|
الصَّعلكة ؛ قراءَةٌ نقدية ٌ لأهمّ الدراساتِ التي عُنيت بصيرورة مفهوم الصعلكة في الشعر القديم / الحلقة الأولى
أيوب بن حكيم
الحوار المتمدن-العدد: 3894 - 2012 / 10 / 28 - 21:17
المحور:
الادب والفن
اِحتفت الدراسات الحديثة و المعاصرة بشعر الصعاليك لما يحمله هذا الشعر من رؤية مضادة للنسق الفني و الجمالي و الوجودي للقصيدة القديمة ؛ أي للثقافة المركزية ، فكانت أولى هذه الدراسات دراسة"أحمد أمين" الموسومة بـ"الفتوة و الصعلكة" مرورا بالدراسة الرائدة لـ"يوسف خليف" المعنونة"الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي" و دراسة تلميذه"حسين عطوان" الشعراء الصعاليك في العصر الأموي" وصولا إلى "كمال أبو ديب" في كتابه الممتع"الرؤى المقنعة" و نهاية بدراسة التونسي اللامع"محمد لطفي اليوسفي"المسماة"فتنة المتخيل/الكتابة و نداء الأقاصي" ؛ فما التصور الذي اِنطلقت منه كل دراسة ؟ وهل يمكننا الحديث عن النص أم عن المنهج أم عن التاريخ في اِستنطاق تلك النصوص المهمشة ؟ شعر الصعاليك أو "الفتاك و اللصوص و الشطار" شعرٌ غنيٌّ أيما غنى بالمادة التاريخية و الاِجتماعية و السياسية و الاِقتصادية و الفكرانية[1] و الفنية/الأسلوبية و الجمالية و النقدية للعصور التي قيل فيها،و اِنعكاسً أمين و واضح لهول الشرخ بين الشاعر و القبيلة/النظام،بين الهامش و المركز،الواقع المرير و القيم المتطلع إليها،فلا غرو أن نرى نغمة الشجن واضحة : أقيمــوا بني أمي صدور مطيكم [..] فإني إلى قــوم سواكم لأميــَلُ ولــي دونكم أهـلون سيد عملس [..] و أرقط زهلول و عرفاء جيْأل هم الأهل لا مستودعَ السر ذائع [..] لديهم ولا الجاني بمَا جرّ يُخذَل[2] أبيات "الشنفرى" طافحة بالمرارة،وإذا طوينا الزمن تناصًّا نجد نفس المرارة عند الأحيمر السعدي[أموي]: عوى الذئب فاستأنست بالذئب .... أبيات تمعن في الهرب من الإنسان/المركز،إلى هامش متخلى عنه،ليكون الإمعان في الهرب نبذا لفكرة الجماعة و التقيد بمقرراتها عبر الاِنفراد بالذات و الحيوان الذي يحمل الذات في أسطرتها لعالم الحيوان[أنظر دراستنا الموسومة بـ"صورة الحيوان في الشعر الجاهلي:السمة و الرمز و الأسطورة". حاول الناقد التونسي "محمد لطفي اليوسفي" ملامسة مفهوم "الهامش و المركز" متأثرا بـ"استراتيجية التفكيك"[3] في دارسته الممتعة "فتنة المتخيل الجزء الأول الكتابة و نداء الأقاصي" حيث ركز في الفصل الذي وسمه بـ"المدينة و مطاردة جند إبليس"/63 صفحة ، على الأخبار و الأشعار و الحكايات ليقف عبر"الهيرمينوطيقا" على ما لم تقله النصوص إيمانا منه أن النص حمال أوجه[4]. بدا اليوسفي دراسته معللا "سقطة الشعر" و تماهى مع نصوص عند"عبد العزيز الجرجاني" و "ابن خلدون"و"حازم القرطاجني" تشكو من سقوط الشعر و ضعة أهله ، ليلج بعد ذلك "شعر اللصوص" أو ما كان يسمى قديما بـ"شعر الصعاليك"، ولم يكتف "اليوسفي" بأشعار اللصوص بل تعدى ذلك إلى الإتيان بأخبارهم و حكاياتهم من مجموعة من المظان الأساسية في الثقافية العربية و على رأسها كتاب"الاغاني"،لدرجة أنه ياتي بالحدث الواحد ويفرد له حكايات كثيرة من مختلف المسارد القديمة لترسم له نفس الطريق،وهو أن خبر الصعلوك الذي حفلت به كتب"الأغاني" أو "معجم الأدباء" و "تاريخ الطبري" لم يكن بمجرد الإخبار ؛ بل كانت له خلفية ماكرة تعصف بالمتلقي عصفا و تأسره إم لم يتفطن لما تحويه من مكائد و كمائن،ولا أدل على ذلك من قصة "الحجاج الثقفي" و الشاعر "جحدر العكلي" المعروفة،فاليوسفي يرى أن السارد/الأخباري تعمد إحاطة "الحجاج" و أعوانه بصفات الخسة و اِنعدام المروءة .
هوامش : [1] نفضل مصطلح "الفكرانية" عوض مصطلح "الإيديولوجيا" لعلل عرض لها "طه عبد الرحمان" تأثيلا و تأصيلا بالتفصيل ، في دراسته "تجديد المنهج في تقويم التراث" . [2] أنظر اللامية و شروحها من خلال المظان الآتية "أعجب العجب في شرح لامية العرب" للعلامة جاد الله محمود الزمخشري المعتزلي،ـ إتحاف ذوي الأرب بمقاصد لامية العرب،أبو جمعة الماغوسي المراكشي،تحقيق و تقديم محمد أمين المؤدب،توزيع مكتبة الرشاد ط 1 سنة 1997 . [3] مع التفكيكيين يصبح الهامش مركزا و المركز هامشا ، لكن مع اِختلاف واضح بين "فوكو" و "دريدا"،وهذا الاِختلاف سيؤسس للقطيعة بينهما على وصف أن "فوكو" آمن بالمعيار في دراسته"تاريخ الجنون"حيث ناقش الجنون عن طريق العقل ؛ بينما "دريدا" أمعن في نسف الإحالة و المواضعة و كل البدهيات و المسلمات عن طريق هدم demoletion نيتشوي للعقل و كل الآلهة الميتافيزقية . [4] النص حمال أوجه عند التفكيكيين الفينومينولوجيين على وصف وجود مفهوم"العائق الأنطولوجي" الذي هو عبارة عن علاقة جدلية بين الذات و النص،ويسمي "ابن سينا" هذا المفهوم في كتابه"التعليقات" بـ"الإضافة الوجودية" حيث إذا عقل معقول الماهية فإن عقله ليس هو .
#أيوب_بن_حكيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحََقْدُونِي
-
قصيدة عمودية في فاطمة الزهراء .
-
مديحٌ في عائشة َ أم المؤمنين ..حبًّا لها .
-
صَفَحَ الإلهُ
-
[ عمودية موقعة على بحر الكامل -سيف الشقا- ]
-
فلسفة ُالأخْلاق و خُصُوصيّة التفلسُفِ المغربي / رؤية ٌ شاملة
...
-
القصيدة الجاهلية في مواجهة أزمة الجوع / حلقة ثانية
-
الحَمَّام
-
قصيدة - الإمام و المأموم- [ معركة بين فقيهين على قصعة كسكس ]
-
مفهوم الأسطورة : تدقيقات مصطلحية
-
[ نخلق نماذج بشرية لشيطنتها من أجل صناعة النسق/النظام الكامل
...
-
[ القصيدة الجاهلية في مواجهة أزمة الجوع 1 : في المنهج ]
-
الحَكَّاكُ
-
الحقيقة و التبيين في أن الأخلاق من السليقة و التديين
-
المحبة ديني .. والرحمة ديدني .
-
مُسَلمتا نظرية الأخلاق عند المسلمين .
-
[ اللاوعي الجمعي للماء - كيف توحدنا ميثولوجية الماء - ؟ ] .
-
وثنيات
-
45 دقيقة في حافلة عتيقة
-
حماية ً للعلمانية الجزئية:البهيمية،الأخلاق ،العقلانية،التدين
...
المزيد.....
-
الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو
...
-
تفاعل كبير مع آخر تغريدة نشرها الشاعر السعودي الراحل الأمير
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري
...
-
وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب
...
-
“أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m
...
-
فنان يحول خيمة النزوح إلى مرسم
-
الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش
...
-
أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا
...
-
الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود
...
-
“نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ
...
المزيد.....
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|