أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - دارين هانسن - وطن وأنثى وحلم مشترك














المزيد.....

وطن وأنثى وحلم مشترك


دارين هانسن

الحوار المتمدن-العدد: 3926 - 2012 / 11 / 29 - 23:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كانوا يرددون على مسامعنا بأن الموت على باب الأقصى عبادة بأن الصلاة من أجل الموتى راحة لأرواحهم. بأن الرقص في الأعراس تعبيراً عن فرحتنا بالعروسين. بأن الأكل بشراهة يعني أنك تحب ما قدم لك من طعام وتعتبره شهياً. بأن ترديد الأناشيد الوطنية صرخة واعتراف واضح منك بعشقك للوطن وإخلاصك له. بأن وأن وأن....
هل نسوا أن يخبرونا بأن الموت قد فصل بمقاسات مختلفة وبطرق نتنة وقذرة. بأن الأطفال في ساحات الحروب مجرد دمى بالية يقذف بأجسادها يمنة ويسرة حسب قوة الرشاش. بأن الدين سرطان يقضى على أي دولة. وبأأن أصحاب السلطة هم من قتلوا أبي حين أضرب عن الطعام احتجاجاً على المعاملة السيئة من رئيسه في العمل.
هل تعمدوا بألا يخبرونا بأن الإنتهاكات روتين يومي، وبأن القتل مجرد تمرير للوقت من أجل الفوز بلعبة قذرة. وبأن التفجيرات التي تحصل الأن هي من أجل المحافظة على كرسي، وبأن من يذهب ضحية جلالة الكرسي ورود للتو تفتحت.
لم أعد أصدق أياً من روايات الطفولة التي قصتها لي جدتي. صرت أشكك بتاريخ ميلادي واسمي وهويتي ولوني وانتمائي، صرت أشكك بصورتي المعلقة على الجدار. لا أعرف ما إذا كنت قد ولدت فعلاً في ذاك اليوم أم أنها كذبة فرضتها طبيعة الحياة على أمي فصدقتها أنا.
في المخيمات يعيش الموت بين الجدران يختار بسهولة من دون أن يعترض أحداً طريقه أجمل طفل وأجمل إمراة لخطفها معه، وفي الوطن تحول مجرى نهر بردى إلى دماء تعطر دمشق وتمسح ابتسامتها وتبكيها دماً. وبين الوطن والغربة مأس وقصص ونشرات أخبار وأعداد شهداء ولاجئين لم يسمح لهم بالدخول إلى بلد الللجوء وليس باستطاعتهم العودة إلى الوطن فبقوا معلقين على الحدود بانتظار موت يأتي ببطء لإنشغاله بحصد أرواح الأطفال في بلدي.
القوانين الدولية والمحافل والمؤتمرات الكبرى التي تنظم على شرف بلدي صارت كليشيه وروتين للحالمين بالوصول عابرين فوق جثث الشهداء. مجلس الأمن والدول الكبرى ومصالحها والتدخلات العسكرية وغيرها كلها في حلبة صراع مع بعضها انتهى بالوقوف كالمتفرجين بانتظار ما يحصل من دون أن يبكوا حتى على دمشق. من دون أن يحركوا حجراً من مكانه وكا مؤتمراتهم تنتهي بتوصيات وإدانات وتنديدات ليس لدينا وقت لسماعها بسبب تزايد العنف في الشوارع التي شهدت أيام طيشنا وعشقنا.
العالم كله صار شبكة عنكبوتية نستمتع عبرها بقراءة الأخبار الفنية والروايات الرومانسية والمغامرات الشيقة، نبكي عبرها على صورة طفل غارق في دمائه ورأسه إلى جانب جسده، نغضب حين يرفع أحدهم شعار دولته الإسلامية معلناً قتل الأخرين بسيف جهله، وبعدها نغلق جهاز الحاسوب ونعود بعضها إلى روتين الحياة اليومية. متى يعود للإنسانية معناها.
ما يقارب السنتين وسوريا تحت الموت تحت الرصاص تحت الظلم والإعتقال والإغتصاب. صارت يوميات مواطنيها سلسلة لا تنتهي من الانفجارات أعداد لا حصر لها من الشهداء، عائلات بانتظار جثث أبنائهم وأخرى بانتظار أن تسمع خبر عن أبناؤها فيما إذا ما كانوا أحياء أم لا.
طفولة تبكي معناها. أطفال صارت ألعابهم حروب ودمار وقتل ودبابات،صارت مفرداتهم اليومية طيارة ميغ أو صاروخ أرضي جوي أو قنابل مسيلة للدموع أو مواد كيماوية.من علم أطفالنا كل تلك المفردات...
صارت ساحات لعبهم منازل مهدمة يبحثون في الركام عن بقايا دمية أو بقايا صور ورائحة أم دفنت تحت الأنقاض. صارت أحلامهم ملابس شتوية تقيهم الصقيع ورغيف خبز طازج مغمس بالزيت وكأس شاي دافئ قرب المدفأة.
من قتل الطفولة في بلدي. من أحضر الموت إلى هناك من قرر اقتحام أحلامنا ومدارس أطفالنا وشوارع عشاقنا...
حولوا دمشق إلى مخزن من الأسى من الألم القاتل، إلى موت ودمار وساد ودخان ورصاص وصراخ.. صارت شوارعها ممرات للدبابات الحربية وسماؤها ساحة طيران حربي. صارت جوامعها وكنائسها مشاف ميدانية وماذنها مكبرات صوتية للإعلان عن أسماء الشهداء الذين يتم التعرف عليهم. وصارت دول الجوار حلم اللاجئ السوري..
عار على الأنسانية حزن دمشق وموتها. عار على التاريخ دموع أطفالها وجوعهم، صرخة نساؤها حين يتعرضن للاغتصاب والتحرش الجنسي.
بضجيج يملأ العالم تقتل دمشق كل يوم كل ثانية وكل جزء من الثانية وبصمت أخرس أعور يرد العالم على صرخاتها.
كانت دمشق ومازالت أنثى بالنسبة لي. أخ يا وطن كم هناك تشابه بين جرحك وجرحي بين صمتك وخوفي بين صرخاتك وصرختي بين ألامك وتعاستي. لكأن الوطن أنثى والأنثى وطن. أوجه المعاناة بينهما متشابهة إلى حد التطابق. اغتصاب من قبل من لديه القوة وقتل من قبل من سمى نفسه مشرع ديني. صراع حولك يا وطني كصراع ذكور القبيلة حول امتلاك أكبر عدد ممكن من الحواري تحت مسمى الزواج الشرعي. اضطهاد مشترك وحلم مشترك وأمل يولد رغم بشاعة الموت وحضرة الجلادين. مأساة تتكرر كثيرا وسببها في أغلب الأحيان الرجال أو من سموا أنفسهم رجالاً.
أستتحرر كل بلاد الأرض إذا ما حكمتها النساء!
رغم كل الألم والدمع يولد ذاك الفيديو الذي رأيته عبر شبكتي العنكبوتية أملاً في داخلي. طفل للتو تعلم النطق يرفع على النصر فوق رأسه ويعض بطرف فمه إصبعه الكبرى ليحرك يده بشكل فجائي ويحرك العلم ويصرخ بحروفه الحديثة الولادة( تولة تولة هتى النسل) والتي تعني بلغة الكبار ثورة ثورة حتى النصر.



#دارين_هانسن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حان الوقت لإنتفاضة المرأة العربية
- أنا هي وهي أنا
- لاجئات لا سبايا
- مجرد فيلم أوقظكم
- طوبى لياسمينك الطاهر
- مفردات يومية 1
- سيدهم البطة تهنئتنا لك باتت قريبة
- دمشق تضع النقط على الحروف
- ألم يحن الوقت عنان كي تستيقظ
- كلهم بديل
- لربما بداية ديمقراطية
- ليست فقط اسماء
- أليس وقت الجنون
- ثم ماذا بعد الثلاثاء
- أنثى من الشرق 2
- أوقفتني عن قتل الوقت
- وبلدي أنثى ستكمل كل القصص...
- سوريتي أنثى أيضاً
- أنثى من الشرق
- دمت حياً في ذاكرتي


المزيد.....




- نور عمرو دياب تثير الجدل في فيديو متداول حول علاقتها بوالدها ...
- إيران تحذر مواطنيها من استخدام واتساب وتيليغرام لتفادي الاغت ...
- غالانت يكشف لـCNN الشروط الـ4 التي تحققت لشن هجوم على إيران ...
- قطر تعلن تواصلها يوميا مع أمريكا لإنهاء الصراع الإسرائيلي- ا ...
- مراسلة CNN لترامب: هل ستدمر قنبلة أمريكية برنامج إيران النوو ...
- هل تلبّي أمريكا رغبة نتنياهو وتدمّر منشأة فوردو وأي نوع من ا ...
- التصعيد الإيراني الإسرائيلي - ترامب يدعو إلى -استسلام غير مش ...
- متى تستدعي إيران حلفاءها بوجه إسرائيل؟
- جدارية ضخمة في طهران تكريما للمذيعة الإيرانية بعد القصف الإس ...
- الخارجية الروسية: إجراءات إسرائيل ضد إيران غير قانونية وتنذر ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - دارين هانسن - وطن وأنثى وحلم مشترك