أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - كيف تُشعل حرباً أهلية في سبعة أيام..!!














المزيد.....

كيف تُشعل حرباً أهلية في سبعة أيام..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 3819 - 2012 / 8 / 14 - 09:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مَنْ منّا لم يعرف، في مطلع حياته، كتباً من نوع: "كيف تتعلّم الإنكليزية في سبعة أيام". هذا النوع من الكتب متوفر في كل البلدان، ولك أن تضع بدل "الإنكليزية" ما شئت من لغات. ومع ذلك، يصعب القول إننا نستطيع العثور على كتب من نوع: "كيف تشعل حرباً أهلية في سبعة أيام". ربما في كليات الحرب، ومدارس الأمن والمخابرات، تُدرّس أشياء كهذه، وتبقى سرية.
ثمة، بطبيعة الحال، ما لا يحصى من الكتب عن الحروب الأهلية والصراعات الطائفية، وفيها تفسير لأسباب نشوبها، وتسلسل أحداثها. وكلها في الغالب مكتوبة بأثر رجعي، وقد أصبح بعضها من عيون الأدب، والبعض الآخر من المراجع الكلاسيكية في علم التاريخ.
وتجدر ملاحظة أن الأدب يمتاز بخصائص تمكنه من مقاربة الفنتازي والهامشي والمسكوت عنه بقدر من الشجاعة لا يملكه المؤرخون. ولهذا السبب لا تتجلى الحقيقة التاريخية، بالضرورة، في الأدب بقدر ما يتجلى فيه تعقّد الشرط الإنساني العام، ودور المصادفة، والمآزق الشخصية، والاستيهامات النبيلة والإجرامية على حد سواء، في صناعة الحادثة التاريخية. ولنفكر، على سبيل المثال، في "صخرة طانيوس" لأمين معلوف، وفي الصراع الدرزي ـ المسيحي في الجبل. الصراع نفسه، الذي يُعاد إنتاجه في "دروز بلغراد" لربيع جابر كنوع من الكوميديا السوداء.
هذا كله ممكن طالما كنّا نتكلّم عن القرن التاسع عشر، ولكن كيف يكون الكلام عن مؤامرة كادت تقع الآن وهنا، وكان نجاحهاً كفيلاً بإشعال حرب أهلية في لبنان، أو على الأقل التدليل على صدق نبوءة القائلين: إن العنف الفائض من الإناء السوري سيفيض على الجيران.
ربما لن يتوقف أحد من المؤرخين أمام اعتراف الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة بعد اعتقاله بخمس دقائق، وشكره للمحققين، الذين حالوا (باعتقاله) دون وقوع سلسلة من التفجيرات والاغتيالات في لبنان تنفيذاً لأوامر أحد أركان النظام في دمشق. التفاصيل الصغيرة تضيع مع الزمن. ويضيع معها سؤال: ماذا لو؟
ماذا لو نجحت المؤامرة، وجاء في نبأ عاجل تناقلته الوكالات أن عبوّة ناسفة انفجرت في سيارة أحد الساسة، أو رجال الدين المسيحيين في بيروت. ستتناقل وكالات الأنباء الخبر، ويتصل مجهول بوكالة إخبارية ليدلها على شريط مصوّر في مكان ما في بيروت.
وسنرى على شاشة التلفزيون بعد قليل نسخة جديدة من شريط يتبنى العملية، من فصيلة شريط "أبو عدس"، الذي أعلن مسؤولية جماعة مجهولة عن اغتيال رفيق الحريري. وستظهر في الشريط كل "البضاعة الجهادية" من لغة، ولحية، وملابس وديكور، وربما ما يفيد أن الأخ "المجاهد" فلسطيني أيضاً.
بعد قليل، سيظهر "مفكر" أو "إعلامي" أو "محلل"، أو "خبير" في الجماعات المتطرفة، على شاشة ما، ليقول لنا إن الاغتيال تعبير عن استياء جماعات إسلامية متطرفة من مواقف بعض المسيحيين المؤيدة لنظام الأسد.
بعد أيام قليلة تنفجر عبّوة ناسفة في سيارة، أو مكتب، أحد الساسة من جماعة 14 آذار، أو رجال الدين المسلمين. ومرّة أخرى ينقلنا الخبر العاجل إلى مكان الحادثة، فنرى ما تبقى من المغدور، ثم يخرج علينا "المفكر" و"الإعلامي" و"المحلل" و"الخبير" ليقول لنا إن أصابع إسرائيل وراء العملية لأنها تريد الإيقاع بين الطوائف في لبنان.
سيتهم النشطاء في المعارضة السورية، وأصدقاء ورفاق سمير قصير، وجبران تويني، وجورج حاوي، وسلسلة طويلة من ضحايا العمليات "الغامضة"، في لبنان، النظام السوري. وفي الأثناء تندلع اشتباكات بين باب التبانة وبعل محسن، وتقع أحداث غامضة في مخيم للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان، ثم تظهر "أصوات" في مناطق مسيحية تدعو إلى الدفاع عن النفس، على الأقل في صورة لجان شعبية للأحياء.
سيطالب بعض "العقلاء" بضم ملف التحقيق في الاغتيالات الجديدة إلى ملف التحقيق في قضية رفيق الحريري. وسيذهب البعض إلى حد إلقاء المسؤولية على عاتق البنية الطائفية للدولة اللبنانية. أما حلفاء الأسد في لبنان، ومنهم ميشال سماحة، فسنراهم على شاشة التلفزيون بابتسامات وديعة، وعبرات سريعة، وآهات بديعة مصدرها قلق على لبنان، وتذكير بحقيقة أن استهداف النظام "المقاوم والممانع" في دمشق يستهدف سلاح المقاومة في لبنان، وأن سورية الأسد هي الجهة الوحيدة القادرة على حماية لبنان.
في الأثناء، وقبلها، وبعدها، تنفجر عبوات صغيرة وكبيرة، وتجحظ عيون، وتنتفخ أوداج، ويراق حبر، وتنفتح جراح قديمة وجديدة، وتغتني وكالات أنباء، وطواقم تصوير يشتغل أفرادها بالساعة، وتزداد شعبية "مفكرين" و"إعلاميين" و"خبراء" و"محللين"، ويزداد معها رصيدهم في البنك، ويسقط "شهداء" في كل الطوائف ولكل الطوائف. وتستعد مشيخة قطر بكل مدفعيتها التلفزيونية والمصرفية لوساطة جديدة حقناً لدماء الأشقاء في لبنان.
وفي الأثناء، وقبلها، وبعدها، يذهب شخص استلم العبوات من "المناضل القومي" ميشال سماحة إلى دمشق، للاختفاء بعيداً عن الأنظار، بعد القيام بعمليات ناجحة، وتختفي آثاره هناك لأن وجوده بين الأحياء لم يعد ضرورياً. ومع هذا، وقبله، وفوقه، وبعده، يجلس شخص اسمه علي مملوك في مكتب للمخابرات في دمشق "يتفرج" على التلفزيون ساخراً من تفاهة الحياة، وخفة عقل الأحياء.
ويجلس آخر اسمه ميشال سماحة في بيته "يتفرّج" على التلفزيون مفتوناً بصورته على الشاشة، ورنين صوته في أذنيه. ونحن، أيضاً، "نتفرّج" على المفكر والإعلامي (من فصيلة بن جدو) والخبير والمحلل، لا نسخر من الحياة، بل نشتمها، ولا نستخف بالأحياء بل نرثى لحالنا وحالهم.
كل هذه الأشياء لن تذكرها كتب التاريخ. وقعت أشياء كهذه من قبل، ونجحت. ربما أصبحت في يوم ما موضوعاً جيداً للأدب والفنتازيا والكوميديا السوداء. ومع ذلك، ربما لن يفكر أحد في وضعها تحت العنوان التالي: كيف تُشعل حرباً أهلية في سبعة أيام.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن غزة وغزوات الشبيحة..!!
- فضائح صغيرة..!!
- كان واحداً من سبعة أمراء للجحيم..!!
- على خطى معمر القذافي..!!
- البشير وبشّار..!!
- وإن كره الكارهون..!!
- هل ستكون الانتخابات ديمقراطية بعد أربع سنوات؟
- انطباعات سريعة من القاهرة..!!
- الكرملُ جديدٌ، وفي المكتبات خلال أيام..!!
- الثورة، لمنْ يهمه الأمر..!!
- مصالحة، ظاهرتان، وأشياء أخرى..!!
- المصالحة غير ممكنة..!!
- الكأس كاملة حتى الثمالة..!!
- Grotesque
- الإسلاميون وانتخابات الرئاسة في مصر..!!
- نبوءة سعد الدين إبراهيم..!!
- تفاهة الشر..!!
- الواقع بعينين أوسع قليلاً..!!
- كل عام وأنت بخير يا محمود درويش..!!
- بنغازي سورية في حمص، ولماذا أحبطها الأميركيون!!


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - كيف تُشعل حرباً أهلية في سبعة أيام..!!