أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - إنهم يزرعون الكراهية والتوجس والعداء -الدين عندما ينتهك إنسانيتنا.













المزيد.....

إنهم يزرعون الكراهية والتوجس والعداء -الدين عندما ينتهك إنسانيتنا.


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3916 - 2012 / 11 / 19 - 16:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يكون النقد الدينى ترفاً وأكاديمياً عندما لا نجد التراث الدينى حاضراً بكامل حمولته فى ثقافة ونهج الأمة فلا تجده مهيمناً على منظومتها الفكرية و الحياتية ولا مؤثراً فى فكرها وسلوكها ونسق حياتها أى يكتفى التراث الدينى بكونه فلكلوراً وتاريخاً لا يغادر الماضى فلا يسقط على العصر طالباً حضور منظومته الفكرية والسلوكية والتشريعية , ففى هذه الحالة يكون نقد الدين حالة من الترف الفكرى والبحث التاريخى الأكاديمى .
نحن لا يعنينا المذابح التى تمت تحت راية الإله فى التاريخ الدينى القديم ومارافقها من نهب وسبى وإسترقاق وتوحش , كما لا يعنينا زواج النبى من طفلة فى التاسعة فهكذا هو تاريخ وهكذا هى أحداث كمنتج طبيعى لمعادلة الزمان والمكان تحركت فيه وعي ومعارف وثقافة ودرجة تطور إنسان ذلك الزمان .. ولكننا نكون فى حل من العزوف عن النقد عندما نجد من يطالب بإستحضار الغزو والسبى أو نجد من يعتبر نضاله السياسى فى خفض سن الزواج إلى الثانية عشر للفتاة مستلهماً من الشريعة أو من يطالب بإغتصاب حقوق المرأة والآخر وفق النهج المقدس , ففى هذه الحالة سنعتبر التراث الدينى حاضرا يبغى إنتهاك إنسانيتنا وحضارتنا .

قضيتنا المطروحة فى هذا البحث هى حضور الفكر والتراث الدينى فى المجتمع العربى ليقود الصراع أو يُقيم صراعاً أو يُصعده بناء على إستلهام الموروث الثقافى القديم , فالتراث الدينى تراث بشرى من أخمص قدمه حتى هامة رأسه له مواقفه القديمة من شعوب وقبائل وهذا الموقف يكون مفهوماً ومقبولاً من خلال مشهده التاريخى بحكم أنه موقف إنسانى بغض النظر عما إعتراه من صواب أو شطط أو همجية , ولكن كون النص يتغلف بالمقدس القادم من سموات بعيدة فقد تم منحه الديمومة والإستمرارية والحصانة كرؤية وناموس إلهي لتتمرغ البشرية فى عداوات وكراهية ونبذ لا يُوجد ما يبررها .. ومن هنا نقول بان الدين لم يكتفى بأنه عائق لتتطور الإنسان بل أصبح وجوده مخرباً .

* التراث العبرانى
لو بدأنا الحديث عن التراث العبرانى فسنجد زخم غريب من عمليات الإستقطاب ليخيل لك أن هذا التراث لم يأتى إلا لممارسة عداوات شرسة وشاذة ضد الشعوب الأخرى مع حرص شديد من الإله يهوه أو بالأحرى مؤسس النص على خلق حالة نفور وعداء ممهنج ضد الشعوب المجاورة , فالعديد من النصوص تمنحنا العمومية لتخترق حاجز الزمن وتصدر لنا حالة من التعميم الشديد , فعند مرورنا على التراث التوراتى فى محطات كثيرة له سنتلمس حالة تأسيس منهجية عنصرية مؤسسة لكراهية ونبذ الآخر والإستعلاء عليه ليصبح منهج ذو ديمومة .

التراث العبرانى يعتبر الغوييم أو الأغيار هم الأمم والشعوب الأخرى غير بني إسرائيل، فاليهودي حسب الميثولوجيا العبرانية ينتمي إلى "شعب الله المختار" وهو إختيار وإرادة إلهية منحت إمتياز لبنى إسرائيل عن الشعوب الأخرى ليتأسس حجر الزاوية فى منهج يعزف على التمايز والنبذ والعنصرية "لأنك شعب مقدس للرب إلهك، قد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض" سفر التثنية (14/2) هذا الإمتياز سارى المفعول حتى آخر فصل من التوراة فلا نجد إلغاء لهذا التمايز , ليتردد على لسان اليهودى وفقا لتلموده "كل اليهود مقدسون. كل اليهود أمراء. لم تخلق الدنيا إلا لجماعة إسرائيل. لا يدعي أحد أبناء الإله إلا جماعة إسرائيل" .!

تتأكد هذه الرؤية فى مواضع عدة ففى سفر التثنية "وأعدك الرب اليوم أن تكون له شعباً خاصاً كما قال لك تحفظ جميع وصاياه وأن يجعلك مستعلياً على جميع القبائل التي عملها في الثناء والاسم والبهاء وأن تكون شعباً مقدساً للرب إلهك " سفر التثنية (27/18-19) - لنلاحظ أن الحكم بالإستعلاء مواكباً لخصوصية الإختيار .!
يستمر مسلسل الإستعلاء فى النص العبرانى مصحوباً بالإذلال وإمتهان الآخر وكأنه فى لحمية تامة معه لنجد فى أشعياء "ويكون الملوك حاضنيك وسيداتهم مرضعاتك، بالوجه إلى الأرض يسجدون لك ويلحسون غبار رجليك فتعلمين أني أنا الرب الذي لا يخزي منتظروه" أشعيا (49/23). ويتابع "ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنوا الغريب حراثيكم وكراميكم، أما أنتم فتدعون كهنة الرب تسمون خدام إلهنا، تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتأمرون" !! أشعيا (61/5-6).

يؤسس النص العبرانى لوضعية خاصة لا تغيب عن ذهن الباحث ,لنجد الحفاظ على الهوية العبرانية والإخلاص لعبادة الإله يهوه متلازماً مع النفور والنبذ للشعوب الأخرى وإحتقارها فلا نستطيع القول بأن هذه المتلازمة خاصة بأهل ذاك الزمان فنحن أصبحنا فى رحاب المقدس والشريعة والأوامر الإلهية المقدسة التى تعبر حاجز الزمن والمكان .
الإله العبرانى أو بمعنى أدق مؤسس النص ساءه أن يرى اليهود قد تزوجوا من بنات الشعوب المجاورة وإختلطوا بهم لنجد عزرا يأمر بطرد كل النساء مع الأطفال الذين ولدوا لهن "فلنقطع الآن عهداً مع إلهنا أن نخرج كل النساء والذين ولدوا منهن حسب مشورة سيدي والذين يخشون وصية إلهنا وليعمل حسب الشريعة" عزرا (10-3)... ويؤكد هذا الأمر يشوع "ولكن إذا أرجعتم ولصقتم ببقية هؤلاء الشعوب أولئك الباقين معكم وصاهرتموهم ودخلتم إليهم وهم إليكم. فاعلموا يقيناً أن الرب إلهكم لا يعود يطرد أولئك الشعوب من أمامكم فيكونوا لكم فخاً وشركاً وسوطاً على جوانبكم وشوكاً في أعينكم حتى تبيدوا عن تلك الأرض الصالحة التي أعطاكم إياها الرب إلهكم" !سفر يشوع (23/12-13).

يتابع أشعيا تصوير سخط الرب على كل الأمم "اقتربوا أيها الأمم لتسمعوا، وأيها الشعوب أصغوا، لتسمع الأرض وملؤها، المسكونة وكل نتائجها. لأن للرب سخطاً على كل الأمم وحمواً على كل جيشهم، قد حرمهم دفعهم إلى الذبح. فقتلاهم تطرح وجيفهم تصعد نتانتها وتسيل الجبال بدمائهم" أشعيا (34/1،2،3). ... هذا العنف المتوالى في قصص التوراة يتأسس كما رأينا على نظرة دونية إلى الأغيار "الشعوب الأخرى" بحيث لم تنج مدينة أو شعب من حقد ولعنات أنبيائه. فيقول الرب بهذا الصدد "يوم الرب قريب قادم كخراب من القادر على كل شيء" أشعيا (13/6). "كل من وجد يطعن بالسيف، وتحطم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم وتفضح نساؤهم"!! أشعيا (13/15-16) ويتابع فى موضع آخر حقده على بابل "فأقوم عليهم يقول رب الجنود وأقطع من بابل اسماً وبقية ونسلاً وذرية يقول الرب" أشعيا (14/22).

هذه قطرات من زخم التراث العبرانى الداعى لإقامة حاجز هائل مع الآخر يتأسس على العداء والنبذ والكراهية والإحتقار تدفع اليهودى أن يتشرنق داخل جماعته متحفزاً وكارهاً ومتوجساً من الآخر ليكون هذا السياج المتشرنق الضامن للحفاظ على الهوية ولكن لا نستطيع أن نقول أن اليهود حاليا ً مازلوا يرفعون بشكل حاد هذا الجيتو فقد هذبت العلمانية والتنوير الكثير من همجيتهم ليس حباً وتشبثاً بالعلمانية بقدر تطورهم الذى ادرج ان التراث يجب ان يكون تاريخاً حتى لا يتصادم مع الواقع وينسجم مع وسط مجموع حضارى لن يسمح بهذه العنصرية .. ولكن علينا ألا نغفل ان هناك تيارات دينية مازالت تمنح الجسد اليهودى هذا الترياق من وقت لآخر فهو السبيل لشد اللحمة وتحقيق مصالح متميزة وإلا ما معنى قيام دولة إسرائيل من الأساس . فمازال التشبث بالتراث حاضرا يفرض مناخ عام .

* التراث المسيحى .
لا نستطيع القول أن نهج التمايز والإستعلاء وعداء الآخر والتوجس ونفوره منهجية مسيحية حاضرة كما فى التراث العبرانى لأننا سنحظى بالفعل على نصوص تنفى التمايز والإستعلاء طالبة التواضع والتسامح والسلام ليكون مثل السامرى الصالح رؤية تأسيسية لمنهج التعاطى مع الشعوب المختلفة ولكننا لا نستطيع أن نبرئ ذمة المسيحية تماماً من منهجية التعالى والتمييز فهى تحمل على أكتافها التراث العبرانى كاملاً فى كتابها المقدس والذى يمكن إستحضاره وفق حالة سياسية , كما تتغلغل وسط التراث المسيحى نصوص مختلفة تعطى معنى أن المسيح جاء لخاصة بنى إسرائيل مثل إنجيل لوقا "وها أَنت سَتحَلِين وتلِدين ابْنا، وتسمينه يسوع. إِنّه يكون عظِيماً، وابن الْعلِي يدعى، ويمنحه الرب الإِله عرش دَاود أَبِيه، فيملك علَى بيْت يعْقوب إِلى الأبَد"- لنلاحظ إعتناء النص بإعتلاء عرش داود وإمتلاك بيت يعقوب إلى الأبد.

كما نجد فى قصة المرأة الكنعانية مثال صارخ بالإستعلاء والتمييز كما فى متى 15 :24 "طلب التلاميذ من المسيح أن يصرف المرأة الكنعانية التي كانت تطلب منه شفاء ابنتها، فقال لهم: وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً:«ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:«اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» 24فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ»! - لنجد مفسرى الكتاب المقدس يبررون هذه السقطة بالقول أن المسيح كان يختبر إيمان هذه المرأة الكنعانية !.

كما يأتى فى إنجيل متى "لا تعطوا القدس للكلاب.ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير.لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم" ومازال انجيل متى يتحفنا بمشهد آخر "هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع أوصاهم قائلا.إلى طريق أمم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ( متى 10/5-6 ) وفى الأقوال المنسوبة للوقا يقول "هذا رفعه الله بيمينه رئيسا ومخلّصا ليعطي إسرائيل التوبة وغفران الخطايا " 5/31-ولنلاحظ قوله "والى مدينة للسامريين لا تدخلوا" بالرغم أن مثل السامرى الصالح جاء فى عكس الإتجاه .

بولس يتحدث عن اليهود في رسالة العبرانيين ليعاتبهم بقوله " هوذا أيام تأتي يقول الرب حين اكمّل مع بيت اسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا" ( 8/8 ) وفى موضع آخر "فلهذا السبب طلبتكم لأراكم وأكلمكم لأني من اجل رجاء إسرائيل موثق بهذه السلسلة" ( 28/20 ) ولكن هذا البولس له مقولة منافية لماسبق "لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح. ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر أو أنثى. لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع" (غل26:3ـ28) - وحتى لا يتفائل المتفائلون فهذه الآية تعنى إلغاء التمييز فى حالة الإيمان بيسوع فقط ولكن سيكون قائماً كنمط علاقات إجتماعية .

بالرغم من هذه المواقف الواضحة المنحازة لبنى إسرائيل لدرجة إهمال الشعوب الأخرى ووصفهم بالكلاب يمكن القول أن هناك نصوص أخرى تعنى بالتبشير والإعتناء بكل الأمم ويمكن أن نعزى النصوص التى تعتنى ببنى إسرائيل أنها فى سياق مغازلة سياسية لتوزانات المجتمع من جهة ومن جهة أخرى إرتباط بالموروث العبرانى كهوية إنتماء تأمل فى إحتضانها للمشروع الإصلاحى الجديد لتبقى مثل هذه النصوص فى النهاية مواربة للباب أمام أى منظور إستعلائى نابذ يمكن أن تستلهم منه السياسات المستقبلية مواقفها .

* التراث الإسلامى .
من الملامح الفجة والغريبة فى التراث الإسلامى أن المواقف السياسية القديمة تظل حاضرة بنفس حدتها فلا مراعاة لتغير الظروف الموضوعية فالأمور تأخذ شكل قدرى حتمى لنجد ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) {البقرة 120} هذه الآية من أخطر الآيات فى التراث الإسلامى فهى هنا تتحرك لتخلق مناخ فكرى تبتغيه وتؤسسه من خلال ترسيخ حالة من النفور والشعور بالمؤامرة , ولكونها آية مقدسة جاءت من الله فلها الديمومة والإستمرار ليكون التوجس والتحفز من اليهود والنصارى حاضراً على الدوام .

قبل التطرق لمغزى هذه الآية علينا أن نتوقف للمغالطات التى تحتويها فاليهود غير معنين بإتباع المسلمين لملتهم بل يرفضون بشدة إنضمام الغرباء لإيمانهم , فالدين اليهودى دين منغلق يعتنى بنسل يعقوب وإسحاق والأسباط الإثنى عشر فقط , فهو ليس دين دعوى ولا تبشيرى يفتح صدره لمعتنقين جدد بل دين عرقى ذو هوية خاصة تحدد نفسها فلا تطلب الغرباء وهذا النهج منذ القدم وحتى الآن ,, بعكس المسيحية كدين تبشيرى يقبل الآخر للإنطواء تحت لوائه , ولكن هل هذا يعنى عدم رضى المسيحية عن المسلمين حتى يتبعوا ملتهم فهذا الأمر غير وارد فى سلوك الدول والشعوب المسيحية فلا يعنيها كونك مسلم أو هندوسى أو بوذى فهم لا يسألون فى هذا الأمر ولا يرونه بذات أهمية لأنهم أصلا غير معنيين بالإرتماء فى حضن المقدس أو قل مفاهيم الحضارة الغربية تعزف عن ذلك .. فالكنائس فى أوربا يتم بيعها لأتباع أى ديانات أخرى ومنها مسلمون كما تحول نفر من الأوربيين للإسلام لا ينتقص من حقوق المتحولين خردلة واحدة فأى متتبع للثقافة والحضارة الغربية سيجد أن فكرة عدم الرضى على المسلمين حتى يتبعوا ملتهم غير حاضرة على الإطلاق كمفهوم ورؤية فهم غير معنيين ولا مهووسين بمثل هذه الأمور.

نأتى للآية مرة ثانية لنجدها معنية بخلق حالة من التوجس والتحفز داخل المسلم ضد اليهود والنصارى ويكون هذا مفهوماً فى ظل مشروع سياسى يقوم على تجييش المشاعر والدفع نحو التحفز والحذر مؤسساً لقضية مواجهة قائمة أو محتملة , ولكن الإشكالية الحقيقية أن هذه الرؤية التى خدمت مصالحها فى الزمن القديم أصبحت حاضرة بحكم المقدس الذى منحها الديمومة ليتصور المسلم الآن أن اليهود والنصارى مازالوا فى حالة عداء وإستنفار مع المسلمين يريدون النيل منهم فهم حانقون عليهم كونهم مسلمون ليتسلل للوعى الجمعى المسلم فكرة المؤامرة والتآمر على الإسلام والمسلمين , فتتحفز فى الداخل مشاعر الحنق والتحفز والكراهية والعداء لتتحدد المواقف والمشاعر بشكل حاد وفق هوية دينية فتزيد من حالات الإحتقان والعداء الغير مبرر فبديهياً ومنطقياً أنه لا توجد عدوات دائمة أو صداقات دائمة بل مصالح دائمة ... ولكن للأسف نرى أن هذه الآية مازالت حاضرة تتردد على ألسنة المسلمين بغفلتهم عن حركة الزمان والمكان فهكذا الإيمان يخلط اللحظى بالزمنى لينتهك الواقع .

مشهد أخر يتغلغل فى المفهوم الجمعى الإسلامى الإستعلائى أن اليهود أحفاد قردة وخنازير فنبى الإسلام قال لليهود وهو مشرف على حصون بني قريظة بعد أن حاصرهم :" يا إخوان القردة والخنازير ، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟" - الإمام القرطبي نعت اليهود بذلك قائلاً في تفسيره لسورة الأعراف لآية:(واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرَّعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون)(الأعراف:17) فقد وصف هذه الآية بأنَّها من أمَّهات الشريعة ، ثم قال:(إنَّ الله أمر رسوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أن يسأل إخوة القردة والخنازير عن القرية التي اعتدوا فيها يوم السبت).و قال عند تفسيره لقوله :( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) قال :(لما نزلت هذه الآية قال المسلمون لهم : يا إخوة القردة والخنازير ! فنكسوا رؤوسهم افتضاحاً .!

نحن أمام رؤية إسلامية يتم ترسيخها عن اليهود كأحفاد أو أخوة القردة والخنازير ولتسأل هنا. هل هذا القول يأتى فى إطار السب واللعن كما نفهمه أم أن اليهود نتاج سلالة من القردة والخنازير كما أشار أحد الزملاء الطيبين السذج بأن القرآن سبق داروين فى نظرية التطور !!.. فى كلتا الحالتين نحن أمام منهجية ورؤية إسلامية إستعلائية ثابتة لم تتحرر اليوم ولو بعد مليون سنه من رؤيتهم المتدنية لليهود كأحفاد القردة والخنازير .

لا تكون آية ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) هى الوحيدة المتفردة فى التراث الإسلامى الذى يُورث الكراهية والعداء فنجد حديث نبى الإسلام عن حالة حرب بين اليهود والمسلمين تمتد لتصل إلى يوم القيامة ذاته فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر، فيقول الحجر: يا مسلم ! هذا يهودي يختبئ ورائي تعال فاقتله " .
بالطبع الحديث من السذاجة فى تعاطيه فهو يتصور المعارك الأخيرة مع اليهود ستكون من خلال مطاردات وراء الأحجار وسيوف مشهورة ولا مانع ان تتجلى معجزة الإله الإسلامى الذى عزف عن منح نبيه معجزات ليجعل الشجر يتكلم ويا ليته تكلم لهداية الضال والمسكين بل لإرشاد المسلم على اليهودى ودعوته لقتله .بالطبع نبى الإسلام لم يعلم شيئا عن الصواريخ والمدفعية طويلة المدى وقصف الطائرات بدون طيار ليتصور هذه المعركة البدائية , وللأسف نجد من يصدقون هذا .

هذا الحديث يؤسس ويدعم النهج السائد بديمومة وصيرورة العداء ضد اليهود فلا معنى لزمن وتاريخ تتغير فيه شعوب وأمم دوماً كطبيعة الحياة ليؤسس لحالة عداء دائمة غير مبررة فالتراث المقدس يمنحها المصل والترياق ..من العبث بعد هذا الزخم العدائى على الضفتين الإسلامية والعبرانية أن نتوسم حل لمشكلة الصراع بين المسلمين واليهود بل تأجيجها وتأصيلها .. لا حل لقضية الصراع العربى الإسرائيلى فى وجود منهجية دينية مهيمنة تشحن الصراع وتمنهجه .

لا تكون المعركة الدموية مع اليهود التى تطال مشارف يوم القيامة من إبداع التراث الإسلامى منفرداً فالأديان منهجية بدائية ذات نهج عدائى فى التعاطى , لذا وجودها أصبح خطراً داهماً على الإنسانية , فنجد فى إيمان اليهود وبعض المذاهب المسيحية البروتستانية الإعتقاد بمعركة عالمية قبل يوم القيامة يسمونها معركة هرمجدون وفقا للنص العبري الوارد في سفر الرؤيا بأن معركة هرمجدون ستقع في الوادي الفسيح المحيط بجبل مجدون في أرض فلسطين وأن المسيح سوف ينزل من السماء يقود الجيوش ويحقق النصر على الأمم الأخرى.(ثم سكب الملاك السادس جامه على النهر الكبير ـ الفرات ـ فنشف ماؤه لكي يُعدَّ طريق الملوك الذين من مشرق الشمس، ورأيت من فم التنين ومن فم الوحش ومن فم النبي الكذاب ثلاثة أرواح نجسة شبه ضفادع فإنهم أرواح شياطين صانعة آيات تخرج على ملوك العالم وكل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القادر على كل شيء، ها أنا آت كمخلص، طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عرياناً، فجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون)سفر الرؤيا:16 ... كما قال النبي يوئيل عن هذا اليوم: (انفخوا في البوق في صهيون، اهتفوا في جبلي المقدس، ارتعدوا يا جميع سكان العالم، يوم الرب مقبل، وهو قريب، يوم ظلمة وغروب، يوم غيم وضباب).
اليهود يسمون هذا اليوم بيوم الله لنرى تعقيب الحاخام مناحيم سيزمون الزعيم الروحي لحركة حياد اليهودية أثناء حرب الخليج بقوله : (إن أزمة الخليج تشكل مقدمة لمجيء المسيح المنتظر) ولعل هذا القول يمنح صديق عزيز لنا إدراك كيف ينظر اليهود للمسيح المنتظر فهو قائد وزعيم ومحرر ولا معنى لقضية الخلاص والفداء من الإعراب .

الإشكالية الحقيقية فى تواجد التراث الدينى الإسلامى على وجه الخصوض هو انه يطلب الحضور بكل حمولته القديمة من فكر ونهج وسلوك فهو يستنكف ان يكون كتاب تاريخ يعبر عن نهج وثقافة مرحلة تاريخية محددة بالرغم أن المسيحية واليهودية تم إجبارهما بعد ثورة التنوير والعلمانية والحداثة أن تعتبر الأحداث التى تمت فى الكتاب المقدس نسق تاريخى فلا تطلب حضورها والإستشهاد بها لتتحرك فى آفاق المعنى .

برغم أن التراث الإسلامى أكثر الأديان وضوحاً وشفافية وصدقاً فى تفسير النص الدينى فالآية القرآنية لها حدث خاص أدى إلى ظهورها وعوامل محددة أنتجتها وهو ما يعرف بأسباب التنزيل الذى سيكون لنا معه بحث قادم .. وهذا يعنى ان الموقف و التشريع جاء نتاج حدث محدد تم فى زمن الرسول بكل تفاعلاته لتنتج النص المعالج له .. وفى إعتقادى أن أسباب التنزيل تعطى الإسلام مرونة عالية جداً فى التعاطى مع العصر أكثر من أى دين آخر ولكن تخيب الآمال وتتحطم أمام الإيمان بقدسية النص وأنه تشريع إلهى , فحروفه وكلماته صالحة لكل زمان ومكان لتصبح تشريعات ومنهج سلوك جاء بناء على حدث معين ناموس يحتذى به على مر العصور !!,, ومن هنا تأتى الخطورة المدمرة والمقوضة لأى تطور حضارى فأنت تريد لمنهجية وسلوك إنسان قديم له ظروفه الخاصة أن تعيش وتتحرك فى واقع مغاير له نهجه وسلوكه فإذا سُمح لثقافة هذا الإنسان القديم السطوة والهيمنة سنجنى حينها ثمرة تخلف نقية , ولا تسأل بعدها لماذا نحن متخلفون .

لا تكتفى الأديان بنقل رؤية الإنسان القديم الخرافية عن الحياة والوجود بل تلح على إسقاط نفس منهجه وسلوكه وعداواته وثقافته البدائية فلا يصبح وجود الأديان فى واقعنا مضللاً فحسب بل مخرباً منتهكاً لإنسانيتنا وحضارتنا .

دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هى حظوظ من الجغرافيا والتاريخ-لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .
- قضية للمناقشة .!!
- لماذا نحن هكذا ؟!-الدين عندما ينتهك إنسانيتنا .
- مقولات كبيرة ولكن تنسف نفسها -خربشة عقل على جدران الخرافة وا ...
- الله والذبائح والأضاحى-الأديان بشرية الهوى والهوية.
- أسئلة على المحك -لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .
- لماذا إله واحد ؟!- نحن نخلق آلهتنا.
- دعوة للخربشة - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم.
- حضارة عفنه .!!
- سادية إله أم بشر ساديون- نحن نخلق آلهتنا.
- حول الفيلم المُسئ .
- التمايز والرياء فى ظلال المقدس-لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .
- الله غير محدود بالزمان والمكان-خربشة عقل على جدران الخرافة و ...
- السببية كمان وكمان -لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون.
- ثقافة المهانة والإمتهان-لماذا نحن متخلفون .
- حوارات حول المعرفة المطلقة-خربشة عقل على جدران الخرافة والوه ...
- آلهة غاضبة أم بشر غاضبون-الأديان بشرية الهوى والهوية.
- نحن والجن وأحفاد القردة والخنازير- لماذا نحن متخلفون
- غريب هو إيمانهم !- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون.
- الخير والشر ومعضلة الإله-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ...


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - إنهم يزرعون الكراهية والتوجس والعداء -الدين عندما ينتهك إنسانيتنا.