أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - خيط الدم، الأفق المُدمّى














المزيد.....

خيط الدم، الأفق المُدمّى


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 3711 - 2012 / 4 / 28 - 00:36
المحور: القضية الفلسطينية
    


خيط الدم، الأفق المُدمّى
مثل معظم قرى الجليل المسروقة من وطنه، تمتد قرية جالين على السفح الغربي لجبل الجرمق الذي يشكّل مع سلسلة جبال لبنان الغربية الحدود الفاصلة بين لبنان والأرض الفلسطينية المحتلة، يحتضنها نهر القرن وتنام على ذراعه في دعةٍ وطمأنينة.
درجت أقدامه في مرابعها ومروجها، وزرع سيقانه في تربتها كعود الريحان صبياً. وشبّت قامته مع أشجار الزيتون فيها ينافسها التجذر والطول، وارتوى جسده من خرير نهر القرن، وفي مائه اغتسلت طفولته وصباه. مع عصافير الجليل زقزق وغرّد ومن ثم مات. ومع السنونو العائد إلى أوطانه حلّق في فضاءات الله الرحبة. وفي لياليها المقمرة كان في المغيب يترصد الأقمار، ويرصفها علامات في دربه المجهول.
كان يحدّق في ليالي جالين المظلمة وهو صبيّ فيشعر برجفة خوف في أوصاله لا يعرف أسبابها ومصدرها. كان الافق الممتد أمامه ذراع غولٍ يحاول الإطباق عليه فيهرب منها بروحه، بينما تظل أقدامه مسمّرة في الأرض. كان كل ما في جالين يقتات من جسده. إنه عِشْق الإنسان للأرض؛ عشق من النوع القاتل المميت دون رحمة.
حين تنطفئُ فوانيسُ الليل وتُطبقُ العتمةُ على الروح، يظلُّّ وجهه دليل السائرين في ظلمته وروحه أغنيةً تخترق ستار الليل كمزامير الرعاةِ.
عبدالله محمود كلّم المولود في قرية جالين قضاء عكا، فلسطين عام 1928، فيها عاش ولم يفارقها إلا حين ووري جسده في التراب. عاش فيها «غريب» كامو، وكان «قحط بن جداب» عند مظفر النواب عارياً لا يملك شيئاً، ولا حتى حفنةً من تراب قريته. عرف الحزن صديقاً له وتعرّف عليه وهو في سن مبكرة، فعقد معه حلفاً أبدياً، ظلّ وفياً لهذا الحلف حتى لحظات موته حين أحسّ به، هذا الزائر غير المرغوب بزيارته يصرخ في أذنيه، يدق الباب عليه، فأخبر مَن حوله بالزيارة غير المعلنة وغير المرحب بها. افترش سجادته الصغيرة واستدار بوسادته صوب القبلة، وأغمض عينيه الإغماضة الأخيرة.
بكى عبدالله كلّم أمَّه عليا في سن مبكرة، وذرف الدموع عليها، فعاش يتيماً مع شقيقه الأكبر فهد ووالده الذي بقي وفياً لزوجته فلم يتزوج بأخرى حتى رحيله.
لم يمضِ وقت طويل حتى نعى شقيقه فهد الذي اغتالته قوات الانتداب البريطاني عام 1945 فبكاه مرّ البكاء.
لم تستطع الأزمات ولا المحن أن تثني قامته فظلّ منتصب القامة عالي الهمة، ولا النوائب أن تنال من روحه وعزيمته أو كبريائه أو تبدّل في سلوكه وفي أخلاقه، بل ظل كما عرفه أهل قريته، رقيق الحواشي، زاخراً بالعاطفة، ليّناً ومتسامحاً، سهل العريكة، حلو الحديث، دمث الأخلاق، ليّن المشاعر رغم الحزن والخراب الذي في داخله.
كان يرى المستقبل سراباً أمامه كمن يقرأ الغيب، فيضرب كفاً بأخرى ندماً وخيبة بقيادة الثورة الفلسطينية التي رأى أنها ليست سوى تاجر يحمل وطناً للبيع في حقيبته، فلم تعد أهلاً للأمانة ولا جديرة بالمسؤولية، مسؤولية شعب تشتت في جهات الأرض.
كانت أرض فلسطين وترابها هاجسه، وأغنيته التي صاغ لحنها بنفسه. كانت نقطة الضوء في ليله الحالك، يسعى نحوها حثيث الخطى. لم يستطع العيش عنها بعيداً، عن حدود دولته الحالم بغدها. فلسطين الشمالية. فلم يغادر قضاء مدينة صور في جنوب لبنان طوال حياته. وإليها - أرض فلسطين- تعود أسباب تعلمه القراءة والكتابة على يد تاجر ثياب أردني، حين زار أرضه مرة، من عدة مرات، متسللاً، فألقت الأجهزة الأمنية اللبنانية القبض عليه، فاستضافه مرحّبا به سجن الرمل في مدينة صور ليقضي فيه ثمانية عشر شهراً بتهمة وجريمة لم يرتكبها ولم يعرف عنها وعن أصولها شيئاً.
ظلّ حلم العودة طيفاً يراوده في الصحو وفي النوم، وحنيناً يكابده، ونشيجاً يقطّع أوصاله، وعطشاً ليس من ريٍ له، فرحل رحلته الأخيرة (26-2-2012) وترك وراءه هذا الكمّ القاتل من الحنين الخجول والعودة التي لم تتحقق.
أبا علي وداعاً!!



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حادثة باص عين الرمانة
- حرب الأخوة الأعداء داخل أزقة المخيمات
- قلب مثخن بالجراح !!!
- الذي يأتي ولا يأتي
- الذكرى السنوية لرحيل ندى كلّم
- عشائر قضاء عكا : طرْدُهم من أراضيهم بدأ خلال الانتداب البريط ...
- جندي مجهول آخر عمل لفلسطين
- ستيفانو كياريني: إكليل غار على جبين فلسطين
- رحيل راوية شاتيلا أم ناظم الغائبة اليوم الدائمة الحضور
- قراءة في أوراق ضائعة
- ناجي وعلي / لو غابوا او تغيبوا !!! من يمسك الريشة والقلم


المزيد.....




- -هربوا وتركوني وحدي في المنزل-
- عملية طعن شمال تل أبيب تُخلّف ستة جرحى، اثنان منهم بحالة حرج ...
- مقتل شخصين في كريات شمونة إثر سقوط صواريخ أطلقت من لبنان
- الرئاسة العراقية ترفض المساس بالمرجعية الدينية: هذا التعدي س ...
- هاريس تكيل الإهانات لأوربان وشي جين بينغ وكيم جونغ أون وتصفه ...
- سياسي تركي يوضح كيف سينتهي الصراع في أوكرانيا بالنسبة للولاي ...
- مصدر دبلوماسي: اجتماع -رامشتاين- سيعقد 17 أكتوبر المقبل
- الجيش الروسي يحرر مركزين سكنيين في كورسك
- بوتين يقلد لوكاشينكو وسام القديس الرسول أندراوس
- قطار ألماني يتعرض لإطلاق نار


المزيد.....

- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - خيط الدم، الأفق المُدمّى