البعض أن فكرة الإله ذات إستقلالية عن الوجود البشرى ليصبح لها وجود منفصل عن الإنسان كمبدع ومنتج لها وهذا يرجع لإستيطان الفكرة عبر أجيال عديدة والترويج لها من ثقافات مختلفة رسمت رؤى وحاجات تسللت فى العمق البشرى فتاهت المعالم والفواصل لتستقل الفكرة عن كونها فكرة ويجسدها الإنسان فى وجود مستقل يسقط فيها حاجاته ومكنوناته الداخلية كحلول لإشكالياته الوجودية.

* الإنسان الإله هو الأصل .
أشعل سيجارتى وأنا أكتب هذه الخواطر ولا أعرف ماهو رقم السيجارة التى أدخنها الآن منذ الصباح ولكن يقولون أن الله يعلم .. ماذا يستفيد الله من أن يعد أعقاب سجائرى ..لا يوجد معنى سوى أننا جعلنا فكرة الإله تعلم بشكل مطلق ليصبح من مهام الإله أن يعد أعقاب السجائر وعدد حبات اللب والسودانى التى تناولتها .!! - عليك أن تحذر فلو نفيت معرفة الله بعدد أعقاب سجائرى فقد خرجت من الإيمان به .!
هل الفكرة فى إطلاقها قادتنا لهذا المستوى من وجود إله يعد أعقاب السجائر أم أننا نعتنى بخلق من يعتنى ويرصد أعقاب سجائرنا كوننا أردنا أن نكون ذو وجود محوري متميز فوقى لنوظف فكرة الإله المفارق فى خدمة الإله الإنسان .

يأتى إحساس الإنسان بمحوريته ومركزيته كحجر زاوية يؤسس لبناء الإيمان بألوهيته الإنسانية فهذا الإحساس بالتفرد والتميز يأتى كنتاج غرور أجوف يعبر عن حالة إدراك الوجود برؤيتة لذاته ككيان متميز واعى متفرد وسط وجود صامت غير واعى يرى الإنسان نفسه الأكفأ والأعظم والمفارق , ومن هنا تولدت فى أعماقه ولا وعيه أنه الوجود ..إنه الإله الوجودى كمفهوم محورى وسيادى ووحيد مفارق للطبيعة بالوعى قادر على الرصد والتقييم ليتسلل فى أعماقه وجوده المتمايز الفوقى الإستعلائى ..لذا أتصورأن فكرة الإله الماورائى المنفصل القابع فى السماء جاءت من رحم فكرة الإله الإنسان الكامنة فى العمق البشرى (كمفهوم ) ليعيرها للإله الخارجى عند إحساسه بالإخفاق أمام قوى الطبيعة .. لذا نجد أن فكرة الإله المفارق إتخذت الصورة التشخيصية فى الذهن البشرى فعندما أراد خلق فكرة إله خارجى تصور قوى الطبيعة عاقلة وفاعلة وذات إرادة مثله , وكما هو يمتلك الفعل الواعى فهكذا القوى التى منحها ألوهيته على نفس المستوى من العقل والإرادة ليتبادل مع الفكرة ألوهيته وعجزه .

الغرور والنرجسية الإنسانية هى نتاج طبيعى للإحساس بمحورية ومركزية الإنسان والأنا كنتاج طبيعى لوجود وعى يميزه ويراه مفقوداً فى الطبيعة المحيطة به كما ذكرنا ليكون هذا الغرور الإنسانى سلوك طبيعى كونه إحساس حقيقى بالتميز وسط حالة من الجهل المعرفى , لذا تولدت داخل الإنسان رؤية غير مُدركة بأنه السيد الإله(كمفهوم)لا يصرفه عنه سوى الإحساس بالعجز والإنكسار أمام قوى الطبيعة ليعير قوى طبيعية ألوهيته ولكن لم تبارح فكرة ألوهيتة أعماقه .

فكرة ألوهية الإنسان قد يراها البعض فكرة صادمة وغريبة ولكن التاريخ الإنسانى يقذف بعشرات الصور الواضحة الملامح التى تستأثر فيها صورة الإله الإنسان بمشاهد عديدة عن فكرة الإله الماورائى القابع فى السماء لنجد الملك الإله وابن الإله لتتكلل فى النهاية بالمسيح الإله كمشهد قوى فى تجلى فكرة الإنسان الإله وهذا يعنى ان ألوهية الإنسان هى الأكثر حضوراً فى الميثولوجيات التى تعاملت مع فكرة الآلهة .

لا تقتصر فكرة محورية الإنسان المؤسسة لألوهيته على مشاهد فجة عن الملوك الآلهة ولكنها تتسلل فى عمق الميثولوجيات التى رفعت صورة الإله المفارق المقيم فى السماء لتظهر صور متوارية عن الإنسان الإله يمكن تلمسها فى إعتناءها بتقديسه وتعظيمه ككيان متميز محورى وجب الوجود من أجله .
"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ." هذا المشهد يرسم بوضوح محورية الإنسان لتطل من ثناياه فكرة الإنسان الإله كوجود مركزى تتضاءل بجواره أى موجودات .. فلو سألنا ما أهمية سجود الملائكة للإنسان فى هذا المشهد فلن نجد سوى إعلان الإنسان عن نفسه كمحور أوحد ذو شأن سيادى مهيمن تستدعى طرد الشيطان لعدم سجوده وخضوعه بالرغم من كونه ملاك برتبة عالية.
إذا كانت فكرة السجود حتمية فى تسويق مفهوم الخضوع والسيادة فى المشهد الميثولوجى فأليس حرياً أن يسجد الإنسان للملائكة كونها كائنات مثالية نورانية تسبقه وتشهد الحضور الإلهى وتمجد الله على الدوام بدون ضعف أو تخاذل أو برجماتية , ولكن الفكرة الإنسانية المتوثبة بعلياءها وعظمتها ومحوريتها وألوهيتها تتفوق لتعبر عن ذاتها وتؤسس لوجودها المتأله.

-وجود مسخر للإنسان .
الإنسان هو مبدع الأفكار والميثولوجيات فلم يكتفى بتصدير فكرة أنه الأعلى وجودياً من خلال أسطورة الملائكة التى سجدت له لرسم ملامح محوريته وألوهيته ولكنه إستفاض فى الإبداع ليؤكد فى مواضع شتى مفهوم الإله الذى يعتريه فلم يخجل أن يطوع النص فى إتجاه أن الكون والطبيعة والحياة مخلوقة من أجله كمحور وجودى أوحد بل يأتى إعلان غروره الفج من خلال تصوره أن الطبيعة والكون فى وضعية إنسحاق وتسخير ليُمجد فى نفسه محوريته وألوهيته المتفردة .
(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ) [لقمان : 20
(وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الجاثية : 13]
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة : 22]
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[البقرة : 29].
"الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" -البقرة 22

"هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا "- البقرة 29
"وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"- الأنعام 97
"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ - الحج 65
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ - المؤمنون 18- 19
"وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ - المؤمنون 21

"الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ - يس 80
"اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ "- غافر 79
"والخيل والبغال والحمير لتركبوها" و"الْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ"-النحل

يفيض النص الدينى بالكثير من الآيات التى تؤكد وترسخ فكرة أن الوجود جاء لخدمة وجودية الإنسان فالسماء والكون والأرض والزرع والحيوان مُسخرة للإنسان لدرجة أنه جعل وظيفة الشجر للحطب , والخيل والبغال للركوب , والأنعام للأكل , فلم يترك الإنسان نصاً دون أن يعلن محوريته إبتداء من الكون الشاسع إلى الخيل والبغال إلى وضعية تسخير كل مكونات الكون .

إذا كان المنطق والعقلانية يقاس بالفدادين فلنا أن نستعير سنتيمتر واحد من العقل والمنطق لنرى هول الوهم الذى لا يحده خيال , فبالفعل العقل الإنسانى لا يوجد ما يستطيع أن يحد خيالاته وأوهامه فلن يعجز عن تصوير فيل يطير بأجنحة فى السماء أو جبل معلق فى الهواء , ولكن الخيال الإنسانى مهما شط فهو يعبر فى النهاية عن رؤية وحاجة داخلية تبغى التحقق ليكون توهم أن الوجود سُخر من أجل الإنسان هو إعلان فج يرمى إلى إرضاء محوريته الوجودية وذاتيتة الإلهية الراغبة فى التحقق .

إذا كان الإنسان القديم تسلل لوعيه أنه المحور والمركز الوجودى فيرجع هذا كما ذكرنا إلى وعيه المفارق عن الطبيعة التى جعلته يرى ذاته كمتميزة ومفارقة عن وجود مصمت غير واعى لذا تصور كل الوجود مجهز من أجله , ولكن ما المبرر للإنسان المعاصر الذى أدرك مدى هول الكون بأرقامه المجنونة فمازال يعتقد بأن الوجود جاء مُسخر من أجله .. الحقيقة ان المؤمن المعاصر لم يتغير عن الإنسان القديم من حيث إحساسه بالمحورية والألوهية الكامنة لتجعله يعيش نفس هذا الوهم .

-فلنصفع أوهامنا الغبية .
فلنصفع العقول النائمة الغافلة أو بمعنى أدق فلنصفع العقول التى تحركها مكنوناتها النفسية الطالبة لوهم المحورية والألوهية لنلقى صور الكون الذى يحتوينا فكما ألقينا صور عن تصورات الإنسان عن محوريته وألوهيته من خلال النصوص .فلنقدم معلومات صغيرة عن الكون الذى خلقه الإنسان بل سطا عليه ليحقق ذاتية متوهمة .
نحن نعيش على الأرض التى تمثل بالفعل بالنسبة للكون وبلا أى مبالغة أقل من مجرد حبة رمل وحيدة فى صحراء شديدة الإتساع .. نعيش على سطح هذا الكوكب المنتمى لمجموعة شمسية يتوسطها نجم هو الشمس .. والمجموعة الشمسية بدورها تنتمى لمجرة التبانة التى تحوي ما بين 200 إلى 400 مليار نجم من ضمنها الشمس ليبلغ عرضها حوالي 100 ألف سنة ضوئية وسمكها حوالي ألف سنة ضوئية، ليكون موقعنا على حافة تلك المجرة ضمن مجموعتنا الشمسية.
يعد درب التبانة واحدة من 250 بليون من المجرات المتشابهة الواقعة في مجال رؤية التلسكوبات الضخمة الحديثة .. وتتجمع المجرات في كتل تسمى “العناقيد” يحتوي بعضها على مئات الأعضاء، أما مجرتنا فهي عضو في أحد هذه الأنظمة المعروفة بالمجموعة المحلية .
لنا أن نعلم أن عدد العناقيد العملاقة في الكون المرئي تبلغ حوالي 10 مليون عنقود , وعدد التجمعات المجرية في الكون المرئي تبلغ 25 مليار تجمع تقريبا ,وعدد المجرات العملاقة في الكون المرئي يبلغ 350 بليون مجرة تقريبا ,وعدد المجرات القزمة في الكون المرئي يبلغ حوالي 7 تريليون مجرة ,وعدد النجوم في الكون المرئي يبلغ 30 مليار ترليون نجم (3x10²²).!!
هذه الأرقام هو ما أتيح لنا رؤيته بواسطة الرصد والرياضيات والذى يمثل 10% فقط من حجم الكون الهائل !! -لنقول بدون مبالغة أن عدد النجوم فى الجزء المرئى من الكون يبلغ عشرة أضعاف عدد حبات الرمل فى جميع شواطئ وصحارى العالم .!!!

بعد هذا العرض السريع أعتقد أن أى إنسان يمتلك سنتيمتر واحد من المنطق والعقلانية سيجد صعوبة فى تقبل أن هذا الكون الهائل جاء من أجل إنسان يعيش على سطح حبة رمل وسط صحراء شاسعة لينعم بتريليونات النجوم كمصابيح للزينه والسماء كسقف وإله كامن فى أطراف هذا الكون الهائل يعتنى بتقديم أنعام للأكل وخيل وبغال للركوب! ناهيك أنه يقوم بعمليات رصد وتدوين وتقدير لكل همسة ولمسة وخطوة يخطوها الإنسان .!!
الإنسان القديم لم يخطر على باله هول هذه الأرقام ولكن على مستوى ماهو موجود ومُدرك من إتساع الأرض والسماء بالنسبة له فيعنى أنه أسقط أوهامه ليؤسس رؤية محورية ومركزية تلبست كل ثنايا دماغه ولكن إذا كان هذا حاله فمن الغباء أن يتصور الإنسان المعاصر الذى أتيح له إدراك هذا الكون المجنون بأرقامه وأبعاده وتنوعه أنه من أجله ليردد فى صلواته التسبيح لله العظيم الذى خلق الصحراء لتحتضن وتخدم حبة رمل .

بالطبع لن يجرؤ أى فكر عقلانى الإدعاء أن النجوم الهائلة التى تعادل حجم شمسنا وتعد بالمليارات والتى هى بمثابة مواقد نووية جبارة تعادل مليون مرة حجم الأرض هى من أجل تكوين نقط باهتة فى السماء لا نشاهد معظمها بل القليل منها فى ليلة صيفية – ليس من العقلانية فى شئ أن نتصور النبت والزرع والأسماك فى جوف المحيط والحيوانات فى الطبيعة من أجل أن تكون مُسخرة للإنسان لنسأل عن معناها قبل وجود الإنسان بمئات الملايين من السنين .هل كانت تتدرب لتكون سُخرة للإنسان؟!.. من الغباء تصور وجود القارة الأمريكية من أجل نملة تعيش فى صحراء نيفادا . ولكن هكذا يؤمنون لا يتفكرون لا يتعقلون ولكن يتوهمون.

مشهد آخر من الوهم الإنسانى الذى يفضح الإنسان المتلهف على إبرز ألوهيته والتى يهفو لإستردادها , فالحياة بالعالم الآخر تتسم بالخلود لن يعنينا التوقف عند مشهد رغبته فى كسر الموت الذى نال منه ورغبته اللحوحة فى البقاء , ولن يعنينا مشاهد المتعة واللذة والعذاب المفرطة ولكننا سنتعتنى بفكرة الخلود ككسر للزمن لتتجلى ألوهية الإنسان فى إختراق حاجز الزمن والموت ليبرز شغفه نحو الألوهية والتفرد نحو استرداد عرشه الإلهى الذى توارى أمام حالة ضعفه وعجزه فى الطبيعة لتندهش من المشهد الختامى حيث الإنسان كالله أو الله كالإنسان فى حالة من الأبدية السرمدية فلا تستطيع أى من الفكرتين إلغاء الأخرى أو قل أن فكرة الإله الإنسان قد إستردت عرشها ولم يبقى له شئ ينتقض من ألوهيته فالإنسان أبدى .!

يمكن أن نضع فكرة الإنسان المرصود من قبل الإله وفكرة الأقدار والأرزاق الإلهية فى إطار الإنسان كإله محورى الوجود فهو ليس كدودة تعيش على الأرض بل قيمة وجودية مركزية محورية كلية يُنظم الوجود من أجلها لتسمح بإعارة ألوهية الإنسان لإله آخر يمنح الإهتمام والمركزية والمحورية فهناك كاميرات تسجل الحدث الإنسانى العظيم وترصده وتعد له الكواليس .

إذا كانت النصوص العديدة والصور التاريخية عن حضور الإنسان الإله ذات رؤية واضحة الملامح تثبت محورية وألوهية الإنسان فماذا نفسر نصوص عديدة تعلن عن إله مفارق له الجلال والعظمة لنقول بداية أن فكرة الإله تحمل الكثير من الفسيفساء التى قد تتباين وفقا لحاجات ونوازع نفسية لأتصور أن فكرة الإنسان الإله هى الفكرة الأولى المحورية لتنبثق عنها فكرة الإله المفارق أو هى إعارة الإنسان ألوهيته لفكرة أخرى حين يعتريه العجز والضعف .. لذا فبدون الضعف البشرى أمام قوى الطبيعة ستبرز صورتين إما إسترداد الإنسان ألوهيته كأحساس وجودى كونه المحور والمركز أو تحطيم فكرة الآلهة ليعيش الوجود بدون أفكار مخادعة ليست ذات جدوى .

بعد أن بدد العلم والمعرفة كل المربعات التى كان يتواجد فيها الإله المفارق لا يكون إيمان الإنسان المعاصر بفكرة الله المعلق فى السماء إلا لبقاء رغبة نفسية تطلب المحورية والمركزية والألوهية فالمؤمن لا يستطيع أن ينصرف عن فكرة الإله لأنها تعرى ألوهيته ومحوريته الوجودية الكامنة فى أعماقه لتمنحه معنى لوجوده فالبديل هو السقوط فى لج العدمية التى لا يستطيع أن يصارع أمواجها وتحملها حيث اللامعنى واللاقيمة , وبالفعل هو شعور قاسى يحتاج إلى نفسية متحررة من ذاتها المؤلهة تستطيع التوازن النفسى فى عالم بلا غاية لتخلق معنى و غاية بديلة.

يكون التعصب والتشرنق داخل الدين تمظهر من تمظهرات الإنسان الإله عندما تضيق الدوائر لتتشرنق الرؤية المحورية المركزية فى صورة معتقد يمنح معتقديه حالة تمايزية فوقية ليخيل أن الوجود جاء من أجل تحقيق تراثهم وهويتهم وأنهم المفضلون المدللون لفكرة الإله المفارق -وَقَدِ اخْتَارَكُمْ مِنْ بَيْنِ شُعُوبِ الأَرْضِ كَافَّةً لِتَكُونُوا لَهُ شَعْباً خَاصّاً. وَلَمْ يُفَضِّلْكُمُ الرَّبُّ وَيَتَخَيَّرْكُمْ لأَنَّكُمْ أَكْثَرُ عَدَداً مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ، فَأَنْتُمْ أَقَلُّ الأُمَمِ عَدَداً. 8بَلْ مِنْ مَحَبَّتِهِ، وَحِفَاظاً عَلَى الْقَسَمِ الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ لِآبَائِكُمْ، أَخْرَجَكُمْ بِقُوَّةٍ فَائِقَةٍ، وَفَدَاكُمْ مِنْ نِيرِ عُبُودِيَّةِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ) -"الذين هم إسرائيليون ولهم التبني والمجد والعهود والإشتراع والعبادة والمواعيد."-( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين )-" الحق الحق أقول لكم كل من لم يعتمد من ماء وروح لا يستطيع أن يرى ملكوت الله " (يو 3: 3، 5)
يكون إحتلال الأنبياء منزلة أعلى من فكرة الإله ذاته هو إسقاط هوية الإنسان الإله وتعظيم وجودها فالمسيح له حظوة فى الإيمان المسيحى كإله متجسد عن فكرة الإله الرب الماورائى , ونبى الإسلام له حظوة ومكانة تتفوق على الله .

يكون غيرة المؤمنين على الله ليس من منطلق عبودية إرتضت أن تكون متمرغة لاعقة لنعال سيدها فهذا هراء فلا عبودية لفكرة بل لسيد حاضر لذا تكون الحمية للدفاع عن الإله هى حمية دفاع عن ذات متألهة فى العمق الإنسانى . فكونك ترفض الإله المفارق فيعنى رفضك لحياتى بعد الموت لأكون بمثابة دودة تفقدنى معها ألوهيتى وخلودى .. معنى أن تنكر ألوهية الله أن تسقط رغبتى فى القصاص من الظالمين والطغاة الذين نالوا منى فليشهدوا إنتقامى بعذاب ليس له نظير ..أدافع عن وجود الله فهو دفاع عن معنى وجودى حتى لا أقذف إلى المربع الأول حيث الضياع والتهمييش فى وجود غير محتفى ولا معتنى .

التزمت والعصبية والحمية التى تنتاب المؤمنين عند مواجهتهم للأفكار الملحدة التى تنال من فكرة الله لتصل فى حدتها إلى سقوف عالية من السب واللعن والعنف الرامى لفصل الرأس عن الجسد لا نستطيع تقبله من منطلق غيرة ودفاع عن الإيمان بالإله فهذا مبرر غير منطقى , فلا يوجد أى أساس لتلك الغيرة , فالغيرة والحمية لا تكون على فكرة بل فى وجود حى متفاعل , كما من المفترض أن الفكرة ذات قدرة وقوة هائلة ليست بحاجة أن يدافع عنها أحد لذا يمكن تبرير هذا الإنفعال تجاه الأفكار الشاكة هو أن الشك فى الإله يعنى النيل من ألوهية إنسانية رابضة فى العمق البشرى تجد نقد فكرة الإله المفارق اللاورائى هو نيل من ألوهيتها ومحوريتها ومركزيتها الوجودية وإرتطام شديد بوجود مادى غير معتنى وغير حافل بوجودها مما يفجر إحساس قاسى بالعدمية وإسقاط ذات من عرشها .

المؤمن لديه صلف وتعنت وتبجح عندما يرمى الملحد بالإستكبار والتكبر والجحود كونه يرفض فكرة الإله أو بمعنى أدق موت فكرة الإله الإنسان فى داخله ليكون نظرته للوجود بعيون واعية متواضعة تدرك حجم الإنسان الطبيعى , بينما المؤمن غارق حتى أذنيه فى التكبر والغرور فهو يتصور أن الوجود جاء من أجل عيونه وسيتجاوز الموت قاهراً الطبيعة .!.. يتصور أن القصر الضخم هو من أجل نملة تعيش فى جحر منعزل بحديقة القصر .

هل يوجد فارق جوهرى بين المؤمن والملحد .. الفارق المنظور هو فارق ليس بذات حيوية يعتنى بالبحث فى سببية الوجود فالمؤمن له نظرة ورؤية لتفسير الوجود والحياة يعزيها لكيان فوقى عاقل بينما الملحد لا يرى هذا التفسير صحيحا وله ما يقوله فى هذا الشأن , ولكن أعتقد أن الفارق الجوهرى بينهما أن المؤمن لم يتخلص فى أعماقه من فكرة أنه إله ذو حضور محورى مركزى فى الوجود بينما الملحد نسف هذه الفكرة فى داخله ليتصور ذاته كوحدة وجودية غير متميزة سوى بالوعى, يعيش الحياة خاضعاً لقانون الطبيعة بلا إستثناء ولا تمايز ولا إحساس متعالى على الوجود فلم ترتب الأمور من أجل سواد عيونه .

بالرغم أن فكرة الله الكامن فى السماء لا يوجد أى دليل يثبت وجودها علاوة أن المؤمنين بهذه الفكرة ليس لديهم أى إدراك لذاته وماهيته لنجد حالة إيمانية غريبة لا تقدم أى شئ يعطى دلالة على إيمانها بل تمارس فى حوارها المنطقى عملية سطو على الموجودات والإدعاء أنها ملك إلهها .. بالرغم من هذه الحالة المهترئة التى لا تقدم شيئا فخروج الفكرة من الذهنية الإيمانية من الصعوبة بمكان لأنها تتأسس على حالة تم الدمج بين فكرة الإنسان الإله كمفهوم وفكرة الإله المفارق لتتشابك مكنوناتهما الباحثة فى عمقها عن معنى وقيمة وغاية للوجود .

أرى ان إزالة الغمامة عن العيون لن يأتى من نقد فكرة الإله المفارق مهما قدمنا معطيات منطقية فى نقدها ومهما تم تسخيف الميثولوجيا الدينية وإبراز تهافتها وهشاشتها ..فالحل هو فضح ألوهية الإنسان وكسر قلاع المحورية والمركزية التى شيدها داخله ليدرك أنه وحدة وجودية ليست بذات إحتفاء من الوجود بل يعيش وفقا لقانون الطبيعة التى لا تعتنى بأوهامه وتصوراته .
عندما يصل الإنسان لفهم ذاته وعلاقته بالطبيعة والوجود وأنه لا يزيد عن مجرد وحدة وجودية فى وجود هائل وليس بذا قيمة فوقية إستعلائية محورية سيموت فى داخله فكرة أنه إله وحينها ستموت كل الأصنام والآلهة .

دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وهم المطلق والكمال واللامحدود-خربشة عقل على جدران الخرافة وا ...
- قضيتان للمناقشة مع القراء حول مساوئ الديمقراطية .!!
- سحل حماده يُعرى ثقافتنا المستبدة –لماذ نحن متخلفون.
- إنهم يركلون الكرسى– لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .
- ثقافة الكذب المقدس-لماذا نحن متخلفون .
- ثقافة القبيلة والقطيع-مُستبدون ومَقهورون– لماذا نحن متخلفون ...
- الله القوى- نحن نخلق آلهتنا.
- رؤية موضوعية للإسلام والمسلمين وعلاقتهم بالتخلف-لماذا نحن مت ...
- كافر من يرفض الشريعة-تديين السياسة أم تسييس الدين .
- الظن والوهم الذى أصبح وجوداً-خربشة عقل على جدران الخرافة وال ...
- أسباب التنزيل-إرادات إلهية أم مواءمات بشرية-الأديان بشرية ال ...
- إنهم يحرثون الأرض للتخلف- لماذا نحن متخلفون .
- الزيف واللامصداقية كنتاج ثقافة الخوف- لماذا نحن متخلفون.
- وسقطت ورقة التوت أمام قصر الإتحادية- الإسلاميون والديمقراطية ...
- حتمية إنحسار الإسلام السياسى الإجتماعى الثقافى-رؤية إستشرافي ...
- فى رحاب الشريعة - لماذا نحن متخلفون
- إنهم يزرعون الكراهية والتوجس والعداء -الدين عندما ينتهك إنسا ...
- هى حظوظ من الجغرافيا والتاريخ-لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .
- قضية للمناقشة .!!
- لماذا نحن هكذا ؟!-الدين عندما ينتهك إنسانيتنا .


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - يؤمنون ليحققون ألوهية الإنسان-لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .