أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - التمايز والرياء فى ظلال المقدس-لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .















المزيد.....

التمايز والرياء فى ظلال المقدس-لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3846 - 2012 / 9 / 10 - 15:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


التمايز والرياء فى ظلال المقدس - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (28).

نحن نخدع أنفسنا فى تعاطينا مع المشاهد التاريخية الماضية فنعطى إنطباعات للأشياء مغايرة لما يعنيه صاحب الإنطباع الأول , لتفرض تقييماتنا ومعانينا هيمنتها وسطوتها على المشهد الحياتى مُنسلخة عن السبب الأول الذى أنتجها لنخلق معنى مغاير لمعنى ومقدس من اللامقدس , فعلى سبيل المثال ترفض القبائل أن تتزوج فتاة من داخل القبيلة رجلاً من خارجها بدون إرادتهم لتعتبرها قضية شرف ,, فلماذا هذا الإنزعاج وتلك الثورة التى تنتاب أفراد القبيلة لتعتبر هذا الفعل الإنسانى البسيط فضيحة وعار لا يمحوه إلا الدم !.. هذا الإنزعاج جاء من الرعيل الأول الذى تعامل مع هذا الحدث لينظر لها بمنظور برجماتى نفعى , فخروج إمرأة من الجماعة سينال من قوة القبيلة وعزوتها فهناك مصالح ستضرر بإنصرافها لما تمثله المرأة كعنصر إنتاجى للأطفال الذين سيمثلون فى المستقبل عضد ودعم ومدد وعزوة للقبيلة ليتم خصم هذه القوة الإنتاجية من رصيدها ليضاف لرصيد قبيلة منافسة .. هذا ماكان يعنيه الرعيل الأول بدليل أن إستحضار رجل لإمرأة من خارج القبيلة لا يعتبر عارا فهو أضاف هنا عنصثر إنتاجى للقبيلة , لينتقل هذا الموقف عبر الأجيال إلى الأحفاد فى شكل مفردة ثقافية قيمية تستحضر الإنزعاج والغضب فقط ويتم نسيان المعنى والغاية من الإنزعاج لتربطه بمعنى مغاير فتعتبر خروج المرأة للزواج من خارج القبيلة شئ يعنى فجورها وفسقها وإنحرافها الأخلاقى وإهانة لذكورية رجال القبيلة كما هى فاجرة متمردة على السياج الاجتماعى لتلهث وراء ذكر من جماعة أخرى .
كذلك حد الردة المتبع كتشريع فى اليهودية والإسلام لا يكون مَعني بالإنزعاج والغيرة القاتلة من إنصراف المؤمن عن حظيرتهم الإيمانية بقدر ماهو إفتئات على الجماعة الواحدة والنيل من وحدتها وإضعافها فكان لزاماً ان يكون القتل هو لإرهاب أى فرد من محاولة الخروج عن الجماعة فخروجه يعنى إضعافها وأضافة رصيد قوة لجماعة دينية أخرى حيث الدين هو بطاقة الهوية والإنتماء ليتصدر إلينا أن الخروج عن الدين عمل ذميم فقط .

هذه الأمثلة تأتى فى سياق بحثنا عن ماهية الأديان فالإنسان يمنح الأشياء معانى غير معانيها البدئية عبر تناقل الفكرة وتوارثها وتبنى أجيال عديدة لها ليتم نسيان الرؤية الأولى لتلبس معانى مغايرة أو قل يتم إستبدال الغلاف القديم الذى إحتضن الفكرة بغلاف جديد ذو أحاسيس ووعى مغاير لتكتنف الأمور القداسة بينما هى فعل بشرى محض

الأديان لم تعنى بتقديم رسالة من قوى ميتافزيقية فى السماء كما يتبادر للكثيرين , بل هى من اجل إقامة هوية إجتماعية جمعية وثقى لجماعة بشرية لها رغبتها فى التوحد والتمايز وسط محيط إجتماعى لتحقق فى الوقت ذاته مشاريع سياسية وقومية ورؤي نخبوية وذكورية يتم إنسابها للسماء فيكون الإله بمثابة رمزها ومحدد هويتها الخاصة لتكتمل بالطقوس والعبادات كأدلجة وترسيخ الملامح داخل الجماعة منتجة فى النهاية ميثاق ودستور.
لا تكون الأديان سوى الدستور الذى يؤصل الهوية الجمعية مؤكداً تفرد الجماعة البشرية بخلق حالة مجتمعية ذات سمات خاصة متفردة من خلال الطقوس والشرائع والتمظهرات الإيمانية , لذا لم يحمل مبدعوا الفكر الدينى والتابعين الأوائل هذه الرؤية من القداسة التى يحتفى بها الأحفاد حالياً .
دعونا نمر على بعض التمظهرات فى الأديان والتى ينظر لها الأحفاد حالياً بعيون ونفوس تملأها القداسة والتوقير والورع بينما الرعيل الأول لم يكن يعتنى بتلك القضية على الإطلاق فكان لهم رؤيتهم الخاصة ولكن مالبث أن توارت هذه الرؤى عبر السنين ليرسم الأحفاد ظلال وألوان ترسم المقدس كبديل للصور البدئية البسيطة ومعانى نزعت الغلاف القديم لتتغلف بغلاف جديد يتم تلمسه بالإحترام والتقدير ولا مانع من التقبيل .

* الحجاب
الحجاب من أهم الشعائر الإسلامية وأكثرها حضوراً فى المشهد الإسلامى لدرجة أن الكثيرين يعتبرونها فرضاً على النساء المسلمات .. لن يعنينا كونه فرضاً ولزاماً على المسلمة أم لا , ولكن سيعنينا نشأة فكرة الحجاب فى التراث الإسلامى والرؤية والهالة المصاحبة له فى الخطاب الإسلامى المعاصر ليصبح الحجاب الإسلامى رمزاً للحشمة والعفة والفضيلة تُكسب صاحبته التوقير والإحترام بينما تنعت المرأة التى لا ترتديه بالسفور والتبرج والإنحلال الأخلاقى ليأخذ الحجاب من هذا المنحى إنتشاره وسط الفتيات المسلمات مرحباً بعفتها ونابذاً لسفورها , فهكذا تكونت هذه المعانى فى العقلية الجمعية الإسلامية الحاضرة .. ولكن هل الحجاب فى نشأته كان معنياً بهالات العفة والفضيلة نافراً من السفور والتبرج كرذيلة .؟!

الحجاب فى الإسلام جاء كشكل تمايزى فقط وكتمظهر لخلق الهوية للجماعة الإسلامية الجديدة لم تخلو من شكل طبقى يهيمن عليها فعندما نمر على آية الحجاب فى القرآن ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ) ( الأحزاب : 59 )- سيستوقفنا في هذه الآية عبارة (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) فما المقصود بها على وجه الدقة فهى تأتى كتبرير لتشريع الحجاب .
عندما نبحث فى أسباب التنزيل سنجد قول القرطبي : ( لما كانت عادات العربيات التبذل ، وكن يكشفن وجوهن كما يفعل الاماء ، وكان ذلك داعيا الى نظر الرجال اليهن وتعرضهن للتحرش أمر الله رسوله ان يأمرهن بارتداء الحجاب عليهن إذا اردن الخروج الى حوائجهن ، وكن يتبرزن في الصحراء قبل ان تتخذ الكنف ، فيقع الفرق بينهن وبين الأماء وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها أمة ، فتصيح به فيذهب ، فشكوا ذلك الى النبي فنزلت هذه الآية ) ( تفسير القرطبي لسورة الأحزاب ) - كما يتفق ابن كثير في تفسيره : ( كان فساق أهل المدينة يخرجون باليل فاذا رأوا المرأة عليها جلبابا قالوا : هذه حرة فكفوا عنها ، واذا رأوا المرأة ليس عليها جلبابا قالوا : هذه أمة !! فوثبوا عليها ) ( ابن كثير : 3/855 ) - ولابن سعد نفس التفسير ( كان نساء النبي يخرجن بالليل لحاجتهن ، وكان الناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين ، فشكوا ذلك ، فقيل ذلك للمنافقين فقالوا : انما نفعل ذلك بالاماء فنزلت هذه الآية - أي آية الحجاب ) ( طبقات ابن سعد : 8/141 )

إذن الحجاب ليس للعفة والفضيلة كما يشاع حالياً بل هو شكل تمايزى فقط للتمييز بين الأماء والحرائر لدرجة أن عمر بن الخطاب كان يضرب الأماء اللاتى يرتدين الحجاب بقوله : الق عنك خمارك يا دفار ، اتتشبهين بالحرائر !!! ( الدر المختار - تبيين الحقائق ) ويتم تأصيل هذا المبدأ فى كافة المذاهب الإسلامية ففى المذهب الحنفي : الأمة كالرجل في العورة مع ظهرها وبطنها وجنبها ، وفى المذهب المالكي :عورة الامة هي السوأتان مع الاليتين ( الشرح الصغير - بداية المجتهد ) , والمذهب الشافعي : عورة الأمة كالرجل في الاصح الحاقا لها بالرجل بجامع أن راس كل منهما ليس بعورة . ( مغني المحتاج - لمهذب ) والمذهب الحنبلي : عورة الأمة كالرجل تماما : عورة الرجل و الأمة ما بين السرة و الركبة ( شرح العمدة :4/26 ) , كما تذكر المصادر الشيعية ايضا :( ذلك ادنى ان يعرفن ) يميزن من الاماء والقينات (فلا يؤذين ) فلا يؤذيهن أهل الريبة ) ( الصافي للكاشاني : 5/203)

من صريح الآية وتبيان التفاسير وأسباب النزول وفقه المذاهب الإسلامية نجد أن الحجاب جاء كشكل تمايزى طبقى إجتماعى فقط ليحدد الهوية المُراد تأسيسها وغير معنى بقضية العفة والفضيلة التى يتم تسويقها الآن فإذا كان الحجاب يعنى بالعفة والفضيلة وعدم إثارة الشهوة فمن المفنرض والبديهى أن يُفرض على الأماء أيضاً , فلن تكون رأس الأمه السافرة غير مثير ولكن يبدو أيضا ان قضية الشهوة والفجور والسفور والإثارة مطلوب أن تتحقق فى الأمة , فلا حرج .!
من هنا يتضح لنا رؤية الأوائل للحجاب والحكمة من تشريعه فلا هو يهتم بقضية العفه والفضيلة ودرء مواطن الشهوة بل يعتنى بتقديم شكل تمايزى طبقى لإظهار المؤمنات عن غير المؤمنات والحرائر عن الأماء فلا فضيلة مُبتغاة كما يتغنى الخطاب الإسلامى الحاضر بمنح الحجاب وقاراً وعفة .

* اللحية .
اللحية فى التراث الدينى هو شكل من أشكال التمظهر لخلق حالة من حالات التمايز محققاً مُفردة من مفردات الهوية الدينية الإجتماعية المأمولة وليس كما هو رائج فى المفهوم الجمعى المعاصر بأنها تعنى التقوى والورع لتمنح صاحبها هالة من التوقير والصلاح ورخصة التقوى والتدين , فالمفهوم لدى الأوائل أن اللحية هى شكل للتمايز فقط عن أصحاب الهويات الدينية الأخرى لنجد قول نبى الإسلام "خالِفُوا المُشركينَ، ووَفِّرُوا اللِّحى، واحْفُوا الشوارب".-- وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس"،-- وخرج النسائي في سننه بإسناد صحيح، عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يأخذ من شاربه فليس منا"، كما قال العلامة الكبير والحافظ الشهير أبو محمد ابن حزم:"اتفق العلماء على أن قص الشارب وإعفاء اللحية"فرض" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم".!
يأتى فى نفس السياق تمظهر صبغ اللحى والشعر كالحال الذى نراه لدى السلفيين أصحاب اللحى البرتقالية فنجد قول النبى "إن اليهود والنصارى لا يَصبغون فخَالِفُوهم".(رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي)- كما سُئل عليٌّ عن قول الرسول :"غيِّروا الشَّيْبَ ولا تَشَبَّهُوا باليهود".
إذن نحن أمام تمظهرات تأتى بتوصيات من النبى لا تعنى اللحية كسمة للصلاح والتقوى والتدين تمنح الوقار والورع والتدين لصاحبها بل هى تعنى فقط خلق حالة تمايزية مخالفة عن المشركين واليهود والمجوس فلا تزيد عن ذلك ويظهر الرغبة فى التباين الحاد بقول النبى من تشبه بقوم فهو منهم , ومن لم يأخذ من شاربه فليس من المسلمين ليقدم تمظهر واضح وفج للهوية المُراد تأسيسها فيصبح عدم الإقتداء بها خروج عن الجماعة الإسلامية .. ولكن الثقافة الحالية نزعت هذا الغلاف وهذه الرؤية الواضحة المعنى والدلالة من محتواها ليحل محلها أن أصحاب اللحى الحافين للشوارب هم أهل دين وتقوى وورع .!

* الزبيبة
الزبيبة هى تلك العلامة الدائرية الداكنة التى تتوسط جبهة المسلم لتعطى انطباع عن كثرة صلواته .. هى بمثابة إعلان عن الصلاة والتقوى يريد أن يسوقها وسط المحيطين ليحظى بتقدير وإحترام بأنه صاحب دين وصلوات وتقوى ليأتى كتمظهر يبغى الحصول على التبجيل , فلا تعتقد ان هذا الأمر لا يعنى المسلم . بل هو حريص عليه مستمدا من آية (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (الفتح: 29). فحرصه هذا يأتى فى الرغبة أن يحظى على تمظهر يعنى التمايز فى سياق تمظهرات الهوية الإجتماعية الباحثة عن أشكال وملامح تحقق تفردها . لذا تجد راغبى الحصول على شارة الزبيبة يضغطون بقوة على الأرض عند السجود مع بقاء الجبهة رطبة بالماء ويستخدم بعض الرجال الورق الرملي على سبيل المثال لتدكين لون الزبيبة والدليل ان هذه العملية مُتعمدة للحصول على الزبيبة هو أن النساء المواظبات على الصلوات لا يحرصن علي تكوين زبيبة فهن يتنازلن عن هذ السمة والتوقير المصاحب لها فداء الحفاظ على جمالهن , كما نجد مسلمين بسطاء يصلون على الدوام ومنذ عقود طويلة ولم تظهر الزبيبة على جباههم لعدم حرصهم ان ينالوا سمات مميزة على وجهوهم ... من المفترض ان الإيمان والتقوى لا يرتبط بتمظهر ولكن الهوية والتمايز التى يراد لها أن تتواجد لخلق سمات هوية إجتماعية ستدفع مُبدع التراث أن يجعل الإله يعتنى ويهتم بسماهم على وجهوهم من أثر السجود .!

* الختان
يرى المؤمنين بالأديان أن ختان الذكور واجب فعله ولا يكتفى أداءه على كونه عادة تُمارس ولكن تحاط بهالات من الإحترام والتوقير للمختتن ليصنف بالنظافة والطهارة بينما غير المختتن فهو قذر ونجس وهدف للتحقير والنفور بالرغم أن نشأة فكرة عملية الختان لم تكن معنية على الإطلاق بقضية الطهارة والنجاسة بل كشكل تمييزى فقط لجماعة العبرانيين فقد إرتأوا أن يكون التميز لهم ولهويتهم من خلال لحم غرلتهم فيكونوا ذو حالة تمايزية خاصة عن الجماعات المحيطة , وياله من شكل غريب للتمايز لم يحفل باللحية أو الشعر بل أراد تفرداً غريباً .!
"هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك، يختتن منك كل ذكر، فتختتنون في لحم غرلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم، ابن ثمانية أيام يُختن منكم كل ذكر في أجيالكم... فيكون عهدي في لحمكم عهدًا أبديًا، وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك الأنفس من شعبها. انه قد نكث عهدي" [ ٩-١٤].
بالطبع لو تناولنا هذا النص الساذج الذى يصور إله لا يستطيع معرفة البشر إلا بعد أن يكشف عن عورتهم ليعرف هويتهم فمن يشلحه ويجده مُختتن فله البركة والعهد ومن لم يُختتن فهو من الشعوب النجسة التى هى خارج الرحمة والمحبه .! .. النص ساذج يعبر بطفولية عن رغبة الدين المؤسس فى خلق هويته الخاصة من خلال إدعاء الأرض الموعودة والشعب المختار الذى يجب تمييزه بالإختتان فى لحم الغرلة .
يضيع المعنى والغاية التى خلقها الرعيل الأول لتتولد رؤية مغايرة عبر الأجيال بأن الإختتان يعنى الطهارة والنظافة بينما غير المختتن هو نجس وقذر لنتماهى فى هذه الرؤية ونخلق القداسة من لحم الغرلة .!

* تمظهرات حديثة للتمايز .
لم يخرج الخلف عن نهج السلف فى إبداع حالات تمايزية حادة تعنى بإعلاء شعار التمييز , فنجد حرص الفتيات المسيحيات الشرقيات على إرتداء سلاسل تتدلى منها صلبان وأيقونات كإشارة واضحة عن هويتهن المسيحية ليشاركهن بعض المسلمات بوضع سلاسل تتدلى منها مجسم لمصحف ولتسأل ما معنى ومغزى ارتداء السلاسل الذهبية ذات الصلبان وإبرازها فهل ستجلب البركة والدعم والحماية أو هو إعلان صريح بأن هذه الفتاة مسيحية ومختلفة لذا فأهلا بمن يحمل نفس الإنتماء وعلى المسلمين أن يمتنعون !!.. كذلك ظاهرة وشم الصلبان التى يحرص الكثير من المسيحيين رجال ونساء وأطفال على دقه فى أيديهم فهو إعلان أيضا عن الهوية ولا معنى بالطبع ان هذا الوشم سيجلب الخير والبركة والحماية .
يظهر مشهد سخيف وطريف فى بلاد الشام حيث يقوم المسيحيون شباب وفتيات بربط شريط أبيض فى معصمهم للدلالة على أنهم مسيحيون وكبديل للسلاسل الذهبية ذات الصلبان المعلقة فى الرقبة فيعلم الجميع ان هذا مسيحى وتلك مسيحية ليكون لسان حالهم أهلا بأصحاب الشرائط البيضاء وليبتعد الآخرون .
مشهد آخر ساذج وغبى يأخذ التمظهر من خلال اللغة فتجد من يُحيى أحد فيقول له "صباح الخير" ليرد عليه ب "عليكم السلام ورحمة الله وبركاته " لتستغرب من الرد ليبرر هذا بأنها تحية الإسلام ولا تعرف ماذا يحدث لو رد وقال "صباح النور" فهل سينتقص من إيمانه ويخرجه من الإسلام أم هو إعلان عن التمايز بالإسلام من خلال اللغة .. كذلك تجد المسيحيون لا يتعاملون بتحية "السلام عليكم" بالرغم أنها تحية جميلة وكأن هذه التحية ستخرجهم من المسيحية , أو قل هى رغبة كلا الطرفين فى التشرنق الغبى فى الموروث والهوية والإعلان عنه بفجاجة طفولية .!

* ما القضية
بالطبع ليس هناك أى غضاضة من ممارسة أى إنسان لحريته فى المظهر الذى يروقه فمن تريد ان تتحجب فلتتحجب ومن يريد ان يُطلق لحيته ويصنع زبيبة فى جبهته فهى له , ومن يفرح بوشم صليب على يده وأيقونات على ذراعه فله ذلك , فهى حرية لا يجب أن ينازعه أحد فيها ولكن نحن نبحث فى نقطتين مهمتين:
النقطة الأولى : إزالة الإلتباس عن فهم الدين ودوره فى المجتمع بتأصيل فكرة أن الأديان مشاريع هوية إجتماعية لجماعة بشرية ليست لها علاقة بالسماء أو ما تحت الأرض فهى نتاج فعل إنسانى لحماً ودماً أراد أن يرسم ويحدد سياج لجماعتة بشرية لتكون التمظهرات داخل الأديان غير معنية بتقديم صورة مثالية وفضلى لممارسى تلك التمظهرات بل من أجل خلق شكل تمايزى فقط يحقق هوية جماعة ويبرزها عن الآخرين محدداً ملامحها وشخصيتها المتميزة .

النقطة الثانية : أن هذه التمظهرات فى الخطاب الدينى والثقافة الشعبية تتخذ منحى مغاير لتخلق ثقافة منافقة ذات رياء فتمنح هالات من القداسة والتوقير لتمظهرات ليست ذات معنى لا تخرج عن شكلها الذى أعتنى القدماء بتقديمه كتمييز وعلامة لأصحابها فقط ولكن الأمور لم تكتفى بهذا فمن خلال الدين كحامل أختام الحقيقة المطلقة والمقدسة والساعى لترسيخ التمايز لتابعيه انتج عمليات تشرنق ونبذ وفرقة وتعالى بين البشر فلم تصبح الأمور حرية سلوك شخصي بل تصنيف للبشر وممارسة التفرقة والتعالى لتصل للعنصرية فهاهو الحجاب للعفيفات الطاهرات للتفريق والنيل من السافرات والغير مؤمنات .. وهاهى اللحية والزبيبة لخلق هالة لأصحابها بأنهم أصحاب تقوى ودين ولا مانع من الفتوى وهاهى السلسلة بالصليب والوشم للإعلان عن هوية تحدد نفسها غير مُرحبة بالآخر .

الأديان تبحث عن خلق هوية تمايزية للجماعة البشرية لحفها طابور من الأنبياء والفقهاء والكهنه بالمقدس ولم يكتفوا برسم شكل وملامح الإله والطقس والعبادات لخلق هذه الحالة التمايزية بل تم تأصيل التمظهر كأداة أيضا ليصبح الشعار الذى جاء للتمييز كالحجاب والصليب واللحية أدوات للتعالى والنبذ والتفرقة والعنف من خلال شرانق أصبحت متحفزة للآخر .

دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الله غير محدود بالزمان والمكان-خربشة عقل على جدران الخرافة و ...
- السببية كمان وكمان -لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون.
- ثقافة المهانة والإمتهان-لماذا نحن متخلفون .
- حوارات حول المعرفة المطلقة-خربشة عقل على جدران الخرافة والوه ...
- آلهة غاضبة أم بشر غاضبون-الأديان بشرية الهوى والهوية.
- نحن والجن وأحفاد القردة والخنازير- لماذا نحن متخلفون
- غريب هو إيمانهم !- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون.
- الخير والشر ومعضلة الإله-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ...
- النهى عن المنكر ومنهجية الوصاية - لماذا نحن متخلفون(6).
- فَكَرِهْنَا ذَلِكْ -الأديان بشرية الهوى والهوية (5)
- قليل من العقل والمنطق لن يضر-خربشة عقل على جدران الخرافة وال ...
- الأخلاق والسلوكيات فى الأديان بين الإزدواجية والإنتقائية-الد ...
- مصر إلى أين-سيناريوهات مؤلمة قادمة
- نهج الدم والبحث عن لذة الهمجية والبربرية - الدين عندما ينتهك ...
- آيات من سفر الوجود - تأملات وخواطر فى الإنسان والوجود والإله ...
- فى رحاب الشريعة - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (36)
- الله محبة !- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (24)
- أوراق الشجر والله - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم.( 17)
- إشباع نرجسية وغرور من لذة التماهى فى مفهوم مغالط للوجود - لم ...
- عسكرة الإيمان أم إيمان العسكرة - لماذا نحن متخلفون ( 5 )


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - التمايز والرياء فى ظلال المقدس-لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .