أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يونس بنمورو - ترجمة [7] كيف تصبح أبا















المزيد.....

ترجمة [7] كيف تصبح أبا


يونس بنمورو

الحوار المتمدن-العدد: 3984 - 2013 / 1 / 26 - 18:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


السلوك خلال مرحلة المراهقة الأولى :

بعض المبادئ التربوية و أيضا السلوكية التي تم عرضها فيما سبق ، ستستمر و ستظل قائمة طيلة مرحلة الطفولة ؛ فشرود الطفل في هذه المرحلة بطريقة بارزة و ملحوظة ، سيظهر بين الفينة و الأخرى إلى حدود سن المراهقة الأولى حيث سيبدأ بالإختفاء و الزوال ؛ لكن بالمقابل ، سيظهر مبدأ جديد ، يتوجب تطبيقه و العمل به بضرورته و أهميته ؛ هذا المبدأ هو ذاك المتعلق بالتمييز بين المشاعر التي يمتلكها طفلكم ، وبين مختلف أفعاله و تصرفاته ؛ فمن ناحية الأفعال و السلوكات ، نشير لسلوك الطفل الخارجي ، كإجتيازه للشارع جريا و بعشوائية ، أو ضربه بعنف لأحد أصدقائه ، أو مشاركته للعبه مع الأطفال الآخرين ؛ أما من ناحية المشاعر و الإحساس ، نشير لتلك المشاعر الداخلية ، كالخوف و الغضب و الحب . لكن ، لماذا هذا التمييز بين السلوك و الأحاسيس جد مهم بالنسبة لكم ، بإعتباركم أباء ؟ و أين تكمن أهمية القيام به ؟ ببساطة ، لأن الطفل في هذه المرحلة يستطيع أن يتعلم بسهولة كيفية التحكم في مختلف أفعاله و تصرفاته ، لكن في ذات الوقت ، سيكون من العسير عليه فعل نفس الشيء مع أحاسيسه ، فبما أن مشاعره و مختلف أحاسيسه تتبادر إلى ذهنه عفويا ، فأنه في سنه هذا ، يتعذر عليه تغييرها أو طردها .
هذا التمييز بين الأحاسيس و السلوكات ، سيظل قائما كمبدأ إلى حدود عتبة سن الرشد ؛ لنأخذ من باب المثال ، الشعور بالغضب ؛ يستحيل على الطفل في هذه المرحلة أن يتملص من غضبه ، إذ هو عاجز بالكامل عن التحكم في كافة مشاعره سلبية كانت أو إيجابية ؛ لكن بالمقابل ، يستطيع السيطرة على مختلف سلوكاته و أفعاله التي تعبر و توحي عن غضبه ، كرمي الرمال في أعين طفل ما مثلا ، أو القيام بضرب أحد أصدقائه بعنف ؛ فإنطلاقا من وضعيتكم كأب ، مهمتكم الأولى هي خلق و تحديد حدود عقلانية لمختلف تصرفات طفلكم ، و التي يتوجب على هذا الأخير ، الإنصياع لها و إحترامها ؛ لكن ما هي تلك الحدود إذن ، بالنسبة لطفل في سنه الثانية فقط ؟ ستجدون عددا مهما من النصائح الأساسية في فصول كتابيTout se joue avant six ans و في كتاب Le bébé et l’enfant dans la culture contemporaine لمؤلفه الدكتور Gesell Ilg ؛ إذ داخل فصول الكتابين ، ستجدون ما يتوجب على طفلكم و بالخصوص في هذه المرحلة أن يفعله ، و أيضا ما لا يفعله .
للأسف نتعلم أغلب الأمور المتعلقة بالتنشئة و التربية ، من خلال تربيتنا لطفلنا الأول ، فبدون أي معرفة و تجربة مسبقة ، غالبا ما ننتظر من الطفل أن يكون ناضجا أو إن صح التعبير ، أن يكون رجلا صغيرا ، رغم عجزه عن فعل ذلك ؛ عموما ، نرغب من طفلنا أن يضع لنفسه حدودا ، و أ ن يسهر هو بنفسه على إحترامها و كأنه في سن متقدم ، و هو لم يتعدى بعد السنتين ، في حين أن الأمر منطقيا ، لن يتم كما نرغب و نريد ـ نحن كآباء ـ إلا بعد إجتيازه لمرحلة المراهقة الأولى ، حيث سيعلم و سيعي جيدا ما المنتظر منه .
إستهلوا تربيتكم لطفلكم في هذا الطور من نموه ، بتقبله كما هو ، و لا تنتظروا منه أن يتحلى بمواصفات نضج طفل في عمر الرابعة ، و هو لم يكمل بعد سنته الثانية ؛ و حاولوا بالموازاة لذلك التصريح بمتطلباتكم و رغباتكم حتى يعرفها الطفل ، و ذلك من خلال إقامة الحد الأدنى فقط من القواعد الواجب على الطفل إحترامها و بالأساس الخضوع لها ؛ ليست هناك قائمة معينة و لا لائحة جاهزة ، فلكل أسرة أسلوبها الخاص ، إذ أن بعض الأسر أكثر تسامحا مع الطفل و غالبا ما يفرضون عددا قليلا من القواعد ؛ بينما الطرف الأخر من بعض الأسر ، هم أشد صرامة و دقة ؛ هذا النوع من الأسر يمارسون قهرا و يتسببون في قلق سيكولوجي لطفلهم ، في حالة إذا ما فعل فقط ، نفس السلوك و التصرف الذي سلكه صديقه . شخصيا ، لا أعتقد أن مثل هذه القاعدة الأخيرة ، ستضيف شيئا أو تحمل الكثير لطفلكم ، بينما إذا كانت الضوابط جد عقلانية و متناغمة ، و بإمكانكم فعلا تبريرها ، أي تقديم تفسير لسبب إعتمادكم عليها ؛ بمعنى أخر ، إذا كانت زوجتكم و أنتم أيضا على إتفاق حول تلك الحدود ، و حول ضرورتها ، فهذا أمر جد مهم و سيكون أكثر أهمية ، إذا ما تم تطبقيها و تفعيلها ، في هذه الحالة ، ستكون مختلف تلك الضوابط و القواعد ، ذا فائدة و قيمة تربوية عالية .
أعتقد أن أغلب الآباء هم على أحقية و على كامل الصواب فيما يتعلق بالحدود المفروضة على أفعال و تصرفات أطفالهم ، لكن نادرا ما ينجحون في فرض نفس الحدود و الضوابط على مشاعر و أحاسيس الطفل ؛ فإذا أردتم أن يكون طفلكم متوازنا نفسيا و بتصور قوي و صلب حول ذاته ، يجب عليه أن يعبر و بكامل حريته ؛ لكن للأسف ، النزر القليل فقط من الآباء ، من يترك مساحة جد مهمة لأبنائه حتى يتمكنوا من التعبير بحرية مطلقة ؛ تصوروا معي حالة أب أخذ طفله للعب في الحديقة ، بعد فترة زمنية ، سيقرر الأب أن يحمل الطفل ليعود أدراجه ، لكن الطفل سينتصب قائلا " لا أرغب في الدخول ، أنت قبيح لأنك تريد أخذي للمنزل ، أنا لا أحبك " ماذا سيفعل الأب إذن في مثل هذه الحالة ؟ و كيف سيتصرف ؟ بطريقة طبيعة و كما هو الحال بالنسبة لأغلب الآباء ، سيرد بغضب ، و سيتصرف بعنف " ألا تستحيي مني ؛ لماذا تكلمني بهذه الطريقة " لكن لماذا إذن مثل هذا الجواب ؟ هل من الصواب منع الطفل و التضييق على حريته للتعبير عما يخالج صدره من مشاعر سلبية كالغضب ؟ أم أننا نريد سماع فقط مشاعره الإيجابية إتجاهنا ؟ فلتعلموا جيدا ، أنه فقط عندما يعبر الطفل عن مشاعره السلبية بدون خوف ، سيستطيع أيضا التعبير عن مشاعره الإيجابية ؛ فإذا ما كبحت و كبتت تلك المشاعر السلبية في صدر الطفل ، و عجز عن التصريح بها ؛ فإنه بالمقابل لذلك ، سيتعذر على مشاعر الحب و المحبة أن تنبثق بسهولة ، بينما مشاعر الغضب و العداوة لا زالت مكبوتة ، و جاثمة على تلك الأحاسيس الإيجابية ؛ فلماذا إذن نمنع أطفالنا من التعبير عن مشاعرهم و مختلف أحاسيسهم السلبية ؟ من المحتمل إذن ، أننا نعيد إنتاج ما تلقيناه في صغرنا ، إذ كل ما كان ممنوعا علينا فعله و القيام به ، و كل ما تم كبته داخل صدورنا في طفولتنا ، و هو ما نعيد تمريره و تلقينه لأبنائنا .
إن ما يتوجب علينا إذن كبحه ، هو مختلف تلك السلوكات و التصرفات غير المرغوب فيها ، و الممقوتة خاصة إجتماعيا » الضرب ـ رمي الرمال في أعين الأطفال ـ السرقة ... « و لكن بالمقابل ، يجب تأمين الحرية التامة لطفلكم حتى يتسنى له التعبير عن أحاسيسه و مشاعره ، سواء كانت محمودة أو مذمومة ، فإذا لم يقترف الآباء مثل هذا الخطأ ، و تركوا لأبنائهم كامل الحرية في التعبير عن أحاسيسهم ، فهم يحسنون صنعا ؛ و إذا ما تم كبحها ، فإنما فعله الآباء يعد خطأ تربويا لا يغتفر . فالأحاسيس المكبوتة هي السبب الرئيسي لمختلف الإضطرابات النفسية الخطيرة ، فالبالغون و الذي يعانون من هذه المشاكل على سبيل المثال ، يتعلمون عن طريق العلاج النفسي الكيفية الصحيحة للتعبير ؛ فالإنسان مثلا الذي يشتكي من مرض ما ، و يتمكن بطريقة أو بأخرى ، من التعبير عن معاناته الشديدة و المكبوتة ، فإن المرض سيبدأ بالإختفاء تدريجيا نتيجة لتمكنه من التعبير بحرية ؛ لذا علموا أطفالكم طرق التعبير وهم صغار ، هذا سيعزز حظوظهم في مرحلة بلوغهم ، إذ سيصبحون أكثر توازنا نفسيا ؛ لكنهم ليسوا بحاجة فقط ، لقول ما يفكرون فيه أو ما يحسون به ، لكن بحاجة أيضا و على وجه الخصوص ، لمعرفة أن أبائهم على علم و بينة بمشاعرهم و أحاسيسهم ؛ لكن كيف أمكن للأب ، أن يظهر لفلذات أكباده بأنه يفهمهم جيدا ؟ يمكنكم القول على غرار ما يلي : أعلم جيدا يا بني بما تحس ، فنفس الإحساس كان يخالجني و أنا في نفس عمرك . لكن مثل هذا الجواب ، لا يعدوا أن يكون طريقة تقليدية أقل بساطة و إقناعا ؛ إذ هناك طريقة أخرى جد فعالة و أكثر أهمية ، لمعرفة أي الأحاسيس تعتمل في صدور أبنائكم ، و هي تلك الطريقة التي إكتشفها السيكولوجي Carl Rogers منذ سنوات عداد ، و التي أطلق عليها إسم :العاطفة المنعكسة أو Feed-Back .

تقنية Feed-Back :

يتكون هذا المبدأ مما يلي :
يمكنكم أن تظهروا لطفلكم بأنكم تفهمون جيدا إحساسه ، و ذلك من خلال محاولة ترجمة مشاعره للغتكم الخاصة ، ومحاولة الإحساس بها كما لو أنها تحصل معكم ، أو تخصكم بالذات ، فالمسألة جد سهلة في هذه المرحلة من نمو طفلكم السيكولوجي ، إذ يمكنكم في غالب الأحيان إستعمال نفس الكلمات التي يستعملها طفلكم للتعبير عن أحاسيسه الخاصة ؛ فحسب ما قيل ، قد يأتي طفلكم ذو السنتين و الدموع تنزلق من عينيه الصغيرتين ، لأن أخاه الأكبر ذو الرابعة من عمره ، رمى بعض الحبيبات الرملية على وجهه ، في هذه الحالة مثلا ، يمكنكم إستعمال نفس الكلمات التي جاءت على لسان طفلكم و ذلك لنصل لمبتغانا ، و هو معرفة الطفل مدى إحساس والده بكل مشاعره ، إذ يمكنكم القول وفق نفس الحالة دائما : لقد قذف بالرمال على وجهك ؛ أو : أعلم بأنك غاضبا لأن " طومي " أرسل بالرمال على وجهك ؛ أو بعبارة أخر : هذا جعلك غاضبا ، لأن " طومي " رمى بحبيبات الرمال على عينيك .
يمكنكم ترجمة مشاعره إلى لغتكم الخاصة ، و إعادة إرسالها له بإستعمال كلماته الخاصة خصوصا ؛ وهذا ما أسمية ب La Technique du Feed-back ؛ إذ بترجمة و إعادة تأويل أحاسيس الطفل الخاصة و التعبير عنها ، سيتبدى لطفلكم قوة تعاطفكم معه ، و سيفهم بأنكم تقدرون و تفهمون جيدا مختلف مشاعره ؛ هذه التقنية جد مهمة في هذه المرحلة ، و بالتغاضي عنها سيقول الطفل : لا ، ليس هذا ما أحس به يا أبي ، أنت لم تفهمني . لذا فلتعلموا بأن السواد الأعظم من الآباء لا يرتهنون على هذه المنهجية لحل بعض الوضعيات المعقدة ، بقدر ما يحاولون بالأحرى ، الحديث فقط مع طفلهم بطريقة معينة ليتخلى هذا الأخير ، عن تلك المشاعر السلبية و ألا يصرح بها ، لأنها حسب إعتقادهم شيء قبيح ، و من غير الأخلاقي قوله .
لنأخذ على سبيل المثال ، طفلا في سنه العاشرة ، و الذي صرح لأبيه بقلقه و خشيته من الإمتحان ، إذ قال : أبي إني خائف من الإخفاق في إمتحان الرياضيات غدا صباحا . في الحالة العادية لأغلب الآباء ، سيجيبون على هذا المنوال : لا تهتم يا بني ، أنا متيقن بأنك ستنجح . أو : لقد نجحت في جميع إمتحاناتك هذه السنة ، و سيحصل نفس الشيء معك في هذا الإمتحان . أو بجواب أخر : لا تكن متشاءما يا إبني بخصوص إمتحانك هذا . فمن خلال هذه الأجوبة ، يتضح أنها لا تخلوا من حسن نية و تفاءل من جهة الأب ؛ لكن بالرغم من ذلك ، لم يساعد الأب طفله على ضبط خوفه ، و السيطرة على خشيته من إمتحان الرياضيات ، مما سيدفع بالإبن لأن يقول في قرارة نفسه ، و دون أن يصرح بذلك : إنه لمن غير المجدي الحديث إذ مع أبي ، فهو لا يفهمني بتاتا . لكن إذا ما إستعمل الأب منهجية و تقنية Feed-back سيجيب قائلا : أرى يا بني بأنك تحمل الموضوع أكثر مما يستحق ؛ إشرح لي جيدا سبب خوفك . بهذا السؤال ، سيحاول الطفل إذن عرض همومه و أسباب قلقه ، و التي من خلالها ستتيح للأب بدوره ، إمكانية ترجمة أحاسيس الطفل إلى لغته الخاصة ، ليعيد صياغتها من جديد ، لكن بنفس كلمات طفله ؛ بهذه الطريقة المنهجية ، سيتعرف الطفل و سيتيقن بأن والده يفهمه جيدا ، حتى أنها ستصبح مسألة يقينية بالنسبة له ، إذ سيعتبر أباه هو أفضل رفيق له أكثر من أصدقائه ، على إعتبار أن هذا الأخير يستوعبه و يقدره ، كما يخفف دائما من مشاكله و قلقه ؛ إذ ما إن يعبر الطفل عن ريبته أو تخوفه من شيء معين ، إلا و يجد أباه بجانبه ، ليطمئنه بطريقة إيجابية و جد ناجعة ؛ أسمي هذه الطريقة إذن ب La Technique du Feed-Back ، إذ ليست بتقنية فقط أو مهارة ، بل إنها أيضا موقف لمواجهة مصاعب الحياة ؛ قد يقض مضجعكم هذا الكلام ، لكن بقدر تكيفكم معها و تمكنكم من القيام بها ، بقدر ما ستعلمون بالملموس أنها تقنية سيكولوجية خالصة ، تستجيب لحل مشاكلكم .
فبإعتباركم أبا ، يتوجب عليكم الإهتمام بمشاعر طفلكم و مختلف أحاسيسه ، و ضرورة إحترامكم بالخصوص لحقه في التعبير عن تلك الأحاسيس ؛ هذه التقنية جد سهلة لتعلمها و فهمها ، لكن على النقيض من ذلك ، فيما يتعلق بتطبيقها و تفعيلها ، فبدون شك ، لأننا لم نتربى على نفس الطريقة ، أي أننا لم نعتد على التعبير عن مشاعرنا في طفولتنا ، لذا لن يكون سهلا علينا ترك مساحة واسعة لأطفالنا حتى يتسنى لهم التعبير ؛ لذا حاولوا قدر المستطاع مواجهة و مجابهة هذا العائق ، و ذلك بتدريب أنفسكم تدريجيا ، فما إن تحسوا بنتيجة هذا التدريب حتى تحسوا بالفرحة لنجاعتها . لكن هذه المنهجية ليست هي الضامن الوحيد لعلاقة حميمية و وطيدة بين الأب و إبنه ، إذ ليست لوحدها الدواء الشافي لمجموع مشاكلكم ، بينكم و بين إبنكم ، إذ يمكنها أن تكون مساعدة من جهة ، لكنها لن تكون بالجواب النهائي من جهة أخرى .
عندما يهم طفلكم بالدخول للمدرسة و الدموع تنهمر من أعينه الصغيرتين ، لسبب بسيط ، أنه لم يكن من المدعوين لحفلة عيد ميلاد أحد أصدقائه ؛ يمكنكم حينئذ أن تستندوا على تقنية Feed-back للتعبير عن مدى تفهمكم له ، و بالموازاة لذلك ، يمكنكم أيضا فعل أشياء أخرى لتهدئة و تليين الوضع ، عن طريق إقتراح إمكانية تنظيم حفلة صغيرة يوم السبت مثلا ، و له كامل الحق في دعوة أصدقاءه ؛ بتعبير أخر ، لا يمكنكم فقط التوكؤ على ذات التقنية ـ Feed-back ـ لكن يمكنكم بالمقابل لها ، أن تلعبوا أدوارا أخرى ، أكثر إيجابية في كل وضعية مؤلمة ، و محزنة بالنسبة للطفل ؛ و هذا سيكون مفيدا لعلاقتكم مع إبنكم ، لأنكم أولا إستمعتم له جيدا ، و تفاعلتم معه ؛ ثانيا ، لأنكم تصرفتم بليونة لتهدئة الوضع ، و ذلك بإقتراحكم القيام بحفلة . لكن في حالة ما إذا كانت الوضعية مختلفة ، أي أن مشاعر طفلكم السلبية كان سببها الرئيسي هو رفضكم لأحدى رغباته ، أي إذا ما رفضتم له إقتناء المثلجات للمرة الثانية ، و هو يعبر عن قلقة بالبكاء نتيجة هذا الرفض ؛ يمكنكم أن تستندوا على تقنية Feed-back للتعبير عن تعاطفكم معه ، لكن أن تشتروا له المثلجات للمرة الثانية ، فكأنما تدفع الطفل لإستدخال مبدأ جد خطير ؛ بمعنى أخر ، أنه سيجعل من البكاء سلاحا و آلية سيلزمكم من خلالها ، طوعا أو كرها على تغيير أفكاركم ، وهذا إذا ما تم سيعصف و سيهدد هبتكم و سلطتكم الأبوية . أما على النقيض من ذلك ، إذا كان طفلكم خجولا ، خائفا أو حتى غاضبا أمام وضعية معينة ، يتوجب عليكم مساعدته لإيجاد حل ما ، بمعنى إذا كان خائفا من اللعب مع أطفال آخرين ، دعوه يعبر عن خجله هذا ، وحاولوا إستعمال نفس التقنية السالفة الذكر ؛ لكن في نفس الآن ، يتوجب عليكم مساعدته لتجاوز مشكله هذا ، و ذلك بخلق برنامج متروي و جد حكيم ، يدفع بطفلكم إلى الإنفتاح على الآخرين ، من خلال زيارته لأحد أصدقاءه مثلا ، إذ يمكنكم تثمين هذه الزيارة من خلال الإحتفال ، و هذا ما سأتطرق له في الفصل القادم . أما إذا كان غاضبا لأن أصدقاءه يرفضون اللعب معه لأنه متسلط أو شرير ، حاولوا أن تقدموا له بعض الملاحظات غير المحسوسة ، و دون التأثير عليه سواء سيكولوجيا ، أو بدنيا من خلال ضربه و توبيخه ؛ فقط قولوا له مثلا : ربما رفضهم اللعب معك يا بني سببه كونك ترسل الرمال عليهم ، أو لأنهم لا يرغبون في الإستجابة و الخضوع لمختلف أوامرك التي تلزمهم بها ، أو لأنك تدفعهم للبكاء .
أغلب الآباء إذن يرتكبون العديد من الأخطاء في هذا الصدد ، بمحاولتهم لحل بعض المشاكل المرتبطة بأطفالهم ؛ لكن المسألة الأساسية التي لا يتوجب عليهم إغفالها ، هي حرية التعبير ، إتركوا لأبنائكم فرصا جمة ، لفضح ما يعتمل في صدورهم من أحاسيس و مشاعر ، و أظهروا لهم علاوة على ذلك ، مدى تفهمكم لهم .
في الأخير ، سنحاول إعادة ما قيل بطريقة مقتضبة ؛ دعوتكم في أول الأسطر ، إلى إقامة تمييز بين مشاعر الطفل و أيضا أفعاله ؛ كما إقترحت عليكم أيضا ، إقامة حدود عقلانية ، لتصرفاته دون التضييق بأي وجه كان ، على حقه في التعبير عن مختلف أحاسيسه ، كما شرحت لكم منهجية Feed-back . لكن في أخر هاته السطور ، سأنهي بمثال حي ، يجمل ما قيل ؛ يتعلق الأمر بوضعية واجهتها أنا شخصيا ذات يوم ، عندما كان عمر طفلي تقريبا سنتين ، أو على أكثر تقدير سنتين و نصف ، أخذته معي إلى الحديقة حتى يتسنى له اللعب ، و هذا ما حصل فعلا ، إذ باشر اللعب في الرمال ؛ لكن لحظة الرحيل ، إمتنع عن الذهاب قائلا : لا أريد الذهاب . و لحل مشكلتي هذه ، إرتهنت على نفس المنهجية و التقنية ، لأعبر له عن تعاطفي معه ، و قلت له : أعلم جيدا يا بني ، بأنك لا ترغب في الذهاب ، فأنت تستمتع بوقتك كثيرا . فأجاب : قلت لك لن أذهب . فأردفت أنا بدوري قائلا : فعلا ، أنت تلعب و تستمتع كثيرا بوقتك ، حتى أنك فضلت البقاء على الرحيل . مرت بعض الدقائق على أخر رد لي ، ثم حملته بقوة حول ذراعي ، لأضعه في الأخير داخل السيارة ، رغم صراخه و أيضا رفسه لي ، قائلا له : أنت عنيف و جد غاضب فعلا ، لأنك تريد البقاء في الحديقة ، بينما أنا أحملك إلى المنزل . فإذا تركته يضغط علي للبقاء و لو لهنيهات معدودات ، فكأني ألقنه أن يرفض الخضوع للحدود التي وضعتها ، لكن في نفس الوقت ، تركت له حرية التعبير و التنفيس عن أحاسيسه ؛ أما إذ لم أفعل ، فأني سأكون قد أقمعت جل مشاعره ، بل حطمت نموه السيكولوجي و صورته حول ذاته ، و لكن خلافا لما حصل ، سمحت له بالتعبير ، و أكدت له أكثر من ذلك ، على حقه في التعبير عن مختلف أحاسيسه المعتملة في صدره ، سواء إيجابية كانت أو سلبية .

يتبــــع ...



#يونس_بنمورو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة المقاولة : مكوناتها و خصائصها
- ترجمة [6] كيف تصبح أبا
- جاك بيرك : شيخ المستشرقين المنحاز لقضايا العرب و المسلمين
- حسن المجاهيد : سوسيولوجيا العالم العربي لدى جاك بيرك
- ضيف و حوار : الدكتورة عائشة التاج
- ترجمة [5] كيف تصبح أبا
- ترجمة [4] كيف تصبح أبا
- ترجمة [3] كيف تصبح أبا
- ماكسيميليان فيبر: مسار عالم
- ترجمة [2] كيف تصبح أبا
- ترجمة [1] كيف تصبح أبا
- أوغست كونت : عندما تكون الإنهيارات الداخلية وراء الخلق و الإ ...
- بيير بورديو : مفكر الخلخلة و الإزعاج
- برقية سابعة من صديق على عتبة الإلحاد
- برقية سادسة من صديق على عتبة الإلحاد
- برقية خامسة من صديق على عتبة الإلحاد
- برقية رابعة من صديق على عتبة الإلحاد
- برقية ثالثة من صديق على عتبة الإلحاد
- برقية ثانية من صديق على عتبة الإلحاد
- برقية أولى من صديق على عتبة الإلحاد


المزيد.....




- احتفال ينتهي بذعر وهروب للنجاة.. إطلاق نار يحوّل لم شمل سنوي ...
- أكبر رئيس في العالم يسعى لولاية ثامنة
- شباب مبدعون.. مهارات وابتكارات ذكية بأيد شبان في عدد من دول ...
- احتفالات فرنسا بالعيد الوطني تبرز -جاهزية- الجيش لمواجهة الت ...
- فرنسا.. أي استراتيجية دفاعية لمواجهة التهديدات الأمنية المتف ...
- أعداد القتلى إلى ارتفاع في اشتباكات متواصلة.. ما الذي يحدث ف ...
- زيلينسكي يستقبل مبعوث ترامب على وقع هجمات متبادلة بين روسيا ...
- زيلينسكي يقترح النائبة الأولى لرئيس الوزراء لقيادة الحكومة ا ...
- أكسيوس: إدارة ترامب تلاحق موظفي الاستخبارات باختبارات كشف ال ...
- الأحزاب الحريدية تعتزم الاستقالة من حكومة نتنياهو


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يونس بنمورو - ترجمة [7] كيف تصبح أبا