أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالمنعم الاعسم - الكتابة.. والكتابة في السياسة














المزيد.....

الكتابة.. والكتابة في السياسة


عبدالمنعم الاعسم

الحوار المتمدن-العدد: 3974 - 2013 / 1 / 16 - 18:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لماذا نكتب؟ سؤال ، كما ترون مركّب، وإشكالي، وله ما يبرره، ومطروح على سطح اهتمامات العصر والكتاب والدراسات المختلفة، فقد اصبحت الكتابة مشكلة بحد ذاتها، لانها تحاول ان تجد مكانها في مجرى النشاط الانساني، المعولم، والبالغ التعقيد، حتى المفهوم التقليدي الذي يذهب الى ان الكتابة دخلت في متطلبات الحياة اصبح بحاجة الى مراجعة في ظل ظهور اشكال جديدة من التعبير تنافس الكتابة في التعامل مع تلك المتطلبات.
اما الكتابة في السياسة على وجه الخصوص فقد تجاوزت تلك المتطلبات الى كونها، من جهة، ضرورة لتزييت ماكنة المصالح حتى في ابشع تطبيقاتها، ومن جهة اخرى، اصبحت مسؤولية باهضة الكلفة بالنسبة للكاتب، فلم تعد هي الاداة الوحيدة المتاحة لتصويب اتجاهات الاحداث، او خلاصا له مما يحيطه من اسئلة، أو وقاية مما يداهمه من اخطار، او حلّا لاشكاليات التعامل مع الواقع في وقت يزداد هذا الواقع تعقيدا واحتقانا.
فعندما حُرمت فيرجينا وولف من الكتابة واجبرت على العودة إلى مصحة الأمراض العقلية بدعوى عدم انسجامها مع المجتمع الذي كان يلزم عقل المرأة بالمشغولية النمطية في مسائل الإنجاب وتدبير المنزل، لم تجد بدًا من الانتحار. فقد جربت دون جدوى تحدي الحرمان من الكتابة، ولم تعد قادرة على مجرد التفكير بالعودة إلى المكان الذي سيسلبها حريتها في ممارسة حرفتها الوحيدة.
في لندن، وقبل عقدين ونيف من الزمان، فاجأني رجل الامن البريطاني وهو يسجل طلبي للجوء بالسؤال: اذا كانت مشكلتك مع صدام حسين هي الكتابة، وهي مصدر قوتك، فلماذا لم تفكر في تغيير هذه الحرفة الى حرفة اقل خطرا وابعد عن يد الملاحقة؟ فلم اجد جوابا جاهزا للرد، واتذكر اني اجبته بما لم يكن مقنعا، ولهذا فانه وضع امام طلبي علامة استفهام كانت السبب في تعليق حالتي لفترة اطول من فروض الموافقة على طلب اللجوء، لكن المهم، هو انني وبعد اكثر من عقد من السنين، التقيت محاميا متخصصا ليخبرني ان سؤال رجل الامن كان يتعارض مع حقوق الانسان، لان الكتابة مسؤولية، ورجل الامن البريطاني كان يقلل من شأن هذه المسؤولية، بل يعطي للدكتاتورية مبررا في التنكيل بالكتاب الاحرار.
الكاتب البريطاني الشهير "سومرست موم" في كتابه (الخلاصة) يتحدث عن تكاليف الكتابة في زمن المسؤولية التي تحولت الى معنى التضحية من اجل قيم الحياة، وسجل "لقد وجدت نفسي على صفحات الورق، فمن يستطيع ان يرفعني عنها"
سئل الأديب والكاتب أورهان باموك الفائز بجائزة نوبل في الآداب هذا السؤال: لماذا تكتب؟ فقال: أكتب لأنني غاضب منكم جميعا.. أكتب لأنني لا أستطيع تحمل الحقيقة إلا وأنا أغيّرها".
اما ارت بوكوالت، اشهر كاتب سياسي امريكي ساخر غفد كان يقول على الكاتب ان يرفع نهايات بنطاله عندما يريد ان يخوض في السياسة الامريكية، لكن العلم المدرسي للسياسة يقول ان كتاب هذا الميدان اقل انشغالا بذواتهم، لأن السياسة نفسها، خلاف أجناس النشاطات الاخرى، مطبخا للظواهر والاحداث والتحولات والاسئلة التي تجري خارج الذات والرغبات والمشيئات وهي تعني البشرية والمجتمعات والطبقات، وان النص السياسي يظهر كما لو انه مكتوب بعقل الجماعة، او مكتوب الى الجماعة، فيما النص الادبي يبقى رهن مبدعه وشكل تفكير شخص واحد.
ومن هنا تتأكد اهمية ما قاله بوكوالت بوجوب الحذر حين يتعين على الكاتب الخوض في شؤون السياسة، الامريكية بوجه الخصوص، والتسبيب هنا واضح، ويتصل بالمسؤولية المباشرة حيال الاخرين بالنسبة للكتابة بوجه عام .. تلك المسؤولية التي يتحدث عنها كتاب الادب والشعراء بالقول: انا مسؤول امام نفسي . امام ضميري. امام صدقيتي.
وعلى نحو تقريبي، يمكن تشبيه كاتب النص الادبي بالشخص الذي يدخل صالة السينما ولا يهمه غير حركة بطل الفيلم على الشاشة، وإنشاءات تلك الحركة في نفسه، فيما الكاتب السياسي يعاين تاثير الفيلم على جمهور المشاهدين واشكال التفاعل التي تظهر في مجرى العرض داخل القاعة، ثم خارجها.
واحسب ان العصر لم يغير من حقيقة ان الكتابة عملية رصد للافكار والظاهرات وإنشائها في عبارات سليمة المبنى والمعنى، لكني افترض بان الكتابة السياسية تبتعد خطوة عن عملية الرصد الى المشاركة، لتصبح جزءا عضويا من الحدث، ومن هنا تأتي التباسات الكتابة السياسية، بين ان تشارك من موقع المسؤولية المستقلة (بالمفهوم النسبي) حيال القيم والحقيقة وسلامة النية، وبين ان تشارك كملحق غير مستقل (او تابع) للجهة السياسية، او المشروع السياسي، رشيدا كان ام انكفائيا، والالتباس يعبر هنا نفسه في الخط الفاصل، الرفيع، بين الكتابة السياسية كإنشاء للوعي وصياغة المواقف او بوصفها دعاية تمليها اوامر او متطلبات السياسة.
الكتابة السياسية، تبقى في جميع الاحوال، مسؤولية تتجلى في اسطع معانيها في ساعة الحقيقة التي تملي فروضها قبل فوات الاوان، بان يقف الكاتب في منطقة الشجاعة ليقول كلمة الحق، من دون خوف، او مداهنة او تدليس.. وقد يقدِم الكاتب،في هذا الموقف، مساعدة للسياسي الذي يمضي في غيّه لكي يتراجع او يراجع، فلم يعترف موسوليني بهزيمته إلا عندما قرأ ما كتبه شوستر الكردينال قائلا: "حان الوقت للاعتراف بخطاياك".
اتحدث عن الكتابة السياسية كتحسّب.. وليس كتكسّب.



#عبدالمنعم_الاعسم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملف ىفاق المرأة والحركة النسوية
- العنف ضد النساء العراقيات.. عواطف مغشوشة
- تهميش السنة في العراق.. 5 حقائق منهجية
- العراق.. ماذا يعني انهيار تجربة الدولة الفيدرالية؟
- الكرد الفيلية.. خصوصية لا مكوّن
- هل يمكن ان تكون طائفيا ووطنيا في ذات الوقت؟
- احتراب طائفي .. هذا ما يحصل في العراق
- الغرب والدكتاتوريات.. ماض سئ السمعة
- هادي المهدي.. القاتل -معلوم- هذه المرة
- فرزات.. انهم قطع غيار
- كاظم الحجاج.. مرثية توماس اديسون
- القاعدة في اوربا.. فوق النظر وتحت السيطرة
- الحراك السوري.. معارضتان وسلطة واحدة
- الطفل المدلل الذي صار سفاحا
- افتحوا ملفات المافيا العراقية
- مقتل ابن لادن.. عراقيا
- -الجزيرة-.. هل غيرت مسارها؟
- خيارات المالكي.. المُر والأمَرّ منه
- اليمن: 12 الف سنة حرب وانجلز مرّ من هنا
- اسقاط نظام المالكي.. رأي آخر


المزيد.....




- هل باتت الأزمة بين إسرائيل وحماس من الماضي؟
- ترامب وزيلينسكي يبحثان الدفاعات الجوية لأوكرانيا وسط تصعيد ر ...
- هل انتهت حقبة العمل عن بعد؟
- موسم اصطياف جديد مهدد في اليونان بسبب حرائق الغابات
- فيديو.. سحابة سامة قرب مدريد وتحذير من مغادرة المنازل
- ليس إرهابيا.. الكشف عن دافع منفذ هجوم الطعن في فنلندا
- حماس تسلّم الوسطاء ردّها على مقترح وقف إطلاق النار
- حرائق ضخمة تدفع السلطات إلى إخلاء قرى في محافظة اللاذقية
- قرقاش: لا مخرج من أزمات المنطقة بالحلول العسكرية
- مصادر: رد حماس على مقترح غزة -مبهم-


المزيد.....

- نقد الحركات الهوياتية / رحمان النوضة
- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالمنعم الاعسم - الكتابة.. والكتابة في السياسة