|
العلم والجهل في المجتمع
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1134 - 2005 / 3 / 11 - 10:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مازال الصراع قائماً بين البشر على أساس الثنائية المضادة المستندة لمنظومة القيم المتعارضة كالخير والشر، والحب والكراهية، والعلم والجهل.....وأفرز هذا التعارض، منظومات فكرية متضادة تسعى من خلال حراكها الفكري لنشر مبادئها بين البشر بغرض كسب مؤيدين جدد لتوجهاتها وبالتالي تفعيل قيمها لتكون الأساس النظري للعقد الاجتماعي. يعود التقدم والتطور وما شهدته البشرية من تغيير في أوجه نشاطاتها الحياتية والفكرية المتعددة إلى اكتساح العلوم لمساحات الجهل في العالم. إن الطبيعة الفطرية للإنسان جاهلة، وما يكتسبه ويتعلمه من علوم خلال مسيرة حياته تعمل على إعطائه الفسحة المناسبة للتعاطي مع شؤون المجتمع. ولكن هذا التعاطي مرهوناً بمدى استعداد الفرد على المثابرة والاكتساب من منهل العلوم المختلفة في الحياة. وتختلف أوجه الاكتساب وطلب المعرفة والعلوم من شخص لأخر حسب الاختلاف بمستوى الذكاء والقدرة على الاكتساب وظروف التهيئة لتلقي العلوم في المحيط. وهذا الأمر يعمل على فرز نخب اجتماعية محددة، قادرة على توظيف إبداعها في مجالات العلوم لرفد الحضارة الإنسانية. يروى ((الصدوق)) في كتاب الأعالي، أن محمد (ص) قال:" المؤمن الذي مات وترك ورقة واحدة عليها علم، تكون تلك الورقة يوم القيامة ستراً بينه وبين النار". إن الجهد وما يبذله العالم من أجل خدمة العلم، يعد عملاً متميزاً هدفه الأساس تقديم خدمة للبشرية جمعاء. والعلم يمهد للأمم السلالم لارتقاء سلم الحضارة وتبوء مركز الصدارة في العالم حيث تسعى الأمم الأخرى إليها لتنهل من منابع علومها. وبالضد من ذلك فان الجهل، يدفع الأمم نحو الحضيض ويجعلها تابعة وتدور في فلك الأمم المتحضرة لاستجداء قوت يومها وتيسير سُبل حياتها. وتراجع العلم في أمة ما، يؤدي إلى ضعف قدرتها على الإبداع والعمل وبالتالي تدهور نتاجها مما يدفعها لطلب المساعدة من الأمم المتقدمة لتأمين متطلباتها الضرورية. يعتقد ((طنطاوي جوهري))" أرض الجنة يرثها الصالحون لها بالعمل، وأرض الدنيا يرثها الصالحون بالعمل. والعمل يتقدمه العلم، فكل أمة أعرف بهذا العالم فهي أحق به". الدين يعتبر العلم أساس المعرفة، ويشجع الناس على طلبه لطرد الجهل من النفس والمجتمع. فالعلم يكشف عن مكامن الجهل في المجتمع، ليصبح المجتمع متنوراً وساعياً نحو المعرفة بغرض فهم مبادئ الدين بشكل أسلم. وتركز علوم الدين على ضرورة العمل لكشف مواضع النقص في الذات من خلال الإطلاع على علوم الآخرين والاستفادة منها لأجل كمال النفس وصلاحها للعمل في خدمة المجتمع. يرى الأمام ((جعفر الصادق-ع))" من لم يتفقد النقص في نفسه، دام نقصه. ومن دام نقصه، فالموت خير له". وتنحو الفلسفة ذات المنهج في طلب العلم من أجل كمال النفس، فالعلم تقويم للذات وصلاح للأمة الباحثة عن المجد والسمو بين الأمم. وتركز الفلسفة على الفرد في طلب العلم وتقويم النفس، لأن العمل على تقويم كل فرد لذاته يؤدي مع الزمن إلى تقويم المجتمع مما يزيد من صلاح المجتمع الذي بدوره سيطالب بالإصلاح الشامل للحكومة الممثلة للشعب. وهذا السعي لطلب العلم وتقويم النفس، يدفع نحو السمو والرقي ليحتل المجتمع المركز المرموق بين الأمم. يعتقد ((سقراط))" بأن العلم هو العلم بالنفس من أجل تقويمها". ويؤدي الجهل إلى تقويض الذات، وهدم مقوماتها وتدهور الأخلاق وتراجع المبادئ. ومع الزمن تنهار القيم الاجتماعية، ويتجه المجتمع نحو البدائية لتسود شريعة الغاب بين أفراده. ويعد العلم أساس الفضيلة وما يحتكم إليها البشر في توثيق العلاقات الإنسانية فيما بينهم، وانهيار قيم الفضيلة يعني تفسخ العلاقات الإنسانية وتحول المجتمع إلى مجموعة بدائية تتنافس من أجل البقاء مستندةً إلى شريعة: البقاء للأقوى. يعبر ((سقراط)) عن الفضيلة والجهل قائلاً:" الفضيلة علم والرذيلة جهل". وتهدف الفلسفة إلى تعرية مكامن الجهل في النفس، داعية إلى الكمال والمعرفة بالنفس وتقويمها قبل الدعوة إلى إصلاح المجتمع والحكومة. فمبادئ الخير، ما لم تغرز في ذات الإنسان لايمكن دعوته إلى عمل الخير للصالح العام. فالإنسان هو الأساس في أي نظام اجتماعي والدعوة لإقامة نظام اجتماعي عادل، يتطلب زرع بذور القيم الخيرة في الذات الإنسانية لتستجيب لفعل الخير وتتفاعل مع النظام ذاته. لأن النظام العادل المفروض بالقوة على المجتمع، لايكتب له الديمومة. إن اللجوء إلى العلم من أجل زرع مبادئ الفضيلة في ذات الإنسان، هو الأساس النظري لنجاح النظام العادل في الدولة ومعرفة النفس والعمل على تقويمها وتشذيب نواقصها وترسيخ مبادئ الخير والحق فيها وتشجيعها على عمل الخير والتوعية. ويدعو ((سقراط)) الإنسان إلى معرفة ذاته قائلاً:" أعرف نفسك بنفسك". إن المعرفة بالنفس إحدى سمات الفضيلة التي لاتدرك، إلا في العلم. والعلم لايدرك إلا بالمثابرة والبحث والاستقصاء والجهد المستمر للوصول إلى غاية الكمال، والكمال هو ميزان العقل الساعي للوصول إلى الحقيقة. إن العلم والجهل نقيضان متعاكسان الاتجاه، فالأول يتجه نحو العلو والسمو، والثاني يتجه نحو الحضيض والدرك الأسفل. وما من حضارة في التاريخ تسامت وعلت إلى المجد، إلا ونهلت من منابع العلوم لتتفوق على غيرها من الحضارات. وما من أمة انحدرت إلى الحضيض إلا نتيجة لإصابتها بداء الجهل. إن تفشي الجهل في أمة ما، يعمل على تقويض مكامن القوة فيها. وينخر ذاتها ويقزم كبريائها ويدفعها نحو الإذعان والخنوع ومن ثم قبولها مع الزمن بالخضوع والاستسلام للأمم الأخرى. يدفع تفشي الجهل في مجتمع ما نحو الفرقة والتشظي وضعف الروابط الإنسانية بين أفراده. وهذا الأمر يقود نحو انهيار شبكة المصالح بين أبناء المجتمع الواحد مما يؤدي إلى تمهيد الطريق نحو الحرب الأهلية وبالتالي تفكك الدولة. وبالضد من ذلك فان العلم، يعمل على زيادة تماسك شبكة المصالح بين أبناء المجتمع الواحد من خلال خلق فرص متكافئة للعمل ولتبادل المصالح على أرضية الفهم والإدراك لإيجابيات التعايش السلمي من أجل مستقبل يكفل مصالح الجميع.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحرير الثقافة من الهيمنة والتسلط
-
الحكومة والشعب
-
التصورات اللاعلمية في الفكر الماركسي
-
مجالس الفلاسفة والعلماء مع السلاطين
-
الملوك والفلاسفة وتهمة الإلحاد
-
النظام الديمقراطي والسلطة السياسية
-
الفشل في تحقيق الذات وانعكاساته السلبية على المجتمع
-
العنصر الثالث لدعم الاستقرار والتوازن الاجتماعي
-
سلطة القانون في المجتمع
-
مواصفات الرئيس وشروط الرئاسة
-
شروط وآليات العقد السياسي والاجتماعي في كتابة الدستور
-
المرأة والحب في عالم الفلاسفة والأدباء
-
انعدام سُبل الحوار والنقاش مع الإنسان المقهور
-
النزاعات العرقية والمذهبية في المجتمعات المقهورة نتاج سلطة ا
...
-
تنامي ظاهرة الحقد والعدوانية في المجتمعات المتخلفة
-
شرعنة العنف والقتل في الدولة الإرهابية
-
العنف والإرهاب نتاج طبيعي للتخلف والاستبداد
-
سلطة القانون وآليات الضبط الاجتماعي في المجتمعات المتخلفة
-
الطاغية المستبد والشعب المقهور
-
الاستبداد والعنف وانعكاسه على المجتمع
المزيد.....
-
أين يقام حفل تنصيب الرئيس الأمريكي؟
-
عاجل | الخارجية الأميركية: بلينكن شكر رئيس الوزراء وزير خارج
...
-
رغم مضايقات الاحتلال.. الفلسطينيون يحتفلون بتحرير أسراهم
-
وصول الأسيرات الإسرائيليات الثلاث المفرج عنهن إلى ساحة السرا
...
-
مراهق يشعل النار في مكتب عضو بالكونغرس الأمريكي بسبب غضبه من
...
-
مصر تطلق خدمة مكالمات -واي فاي- غدا.. ما تفاصيلها وأهميتها؟
...
-
برلماني في غرينلاند يدعو لفرض الرسوم على عبور السفن لمياهها
...
-
وزير الداخلية الفرنسي يهاجم الجزائر مجددا.. علينا اختيار الو
...
-
ترامب يعلن عودة تطبيق -تيك توك- إلى الولايات المتحدة
-
تركيا توقع اتفاقية شراكة استراتيجية مع سلوفاكيا
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|