أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مازن كم الماز - الثورة السورية , ابن تيمية , و الحرية















المزيد.....

الثورة السورية , ابن تيمية , و الحرية


مازن كم الماز

الحوار المتمدن-العدد: 3961 - 2013 / 1 / 3 - 09:14
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


أشعر بكثير من الغربة , ما يقدسه كثير من الثوار الشباب اليوم هو بالضبط ما أحتقره اشد الاحتقار .. هذه غربة قاسية , خاصة إذا كنا نتحدث عن شباب صنعوا ثورات انتظرناها بقليل جدا من الأمل و كثير جدا من الرغبة , ما جعلها عندما وقعت معجزة حقيقية .. أجمل ما في الثورة أنها تكشف العالم على حقيقته , تمزق كل الحجب , إنها قيامة التاريخ التي تسقط كل المعتقدات القديمة و تبدأ التاريخ من جديد .. لقد كشفت لنا الثورات العربية حقيقة واقعنا الحاضرة الغائبة كشفت عن تلك التيارات و العوامل التي كانت تفعل فعلها تحت أنظارنا دون أن نلتفت إليها , ذلك الواقع الذي تصفي شعوبنا معه الحساب الأخير قبل أن تنتقل إلى مستوى جديد , استبداد جديد غالبا و نضال جديد .. من أكثر الشخصيات التي أزدريها في التاريخ هو ابن تيمية , دوغمائي حتى العظم , سلطوي بقسوة , شديد التعصب و الثقة بمعتقده أو بأفكاره , لا إنساني لدرجة مرضية , لدرجة أنه لم يمارس الجنس مع امرأة أبدا , لم يتزوج و لم يتسرى بامرأة , و في نفس الوقت ذكي , لكن ابن تيمية نفسه هو اليوم أيقونة كثير من الثوار , هذا مأزق حقيقي .. لم يكن من الممكن أن أتخيل من قبل ثورة تقوم تحت فكر و شعارات مستمدة من إنسان كهذا , ابن تيمية لم يكن ثائرا أبدا , كان ابنا مزدوجا "شرعيا" للمؤسسة الدينية الدوغمائية و السلطة في وقت واحد , بل كان المفكر الذي نظر لانحطاط هاتين المؤسستين معا .. هناك اليوم محاولة لنفي صفة ثائر أصلا عن الشباب السلفي الجهادي , أو السلفي , أو ما يسمى بالمتأسلم الخ , اعتبارهم حالة طارئة على الثورة تحت ظروف تتعلق أساسا بوحشية النظام الذين ثاروا عليه و محاولة لنفي أية علاقة عضوية بينهم و بين الثورة نفسها .. أعتقد أن هذه دوغمائية و قصر نظر , نظرة إرادوية تحبط أهم صفات الحياد الموضوعي ( النسبي في كل الأحوال ) في قراءة الواقع كما هو , تافه جدا أن نفترض أن مقاتلو جبهة النصرة أو السلفيين الجهاديين من أبناء الطبقات الفقيرة و الوسطى المهمشة الذين ثاروا على أنظمة الاستبداد العربية يحتاجون إلى اعتراف أحد بهم كثوار , و هم الذين يصنعون ثورة حقيقية بدمائهم , صحيح أن الأحوال كانت ستكون مختلفة نسبيا لو أن النظام كان أقل همجية و لم يضطر الثورة السورية إلى حمل السلاح , كان المرجح أن دور السلفيين و الجهاديين لن يكون بهذا الوضوح .. إلى جانب ناشطين و مدونين يساريين و حقوقيين و ليبراليين كانوا موجودين بالفعل قبل الثورة و شارك أكثريتهم في صنعها بكل فعالية و شجاعة , خلقت الثورة في أيامها الأولى جيلا جديدا غير مؤدلج من الشباب , من الثوار , كان يحلم بشكل ضبابي بالحرية , حريته , و كان مستعدا للنضال في سبيلها بكل قوته , صحيح أن هذا الجيل قد مزقته مجازر الأسد , إني أفترض أنه بقي مخلصا لحلمه بالحرية لكن قمع النظام الوحشي و اتخاذه شكلا طائفيا إضافة إلى الاصطفاف الطائفي المناطقي الصريح بين معسكري الثورة و الشبيحة دفع بعضه إلى السلفية الجهادية , بعضه الآخر إلى الاسترزاق بالثورة كما تفعل ما يسمى بالمعارضة السورية , و بعضه الآخر يقاوم كلا هذين الاتجاهين أو يستخدم أحدهما أو كليهما كوسيلة مبررة للوصول إلى حلمه و ليس كغاية بحد ذاتها بينما لا يبدو أنه يعرف غايته تلك بعد بدرجة كافية من الوضوح .. السلفيون و مقاتلو النصرة هم , كالبعثيين و الشبيحة و غيرهم من الظواهر التي تبدو باستثنائيتها اللا إنسانية مضادة للفهم , ليسوا ظاهرة قفزت علينا من القمر , إنهم جزء أصيل من الثورة , من الشباب الذين صنعوا الثورة منذ لحظة مخاضها الأول حتى اليوم .. كانت النخبة تفترض أن الشباب السوري ثار لكي تتولى هي السلطة , لكي يختار هذا الشباب السوري "سادته" من بينها من خلال صناديق الاقتراع و خلقت في سياق فرضياتها هذه أساطيرها الخاصة عن الثورة التي ترفض بشدة أي فهم لها خارج تلك الأساطير , هي أيضا لا تفهم , و لا يوجد في أساطيرها عن الثورة , شيء اسمه ثوار سلفيين جهاديين أو نصرة , و كأي مؤمن بدوغما ما تصر على أن ينحني الواقع أمام أساطيرها .. أعتقد أن السلفي الجهادي ليس إلا راسكولنيكوف دوستويفسكي , إنه ثائر , متمرد حقيقي , مثل أي متمرد حدثنا عنهم كامو في دراسته بعنوان المتمرد , يشعر باغتراب كامل عن الواقع , يريد تدمير هذا الواقع بالكامل , ثورته جذرية جدا , لا تعرف أية مهادنة أو مساومة , عنيف , يبرر عنفه بقسوة الواقع , بتفانيه و إخلاصه لقضية الثورة , و يرى أن من حقه كما فعل راسكولنيكوف أن يرتكب أحط الجرائم في سبيل ثورته , في سبيل غايته السامية , هو مأزوم تماما مثل راسكولنيكوف , لكن الواقع يختلف عن دوستويفسكي المحافظ الذي لم يحاول التخفيف من عذابات بطل روايته لأنه يرفض ثورته أساسا فيدفعه لمصير محتوم عبر سلوك انتحاري , الواقع يسمح لهذا الثائر كما حدث من قبل أن يقيم يوتوبياه الثورية , التي هي في معظم الأحوال للأسف , نسخة أشد سلطوية عن النظام الذي ثار عليه .. يجب أن نعترف أن أنظمة الأسد , مبارك ( ابتداءا بعبد الناصر مرورا بالسادات ) , القذافي , صدام و غيرها و غيرها , كانت لا تقل قسوة و فاشية و همجية عن القيصر الروسي أو لويس السادس عشر , نفس القسوة و الازدراء الذي خلق ثورات القرون الثلاثة الماضية , كان هو ما علم هذا الجيل الشاب معنى الثورة , كيفية صنع الثورة , صنع التاريخ .. كان لهذه الأنظمة "دينها" و "آلهتها" و "كهنتها" أيضا , ليس من الضروري أن يكون دين السلطة متوافقا مع الدين الأرثوذوكسي أو مع الفهم النصي المغلق للدين , في الواقع مارست هذه الأنظمة درجة كبيرة من الانفتاح الاجتماعي و الأخلاقي تحت شعارات "علمانية" "حداثية" , زائفة بالتأكيد , مزورة , وهمية , لأنها سلطوية و ليست تحررية أبدا , لأنها ضد الجماهير , ضد الإنسان , مع عبوديته , ضد انعتاقه .. خلافا لما قد يتوهمه كثير من السوريين اليوم , لم يحدث هذا فقط في سوريا لأن طاغيتها ينتمي لطائفة أقلوية مهرطقة , كل الأنظمة ألهت رؤوساءها , كان هذا التأليه دينا حقيقيا لكل تلك الأنظمة , و فرضت الخضوع له على كل رعاياها , على كل عبيدها .. "القائد" , "الملهم" , "الذي لا يخطئ" , الخ الخ , هذا مثلا ما قاله نكروما عن نفسه , نكروما الذي يعتبره اليسار التقليدي رمزا للثورة الأفريقية "التحررية" , "أنا لا أمثل فقط غانا , بل أفريقيا , و أنا أتحدث باسمها . لذلك لا يوجد أفريقي يخالفني في الرأي" .. هذه الهستيريا التمجيدية كانت تلقى على مسامعنا , ليس فقط في ليبيا و سوريا و العراق , بل في كل مكان .. في وجه هذا التأليه للسادة , كانت تعاليم ابن عبد الوهاب و ابن تيمية عن توحيد الله وحده , تأليهه وحده , ثورية جدا .. يقول محمد عابد الجابري أن النقد الوهابي للصوفية كان له بعد سياسي صريح عند ظهوره : كان إدانة و رفض للحكم العثماني الذي كانت الصوفية عقيدته الرسمية , هذا هو ما حدث أيضا عندما رفع ثوار هذا العصر نفس الفكر ضد الأنظمة السائدة .. يجب أن نفرق هنا جيدا بين الثوار الذين رفعوا شعارات إسلامية و بين القوى الإسلامية المنظمة , بينهم و بين الإسلام السائد , و بين سيد قطب و الإخوان .. لقد ظهر الإخوان , تماما كما كان ابن تيمية في عصره , كردة فعل المؤسسة الدينية و رجال الدين المحافظين على خروج المجتمع عن سلطتهم , لم يكن إعلان أتاتورك إلغاء الخلافة إلا نتيجة طبيعية لصيرورة بدأت منذ ما يسمى عثمانيا بالتنظيمات , بداية ابتعاد السلطة عن المؤسسة الدينية و تعاليمها الأرثوذوكسية , بداية "علمنتها" أو دخولها الزمن الإمبريالي .. أما سيد قطب فهو قصة مختلفة تماما , بعد فترة من الغوص في الدراسات الفنية الأدبية الجمالية القرآنية , أصبح ناشطا سياسيا و فكريا , سمى مجلته التي أصدرها في العهد الملكي بالفكر الجديد , و هاجم فيها الإقطاع و الباشوات و الرأسمالية , ألف عدة كتب منها "العدالة الاجتماعية في الإسلام" , "السلام العالمي في الإسلام" و "معركة الإسلام و الرأسمالية" , ثم دخل سجون عبد الناصر منذ 1954 , هناك ظهر "معالم في الطريق" و "تحت ظلال القرآن" .. ألف قطب كتابيه الذين يمكن اعتبارهما مانيفستو المقاومة ضد عبد الناصر في وقت كان فيه اليسار المصري و العربي التقليدي الستاليني يتخلى عن معارضته للأنظمة القائمة و يبدأ اندماجه بماكينتها البيروقراطية القمعية .. هناك شيء من الرمزية في أن يعدم سيد قطب في نفس الوقت الذي غادر فيه الشيوعيون المصريون سجون عبد الناصر لينضموا إلى ماكينة نظامه .. في كتبه الأخيرة تلك أعاد قطب إحياء فكر الخوارج الثوري الذي كان قد اختفى منذ بدايات الدولة العباسية , و ليس إحياء الإسلام الأرثوذوكسي كما يريدنا رجال الدين الإسلاميون أو خصومهم أن نعتقد .. كل أفكار سيد قطب : الحاكمية لله , تكفير السلطان و القاعدين عن الخروج عليه , الدعوة لمقاومة النظام بالعنف , الثورة عليه , هي نفسها أسس فكر الخوارج الثوري ضد النظام الناشئ يومها , منذ خروجهم على عثمان بن عفان و قتلهم له .. كان سيد قطب بهذا أيضا يعبر عن روح التمرد و مقاومة الاستبداد ذاتها التي ألهمت أجيالا من المتمردين عبر التاريخ .. هناك مثلا الكثير من المشتركات بين معالم على الطريق و بين مانيفستو سيرغي نيتشايف العدمي الروسي : الفصام الشعوري عن المجتمع , كره المجتمع نفسه , و كره السلطة , الثورة كهدف مركزي لحياة الثائر , تكاد تكون بعض فصول معالم في الطريق ترجمة إسلاموية أو عربية لمانيفستو نيتشايف .. يذكرني بعض مقاتلي القاعدة و الجهاديين السلفيين الذين قابلتهم في سوريا بإميل هنري و غيره من "الفدائيين" أو "الاستشهاديين" الأناركيين الذين مارسوا "الدعاية من خلال الأفعال" في نهاية القرن التاسع عشر ضد السلطة القائمة , حججهم ضد السلطة القائمة , تفانيهم المذهل , استعدادهم العالي للتضحية , كرههم للصامتين على واقع اضطهادهم , لدرجة أن إميل هنري كان يريد أن يقتل أكبر عدد ممكن من "البرجوازيين" كما قال في استجوابه , لا أدري إن كنت مخطئا أم لا , لكني أعتقد أننا أمام نسخة أخيرة من المتمرد الأزلي على الاستبداد , على الظلم .. ما فعله قطب و السلفيون الجهاديون بابن تيمية هو أحد نكت التاريخ الغريبة , لقد حولوا ابن تيمية إلى ثائر , أيقونة لثورة طالما بشر هو شخصيا بكل ما ينقضها و طالما كفرها , يوم كانت المهدوية الغنوصية هي التعبير عنها , بينما كان يكفر تعبيرها اللاهوتي ذاك , كان يكفر الثورة نفسها .. يكفر السلفيون و القطبيون اليوم الغنوصية المهدوية هذه المرة كتعبير عن رفضهم للسلطة لا التماهي معها .. لا شك أن ابن تيمية من هذا المنظور استخدم أيضا خطابا عقلانيا بدرجة ما ضد الغنوصية المهدوية , الصوفية و المهرطقة , لكنها عقلانية باردة دوغمائية تشبه تماما مادية البلاشفة "الجهادية" ضد الكنيسة أحد أهم أعمدة النظام القيصري .. المشكلة في قطب و في هؤلاء الثوار ليس فقط أنهم كباقي الثوار الذي سبقوهم , يبررون وسائلهم العنيفة أو الإجرامية بغايتهم النبيلة , بل أيضا في أن مجتمع اليوتوبيا الذي يسعون إليه سلطوي بشدة , مركزي , مشروع شمولية جديدة , مشروع بلشفي جديد .. صحيح أن قطب رفض العبودية الراهنة للسلطة القائمة و وعد بتجاوزها , بالتحرر منها , بألا يكون البشر بعضهم عبيدا لبعض كما يقول في معالم في الطريق , بل بأن يصبحوا متساوين في عبوديتهم "لله" , لكنه لا يشرح أبدا لنا كيف نكون "عبيدا لله" و ليس لمن يزعمون أنهم تجسيده على الأرض , إنها نفس المعضلة الماركسية – اللينينية , التي لم تشرح كيف يمكن لنخبة , لطليعة , أن تقود الآخرين نحو تحررهم لكن بشرط أن يخضعوا لها خضوعا أعمى , مطلق , أن يكون "تحرر" الجماهير مشترطا ببناء ديكتاتوريتها فوق الجماهير , نعرف جيدا أين انتهت بنا تلك الأطروحة .. يقول قطب في معالمه على الطريق : "فليس لأحد أن يقول لشرع لم يشرعه الله : هذا شرع الله ، إلا أن تكون الحاكمية لله معلنة ، وأن يكون مصدر السلطات هو الله سبحانه لا الشعب ولا الحزب ولا أي من البشر ، وأن يرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة ما يريده الله ، ولا يكون هذا لكل من يريد أن يدعي سلطانا باسم الله . كذلك الذي عرفته أوربا ذات يوم باسم الثيوقراطية أو الحكم المقدس فليس شيء من هذا في الإسلام . وما يملك أحد أن ينطق باسم الله إلا رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هناك نصوص معينة هي التي تحدد ما شرع الله" .. واضح أن ما يقوله قطب لا يمكن ترجمته إلا بديكتاتورية المؤسسة الدينية أو قسم منها على المجتمع , تماما كما انتهى المشروع اللينيني , هنا بالذات تكن ورطة الحرية في مشروع قطب ( و الجهاديين ) الخلاصي , هنا بالذات تكمن بذرة الاستبداد الجديد , الذي سيكون شموليا على الأغلب , إذا انتصر مشروع الثوار الإسلاميين .. ينتهي قطب إلى اكتشاف "شعب الله المختار" مرة أخرى " فأما شعب الله المختار فهو الأمة المسلمة التي تستظل براية الله على اختلاف ما بينها من الأجناس والأقوام والألوان والأوطان" , في النهاية كل الطرق تأخذنا إلى نفس الهاوية : أورشليم جديدة , مملكة جديدة , استبداد جديد , استلاب جديد .. مع ذلك فسيد قطب يختلف تماما عن محمد مرسي , أو الهضيبي , أو حتى البنا , تماما كما أن مروان حديد يختلف عن الطنطاوي أو سعيد حوى , إننا أمام ثوار حقيقيين , صحيح أنهم يشبهون خصمهم السلطوي بقسوتهم و تعصبهم , لكني أزعم أن هذه كانت صفات المتمردين على مدار التاريخ , بما في ذلك تاريخنا .. سواء الخوارج أم فرق الغلاة و غيرهم من مجموعات المعارضة المسلحة , كلها كانت عنيفة جدا ضد السادة و أيضا بدرجة ما ضد المجتمع نفسه , أعتقد أنه من الظلم تخصيص الثوار ذوي الذقون بها اليوم وحدهم .. الحقيقة أن هؤلاء الثوار هم إخوة بالروح مع القرامطة و الخوارج و الحشاشين بينما هم أعداء و خصوم بلا هوادة لمعاوية و يزيد و غيرهم من أيقونات التاريخ التي يستخدمونها اليوم كرموز لثورتهم على طاغية دمشق , هذا غريب جدا , و هو جزء من المأزق الذي يعيشه هؤلاء الثوار , و من مأزق الثورة السورية نفسها , كيف تقوم بثورة أيقونتها طاغية كمعاوية أو يزيد , بالمناسبة هؤلاء أفضل نماذج الطغاة في تاريخنا , كان الاستبداد ما يزال يومها غضا فتيا , لكن مع تقادمه وصل هذا الطغيان إلى مستويات استثنائية من التفاهة و الابتذال كافكاوية بالفعل .. ليس سيد قطب شهيد الإخوان و لا المؤسسة الدينية الإسلامية كما يقال , كان سيد قطب آخر الخوارج , بل آخر الهراطقة , في "تفسيره" للنص القرآني ذهب في هرطقاته أبعد ما يمكن لأي خارجي أن يفعل , خلافا لشعار الإخوان الديماغوجي الإسلام هو الحل , كان قطب يقول نفس كلمات نيتشه اللاهبة "لقد مات الله" لكن بألفاظه اللاهوتية , هنا تكمن ذروة ديالكتيك الأضداد و وحدتها في قطب و في الثوار الإسلاميين , و أيضا قمة المأزق الراهن أمام ثوراتنا و أمام هؤلاء الثوار بالتحديد .. كان سيد قطب ثائرا , متمردا , لكن ثورته و تمرده كثورة من سبقه ثورة سلطوية , تقاوم البشاعة بالبشاعة , تقدس القبح في هذا العالم و تعلنه ربا , جديدا قديما .. يشبه ما فعله سيد قطب تماما ما فعله اليهود , بعد قرون من الملاحقة و المذابح على يد الأوروبيين و غيرهم المسيحيين و المسلمين , بعدما ملوا من لعب دور الضحية و الضعفاء في عالم لا يذعن إلا للقوة , إلا للعنف , في عالم لا يقدس إلا القوة , دخل اليهود أخيرا نادي القتلة الدولي , بنوا دولتهم : قدرتهم الخاصة على القتل , بدؤوا هولوكوستهم الخاص ضد الفلسطينيين , كبرت الضحية و أصبحت مجرما , كانوا قد أدركوا أن يهوه قد مات في أوشفيتز , مات إلههم في أوشفيتز , بعد أوشفيتز سيبدأ اليهود بعبادة إلههم الجديد : إله القوة و الموت , إله قتلتهم نفسه , إله هتلر و النازيين .. ما يفعله القطبيون أو السلفيون الجهاديون اليوم , لكي أميزهم نهائيا عن القيادات الإسلامية المترهلة الغبية , هو تماما ما فعله اليهود بعد هولوكوستهم , إنهم يعتنقون دين السادة الذين انتفضوا في وجههم , دين الأب الذين يتآمرون على قتله فقط ليعيدوا إحياءه من جديد , استبدادا جديدا , طاغية جديدا .. هكذا يتقدم راسكولنيكوف الظافر إلى نهايته الحاسمة , لقد تغلب على عذابات ضميره و أصبح قاتلا محترفا , أصبح قيصرا , و يبدأ كل شيء من جديد كما رأى نيتشه , القيصر ينتج راسكولنيكوف آخر يصبح قيصرا و هكذا حتى تقوم على هذه الأرض أول ثورة لاسلطوية ناجحة , عندها فقط ستكون نهاية كل السادة , نهاية العالم , بداية تاريخ السوبرمان , الإنسان الحر الذي لا يقبل بالعبودية أبدا
( شكرا لنبيل السوري و ليندا , أعتذر لتأخري في الرد عليكم )



#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمات عن الله
- مطاردة الساحرات مرة أخرى , عن احتمالات صعود هستيريا جماعية ج ...
- الله غير موجود في حلفايا
- اليونان : الشرطة تهاجم فيلا أمالياس
- في نقد الديمقراطية التمثيلية أو سقف الحرية عند الإسلاميين و ...
- حوار مع عبد الله اغونان , ما معنى أن أؤمن بنفسي
- هل أنا مؤمن ؟ أو بماذا أنا مؤمن ؟
- محاولة طبقية لفهم احتمالات تطور الثورة السورية
- حكاية سورية أو حكاية كل زمان و مكان
- دلالات المواجهة العنيفة أمام قصر لاتحادية
- حوار ودي مع الرفيق علي الأسدي , أو لماذا تحيا الكومونة
- مصر : نحو اللجان و المجالس الشعبية , نحو بناء البديل التحرري ...
- ما بعد صواريخ غزة ؟
- عن ائتلاف المعارضة السورية الجديد
- تأملات بعد العودة من سوريا المحررة
- الإخوان , البلاشفة و الربيع العربي
- يسقط الطغيان , تسقط الطائفية , يحيا الإنسان , تحيا الحرية
- السلبي و الإيجابي في الحديث عن الطائفية
- لماذا العودة إلى سوريا في 10 آب ؟
- مجزرة الحول و القبير : انفلات جنون الديكتاتور


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مازن كم الماز - الثورة السورية , ابن تيمية , و الحرية