أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مجدى زكريا - ابلا - مدينة قديمة تنفض غبار النسيان















المزيد.....

ابلا - مدينة قديمة تنفض غبار النسيان


مجدى زكريا

الحوار المتمدن-العدد: 3958 - 2012 / 12 / 31 - 11:56
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


وقف عالم الاثار الايطالى الشاب, باولو ماتييه, فى صيف سنة 1962 فى السهول الواقعة شمالى غرب سورية , وبدأ يقوم بمسح ميدانى لتلك المنطقة. لم يكن هذا العالم واثقا مما اذا كان سيحقق اى اكتشاف اثرى, لاسيما وان الداخل السورى كان يعتبر منطقة فقيرة بالاثار. لكن الحفريات التى بدأها بعد سنتين فى تل مرديخ, على بعد نحو 60 كيلومترا جنوب حلب, ادت الى ما اعتبره كثيرون اهم اكتشاف اثرى شهده القرن العشرون.
اكدت النقوش القديمة وجود مدينة اسمها ابلا. لكن احدا لم يعرف تحت اى تل من التلال الكثيرة الموزعة فى ارجاء الشرق الاوسط كانت تقع هذه المدينة. فقد روى احد النصوص قصة انتصار الملك الاكادى سرجون على " مارى ويارموتى وابلا ". وأتى الملك السومرى غوتيا فى نقش اخر على ذكر الخشب القيم الذى حصل عليه من " جبال ابلا ". كما ظهر اسم هذه المدينة فى الكرنك بمصر ضمن لائحة بأسماء مدن قديمة غزاها الفرعون تحتمس الثالث. كل ذلك دفع بعلماء الاثار الى محاولة العثور على مدينة ابلا.
وفى النهاية اثمرت جهودهم. ففى سنة 1968, عثر على قسم من تمثال لأبيتليم احد ملوك ابلا. وقد دل النذر المحفور عليه باللغة الاكادية انه كرس للالهه عشتار التى " تألقت فى ابلا ". وهكذا بدأت الاكتشافات الاثرية تكشف للعالم " لغة جديدة, تاريخا جديدا, وحضارة جديدة ".
سنة 1974 - 1975, تأكد العلماء ان مدينة ابلا القديمة كانت تقع على تل مرديخ بعدما عثروا على لوحات مسمارية تكرر فيها ذكر هذا الاسم القديم. وأظهرت الحفريات ايضا ان ابلا كانت قائمة فى هذا الموقع خلال حقبتين تاريخيتين على الاقل. فبعد ان قويت هذه المدينة واذداد نفوذها دمرت. ثم أعيد بناؤها لتدمر مرة اخرى وتصبح مدينة مفقودة تائهة عبر احقاب الزمان.
بنيت اقدم المدن فى السهول الطميية, كالسهل الممتد بين نهرى دجلة والفرات, اذ امكن استغلال هذه السهول باعتماد اسلوب الزراعة الكثيفة. فأولى المدن الذى ياتى ذكرها فى الكتاب المقدس كانت تقع فى بلاد ما بين النهرين. وعلى ما يبدو يعنى الاسم ابلا " الصخرة البيضاء ". وهو اشارة الى الارض الصخرية الكلسية التى أقيمت عليها المدينة. وقد اختير هذا الموقع, كما يتبين, لأن الطبقة الكلسية تضمن وجود مخزون طبيعى من المياه, امر بالغ الاهمية فى منطقة بعيدة عن الانهار الكبرى.
وبما ان معدل سقوط الامطار فى ابلا كان محدودا جدا, اقتصرت الزراعة الواسعة فيها على على الحبوب والكروم والزيتون. وكانت تلك المنطقة ملائمة ايضا لتربية المواشى, وخصوصا الخراف. كما ازدهرت فيها تجارة الاخشاب والاحجار شبه كريمة والمعادن. نظرا الى موقعها الاستراتيجى بين سهل بلاد ما بين النهرين وساحل البحر الابيض المتوسط. وقد بسطت هذه المدينة سيطرتها على منطقة بلغ عدد سكانها نحو 200,000 نسمة, عاش عشرة فى المئة منهم فى العاصمة.
تقف بقايا فصر ابلا الكبير شاهدا على عظمة تلك الحقبة من الحضارة الابلائية. فلدخول القصر كان على السكان عبور بوابة تراوح ارتفاعها بين 12 و 15 مترا. وقد وسع هذا القصر على مر الزمن لكى يتلائم مع حاجات الطبقة الحاكمة التى ازدادت قوة يوما بعد يوم. وكان نظام الحكم فى ابلا نظاما تسلسليا معقدا. فقد عاون الملك والملكة فى ادارة شؤون البلاد عدد من " القضاة " والاباء ".
عثر فى تل مرديخ على اكثر من 17,000 لوحة طينية او اجزاء من لوحات طينية. ويرجح انها كانت تؤلف فى الاساس اكثر من 4,000 لوحة كاملة وضعت بعناية على رفوف خشبية. وقد اظهرت هذه الوثائق مدى اتساع العمليات التجارية التى قام بها اهل المدينة. فقد اقاموا على سبيل المثال علاقات تجارية مع مصر, كما يدل رمزان ملكيان لاثنين من الفراعنة اكتشفا فى تلك المنطقة. وكتبت معظم هذه اللوحات باللغة المسمارية السومرية. لكن بعضها احتوى نصوصا باللغة الابلائية. وهى لغة سامية قديمة جدا تمكن العلماء من فك رموزها بفضل هذه الوثائق. وقد ذهل المستشرقون من اكتشاف مثل هذه اللغة السامية القديمة. ولاشك انك ستفاجأ انت ايضا حين تعرف ان عددا من اللوحات ضم قوائم دونت باللغتين السومرية والابلائية. ويدعو كتاب ابلا - منشأ الحضارة المدينية هذه اللوحات " اقدم المعاجم اللغوية على الاطلاق ".
كانت ابلا على ما يتضح قوة عسكرية لا يستهان بها. فقد ظهرت فى نقوش بعض القطع الاثرية صور لمحاربين ابلائيين يعدمون اعدائهم او يحملون رؤوسهم المقطوعهة. مع ذلك أفل نجم ابلا عندما بدأت اشور وبابل تزدادان قوة وعظمة. طبعا, من الصعب تحديد المجريات التاريخية بدقة, ولكن يبدو ان سرجون الاول (ليس هو المذكور فى اشعيا 20 عدد1) وبعده حفيده نرام سن هاجما ابلا. وقد اظهرت الادلة الاثرية ان الهجوم كان ضاريا والغارات عنيفة.
ولكن كما ورد سابقا, اعيد بناء هذه المدينة, حتى انها صارت احدى المدن المهمة فى المنطقة. وقد شيدت ابلا الجديدة وفق تصميم محدد زاد من عظمتها. كما اقيمت فى المدينة المنخفضة منطقة مقدسة كرست للالهه عشتار, التى كانت ايضا الهة الخصب عند البابليين. ولربما سمعت بباب عشتار الشهير الذى عثر عليه فى خرائب بابل. كما ضمت ابلا مبنى مهيبا استخدم, على ما يبدو. لايواء الاسود المكرسة لهذه الالهة. كل ذلك يدفعنا للبتساؤل عن المعتقدات الدينية فى ابلا.
على غرار المناطق الاخرى فى الشرق القديم, كانت لابلا مجمع من الالهة ضم بعل, هدد, ودجن. وكان الابلائيون يعبدون جميع هذه الالهة, فضلا عن الهة بعض الشعوب الاخرى. كما اظهرت الاكتشافات الاثرية انهم ألهوا ايضا عددا من اسلاف الاسرة المالكة وعبدوهم. وقد شاعت هذه العادة بشكل خاص فى الالف الثانى قبل الميلاد.
لكن الابلائيون لم يتكلوا فقط على الهتهم, فقد ـأحاطوا مدينتهم الجديدة بسور دائرى مزدوج حسب له كل الاعداء ألف حساب. وقد بلغ محيط السور الخارجى حوالى 3 كيلومترات, ولا تزال اثار هذا السور بادية بوضوح فى يومنا هذا.
ولكن حتى مدينة ابلا الجديدة زالت من الوجود. ويرجح انها دمرت نهائيا سنة 1600 قبل الميلاد عندما وجه اليها الحثيون ضربة قاضية. وتصف احد القصائد القديمة نهاية هذه المدينة التى شكلت فى السابق قوة عظيمة, قائلة : " تحطمت ابلا كما لو انها اناء من خزف ". وهكذا بدا ذكرها يضمحل تدريجيا. وقد ذكرت وثيقة دونها محاربون صليبيون كانو فى طريقهم الى اورشليم سنة 1098 المكان الذى كانت قائمة فيه مدبنة ابلا. وقالوا ان هذا المكان هو مركز عسكرى يقع بعيدا فى الريف ويدعى مرديخ. لقد غرقت ابلا بمرور الزمان فى عالم النسيان الى ان اعيد اكتشافها بعد مئات القرون.



#مجدى_زكريا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لالتعزية والتشجيع - جوهرتان بأوجه عديدة
- هل السلام ممكن ؟
- الرجل والمرأة - خلقا احدهما للاخر
- مولد يسوع - كيف يحقق السلام (2-2)
- الروح الميلادية - هل تبقى على مدار السنة (1-2)
- سد حاجة بشرية اساسية - بالتقدير
- لم لا يحتفل البعض بعيد الميلاد ؟
- رفقة - امرأة تقية تحلت بروح المبادرة
- لماذا نحن هنا ؟
- سيدة الصحراء السورية ذات الشعر الفاحم
- انكار الله فى القرن العشرين
- جذور الالحاد
- على اى اساس نبنى حياتنا ؟
- قوة اللسان
- يعقوب وعيسو - قصة للتأمل
- اى طابع يتخذه عيد الميلاد ؟
- هل يحق ان يتعاطى رجال الدين السياسة ؟
- كلمات وطرائف ونكات
- من الملوم ؟
- المرأة مكرمة فى عينى الله (3)


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مجدى زكريا - ابلا - مدينة قديمة تنفض غبار النسيان