أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - مشكلة الإيحاء الجنسي في إنجيل يوحنا















المزيد.....

مشكلة الإيحاء الجنسي في إنجيل يوحنا


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4004 - 2013 / 2 / 15 - 19:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



في يوليو 2009 نشر الأستاذ فراس السواح مقالة بعنوان (الإنجيل السري ولغز التلميذ الحبيب)، وهي المقالة الثانية ضمن مقالتين تحت عنوان عام هو (خفايا إنجيل مرقس). لسبب مجهول لم تأخذ هذه المقالة حظها من الاهتمام إذ كانت تَطرح لأول مرة باللغة العربية إشكالية غير معروفة ضمن هذا النطاق، وأيضاً رؤية من زاوية مختلفة جداً لكتاب مقدس يعتقد قراؤه العرب خلوه من الإشارات الصادمة غير المحبذة. بالطبع، الأستاذ فراس السواح لم يأتِ بجديد، فما كتبه كان مجرد استعراض، وأحياناً نقل مباشر، لِما هو معروف منذ بداية الستينات من القرن الماضي ضمن نطاق الباحثين، وضمن نطاق الرأي العام منذ بداية السبعينات بين قرّاء اللغات الأوروبية. الجديد كان فقط في طرحه باللغة العربية لما هو معروف ضمن تلك اللغات، وترجمته إلى اللغة العربية بعض النصوص التي كانت محصورة فقط ضمن الفضاء الغربي. فما هو هذا المجهول ضمن فضاءنا العربي؟

المشكلة كلها كانت محصورة ضمن سؤال لم يجد له باحثوا النصوص المسيحية وناقديها لعدة قرون إجابة واضحة وشافية. المشكلة تتعلق بقصة معجزة عظيمة ليسوع الإنجيلي، وردت في إنجيل يوحنا فقط، وتمثلت في إحياء شاب ميت، بينما غابت هذه القصة تماماً عن الأناجيل الثلاثة الأولى التي سبقت هذا الإنجيل في تاريخ الكتابة والتداول. القصة بتمامها وردت في الأصحاحين الحادي عشر والثاني عشر من إنجيل يوحنا عن شاب اسمه (لِعازَر) (Lazarus). أدناه هي اقتباسات مختصرة من إنجيل يوحنا من هذين الإصحاحين تُلخص قصة لعازر:

(وكان إنسانٌ مريضاً وهو لعازر، من بيت عنيا من قرية مريم ومرثا أختها (...) وكان يسوع يحب مرثا وأختها ولعازر. فلما سمع أنه مريض مكث حينئذ في الموضع الذي كان فيه يومين (...) قال هذا وبعد ذلك قال لهم: لعازر حبيبنا قد نام، لكني أذهب لأوقظه. فقال تلاميذه: يا سيد، إن كان قد نام فهو يشفى. وكان يسوع يقول عن موته، وهم ظنوا أنه يقول عن رقاد النوم. فقال لهم يسوع حينئذ علانية: لعازر مات (...) ولكن لنذهب إليه (...) فلما أتى يسوع وجد أنه قد صار له أربعة أيام في القبر (...) وقال: أين وضعتموه؟ قالوا له: يا سيد، تعال وانظر. بكى يسوع. فقال اليهود: انظروا كيف كان يحبه (...) فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعاً (...) ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم: لعازر، هَلُمّ خارجاً. فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع: حلوه ودعوه يذهب (...) ثم قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا، حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات. فصنعوا له هناك عشاء . وكانت مرثا تخدم، وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه) [إنجيل يوحنا، اقتباسات مختلفة من الأصحاحين 11 و 12].


إعادة لِعازر إلى الحياة هي القصة الوحيدة على الإطلاق في كل الأناجيل عن بعث الموتى بشكل واضح لا لبس فيه أمام جمع كبير من الناس وبعد دفن الميت لعدة أيام [لاحظ أن يسوع الإنجيلي يقول عن ابنة يايرس في قصة شفائها: (لم تمت الصبية لكنها نائمة) (مرقس 5: 39) (متى 9: 24) (لوقا 8: 52)، فموتها لم يكن مؤكداً، أما قصة الولد الوحيد لأمه [لوقا 7: 12-17] فكانت خلال التشييع، أي بعد موته ظاهرياً بوقت قليل، وشهودها أيضاً قليل]، ولا توجد قصة مشابهة أخرى لقصة إنجيل يوحنا ولا حتى قريبة منها في الأناجيل الثلاثة الباقية. ولا وجود لهذا الشخص في الأناجيل الثلاثة الأخرى فيما عدا شخص آخر مختلف بنفس الاسم، وبقصة مختلفة تماماً، في إنجيل لوقا (16: 19-31). فكيف يمكن أن نفسر غياب هذه القصة الخارقة بكافة محاورها وبأهميتها المطلقة، لأحد المعجزات العظيمة ليسوع الإنجيلي، عن الأناجيل الثلاثة الأولى في تاريخ الكتابة (مرقس، متى، لوقا)؟

بالطبع، وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال أعلاه، من الممكن الإشارة إلى أن اسم (لِعازَر) (Lazarus) هو ليس اللفظ اليهودي الصحيح لاسم ذلك الشخص، الاسم الصحيح باللغة العبرية هو (إلعازار) (אלעזר) وهو يعني حرفياً: (يساعدني الله) [انظر:William Barclay, The Parables of Jesus, Westminster John Knox Press, 1999, pp. 92-98]. وإلعازار، (يساعدني الله)، قد (ساعده) بالفعل (الإله) المسيحي ليقوم من الأموات، وبالتالي ينشأ السؤال: ما هو الاحتمال أن يكون شخص اسمه (يساعدني الله) يساعده الله بالفعل ويقيمه من الأموات؟ وما هو الاحتمال أن يكون (يساعدني الله) هذا الذي ساعده (الإله) المسيحي متواجداً في قصة موجهة بالتحديد لمجموعة من المؤمنين بهذا الإله أو موجهة لمجموعة يُراد لها أن تؤمن؟ والجواب الأقرب للصحة هو أن هذا الاسم في ذاته، (إلعزار) (يساعدني الله)، قد يقوم كإشارة على تزوير القصة وأسطوريتها وأنها لا تملك حظاً من الحقيقة. إلا أن تأكيد تزوير القصة وأسطوريتها ليس لهذا السبب، ولكن لأسباب أخرى ألقت بظلالها حتى على الكُتّاب المسيحيين المتعاطفين مع عقيدتهم أيضاً. فمثلاً، البروفسور بولارد (T. E. Pollard)، أستاذ اللاهوت ودراسات العهد الجديد في كلية نوكس (Knox College, Dunedin) يقول: "قصة القديس يوحنا عن بعث لعازر هي تجلي حاد لبعض أكثر المشاكل المحيرة في إنجيله، سواء داخلياً [يقصد نسج القصص ذاتها] وخارجياً [يقصد الوقائع التاريخية] وذلك بالنسبة للأناجيل الثلاثة الأخرى" [انظر: T. E. Pollard, The Raising of Lazarus (John xi), SE 6 (1973): 434]. ويزيدنا شرحاً مطران كانتربري (Canterbury) عميد وأستاذ الدراسات اللاهوتية والعهد الجديد في كلية ترنيتي في كامبريدج (Trinity College, Cambridge) جون روبنسون (John A. T. Robinson) (توفي 1983)، فيقول: "إذا كان تسلسل الأحداث في الأناجيل الثلاثة الأولى صحيحاً، فإن حادثة لعازر، أو على أية حال الدور التي تلعبه هذه القصة في إنجيل يوحنا، لا يمكن أن تكون حادثة صحيحة تاريخياً" [انظر: John A. T. Robinson, The Priority of John, ed. J. F. Coakley London: SCM Press Ltd., 1985,pp. 222-23]. والحقيقة أن الأسباب لهذا التزوير واضحة في القصة عند التدقيق بها. إذ أولاً هي تحدث أمام جمع غفير، (كثيرون من اليهود قد جاءوا) [يوحنا 11: 19 و 31 و 33]، أي أن شهودها كثيرون، إلا أن القصة، على عجائبيتها الخارقة جداً، تغيب تماماً عن أي مصدر غير مسيحي، وتغيب أيضاً عن الأناجيل الثلاثة الأولى، والأهم تاريخياً أنها تغيب أيضاً عن بولس الرسول الذي كان يحاول أن يُقنع الوثنيين بأن هذا الرجل اليهودي المصلوب من الرومان هو (إله) من نوع جديد. ثانياً، القصة تقتبس بوضوح الأساطير الوثنية السابقة على المسيحية. ثالثاً، وهو الأهم، أن إنجيل يوحنا يجعل من هذه القصة هي نقطة البداية لبدء التآمر لقتل يسوع [يوحنا 11: 45-53]، وهذا على خلاف تسلسل القصة في باقي الأناجيل، فإما التسلسل في إنجيل يوحنا صحيح أو هناك في الأناجيل الثلاثة الأولى صحيح، ولا يمكن إطلاقاً أن يكونوا معاً كذلك. فالقصة مزورة بدون أدنى شك، إلا أن هذه ليست المشكلة المطلوبة للبحث في هذه المقالة، المشكلة هي من نوع آخر.

هل هناك سبب وجيه لغياب القصة في الأناجيل الثلاثة الأولى، حتى وإن كانت إسطوريتها واختراعها مؤكد؟ فمجرد الأسطورية والاختراع في ذاتهما ليسا سبباً في غياب القصة من الأناجيل الثلاثة الأولى، فهم يحتوون أصلاً على كم كثير من تلك القصص. هل اُخترعت تلك القصة لاحقاً في نهاية القرن الأول وبداية الثاني حيث كُتبَ إنجيل يوحنا ولم يكن يعرفها الباقي؟ أو ربما أن تلك القصة للشاب لِعازر تحتوي على أمر ما جعل كتبة الإناجيل يتحاشون كتابتها في أناجيلهم الثلاثة الأولى؟ فإذا كان هذا صحيحاً، فما هو ذلك الشيء المُحرج للضمير الديني؟

بقيت تلك الأسئلة أعلاه من دون إجابة حتى سنة 1958 عندما اكتشف أستاذ التاريخ القديم في جامعة كولومبيا مورتون سميث (Morton Smith) (توفي 1991) وثيقة صدمت الكثيرين بإجابتها لتلك الأسئلة. ففي خلال تصنيفه للمخطوطات في دير مار سابا في فلسطين [بالمناسبة، يُمنع بتاتاً دخول النساء لهذا الدير]، اكتشف جزءاً من رسالة للقديس كليمندس الإسكندري (كليمنت الإسكندري) (Titus Flavius Clemens- Clement of Alexandria) (150 – 215 مـ) لم تكن معروفة من قبل وموجهة إلى شخص اسمه ثيودور. في هذه الرسالة يذكر كليمنت اسم (الإنجيل السري لمرقس) ويقتبس من هذا الإنجيل اقتباسين اثنين [لمزيد من التفاصيل عن هذه الرسالة والاكتشاف انظر: The Complete Gospels, Editor: Robert Miller, 1994, pp. 408-413]. والواضح من الرسالة أن ثيودور هذا، التي وُجِّهت له الرسالة، قد اطلّع على نسخة كاملة من هذا الإنجيل السري لمرقس في نهاية القرن الميلادي الثاني. ومن الواضح أيضاً أنه يعي بأن هذا الإنجيل يحتوي على تعاليم غير موجودة في نسخة إنجيل مرقس المتداولة لدى العامة، ولذلك وجه رسالة يسأل فيها كلمنت عن هذه التعاليم والقصص. فيجيبه كليمنت بأن (مرقس) بعد هجرته من روما إلى الإسكندرية، بعد موت (صلب) بطرس، قد نقح إنجيله ليحتوي على: "كل ما هو مناسب لمن تدرجوا عالياً في المعرفة" وأنه "كان يعرف [أي مرقس] بأن التفسير [لهذه الإضافات] سوف تُطلق المستمع في طريق الحقيقة المخفي وراء سبعة حجب".[انظر المصدر السابق، ص 409]. فمن الواضح من تلك الرسالة أن الكنيسة الرسمية في الإسكندرية، في وقت كلمنت، كان لديها إنجيلين لمرقس، الأول كُتب في روما وهو مخصص لعامة المسيحيين، وإنجيل مُنقح آخر لمرقس كُتبَ في الإسكندرية وهو مخصص لدائرة ضيقة من الذين تدرجوا عالياً في الإيمان المسيحي. هذه التفرقة بين الإنجيلين كانت بسبب الخوف من التفسير الخاطئ للقصص والتعاليم الواردة في الإنجيل المُنقح لمرقس وخلطها بالتعاليم الكاذبة. ولحُسن الحظ، يذكر كلمنت اقتباساً من إنجيل مرقس المنقح (السري) هذا الذي قد تعرض لسوء الفهم، وهذا الاقتباس كان لحسن الحظ أيضاً هو لقصة لعازر من دون تنقيح. والقصة مشابهة لما ورد في يوحنا (11: 1-44)، إلا أن مرقس في إنجيله المنقح يضيف للقصة التفاصيل الآتية بعد إحياء هذا الشاب الميت:

(نظر الشاب الصغير إلى يسوع، وأحبه، وتوسل إليه ليكون معه. وغادروا المقبرة وذهبوا إلى بيت الشاب الصغير الذي كان بالمناسبة غنياً. وبعد ستة أيام أعطاه يسوع أمراً، وعندما أتى الليل، ذهب الشاب الصغير إليه، مرتدياً فقط إزاراً من الكتان. وقضى الليل معه، لأن يسوع كان يعلمه خفايا محيط الله. ومن هنا، نهض يسوع ورجع إلى الجانب الآخر من الأردن).

كان ذلك أعلاه ترجمتي الحرفية للنص كما هو في [The Complete Gospels, Editor: Robert Miller]. وأدناه هو ترجمة الأستاذ فراس السواح لنفس النص:

(ولما رآه الفتى أحبّه وتوسّل إليه البقاء معه. وبعد خروجهما من القبر توجهوا إلى بيت الفتى لأنه كان غنياً. وبعد ستة أيام لقّنه يسوع ما يتوجّب عليه فعله. وفي المساء جاء إليه الفتى وهو يرتدي ثوباً من الكتان على جسده العاري وبقي معه في تلك الليلة، لأن يسوع كان يعلمه أسرار ملكوت الله. وعندما قام عاد إلى الجهة الأخرى من الأردن)

قد تبدو المشكلة غير واضحة تماماً للبعض في النص، ولكنها كانت واضحة جداً للبعض الآخر بحيث نشأت في المجتمع المسيحي الأول مشكلة أخلاقية اشتكى منها كلمنت الإسكندري نفسه كما جاء في رسالته. المشكلة كلها تدور حول النص الآتي: (وعندما أتى الليل، ذهب الشاب الصغير إليه، مرتدياً فقط إزاراً من الكتان. وقضى الليل معه، لأن يسوع كان يعلمه خفايا محيط الله) كما في ترجمتي أعلاه، أو (في المساء جاء إليه الفتى وهو يرتدي ثوباً من الكتان على جسده العاري وبقي معه في تلك الليلة، لأن يسوع كان يعلمه أسرار ملكوت الله) كما في ترجمة الأستاذ فراس السواح. إذ يبدو أن البعض من المسيحيين استشكل الإشارة المتكررة إلى الحب والمحبة في النص الرسمي لإنجيل يوحنا [انظر النص في بداية المقالة أعلاه] وفي إنجيل مرقس السري، وإلى الجسد العاري للصبي إلا من ثوب أو إزار من الكتان، وإلى الإشارة إلى أنهما أمضوا الليل معاً. إذ كما يبدو أن تلك الإشارات قد استخدمها البعض الآخر كمدخل لممارسات غير أخلاقية كما توضحها رسالة كليمنت نفسه [الترجمة للأستاذ فراس السواح]:

"لقد فَعلتَ حسناً بردّك على تعاليم الكاربوكريتيين النجسة. فهؤلاء هم الكواكب التائهة ممن أشارت إليهم نبوءات الكتاب المقدس، الذين يصدون عن الطريق الضيق للوصايا، ويولون وجوههم نحو الغور السحيق للخطايا الجسدية الشهوانية. إنهم بافتخارهم بامتلاك المعرفة، التي ليست إلا معرفة بسبل الشيطان، إنما يلقون بأنفسهم إلى التهلكة في عالم الظلمة السفلي. وهم في ادّعائهم الوصول إلى الحرية إنما يقعون عبيداً لرغباتهم وشهواتهم. مثل هؤلاء الناس ينبغي مقاومتهم بكل الوسائل الممكنة. وحتى حين يقولون شيئاً صحيحاً فإنّ على من يحب الحقيقة ألا يوافقهم، لأنّه ليس كل الأشياء الحقيقية هي حقيقة، ولا ينبغي على الحقيقة وفق ما تراها الآراء الإنسانية أن تكون مفضلة على الحقيقة بحسب الإيمان (...) ولكن بما أنّ الشياطين الحمقى يبتكرون دوماً وسائل من أجل تدمير الجنس البشري، فقد زيّنوا للكاربوكريتيين أن يستميلوا أحد قسس كنيسة الإسكندرية من أجل العمل معهم، فحصل لهم على نسخة من الإنجيل السرّي وفسّره لهم وفق آرائه التجديفية والشهوانية، كما وأنه مزج الكلمات الطاهرة فيه بأكاذيب نجسة. ومن هذا المزيج استمد الكاربوكريتيون تعاليمه (...) من هنا، وكما ألمحتُ سابقاً، على المرء أن يصمد أمامهم عندما يعرضون تحريفاتهم، وينكر أن إنجيل مرقس السري هو من تأليف مرقس ولو كان ذلك تحت القسم. ذلك أن الأشياء الحقيقية يجب ألا تقال لكل الناس".

فكلمنت في رسالته كان واضحاً جداً. إذ هناك تفسيرات (شهوانية) للنص تبناها البعض، وأن على المسيحي أن يُنكر، كاذباً بالطبع، إنجيل مرقس السري هذا حتى ولو كان تحت القسم بسبب تلك الإيحاءات والتفسيرات (الشهوانية) لبعض نصوصه التي تولاها بعض المسيحيين، وأن (الأشياء الحقيقية يجب ألا تقال لكل الناس). ومن الرسالة والنص الإنجيلي، عُرف السبب في إلغاء تلك القصة الأسطورية من الأناجيل الثلاثة الأولى وسبب عدم إكمال إنجيل يوحنا للقصة.

بالطبع، وبسبب تلك الإيحاءات، عندما اكتشف مورتون سميث (Morton Smith) رسالة كليمنت الإسكندري تم اتهامه بالتزوير والاحتيال وإلى درجة أنه أُتهم بأنه يحاول التبرير للشذوذ الجنسي وممارسات المثليين من خلال الإيحاء الواضح في قصة يسوع والصبي [انظر: Peter Jeffery, The Secret Gospel of Mark Unveiled. Yale University Press, 2007 ، وانظر أيضاً: A review of Jeffery s book by W. V. Harris, where these accusations are dismissed; Times Literary Supplement, October 19]. إلا أن تلك الإتهامات قد تهاوت كلها أمام النقد الأكاديمي وأخذت نصوص إنجيل مرقس السري المذكورة في رسالة كليمنت، مع نص رسالته، مكانها المستحق في النصوص الإنجيلية المبكرة. وفي هذا الصدد يشير روبرت ميلر: "في النقاشات الأولى (التي رافقت اكتشاف الرسالة واقتباسات الإنجيل السري) التي كان يصاحبها إتهامات بالتزوير والخداع، إنما كانت في جزئية منها بسبب المحتوى المثير للجدل. ولكنه اليوم هناك تقريباً إجماع كلي عند كل دارسي كلمنت (الإسكندري) على أصالة هذه الرسالة) [The Complete Gospels, Editor: Robert Miller, pp. 408].

إذن، خلاصة ما حدث هو الآتي. تلك القصة الأسطورية كانت متداولة شفهياً في منتصف إلى نهاية العقد السابع من القرن الأول ضمن الفضاء الروائي الشفهي المسيحي للإله اليهودي الجديد (يسوع). وأنها سببت حرجاً من نوع ما عند المسيحيين الأوائل بسبب تلك الإيحاءات غير المحبذة، فلم يُدرج كاتب إنجيل مرقس القصة في إنجيله [هذا الإنجيل هو أول إنجيل من حيث تاريخ الكتابة]. بعده، أتى كاتبا إنجيلي متّى ولوقا، مستعينين بنسخة من إنجيل مرقس في كتابة إنجيليهما. فإما لم يكونا يعرفان القصة ولذلك لم يدرجانها في إنجيليهما لأنها لم توجد في مرقس، أو أنهما عرفا القصة شفهياً وامتنعا من نقلها لنفس السبب عند مرقس. بعد ذلك ظهر في الإسكندرية إنجيل لمرقس منقح، فيه تلك القصة كاملة من دون تهذيب، وتبنتها الكنيسة في الإسكندرية كإنجيل لا يُدرّس إلا لمن هو متقدم في الإيمان ولا يُخشى عليه من التفسيرات الخاطئة للقصة. في نهاية القرن الأول وبداية الثاني، وضمن المجموعة التي تولت كتابة الإنجيل المنسوب إلى يوحنا في الإسكندرية، نُقِلت القصة مع تعمد حذف العبارات التي هي موضع للحرج. بعد ذلك، في زمن ما قريب من القرن الثاني الميلادي، خرجت قصص متعددة لهذا الإنجيل السري إلى العلن وتولى البعض تفسيره بصورة (شهوانية) كما يقول كلمنت في رسالته. اضطرت الكنيسة بعدها إلى إنكار وجوده منعاً لتلك الآراء من الانتشار. وبسبب ذلك اختفت نسخ هذا الإنجيل، وبقي ما هو موجود في إنجيل يوحنا من قصة لعازر مع حذف العبارات التي قد يساء تفسيرها.

وبذلك تمت الإجابة كاملة على الإسئلة التي أوردناها في بداية المقال.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع
- معارك الله
- مقالة في طقس الإفخارستيا – أكل الله
- رقص الجريح
- المسيحية وحوادث أكل لحوم المسلمين
- في مشكلة تعاليم يسوع الإنجيلي
- إشكالية العقل السلفي العربي
- في طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة
- عندما نفقد خارطة طريقنا
- مشكلة اليهودية والجغرافيا عند كتبة الإنجيل
- من إشكاليات قصة يسوع الإنجيلي
- التناقضات الأخلاقية عند يسوع الإنجيلي
- هل هذه صلاة أجر ومغفرة؟
- في إشكالية الشعوب العربية
- سؤال غير بريئ لما يسمى ب -القوى الشبابية- في الكويت
- بصراحة … رأيي في أحداث مسيرة يوم الأحد
- كلمة قصيرة لمن يخاف -ثورة- في الكويت
- لأنكم مجتمع يمثل شذوذاً في كل شيء
- حتمية الصدام بين المنهج السلفي والدولة المدنية
- ميسون سويدان ... أيتها الرائعة


المزيد.....




- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدف قاعدة -عوبدا- الجوية الاسر ...
- “وفري الفرحة والتسلية لأطفالك مع طيور الجنة” تردد قناة طيور ...
- “أهلا أهلا بالعيد” كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024 .. أهم ال ...
- المفكر الفرنسي أوليفييه روا: علمانية فرنسا سيئة وأوروبا لم ت ...
- المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدف ميناء عسقلان المحتل
- المقاومة الإسلامية بالعراق تقصف قاعدة -نيفاتيم- الصهيونية+في ...
- أبسطي صغارك بأغاني البيبي..ثبتها اليوم تردد قناة طيور الجنة ...
- لولو صارت شرطيه ياولاد .. تردد قناة طيور الجنة 2024 الجديد ع ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا ميناء عسقلان النفطي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - مشكلة الإيحاء الجنسي في إنجيل يوحنا