أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - أنتحار آخر حمامة سلام














المزيد.....

أنتحار آخر حمامة سلام


جوزفين كوركيس البوتاني

الحوار المتمدن-العدد: 4003 - 2013 / 2 / 14 - 12:55
المحور: الادب والفن
    


كادت أحدى المركبات العسكرية ان تدهسني اثناء عبوري للشارع العام- كنت شاردة وتعبة، كما وكنت لا أزال مصعوقة. ففي طريقي عودتي من العمل للبيت شاهدت حمامة رمادية اللون- اي بلون السماء في وطني- وكانت الحمامة مدهوسة وملتصقة على اسفلت الشارع وبشكل مروع، كما وكان دمها القاني الحمرة مراقًا من كل جانب. ولكم ارعبني المشهد وانتابني اثر هذا المنظر شعور بالغثيان وشعرت بدوار وكاد ان يغمى عليَّ بالكامل. بدا وان احد ما قام بدهسها وهو يقود سيارته بشكل عشوائي. أحسست لا إراديًا وكأنني أنا وآلاف من النساء الأخريات مدهوسات مثل تلك الحمامة؛ مدهوسات من الداخل وبشكل متعمد وعلني. أجل، لقد سحقتنا ظروف المعيشة وأتلف الحصار ورود شبابنا وهاهو العمر يمضي كومضة برق في ليلة شتوية ماطرة. وبقيت لوقت طويل أفكر بالحمامة وأقارنها بكل النساء من اللواتي سحقتهن ترهات الحكومة وبطشها. وفجأة، اعادني إلى الواقع صوت سائق سيارة القمامة وهو يصرخ بملء صوته: انتبهي يا مجنونة! وهكذا اجتازتني سيارة القمامة بسرعة وبسلام..

وهكذا هو حال البلد- مستعجل وفي حالة انذار دائمًا، ومن يدري فلربما كانت تلك الحمامة المسحوقة وسط الشارع انذار شؤم لنا جميعًا. فهذه الأمور باتت تحيط بنا من كل جانب، وبتنا نرى كل شيء ملوث بالدم: كلامنا، وسائد نومنا، وحتى رؤيتنا للمستقبل باتت بلون الدم. لقد اصبحنا ننظر للمستقبل كمن ينظر إلى بركة دم. فحياتنا دموية وأحلامنا دموية بدلاً من وردية..ولعل السائق لم يكن مخطئًا حين لقبني بالمجنونة، لأنني حقًا اصبت بشيء من الجنون حين رأيت تلك الحمامة الرمادية. أتراها كانت آخر حمامة سلام مرت ببلادي؟ أم تراها هي التي رمت بنفسها تحت عجلات السيارة منتحرة حالما ادركت بأنها فشلت في غرس غصن زيتونها في أرض هذا الوطن؟ أكان الأنتحار افضل لها من ان تعود مخذولة وحاملة بمنقارها راية سلام مزيفة ملطخة بدماء الأبرياء بحجة الكرامة وعزة الأنسان؟ وهل تبقى لنا شيء من العزة حقًا؟
توقفت لبرهة قبل عبور شارع آخر حالما لمحت مركبة قادمة لئلا أتعرض للشتم من احدهم من جديد، واكتشفت بأنها كانت مركبة فخمة تعود لأحد "الكبار" في البلد، وكأنه بقي لنا بلد كي يكون فيه "كبار"..وكانت السيارة تسوق ببطء شديد وكأن من فيها غرباء عن المكان. بدا على راكبي السيارة عدم الأكتراث بما يدور حولهم. وأحسست من طريقة القيادة بأن كبير البلد الذي يركبها يرسل لعنات ملفوفة بالأحتقار لكل من حوله. وكأنه كان يقول لي: تبًا لك ولحمامتك! فأنا لا يهمني شيء طالما انا السيد في الوقت الراهن، وأزيدك علمًا فأنا ادهس عشرات النساء من امثالك كل يوم دون يرف لي جفن! وحين اقتربت السيارة مني كان المسؤول الكبير يتاملني بنظرات وقحة وشهوانية وكأنه يقول: ان من امثالك يدهسن في اماكن مظلمة وبعيدة عن الأنظار.

ثم مضى ولكن نظرته المليئة بالشماتة تجاه الآخرين بقيت معلقة في ذاكرتي اللعينة..فأسرعت وعبرت الشارع وفي داخلي رغبة بالصراخ، رغبة بالأحتجاج، ولكن من يجرأ ان يحتج في هذا البلد؟ اردت ان احتج ضد من دهس الحمامة وعلى سائق المركبة وعلى ذلك الوغد الذي يسمى بصاحب المعالي! كما وكنت اريد ان احتج بالنيابة عن كل المسحوقات من امثالي، ولكن احتجاجي التصق على جدار قلبي وعبرت الشارع وصورة الحمامة مطبوعة في ذهني؛ غير دارية فيما لو كانت آخر حمامة سلام تمر ببلادي.. اتمنى ان لا تكون كذلك واتمنى ان يعم السلام واتمنى ان أنام وأستيقظ لأجد اسرابًا من الحمام ينقر على زجاج نافذتي.. ولكن متى يا ترى سنأخذ بثأر تلك الحمامة الشهيدة؟ أعرف بأن امنيتي هذه بعيدة المنال ولكن من حقي ان اسأل متى ستمتلئ ساحاتنا بالحمام مثل بلدان أخرى؟ ومتى سنطعم حماماتنا من حنطتنا المقدسة بدلاً من سحقها على اسفلت الشوارع؟
5
-5-1999



#جوزفين_كوركيس_البوتاني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحيل عام ملعون وحلول عام العن
- حقل التفاح
- الملكية
- المرأة في بلدي
- بصحة لا أحد!
- الداهية والأدهى منه
- عرس في أطراف المدينة
- نعيق غراب ونافذة انتظار
- طرق بابي ومضى
- اللقاء الأخير
- نظرة ود عابرة


المزيد.....




- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - أنتحار آخر حمامة سلام