أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - معنى -فيليكس-!














المزيد.....

معنى -فيليكس-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3885 - 2012 / 10 / 19 - 18:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



المغامِر النمساوي فيليكس دَخَل التاريخ من أوسع أبوابه إذْ قَفَزَ قفزته "الحُرَّة" التاريخية من قِمَّة الغلاف الجوِّي (أيْ من ارتفاع 40 كلم تقريباً) ساقِطاً سقوطاً "حُرَّاً (تقريباً)" إلى سطح الأرض بسرعة تاريخية (1342 كلم/ساعة تقريباً).
وكان له شعور وهو يتأهب للقفز من مدخل كبسولته، عبَّر عنه قائلاً: "أعرف أنَّ العالَم أجمع يُشاهِد، وأرغب في أنْ تروا ما أرى.. أحياناً، ينبغي لنا أنْ نَصْعَد عالياً جِدَّاً لنَعْرف كم نحن صِغاراً"؛ وأحسبُ أنَّ قوله هذا يستحق أنْ يَدْخُل موسوعة الأقوال التاريخية؛ فإنَّ فيه من عِظَم المعاني ما يَجْعَلنا صِغاراً إذا لم نتمثَّله، ونتصرَّف ونَسْلُك بما يوافقه؛ فالذي يَعْلو ويَعْلو هو وحده الذي يكتشف أهمية وضرورة "التواضُع"، ويُؤْمِن به، مُظْهِراً هذا الإيمان.
أمَّا مَنْ كان صِفْراً في عُلوِّه فلا يتكلَّم، ولا يتصرَّف، إلاَّ بما يؤكِّد صواب قول الفرنسي العظيم فيكتور هيجو في خاتمة "البؤساء": "لا لِباس يلبسه الصِّفْر إلاَّ الغرور"؛ فالغصن الممتلئ بالثمار ينحني (أيْ يتواضَع) أمَّا الفارِغ منها فيتعالى (ويتكبَّر ويُصاب بالغرور).
وغرور، أو تَبَجُّح، "الصِّفْر" ذكَّرني بذاك الذي (على ما وَرَد في خرافة إغريقية) زَعَمَ أمام أُناسٍ في جزيرة "رودوس" أنَّه قَفَز، غير مرَّة، في البحر من قِمَّة أعلى جَبَل في الجزيرة، فتحدَّاه هؤلاء قائلين له: "ها نحن في رودوس؛ فَلِمَ لا تَقْفِز الآن؟!".
ولو فَتَحْتَ رأس "الصغير" لَمَا وَجَدت فيه سؤالاً بلا جواب، ولا حيِّزاً، ولو في منتهى الضآلة، من "الجهل"؛ فهو العليم الخبير..، له أُفْقٌ يَسَع كل شيء، ولا يسعه شيء؛ أمَّا لو فَتَحْتَ رأس "العظيم" فتراه مليئاً مُفْعَماً بالأسئلة والتساؤلات، يَغْمره "الجهل الرفيع"، وكأنَّ صاحبه بَلَغَ من "الجهل الرفيع" مبلغه، فَلَمْ يَجِد بُدَّاً من أنْ يُقِرَّ ويَعْتَرِف قائلاً: "كل ما أعرفه أنِّي لا أعرف شيئاً".
ولقد فَتَح المتنبي هذه الرأس وتلك، فَوَجَد فيهما ما حَمَلَه على القول في لغةٍ الشاعِر: "وتعظم في عين الصغير صغـارها، وتصغر في عيـن العظيـم العظائم"؛ فَقْلْ لي ما هو مدار كلامكَ واهتمامكَ حتى أَزنكَ بـ "ميزان المتنبي"، وأعْرِف لكَ وزنكَ.
ولَمَّا كان لكل قاعدةٍ استثناء أعْجَبَني أَيُّما إعجاب ذاك "المغرور" الذي أعْجَب نيتشه، والذي قال وقد كان من أعالي الرِّجال عِلْماً ومعرفةً: "لقد عَلَوْت وعَلَوْت حتى ما عاد في وسعي أنْ أَرى إلاَّ ما يَقَع دون قَدَمَيَّ".
العِلْم تَواضُع، والجهل غرور؛ والتواضُع يُعلِّم صاحبه أشياء أخرى لا تَقِلُّ أهميةً وجمالاً؛ فإذا طُعِنْتَ بـ "خنجر بروتوس (وما أكثر أحفاد بروتوس وخناجرهم)" في ظَهْرِكَ، فهذا إنَّما هو خير دليل على أنَّكَ في المقدِّمة؛ وإيَّاكَ أنْ تستبدَّ بكَ الرغبة في الانتقام من طاعِنكَ؛ فليس من الحِكْمة أنْ تعُضَّ كلباً عضَّكَ!
فيليكس قَفَزَ قَفْزَته التاريخية، قائلاً لأصحاب هذا القول: "مَنْ يخشَ صعود القِمَم يَعِشْ أبد الدَّهر بين الحُفَر"؛ فإلى متى نظل مستمسكين بـ "الحُفَر"، وما بينها، نمط عيش وتفكير؟!
فيليكس طار، ثمَّ سَقَط، معلِّماً حُكَّام العرب الفنَّيْن معاً: "فن الطيران" و"فن السقوط". لقد فشلنا نحن الشعوب في تعليمهم "فنَّ الطيران"؛ فحان لنا أنْ نُعلِّمهم "فنَّ السقوط"!
فيليكس قَفَزَ قَفْزته التاريخية الكبرى، مُعَلِّماً "إصلاحيينا" الذين لا يَعْرِفون من "التغيير" إلاَّ ما يُوافِق مبدأ "خطوة خطوة" أنَّ "الهُوَّة السحيقة" لا يمكن اجتيازها إلاَّ بقفزة كبرى واحدة لا غير؛ فإنَّ السقوط المميت (لصاحبه) هو العاقبة المترتبة حتماً على محاولة اجتياز "الهُوَّة السحيقة" خطوةً خطوةً.
فيليكس، وفي لغة "النسبية العامة"، إنَّما سَقَط سقوطاً "حُرَّاً (تقريباً)" في "حُفْرة آينشتاين الفضائية"؛ فالكبسولة هي التي كانت تمسكه عن السقوط في هذه "الحُفْرة"، أو في هذا "المنحدَر"، فلَمَّا انسلخ عنها سَقَطَ مُرْغَماً، وشرع يتسارع في سقوطه تسارُعاً متعاظِم المعدَّل.
لم يَرَ فيليكس في أثناء سقوطه ما يُدْهشه فيزيائياً؛ فهو يَعْلَم أنَّه وهو في قِمَّة الغلاف الجوي ما زال ضِمْن حقل الجاذبية الأرضية، وينبغي له، من ثمَّ، أنْ يسقط؛ أمَّا لو سَقَطَ فيليكس وهو في داخل حجرة مُغْلَقَة، لا نوافذ لها، ولا يرى، من ثمَّ، شيئاً مِمَّا يَقَع في خارجها، لظَنَّ أنَّه (مع حجرته) في خارج حقل الجاذبية الأرضية، يعوم في حرِّية حيث تنعدم الجاذبية مع كل مصادِرها، ولقال عندئذٍ: "لقد أخطأت يا نيوتن، ولقد أَصَبْت يا آينشتاين!".



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأُسطورة الجريمة!
- الرَّقم 2.3 مليون!
- إمبريالية أفلاطونية!
- متى نتعلَّم ونُجيد -صناعة الأسئلة-؟!
- حتى يتصالح نظام الصوت الواحد مع الديمقراطية!
- من يتحدَّث باسم الشعب في الأردن؟!
- -سؤال الإصلاح- في الأردن الذي ما زال بلا جواب!
- جهاد -حزب الله- في سورية!
- المتباكون على -الربيع العربي-!
- معركة -كامب ديفيد- في سيناء!
- طهران إذْ غَيَّرت تقويمها للتهديد الذي تتعرَّض له!
- جامعات لوَأْدِ النِّساء!
- لِمَ الاعتراض على هذا الحل للأزمة السورية؟!
- البابا في شرحه الفلسفي ل -حرِّيَّة التعبير-!
- -وسطيون-.. -سلفيون-.. -جهاديون-.. -تكفيريون-..!
- -النووي الإيراني- يتمخَّض عن -هيروشيما سوريَّة-!
- جواد البشيتي - كاتب ومُفكِّر ماركسي - في حوار مفتوح مع القار ...
- كَمْ نحتاج إلى -التنظيم الذاتي المستقل-!
- هل تأتي على يَدَيِّ مرسي؟
- لله يا ناخبين!


المزيد.....




- علقوا في مستنقع مليء بالتماسيح.. لن تصدق سبب نجاة ركاب طائرة ...
- حماس تعلق على صاروخ الحوثي وأمور تتكشف بفشل إسرائيل باعتراضه ...
- مصر.. اندلاع حريق في كنيسة بمحافظة قنا والداخلية تكشف السبب ...
- بوتين يؤكد أنه يفكر باستمرار بخصوص خليفته المقبل
- وكالة PTI: الهند تقطع عن باكستان مياه نهر تشيناب
- السيسي يتلقى دعوة من بوتين للمشاركة في احتفالات عيد النصر 
- شركات طيران أوروبية تعلق رحلاتها إلى إسرائيل بعد استهداف مطا ...
- بوتين: عدم اعتراف الغرب باستقلالية روسيا لسنوات تسبب بالعملي ...
- فصائل فلسطينية تعلق على استهداف الحوثيين مطار بن غوريون
- بوتين: الغرب يتحدث بشكل ويتصرف بشكل مغاير تماما


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - معنى -فيليكس-!