أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - Grotesque














المزيد.....

Grotesque


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 3707 - 2012 / 4 / 24 - 08:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ربما لا توجد في العربية مفردة بعينها تختزل المشهد. شخصياً، لم أعثر على المفردة المناسبة، بينما واظبت المفردة الإنكليزية على الحضور في الذهن، كلما تكرر المشهد على شاشة التلفزيون. المفردة هي grotesque أما المشهد المقصود فيتمثل في عدد من الجنود السوريين، بكامل العدة والعتاد، وقد تحلقوا حول جثة شخص يرتدي ملابس مدنية، وأطلقوا عقيرتهم بالغناء: شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد.
في البداية نسمع الهتاف، ثم نرى الجنود، وبعد هنيهة نرى الجثة على ظهرها مرفوعة على ما يشبه سطحاً مرتفعاً، ربما كان ظهر شاحنة، أو حتى بسطة لبيع الخضار، الجثة منفرجة الساقين، ومفتوحة الذراعين.
للعين ذاكرة سينمائية تعيد المشهد إلى سلالة مشاهد المسيح على الصليب (آلام يسوع) وإلى مشاهد الصيّادين في الغابة الأفريقية، وقد تحلقوا حول جثة الطريدة، أو إلى مشاهد جنود حول جثث ضحاياهم في الحرب. نحن، في زمن السينما والتلفزيون والإنترنت والمطبوعات، نفكر بالصور، والصور (كما الأفكار) وإن كانت لا تحصى، إلا أنها تنتمي إلى سلالات قليل العدد.
فلنعد إلى المفردة الإنكليزية سالفة الذكر، فهي تنطوي على دلالات مختلفة من بينها: العجيب، والغريب، والشاذ، والفنتازي، والبشع، والعبثي. وغالباً ما تجتمع هذه الدلالات للتعبير عن النفور والاشمئزاز.
في مشهد الشبيحة كل ما يبرر النفور والاشمئزاز. بيد أن هذا ليس لب الموضوع. اللب في مكان آخر. فلنبحث عنه: فلو قال لنا شخص ما إن هذا المشهد مُفبرك لصدقناه. ومن الصعب، بالفعل، تخيّل أن شخصاً يريد تشويه نظام آل الأسد، والسخرية منه، يمكن أن تجنح به وضاعة السخرية والتشويه إلى ما هو أبعد من ذلك.
ولكن ماذا إذا كان المشهد صحيحاً؟
التدليل على صحة المشهد لا يُستمد منه، ولا يعتمد عليه. فلنبحث عنه في مكان آخر، طالما أنه ليس أكثر من وسيلة إيضاح. ولا يحتاج المرء، هنا، إلى أكثر من حقيقة أن أعمال القتل في سورية دخلت عامها الثاني، وأن منظمات الأمم المتحدة تقدّر عدد القتلى والمعتقلين واللاجئين والمفقودين بعشرات الآلاف، وأن عشرات الآلاف هؤلاء (والرقم مرشح يومياً للزيادة) أصبحوا عشرات الآلاف في صراع تُستخدم فيه الطائرات، والدبابات، والمدفعية، وراجمات الصواريخ، وناقلات الجند، والقوات الخاصة، وقوات الحرس الجمهوري، وأجهزة الأمن، والميليشيات.
الدولة ـ مطلق دولة ـ هي التي تملك الطائرات، والدبابات، والمدفعية، وراجمات الصواريخ، وناقلات الجند، والقوات الخاصة، وقوات الحرس الجمهوري، وأجهزة الأمن، والميليشيات (حتى وإن تعددت وتغيّرت التسميات).
كل هذه الأسلحة والقوى هي ما تُطلق عليه علوم السياسة أدوات العنف. وأدوات العنف، هذه، ملكية حصرية للدولة. أما الدولة بالمعنى الحديث للكلمة فتستمد مسوّغات وشرعية امتلاكها من باب ضرورات الحفاظ على السلم الأهلي، والسيادة القومية.
واستناداً إلى هذه وتلك تُصاغ مرافعات أخلاقية، ودساتير، وذرائع أيديولوجية تختلف من مكان إلى آخر، لكنها تخدم الغرض نفسه الذي تتجلى فيه الدولة باعتبارها تجسيداً لتاريخ وهوية وآمال هذه الجماعة البشرية أو تلك. الدولة، في التحليل الأخير، أعلى مراحل الاجتماع البشري، حتى إن انتقصت العولمة من هيبتها التقليدية، وشابتها شكوك وتحفظات ما بعد حداثية في العقود الأخيرة.
وقد نشأت في القرن العشرين، وبطريقة تراكمية، بعد حروب مروّعة وتجارب في الهندسة الاجتماعية باهظة التكاليف، حساسية خاصة إزاء ترجمة الدولة ـ مطلق دولة ـ لحقها في استخدام وتوظيف أدوات العنف، إذ لم يعد هذا الحق مطلقاً، وتجلت هذه الحساسية في عدد من المعاهدات والاتفاقات الدولية، كما أصبحت جزءاً من خطاب حقوق الإنسان السائد في المنابر الدولية، والثقافة العامة، وأجهزة الإعلام.
تمفصل هذه الحساسية مع توازنات وحسابات محلية، وإقليمية، ودولية، في كل مكان من العالم، أمر مفروغ منه، لكنها تتسم بمتانة أخلاقية راسخة، ولا يمكن في جميع الأحوال دمغها بالزيف، أو التقليل من شأنها، حتى وإن لم تُترجم بطريقة متساوية في أماكن مختلفة من العالم، ولا ينبغي الاستهانة بفعاليتها وإن تكن بأثر رجعي.
وفي هذا السياق، بالذات، نعود إلى سؤال ما إذا كان المشهد صحيحاً.
ولماذا لا يكون صحيحاً حين تمارس الدولة حقها في استخدام العنف بطريقة مطلقة، وغير قابلة للتفاوض، وتتولى ترجمته على الأرض بالطائرات، والدبابات، والمدفعية، وراجمات الصواريخ، وناقلات الجند، والقوات الخاصة، وقوات الحرس الجمهوري، وأجهزة الأمن، والميليشيات، ثم تكون النتيجة عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والأسرى والمفقودين واللاجئين (وهذا الرقم مرشح يومياً للزيادة)؟ ولماذا كل هذا؟
التحليلات السياسية كلها تشحب أمام هذا الواقع، وتصبح بلا قيمة. أغنية الشبيحة، وفيها كل ما قل ودل، حول جثة منفرجة الساقين، ومفتوحة الذراعين على ظهر شاحنة، ربما، أو بسطة خضار، تقول كل شيء.
عجيب، غريب، شاذ، فنتازي، بشع، عبثي. كلها أوصاف محتملة لمشهد ينفتح على مزيد من العجب والغرابة والشذوذ، والفنتازيا، والبشاعة، والعبث، ومن حسن الحظ أن كلمة واحدة تختزل المشهد، حتى ولم تكن عربية.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلاميون وانتخابات الرئاسة في مصر..!!
- نبوءة سعد الدين إبراهيم..!!
- تفاهة الشر..!!
- الواقع بعينين أوسع قليلاً..!!
- كل عام وأنت بخير يا محمود درويش..!!
- بنغازي سورية في حمص، ولماذا أحبطها الأميركيون!!
- في رثاء ماري كولفن..!!
- السباحة في الماء بلا بلل..!!
- رسالة إلى الرقم 1842..!!
- لا شيء يفنى أو يُخلق من عدم..!!
- مديح العام 2011..!!
- البيان والتبيين في خلافة المسلمين..!!
- المحبوب والعزيز والوارث، وكلهم زعماء..!!
- صعد الإسلاميون، وماذا بعد؟
- مصطفى موند..!!
- نهاية النظام في الأفق..!!
- سايكس بيكو الجديدة أم أغنياء النفط..!!
- معمّر القذافي، نهاية لا تليق بملك..!!
- في وداع فرانسوا أبو سالم..!!
- لماذا كلما اقتحموا مدينة عادوا إليها، وما وجه الشبه بين ليبي ...


المزيد.....




- الاتحاد الأوروبي يرفع رسوم دخول الزوار إلى ثلاثة أضعاف قبل ب ...
- -عصير رمان وزيت زيتون-.. الرئاسة العراقية تعلق على هدية من ا ...
- نتنياهو يتهم حماس -بتجويع متعمَّد- للمحتجزين في غزة، وواشنطن ...
- أوكرانيا: الكشف عن مخطط فساد -كبير- في صفقات شراء طائرات مسي ...
- ريبورتاج: درعا تحتضن الفارين من معارك السويداء بجنوب سوريا
- نتانياهو يعبر عن -صدمة عميقة- بعد نشر حماس تسجيلات لرهينتين ...
- الكونغرس يقر تعيين مقدمة برامج سابقة في أبرز منصب قضائي بواش ...
- معظم حالات انتحار الجنود الإسرائيليين مرتبطة بالحرب في غزة
- مع مفاوصاتها النهائية.. هل تضع المعاهدة الدولية حدا لطوفان ا ...
- -الأكثر تأثيرًا في هذا القرن-.. شاهد كيف يُعيد ترامب تشكيل أ ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - Grotesque