ريتا عودة
الحوار المتمدن-العدد: 1154 - 2005 / 4 / 1 - 12:00
المحور:
الادب والفن
محمد خضر,
عشتار , لم تمرّ ب " مؤقتا تحت غيمة "*
( لم أر عشتار ...لم تمر من هنا )(صـــ11)
أمــّا أنا فقد مررتُ به من الألف للياء , وشهدتُ على أنّ القصيدة بكَ ابتدأت:
قالت : هل بدأت القصيدة؟
قلتُ لن أبدأ شيئا يفنى
صــ10
فقد كنتَ شمعدانـــًا
في أرض مظلمة , زرعتَ مملكة , بامكانها أن تضيء داخل القارئ
متاهات الأسئلة بالألوان:
(متحديا بذلك هؤلاء المتسربلين بالبياض والذين يرونك يافعا - أسودا )
مرّ زمن بعيد
قبل أن نرى الصبي
الأسود
يمرّ من هنا
منذ أن مرّ مبتسمًا
فأضاء في داخلنا
أسئلة
الألوان
وبشاعة الأشخاص الملتفين بالبياض" صـــ64
عرفت كيف تصرخ : لا , تتحدى ظلام القبيلة , وتجلس في النور:
"اللاءات التي
تحتضنها الرمال
كونت الاشجار والبحار
والشعراء
والقول المبين"
من قال يا محمد أنّ حبركَ قليل؟
سأبدأ .....وحبري قليل " صـــ26 "
لقد أخضعتَ تجربتك الأولى لشحنات وجدانية قادرة ان تختزن الكثير
من الرؤى التي تلامس الهموم الوجودية الكبرى للانسان .
العدو
" حلفتُ لن أكتب عنك شيئا
إلا بدمي أو بدمك " صـــ59
ها أنت تعلن جهادك على الخصم ( أيا كان ) حتى آخر رمق ,
متكئا على لغة سهلة تتحرك بطاقة ايحائية عالية
تلجأ احيانا لبعض غموض يفرح قلب القارئ المثقف:
" مرة تسلقت شجرة
مرة تسلقتني شجرة "
( أحيانا أتغلب على "الحزن" , أحيانا يتغلب الحزن علي)
ها أنت تستثمر التراث والحكايا لتقدم نصا دسما شهيا:
افتضاح
صياح هذا الديك يعني:
في حالة البقاء في مكاننا
افتضاح أمرنا ...." صـــ59
(صياح الديك يعيد للذاكرة حكاية الف ليلة وليلة)
وها أنت تشكل رؤاك باسلوب يضع القارئ فى دائرة الجاذبية والدهشة
"من نافذة الآخرين
لا نرى إلا أشخاصا يشبهوننا
يلعبون في الوحل" ص53
ها أنتَ يا محمد تصطاد القارئ بذكاء , عبرَ لمسة فلسفية شفيفة ,
إذ أنك تخبره أنه حين يضع نفسه مكان الآخر ليحكم على موقف ما ,
يستطيع أن يرى التشابه بين تصرفاته وتصرفات الآخر ,
فكلنا معرّضون للعب بذات الوحل , أي لاقتراف ذات الأخطاء.
وفي قصيدة :
شجاع
" لو سمحتَ أعرني
هذا الجــُبن عند إعلان الحرب
أعرني فإني شجاع" صـ63
هذا الاتكاء على بــُنية التـّضاد والمُفارقة الجارحة
( شجاع - جبان)
منحت قصائدك التوتر الشعري الفعال , والأمثلة كثيرة .
ومن سمات قصيدتك التوظيف الواعي للمصطلحات الأجنبية :
لاتكترث
"لاتكترث إن شتمك أحدهم
في آخر سهرة البلوت
ستصبح مثلهم فيما بعد"
(البلوت : مفرده رديفه للعبه الورق الكوتشينه )
فضاء
"عازف مر بحضرتها
فتنة تجر خطاها
وعصير ينسكب
والرقص مدار
حان وقت المباغتة
أكا تشنكا تومي" ص 20
(كلمة معناها : أحبــُّكِ )
"سنعد ما نستطيع
من رباط الخيل
والخطب العصماء
والاء الخجولة
ثم نمضي لتحرير أنفسنا
من فوبيــا"الآخر"
والانقياد للمرعى" صـــ21
(فوبيا = الخوف من )
, تم ّ توظيف المصطلحات بشكل واع ٍ لتشي بواقع ملموس لا بوهم
فالشاعر يؤكد لنا على أنه يقرأ (يرى) اللحظة الآنيــّة , ويفضح حالاتها في النور :
من الأسماء الآنيـــــة التي وردت : جينيفر لوبيز , الموناليزا, فيروز , أنسي الحاج ,
بيكاسو (ص) 36
جاكلين صــ 61، 65
هذه الأسماء تــُثري
. النص , وتخلق كونا واقعيا, من حروف , داخل الكون الأكبر
وها أنت تتجول بين اللحظات بمنطق الوجودية :
"مرّة ونحن نتكلم عن حالة الطقس
سقطت ثلوج الحكمة ,,, والوجودية" ص 18
وها أنتَ
تنــــّقب عن الحكمة في هذا الزمان , يرى الأشياء بعين المــُخرج المسرحي الذي
يفصل ذاته عن النص ليكتب عنه بموضوعية :
عذرا "عذرا
إني أكتب من سطح الجيران" صــــ16
و تتجلى في ثوب الشاعر النبي الذي يحمل رؤيا التغيير الاجتماعي
وبعث حضارتنا الراكدة :
"حضارتنا المسحوقة برائحة القبيلة" صــــ23
صـــ23 " ربما أصنع الآن معجزة "
" ليتني أخبرتُ أمي أنني شمعدان وأن الأرض مظلمة"
" " وأغادر في الشمعدان المضاء وأقرأ وجهي مرارا سأحلب عصفورتي " صـــ33
تتكرر مفردة "شمعدان" كرمز للنبوءة أو الاضاءة في زمن العتمة.
وها أنت تشير الى مفردات الفردوس اليباب ( ظروف الحياة بما فيها من قسوة):
"هل كنتُ وحدي
وأنا أقرأ الفردوس اليباب
وبقايا مزمار كنت انتسب اليها" صـــ6
و تبحث عن فردوس آخر , فردوس أخضر , فردوس من كلمات ,
بعيد عن كل قلق وجودي:
" كنت أبحث عن فضاء يليق بي ,
كنت أبحث عن وقت أضع رأسي في عقاربه وأنام " صــــ7
متحديا المسافات والأمكنة عبر هذه الرحلة الشاقة الى نبع الكتابة التي لن تفنى:
" بعد أن كنتُ في تحدي المسافات
واجترار الأمكنة " صـــ30
وحين يتكرر (موتيـــف) الوحدة وعزلة الشاعر عن الآخرين( المجتمع )
يقرر أن يواجه قــــُوى الظلام والظلم:
صــــ6 " ... هل كنتُ وحدي وأنا أقرأ "
ويدرك انه لم يكن وحده حتى لو تخلت " المجموعة عنه ,
كفرد يحق له الانتماء اليها !
فهو يملك : قلما خبيرا في اصطياد اللغة , لفضح حالات آنية ,
فالحبـــــر سلاح في يد كل من يتقن نزيفه.
لقد اخضعتَ تجربتك الأولى لاحتمالات غيمة (طقس وطقوس الشتاء) ,
فأجدتَ البكاء - الغناء – الصراخ في وجه العتمة ,
, لينبثق عن عملية الخلق الابداعي فردوسا أخضرا من التين والزيتون
" لو أجيد البكاء – الغناء
في العتمة
لاستدليت على خاتمة النبع
لكن كفي غيمة
قمر أخضر
ينسكب
تتكون المسطحات الخضراء
والتين
والزيتون
والشعراء " صــ26
يبقى السؤال : ماذا بعد؟
لكي لا تفنى النصوص
(: كما اشتهيتَ لتجربتك الشعرية في كتابك في أكثر من موضع )
" لن ابدأ شيئا يفنى
لن تنالوا الشفق" صــــ 10
عليك يا محمد أن تبحث من الآن عن الفصول الأخرى:
, صيف , ربيع , خريف وبعض من هذا وذاك.
ارحل مجددا الى المحيطات التي يخشى الكثيرون الاقتراب حتى من شواطئها :
" ولي رغبة في المحيطات
وأني قد لا أعود" صـــ25
لتعود لنا بفاكهة شعريــّة شهيّة :
" لنرحل خلف التخوم
التي لم ينلها أحد
لنبحث عن توتة ناضجة
وصراط حميد " صـــ41
بامكانك أن تشق نهر التجربة الابداعية لتعبر الى الضفة الأخرى , لترحل الى نبع التفرد والتميز :
" في الضحى القادم
سوف نحزم حقائبنا
ونرحل للنبع " صــ42
لن تكون وحدك , فأنت خبير في اصطياد اللغة التي تفرض حضورها على القارئ
وتستميله أن يفتح النافذة , ليرى كهذا ابداع .
____________
(مؤقتا تحت غيمة)*
باكورة أعمال الشاعر السعودي : محمد خضر الغامدي
عرض :ريتا عودة
2002
..صدر الكتاب في عَمَّان وتمّ فورا حظره عن موطنه
#ريتا_عودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟