مجدى زكريا
الحوار المتمدن-العدد: 3929 - 2012 / 12 / 2 - 12:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
" بتعاطى السياسة يمكن مساعدة المساكين, هذا ما ذكره رئيس اساقفة كندى . . . حتى لو بدا ان النظام السياسى يتعارض مع مشيئة الله, يلزم ان نتعاطى السياسة لنحقق العدل للمساكين ". - كاثوليك نيوز.
كثيرة هى التقارير التى تتحدث عن رجال دين بارزين يؤيدون علنا تعاطى السياسة. وكثيرون هم القادة الدينيون الذين يشغلون منصبا سياسيا. ان البعض يحاولون القيام باصلاحات سياسية, فى حين ينظم البعض الاخر حملات تؤيد المساواة العرقية والغاء الرق وامورا مشابهة. فيلقون الاستحسان عند الناس ويبقون فى ذاكرتهم.
ومع ذلك, فان كثير من اعضاء الكنائس ينزعجون عندما يؤيد رجال دينهم فئة من دون اخرى فى القضايا السياسية. ذكرت مقالة فى مجلة القرن المسيحى ناقشت اللاهوت السياسى : " ان مرتادى الكنائس الانجيليين ارتابوا احيانا فى اشتراك رجال دينهم العلنى فى السياسة ". كما ان العديد من الاشخاص المتدينين يعتقدون ان الكنيسة هى اقدس من ان تشترك فى السياسة.
تطرح حول هذا الموضوع اسئلة مثيرة تهم الذين يرغبون فى رؤية عالم افضل. فهل يستطيع رجال الدين المسيحيون القيام باصلاح سياسى ؟* هل تعاطى السياسة الطريق التى يستخدمها الله لانشاء حكومة اسمى وتحقيق عالم افضل ؟ وهل كان هدف المسيحية عند تأسيسها ادخال طريقة جديدة للممارسة السياسة ؟
فى كتاب الكنيسة الباكرة, يذكر المؤرخ هنرى تشادويك ان الجماعة المسيحية الباكرة عرفت بعدم مبالاتها بامتلاك سلطة فى هذا العالم. فقد كانت مجتمعا هادئا ومسالما. ويقول كتاب تاريخ للمسيحية : " ساد بين المسيحييين الاقتناع انه لا ينبغى لأى منهم ان يتولى منصبا سياسيا . . . وفى بداية القرن الثالث, تحدث هيبوليتس عن عرف مهم فى التاريخ المسيحى تطلب من الحاكم ان يستقيل من منصبه كشرط للانضمام الى الكنيسة ". ومع ذلك, , فان رجال يبتغون السلطة بدأوا تدريجيا بأخذ القيادة فى كثير من الجماعات الباكرة مطلقين على انفسهم ألقابا طنانة. (اعمال 20 عدد 29 , 30) لقد اراد البعض ان يكونوا قادة دينيين ورجال سياسة على السواء. وسنحت لهم الفرصة المناسبة لتحقيق ما يربون اليه حين حدث تغيير غير متوقع فى حكومة روما.
ففى سنى 312 ب م بدأت المسيحية الاسمية تنال استحسان الامبراطور الوثنى قسطنطين. وكان اساقفة الكنيسة على استعداد لمسايرة الامبراطور الوثنى لقاء امتيازات منحهم اياها. " فأصبحت الكنيسة تشارك اكثر فأكثر فى اتخاذ قرارات سياسية مهمة ". كما ذكر هنرى تشادويك, فكيف اثر تعاطى السياسة فى رجال الدين ؟
ان استخدا الله لرجال الدين فى السياسة هى فكرة روجها بشكل رئيسى اوغسطين, لاهوتى كاثوليكى بارز عاش فى القرن الخامس. فقد تصور الكنيسة تحكم على الشعوب جالبة السلام للبشر. لكن المؤرخ ه. ج. ولز كتب : " ان تاريخ اوروبا بين القرنين الخامس والخامس عشر يظهر الى حد بعيد الاخفاق فى تحقيق هذه الفكرة الرائعة لحكومة الهية عالمية ". فالعالم المسيحى لم يجلب السلام لأوروبا, فكم بالاحرى للعالم. لقد فقد الدين المسيحى المزعوم مصداقيته فى نظر كثيرين. فما الخطأ الذى حصل ؟
ان الكثيرين مما ادعوا الكرازة بالمسيحية انجذبوا الى السياسة بنية حسنة, غير انهم بعد ذلك وجدوا انفسهم يشتركون فى اعمال شريرة. على سبيل المثال, كان مارتن لوثر قسا واحد مترجمى الكتاب المقدس. وقد اشتهر بالجهود التى بذلها لاصلاح الكنيسة الكاثوليكية, الا ان موقفه الجرئ المعارض لعقائد الكنيسة جعله محببا الى الذين دفعتهم اسباب سياسية الى الثورة. ولكن عندما بدا هو ايضا يعبر عن اراءه فى القضايا السياسية, خسر احترام الكثيرين. ففى البداية ايد الفلاحين الذين ثاروا على النبلاء الظالمين, ولكن عندما اصبحت ثورتهم عنيفة, شجع النبلاء على قمع هذه الثورة. وقد قمعوها بقتل الاف الفلاحين. فلا عجب ان الفلاحين اعتبروه خائنا. وفضلا عن ذلك ايد لوثر النبلاء فى ثورتهم على الامبراطور الكاثوليكى. وفى الواقع, منذ البداية شكل اتباع لوثر - الذين اصبحوا يعرفون بالبروستانت - حركة سياسية.
فكيف اثرت السلطة فى لوثر؟ لقد افسدته. على سبيل المثال, رغم انه عارض فى بادئ الامر استعمال القوة لاقناع الذين خالفوه الرأى, فقد شجع لاحقا اصدقاءه من رجال السياسة على احراق الذين عارضوا معمودية الاطفال.
كان جون كالفن رجل لادين مشهورا فى جنيف, ولكنه حظى ايضا بنفوذ سياسى كبير. وعندما اوضح ميخائيل سرفيتوس ان عقيدة الثالوث غير مؤسسة على الاسفار المقدسة, استخدم كالفن نفوذه السياسى للحث على اعدام سرفيتوس, الذى كان مصيره الحرق على الخشبة, فيا لهذا التحول المروع عن تعاليم يسوع.
ربما نسى هؤلاء الرجال ما يقوله الكتاب المقدس فى يوحنا الاولى 5 عدد 19 : " اما العالم كله فتحت سلطة الشرير ". فهل كانت لديهم رغبة مخلصة فى القيام باصلاح سياسى فى زمنهم, ام انهم سعوا وراء السلطة وحيازة اصدفاء ذوى نفوذ ؟ على اى حال, كانوا عليهم تذكر الكلمات الملهمة التى كتبها ىيعقوب, تلميذ يسوع : " أما تعرفن ان صداقة العالم عداوة لله ؟ اذا فم يريد ان يكون صديقا للعالم يجعل نفسه عدوا لله ". (يعقوب 4 عدد 4) لقد عرف يعقوب ما قاله يسوع عن اتباعه : " ليسوا جزءا من العالم, كما انى انا لست جزءا من العالم ". - يوحتا 17 لاعدد 14.
فى حين يدرك كثيرون ان المسيحيين لا ينبغى ان يشتركوا فى اعمال العالم الرديئة, لا يوافقون انهم يجب ان يكونوا حياديين سياسيا, " ليسوا جزءا من العالم ". ويدعون ان الحياد يحول دون اظهار المسيحيين المحبة للاخرين بشكل عملى. كما يغتقدون انه ينبغى لقادة الكنائس ان يعبروا عن ارائهم بشكل علنى ويلعبون دورا فى محاربة الفساد والظلم. ولكن هل يتعارض حقا الحياد الذى علمه يسوع مع اظهار الاهتمام الفعلى بالاخرين ؟ وهل بامكان المسيحى الابتعاد عن القضايا السياسية المسببة للشقاق ويقدم فى الوقت نفسه مساعدة عملية للاخرين ؟
ان الكينونة مسيحيا تشمل اكثر من قراءة الكتاب المقدس , الصلاة, وتلاوة التراتيل ايام الاحاد. فهى تستلزم القيام بأعمال لله والناس على السواء. يقول الكتاب المقدس : " لنحب لا بالكلام ولا باللسان, بل بالعمل والحق ". (يوحنا الاولى 3 عدد 18) لقد اظهر يسوع اهتماما مخلصا بالاخرين. والمسيحيون يرغبون فى الاقتداء به. كما ان الرسول بولس قد حض الرفقاء المؤمنين ان يكونوا دائما " مشغولين جدا بعمل الرب " فما هو عمل الرب ؟
هل يشمل القيام بمحاولات تغيير سياسة الحكومة لنصرة المساكين والمظلومين ؟ هل هذا ما فعله يسوع ؟ رغم ان يسوع حضه الناس فى زمنه على التدخل فى الشؤون السياسية او الانحياز الى فئة دون اخرى, أبى ان يفعل ذلك. فقد رفض التسلط على جميع ممالك العالم - العرض الذى قدمه له الشيطان - وتجنب الدخول فى جدال حول دفع الضرائب, وانصرف بعيدا عندما ارادت الجموع تنصيبه ملكا. لكن حياده لم يحل دون القيام بأعمال لمصلحة الاخرين.
ركز يسوع على ما يجلب الخير الدائم للاخرين. ففى ىحين انه منح البعض راحة وقتية عندما عندما اطعم خمسة الاف شخص وشفى المرضى, جعلت تعاليمه البركات الابدية متاحة للجميع. كما انه عرف ب" المعلم " وليس كمنظم لاعمال الاغاثة. قال يسوع : " لهذا ولدت. ولهذا اتيت الى العالم, لأشهد للحق ".
* تعرف السياسة بأنها النشاطات المقترنة بحكم بلد او منطقة , وخصوصا السجالات او الصراعات التى تنشأ بين الافراد او الاحزاب التى تمسك بزمام السلطة او تسعى وراءها.
#مجدى_زكريا (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟