أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - أبو حمزة المصري














المزيد.....

أبو حمزة المصري


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 3882 - 2012 / 10 / 16 - 09:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



هل يستحق أبو حمزة المصري أن نكتب عنه؟
الجواب: لا ونعم. لا، لأنه مجرد بيدق على رقعة أكثر أهمية وتعقيداً من حكايته الشخصية الصغيرة. ونعم، طالما أن في الحكاية الشخصية ما يحض على التفكير والتدبير. تقول المعلومات المتداولة إن المذكور هاجر من مصر إلى بريطانيا للدراسة، وتزوج وحصل على الجنسية البريطانية، وسافر إلى أفغانستان، واشتغل خطيباً في أحد مساجد لندن، واعتقل بتهمة التورّط في أعمال إرهابية، ومؤخراً تم تسليمه للسلطات الأميركية بعد طعون ومداولات قضائية استمرت ثماني سنوات.
لا بأس. أوّل ما يتبادر إلى الذهن صورة رجل ضخم الجثة يعتمر قبعة أفغانية، يرتدي خليطاً من الثياب العربية والباكستانية (أو الأفغانية): العباءة، والقميص الفضفاض، والسروال الطويل، ينتعل حذاءً أوروبياً يغطي جزءاً من الساق، ويقوم ما يشبه المخلب الحديدي مقام اليد المبتورة. وتغطي عينيه، أحياناً، نظارة شمسية داكنة (أوروبية أيضاً). وغالباً ما يظهر في التقارير المتلفزة خطيباً أمام جمهرة في الشارع، بكل ذلك الخليط من الثياب والعناصر التكميلية.
وإذا دققنا النظر في ثياب وسحن جمهوره فسنجد خليطاً من وجوه وثياب هندية وأفريقية وعربية، مطعمّة بعناصر تكميلية آسيوية وأوروبية تجعل من مشهد الخطيب ومستمعيه كرنفالاً للهجنة في قرن وألفية جديدين.
في محاولة العثور على، ورسم، مكوّنات تلك الصورة الكرنفالية، تلّح على الذهن صورة ذلك الراهب الشعبي في "اسم الوردة" لأمبرتو إيكو. وما يحضر منها ليس هجنة الثياب، بل الهجنة اللغوية في مرحلة لم تكن فيها اللاتينية قد استسلمت بعد أمام زحف اللهجات المحلية، ولم تكن هذه قد تحوّلت بعد إلى لغات قومية. بمعنى آخر: لحظة ولادة أوروبا الحديثة (الدول القومية، إذا شئت) من رحم إمبراطورية القرون الوسطى الرومانية والبيزنطية المقدسة.
لغة الراهب الشعبي في الرواية خليط من اللاتينية (التي لا يجيدها) ولهجات محلية لم تستقر ضمن حدود قومية بعد. لذا، فهو لا يجيد لغة بعينها، يقول كلاماً كثيراً ولا يقول شيئاً، لا يتمكن من القبض على مفهوم للأنا أو العالم بمفردات تتوّسط بينه وبين الآخرين، فيبدو أقرب إلى الأبكم منه إلى الناطق.
الكلام عن الراهب الشعبي استطراد مفيد للعودة إلى صورة رجل ضخم الجثة أمام جمهرة من المهاجرين في عاصمة إمبراطورية غربت شمسها. في الصورة خليط من الأعراق واللغات والتواريخ الجمعية والفردية لعاطلين عن الأمل والعمل. فيها تواريخ الكولونيالية والحركات الاستقلالية التي أجهضتها الدكتاتوريات والعصبيات المحلية في المستعمرات السابقة، وفيها وعود ووعيد العولمة. وهذه، بالذات، هي ما يُعطِّل أوجه الشبه بين الراهب الشعبي والرجل الضخم.
كلاهما هجين، لا يجيد لغة بعينها، لكنهما ينتميان إلى عالمين مختلفين. وليس، في هذا السياق، ما يبرر الاستطراد في الكلام عن الكولونيالية والمستعمرات، فقد قيل الكثير، بيد أن العولمة تستحق معالجة مستقلة. ربما نرى في ذلك الشخص الذي يعتمر قبعة أفغانية، وجمهرة المهاجرين في أحد شوارع عاصمة إمبراطورية سابقة، أعلى مراحل الهُجنة. بيد أن هذه الرؤية ستظل ناقصة ما لم تأخذ في الاعتبار حقيقة أن الرجل والجمهرة يعبران عن ظاهرة وثيقة الصلة بالعولمة.
ثمة، بطبيعة الحال، مداخل مختلفة لتحليل، أو تشخيص، العولمة. وأكثرها مألوف لدى القارئ المُثابر. بيد أن بعض المداخل لا تزال غير مفهومة على نحو جيد. ومنها على سبيل المثال، فكرة طرحها إيريك هوبسباوم (الذي رحل عن دنيانا قبل أيام) ومفادها أن البشرية مهددة بالانحطاط إلى بربرية جديدة نتيجة فوضى العالم بعد انهيار نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، واستحالة أن تتمكن قوة إمبراطورية بمفردها من حكم أو هندسة العالم. وهذا ما لم يفهمه الأميركيون حتى الآن.
وصل أوليفيه روا في كتاب بديع بعنوان: "الجهل المقدس: زمن دين بلا ثقافة" إلى نتيجة مشابهة في تحليله لظهور الأصوليات الدينية في العقود الأخيرة من القرن العشرين، في الشرق والغرب على حد سواء، وفي مختلف الأديان. وفرضيته الرئيسة أن الإيمان الديني انفصل عن الثقافة.
الأديان الكبرى ارتبطت، تاريخياً، بثقافات محلية وجماعات "قومية"، على مدار قرون طويلة، وقد نجحت تلك الثقافات في إنشاء نوع من التوازن، وبلورة آليات للتفاوض الدائم والتأقلم، بين القيم الروحية المتعالية والتعاليم الدينية من ناحية، وضرورات الحياة والاجتماع البشريين من ناحية أخرى. وهذا ما بددته التحوّلات الاجتماعية والسياسية والثقافية المتلاحقة والكبرى في العقود الأخيرة.
ولعل هذه الفكرة تصلح هامشاً توضيحياً لصورة الرجل الضخم، الذي يعتمر قبعة أفغانية، وجمهرة الهنود والباكستانيين والعرب والأفارقة في الشارع اللندني. فلا أحد من هؤلاء، على غرار الراهب الشعبي، ينتمي إلى مكان محدد، أو يمثل ثقافة محلية "قومية" مستقرة تتجلى فيها آليات التفاوض بين الديني والدنيوي. فهم مُقتلعون، بلا جذور حقيقية في الزمان والمكان، ولا يجيدون لغة بعينها، في عالم تسوده الفوضى وعبادة العنف.
وهم مع هذا كله، وقبله، وبعده، وفوقه، مجرد بيادق في لعبة أكبر وأكثر تعقيداً، تتماهى فيها وتختلط الوهابية النجدية، والقبلية الباشتونية، وأسعار النفط، ورعونة الإمبراطورية الأميركية، وأحدث منتجات شركة مايكروسوفت، وفتاوى شيوخ الفضائيات، وتواريخ هامشيين ومهاجرين وعاطلين، عن العمل والأمل، في شارع لندني يخطب فيه شخص، يتكلّم بطريقة راهب في رواية، تحت حراسة الشرطة البريطانية، وأمام عدسات التلفزيون. هللويا.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربيعٌ على شفا حفرة من النار..!!
- اليهود العرب..!!
- قبل فيلم براءة المسلمين وبعده..!!
- ربيع الفلسطينيين: المطلبي يُساوي الوطني ولا يقل عنه..!!
- كيف تُشعل حرباً أهلية في سبعة أيام..!!
- عن غزة وغزوات الشبيحة..!!
- فضائح صغيرة..!!
- كان واحداً من سبعة أمراء للجحيم..!!
- على خطى معمر القذافي..!!
- البشير وبشّار..!!
- وإن كره الكارهون..!!
- هل ستكون الانتخابات ديمقراطية بعد أربع سنوات؟
- انطباعات سريعة من القاهرة..!!
- الكرملُ جديدٌ، وفي المكتبات خلال أيام..!!
- الثورة، لمنْ يهمه الأمر..!!
- مصالحة، ظاهرتان، وأشياء أخرى..!!
- المصالحة غير ممكنة..!!
- الكأس كاملة حتى الثمالة..!!
- Grotesque
- الإسلاميون وانتخابات الرئاسة في مصر..!!


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - أبو حمزة المصري