اسياد علم الميكانيك فى القرون الوسطى

مجدى زكريا

الحوار المتمدن-العدد: 3963 - 2013 / 1 / 5 - 14:16
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

المكننة ركن من اركان الصناعة الحديثة, وهى تغلب بشكل خاص على الاعمال الروتينية المتكررة. ولكن متى ظهرت الاجهزة الالية المبرمجة ؟ هل يعود تاريخها بضعة قرون فقط الى الثورة الصناعية الاوروبية ؟ ربما تتفاجأ حين تعلم انها ترقى الى عهد اقدم بكثير.
فى وقت باكر من العصر الذهبى للعلوم الاسلامية (من القرن ال8 بعد الميلاد حتى القرن ال13 تقريبا), نقل العلماء فى الشرق الاوسط اعمالا علمية وفلسفية الى اللغة العربية. فحفظوا اثار علماء اليونان امثال : ارخميدس, ارسطو, فيلون البيزنطى, كتيسيبيوس, وهيرون الاسكندرى. وبوصول هذه المصادر وغيرها الى الدولة الاسلامية, الممتدة من اسبانيا الى افغانستان مرورا بافريقيا الشمالية والشرق الاوسط, اصبح فى حوزة العلماء المسلمين المعطيات اللازمة لاختراع اجهزة الية.
وهذه الالات " استمرت فى العمل مدة لا بأس بها اقلها ساعات او ايام دون تدخل بشرى " حسبما يقول دونالد هيل المتخصص فى تاريخ التكنولوجيا. وكيف توصلوا الى ذلك ؟ كان المهندسون قد ابتكروا اجهزة ضبط فعالة فتحت الباب للمكننة, منها : خزانات وضعت فى مكان مرتفع يتدفق منها الماء لخلق مصدر طاقة ثابت, مفاتيح تلقائية لفتح واغلاق الصمامات او تبديل مجرى الماء, انظمة تنبيه ذاتى, بالاضافة الى " اول الاجهزة الامنة من التعطل " على حد قول هيل. اليك بعض الامثلة.
عاش الاخوة بنو موسى الثلاثة فى بغداد فى القرن التاسع. واستقوا من اعمال العالمين الهليستنيين فيرون وهيلون اللذين سبقاهم, فضلا عن مهندسين صينيين وهنود وفرس, لاختراع اكثر من 100 الة. ويعدد الصحفى المتخصص فى العلوم احسان مسعود بعضا منها, مثل : ساعات بمؤثرات بصرية خلابة, نوافير متنوعة تغبر طريقة تدفق المياه فى فترات محددة, واوان تقدم المشروبات تلقائيا وتمتلئ ذاتيا بفعل مجموعة مبتكرة من العوامات والصمامات والسيفونات. ووفقا للبرفسور المتخصص فى تاريخ العلوم جيم الخليلى, صنع بنو موسى ايضا انسانا اليا بدائيا بالحجم الطبيعى على شكل فتاة تصب الشاى. كما صمموا الة تعزف المزمار " قد تكون اقدم نموذج للالات المبرمجة ".
لقد استخدم هؤلاء العلماء انظمة الية تشبه الى حد بعيد انظمة الالات الحديثة. ويقول الصحفى احسان مسعود ان هذه الاجهزة " غالبا ما عملت بقوة ضغط المياه وليس بواسطة الالكترونيات, لكن الكثير من مبادئ التشغيل بقى على حاله الى يومنا هذا "
الجزرى " ابو الانسان الالى "
عام 1206, انهى ابن الرزاز الجزرى مؤلفه المعروف باسم الجامع بين العلم والعمل النافع فى صناعة الحيل (عرف علم الميكانيك عند العرب باسم صناعة الحيل) وقد وصف هذا الكتاب انه " دراسة فى التصميم الميكانيكى المنظم " كما ان الجزرى تفوق فى بعض تصاميمه على بنى موسى, واعد رسوما واشكالا ايضاحية مفصلة لدرجة تمكن المهندسين اليوم من اعادة صنع هذه الالات.
يصور كتاب الجزرى الات رفع الماء, ساعات مائية وشمعية, الات تصب الماء, واخرى تعزف الموسيقى. ويعرض الكتاب ايضا مضخة تحول حركة الناعورة الدائرية الى حركة المكبس الترددية, مما يؤدى الى ضخ الماء بقوة هائلة. ويقر المؤرخون ان الجزرى هو صاحب براءة الاختراع فى تصميم المضخات الهيدرولية قبل تصميم المضخات الهيدرولية قبل ثلاثة قرون من ظهور التصميم الاولى نفسه فى الغرب.
اضافة الى ذلك طور الجزرى ساعات غريبة انما تؤدى عملها بدقة, ومنها " ساعة الفيل " وقد اعيد بناء هذه الساعة فى مركز تسوق فى دبى. ان الية التوقيت فيها عبارة عن وعاء مثقوب موجود فى خزان ماء داخل جوف الفيل يمتلئ هذا الوعاء فى 30 دقيقة فيغوص فى الماء مطلقا سلسلة من الافعال التى تتم بواسطة حبال وكرات تنزل من " القصر " على ظهر الفيل. وعند انتهاء هذه الدورة بكاملها التى تستغرق نصف ساعة, يطفو الوعاء تلقائيا فتبدأ العملية من جديد. وهذا الجهاز بالاضافة الى اجهزة الية كثيرة منسوبة الى الجزرى اكسبته لقب " ابو الانسان الالى ".
حقا, ان قصة ابداع البشر تسحر العقول. غير انها اكثر من تاريخ مشوق, اذ تساعدنا على رؤية الامور بمنظار صحيح. ففى ىحين يتباهى كثيرون بالتكنولوجيا الحديثة, لنتذكر كم ندين للعقول الخصبة واللامعة التى مهدت السبيل لها.

#مجدى_زكريا (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل