أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - السباحة في الماء بلا بلل..!!















المزيد.....

السباحة في الماء بلا بلل..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 3645 - 2012 / 2 / 21 - 15:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا أعرف دور أو حجم الأخوان المسلمين في الثورة السورية، ولا استبعد فوزهم في الانتخابات بعد الإطاحة بالنظام، على غرار ما حدث في مصر وتونس. بيد أن ذلك لا يعني الاصطفاف إلى جانب نظام آل الأسد، وتجاهل حقيقة أن النظام يشن حرباً على شعبه، ويزعم، كاذباً، الدفاع عن قيم علمانية وتقدمية وقومية تبرر ما ارتكب من جرائم، وما داس من حريات.
أسوأ أنواع المعادلات أن نجد أنفسنا في موضع المفاضلة بين الإخوان المسلمين وأنظمة الطغاة. وهذا ناجم عن اختزال الواقع في ثنائية لا ترى ما فيه من ظلال بقدر ما تسعى للتدليل على وجود لونين هما الأبيض والأسود. وهذه الثنائية هي الخلاصة الموضوعية لموقف الشاعر السوري أدونيس من الثورة السورية. المشكلة ليست في اتهامه للإخوان المسلمين بالفاشية، بل في ميوعة موقفه من نظام آل الأسد.
ولا أعني بالنظام، هنا، الجيش والمخابرات وشبكات القربى التي تملك الدولة والشعب، فقط، بل المنظومة الأخلاقية والسياسية والثقافية القائمة على رفع الكلفة بين الحقيقة والكذب إلى حد جعل من سورية جمهورية على الورق وملكية على الأرض، تقدمية على الورق وطائفية على الأرض. والمشكلة، هنا، سياسية بامتياز، بقدر ما تكون السياسة فعلا ثقافياً، وتكون الثقافة ممارسة سياسية. وفي هذه المعادلة، بالذات، يتجلى دور المثقف المنشق أو المستقل الذي يملك ما يمكنه من العثور على الثقافي في السياسي والعكس صحيح.
وقد كان أدونيس مثقفاً منشقاً، أو هذا ما أراد الإيحاء به، على مدار سيرته الطويلة. بيد أن الميوعة تبرر التشكيك في ذلك الدور. وإذا كان من الممكن العثور على ما يكفي من الشواهد لتبرير التشكيك في هذا الدور، إلا أن الوقوف عند هذه النقطة يُفقر التحليل، فمشكلة أدونيس ليست شخصية أو فردية، بل مشكلة جيل من المثقفين العرب كان مفتوناً بالقضايا الكبرى والجموع إلى حد يبرر غض الطرف عن حقيقة أن اختبار صدقية الكبير والجمعي لا يتأتى دون العثور على ما يبررها في الصغير والفردي. لذا، خذلته الأيديولوجيات التي اعتنقها، والأنظمة التي عانقها. وفي زمن فورة وثروة النفط، وتحوّل الأنظمة "التقدمية والقومية والعلمانية" إلى دكتاتوريات سافرة أصبح غض الطرف جزءاً من منظومة رفع الكلفة بين الكذب والحقيقة، بكل ما ينطوي عليه الأمر من ضرورات تكاد تكون يومية، تقريباً، للقيام بتسويات ومفاوضات وحسابات تمكّن هذا العامل في الحقل الثقافي أو ذاك من الخوض في الماء دون أن يبتل.
وطالما نحن في سيرة الماء والبلل، فلنفكر في أحد المواقف التي أراد لها صاحبها أن تكون مناسبة للنيل من ثقافة بعينها عن طريق التنكيل بأحد ممثليها. والكلام، هنا، عن الناقد السعودي عبد الله الغذامي، الذي استفتته مؤسسة إعلامية سعودية بشأن موقف أدونيس من الثورة السورية. اتهم الغذامي أدونيس بالعمى الثقافي وفي هذا الصدد يقول: "صاحب العمى الثقافي هو شخص يرى العالم وفق معياره هو، وإذا تغيّر العالم إلى معيار آخر أو سلوك آخر مختلف عن سلوك الذات المثقفة تبدأ هذه الذات بالسحق والمحق والتقليل من شأن الطرف الآخر". يا سلام.
الغذامي يتكلّم في النقد الأدبي ويحلل النصوص وأشياء من هذا القبيل، وطالما كان الأمر كذلك، فربما من المفيد تذكيره بحقائق من نوع أن لا أحد في الكون يرى العالم إلا من خلال معياره هو، وأن المشكلة ليست في الشخص بل في المعيار، فثمة من المعايير ما يقبل بالتعددية سواء تعددية المعايير نفسها، أو التباين في إطارها، وثمة من لا يقبل بها إلى حد يبرر فرض معيار واحد على جماعات بأكملها من بني البشر، وممارسة السحق والمحق والتقليل من شأن الطرف الآخر.
وبما أن الغذامي يعيش في ظل منظومة سياسية وثقافية تعتبر من التجليات الأركيولوجية لعصر ما قبل الدولة الحديثة، فمن المدهش، حقاً، فشله في اكتشاف أوجه الشبه بين المطاوعة بالمعنى الديني والسياسي والثقافي في بلاده، الذين يمارسون السحق والمحق والتقليل من شـأن الآخر، وبين مثقفي نظام آل الأسد (ولا أصنّف أدونيس بينهم رغم وضاعة موقفه من الثورة السورية) وغيره من أنظمة الطغاة.
بيد أن الفشل لم ينجم عن السهو بل عن سابق إصرار وترّصد، وهذا ما تؤكده العبارة التالية في سياق الفتوى نفسها يقول الغذامي عن أدونيس وأمثاله (لاحظوا أمثاله): "الكون من حولهم تغيّر، ولم يتغيّر ما لديهم هم كقادة للتفكير والتغيير، وهو عاجز أن ينظر إلى هذا المتغيّر، ولم يدرك أن الرأي العام الجماهيري هو المتشكل الآن".
وإذا أعدنا تركيب هذا العبارة نكتشف أن الحكم للمثقف أو عليه يستمد مرجعيته من الاحتكام إلى الرأي العام الجماهيري "المُتشكل الآن". وبقدر ما يعنينا الأمر فإن تعبير الرأي العام الجماهيري "المُتشكل الآن" مُفخخ أو ملتبس في أفضل الحالات. هل في الكلام عن الرأي العام الجماهيري "المُتشكل الآن" إحالة إلى فوز الإسلام السياسي في الانتخابات أم إلى مفاهيم مثل الاحتكام إلى صندوق الاقتراع، وتداول السلطة، وتكوين الأحزاب السياسية، وحرية الاعتقاد والتفكير والتعبير؟
تُجيب على هذا الغموض عبارة أخيرة في كلام الغذامي يقول عن أدونيس "إنه يمثل الحداثة الرجعية، وهو يمثلها فعلاً، والآن يتكلم باسمها، ويريد العودة إلى زمن مضى به مسيطر، إما مسيطر سياسي أو طاغية ثقافي".
اللعب بالألفاظ في هذا المقام غير مفيد، ويُفضل التعامل مع عبارة من نوع "الحداثة الرجعية" كنوع من الكلام الفارغ، إلا إذا اعتبرنا أنها تندرج في باب نقد الحداثة. وقد خصص شخص في السعودية، قبل سنوات، أطروحة من بضعة آلاف من الصفحات لنقدها، وتحوّلت في العقود الأخيرة إلى أحد الموضوعات المفضّلة لدى ممثلي الإسلام السياسي للتدليل على رفض الجسد العربي مرفوعاً على ساعد هوية إسلامية لا تزول ولا تدول لأيديولوجيات ومفاهيم غربية غازية.
نقيض الحداثة الرجعية (اقرأ العلمانية)، إذاً، حداثة لا يسيطر فيها السياسي والطاغية الثقافي، وإذا كان الغذامي عاجزاً عن إدراك أو حتى إبداء تحفظات بشأن فوز الإسلاميين في الانتخابات، بعد ثورات لم ترفع شعاراتهم، واحتمال ألا يكون زمن الطغيان السياسي والثقافي قد مضى وانقضى، يكون قد سبح كثيرا وبعيداً ولم يبتل. هللويا.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى الرقم 1842..!!
- لا شيء يفنى أو يُخلق من عدم..!!
- مديح العام 2011..!!
- البيان والتبيين في خلافة المسلمين..!!
- المحبوب والعزيز والوارث، وكلهم زعماء..!!
- صعد الإسلاميون، وماذا بعد؟
- مصطفى موند..!!
- نهاية النظام في الأفق..!!
- سايكس بيكو الجديدة أم أغنياء النفط..!!
- معمّر القذافي، نهاية لا تليق بملك..!!
- في وداع فرانسوا أبو سالم..!!
- لماذا كلما اقتحموا مدينة عادوا إليها، وما وجه الشبه بين ليبي ...
- مبروك يا طرابلس والعقبى لأختك دمشق..!!
- عن العدوان الثلاثي، ومسلسل في حضرة الغياب..!!
- الإرهابي الأشقر وعيونه الزرقاء..!!
- والشعب في إسرائيل يريد إسقاط النظام..!!
- مديح العبث..!!
- عن ساحة المرجة، والثورة، وأدونيس..!!
- أسئلة ساذجة ومباشرة تكفي..!!
- الرهان الحقيقي على دمشق..!!


المزيد.....




- السيسي يوجه الحكومة بـ-اتخاذ كل الاحتياطات المالية والسلعية- ...
- ما قصة المسيرة الإيرانية -شاهد 101- التي سقطت في العاصمة الأ ...
- إيران تفعل دفاعاتها الجوية وإسرائيل تحذر سكان طهران مع إعلان ...
- المرصد يتناول حرب السرديات بين إيران وإسرائيل
- مباشر: دونالد ترامب يعلن موافقة إيران وإسرائيل على -وقف تام ...
- مسؤول إيراني لـCNN: طهران لم تتلق أي مقترح لوقف إطلاق النار. ...
- ترامب يعلن عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.. ما التفاص ...
- سوريا: تفجير انتحاري يودي بحياة 23 شخصًا على الأقل في كنيسة ...
- ترامب: إسرائيل وإيران وافقتا على -وقف تام لإطلاق النار-
- لماذا يعارض مهندس -أميركا أولا- الحرب على إيران؟


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - السباحة في الماء بلا بلل..!!