أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود كلّم - قرية الحنيّة !!! همٌّ في الذاكرة ووجعٌ في القلب .














المزيد.....

قرية الحنيّة !!! همٌّ في الذاكرة ووجعٌ في القلب .


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 3974 - 2013 / 1 / 16 - 00:03
المحور: الادب والفن
    


قرية الحنيّة !!! همٌّ في الذاكرة ووجعٌ في القلب .
مروجها الخضراء ممتدة بأعشابها الناضرة وورودها الباقية , وسهولها المنبسطة إنبساطاً يفتح النفس ويبعث السرور فيها .
أغصان أشجارها متشابكة , يداعبها النسيم القادم من أعالي جبال الجليل الغربي في فلسطين , فتطرب وتسمع حفيف أوراقها وتغريد بلابلها أعذب معزوفة غنتها أوتار الحياة .مساءً كنت أسافر على جناح الحلم والخيال , الشمس وهي تلامس الأفق مودّعة تذبح على خطّه وريدها فتترك بقاياها , بقايا خيوطها الشمعية شفقاً يتوهج فينعكس على سطح البحر ليضفي عليه سحراً وجمالاً . نسائم الغروب تسري لطيفة مُضمخة بندى اللأعشاب تنعش القلب وتبعث السّعادة . يحل الغروب وتلملم الشمس آخر بقاياها في شموخ وكبرياء فيشيع شيء من الدفء والحنان . ومما يزيد قرية الحنيّة هذه الروضة جمالاً ورونقاً ظهور الهلال بعد الغروب ، فكأنه طوق من ذهب يزيّن ثوبها ، ولشدة جمالها فالشمس تضاحكها ، والماء الازرق يلحظها ، صورتها في الماء كانت محترقة . وعبر المسافاتِ تبدو الجبالُ في العُنفُوانِ كأشباحَ هائلةً لا تُخيفْ .
ومن الحنيّة جنوباً ينتصب امامك سفح جبل مرتفع شامخ كشيخ وقور، يصغي للنجوم كأن في أذنه صمم ، رزين كل الرزانه ، حزين من انبعاث دخان المشاحر من سفحه الشمالي ، في حين نجد البدر يستهزئ به ويضحك من صمته ومن هرامته ، إنه جبل جب سويد .في اسفله إبتكر الأهالي قناة الري التي اوصلوا من خلالها تلك المياه إلى المزارع والحقول .
مياهها عذبة تتدفق من باطن الأرض لألوف السنين ، إنها نبع العزيّة .
لم يقم في الحنيّة ومنذ وقت بعيد مسجد ولم تنتصب على ارضها حسينية . لم يعرف الناس فيها سوى ان الدين عند الله الاسلام ، فلا مذاهب ولا فرق كلامية او اسلامية .
كما لم تنتشر فيها كما اليوم اجهزة التلفاز ، كان ليل القرية بعد العاشرة موعد انتهاء البث التلفزيوني يبدو ثقيلاً ، حتى لكأن ساعاته لرتابتها تبدو دهراً .
دخل القرية مقيما دائما وليس زائرا اول جهاز تلفاز بالابيض والاسود كان قد وضعه ابو موس مهنا حكيم في دكانه ، كان هذا الجهاز وقتها النافذة الوحيدة التي يطلّ من خلالها اهل القرية على العالم ، والدرب الذي يربطهم بالحاضرة ، كان وجه المذيع عرفات حجازي والمذيعة سعاد قاروط العشي يطل على اهل القرية كل مساء عبر القناة رقم ٧ الوحيدة .
وقتها كنّا صغاراً نتشوق لرؤية هذه الآلة السحرية ، ولكن لم يكن لنا حظّ بالجلوس لرؤية البرامج إلا من خلال شقوق القصب من وراء جدار عريشة آل المصري ~ آل البدوي اليوم بعد حصولهم على الجنسية اللبنانية ~ كنّا ونحن نسترق السمع ونسرق الرؤيا أحياء في ثياب موتى ، لا نتحرك ولا نسمع حتى زفيرنا والشهيق مخافة ان ينتبه صاحب العريشة لوجودنا فيطردنا ونخسر بذلك رؤية فيلم السهرة الذي كان مسموحاً برؤيته للصبايا ومن هم اكبر منّا سناً .
كان ثمة ما يشبه الصراع بين سائق التاكسي ابو ليفة وابو صالح الشاذلي وقد أورّثا هذا الصراع إلى ابو موسى مهنا وعلي قاسم . ابو موسى نموذجاً للإنسان الحنون الطيب صاحب الاخلاق الرفيعة ، اسعاره مغرية لطلاب المدارس خاصة ، التسعيرة بعشرة قروش للجلوس داخل السيارة وفي صندوق السيارة خمسة قروش ~ فرنك ~ .
كانت الرحلة الاولى في الصباح الباكر مخصصة لطلاب المدارس ، كان يقود سيارته بنا إلى مدينة صور وكأنه يسابق الريح .
كان يحشرنا كمتاعٍ داخل السيارة وفي صندوقها ، ذات صباح فوجئ بحاجز للجيش اللبناني على الطريق العام قرب رأس العين .
الجندي الذي يتولى أعمال الحراسة كان طويل القامة وصاحب شاربين ، إبتسم وحاول أن يفهم كيف استطاعت سيارة أبو موسى إستيعاب هذا العدد من الاطفال ...
طلب منه انزال جميع الطلاب إلى الأرض ثم أمره بإعادتهم اليها مرة اخرى . ابو موس صاحب خبرة ونحن نحفظ الدرس عن ظهر قلب . وبعدما انجز المهمة ربح ابو موسى سيجارة تبغ من الجندي واخذ يسابق الريح مجدداً . عند الظهيرة ككل يوم نتزاحم للجلوس في صندوق السيارة. وحال وصولنا إلى ساحة الحنيّة نفرّ من الصندوق كالعصافير ، اكثر من نصفنا كان لا يدفع الخمسة قروش ، يبدأ ابو موسى بالوعيد والتهديد لكنه في اليوم التالي يكتفي بفرك الاذن مع التهديد ان لا نعيدها مرة ثانية .
محاولاتنا كانت تتكرر كثيراً ، مرة بالهروب واخرى ما معنا خمسة قروش لأننا ضيعناها بالمدرسة وغداً نحضّرها لك ، وليومنا هذا لم نفِ بتعهداتنا لأبي موسى . أما تاكسي علي قاسم فكانت مخصصة للشباب وللصبايا ولكبار المسافرين ولم يكن لدينا نصيب بالصعود اليها .
ليست الجبال والمياه وحدها التي علقت بالذاكرة ، إنما طيبة وبساطة ومحبة أهل قرية الحنيّة لبعضهم ، هي جزء من الذاكرة غير المغيبة التي لا يمكن إغفالها عند الحديث عنها ، هذه القرية الفريدة ، إنها أيقونة الحياة !!!.
تحية الى قرية الحنيّة مسقط رأسي ومأوى رفات أجدادي قبل ان افقد الذاكرة !!!.
ليست لدي امنية سوى ان اراكِ وان اقرأ عنكِ ، وأن أسمع صدى أوجاعك ، قبل ان يتغيّر إيقاع الكلمات لدي .
بودابست - محمود كلّم



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اهداء من سليمان الشيخ الى ناجي العلي/ من يسند الروح !!!
- من هو ناجي العلي ؟
- ناجي العلي المبدع
- قرية العزّية : اندثرت ونام ضمير العالم !!!
- صرخة في وجه القتلة!!!
- عودة طيور السّنونو المهاجرة
- يا طاِئرَ السّنونو
- خواطر مبعثره في ليل خريفي !
- حين يسحقك الألم
- يا طائر العمر
- حرب المخيمات ! الاسباب والنتائج !!!
- حرب المخيمات ! ثرثرة في زمن الرطانة !!!
- خيط الدم، الأفق المُدمّى
- حادثة باص عين الرمانة
- حرب الأخوة الأعداء داخل أزقة المخيمات
- قلب مثخن بالجراح !!!
- الذي يأتي ولا يأتي
- الذكرى السنوية لرحيل ندى كلّم
- عشائر قضاء عكا : طرْدُهم من أراضيهم بدأ خلال الانتداب البريط ...
- جندي مجهول آخر عمل لفلسطين


المزيد.....




- العثور على جثمان عم الفنانة أنغام داخل شقته بعد أيام من وفات ...
- بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع ...
- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود كلّم - قرية الحنيّة !!! همٌّ في الذاكرة ووجعٌ في القلب .