أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن خضر - مديح العبث..!!














المزيد.....

مديح العبث..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 3431 - 2011 / 7 / 19 - 20:13
المحور: الادب والفن
    


عندما سألتني المرأة القادمة من دولة اسكندنافية عن معنى وجود لوحة لبيكاسو في فلسطين، شعرت بقدر نجحت في إخفائه من الغضب. لماذا يصبح بيكاسو في فلسطين موضوعاً للتساؤل والدهشة، كأن الحيّز الوحيد المسموح للفلسطينيين في الأخبار هو الموت، والشقاء، والاحتلال.
ومع ذلك، فإن الموت، والشقاء، والاحتلال، جزء من البضاعة التي يحرص فلسطينيون يصعب حصرهم على تسويقها، استناداً إلى فرضية مفادها أنها الأكثر رواجاً، والأكثر فائدة في الحرب الطويلة ضد الكولونيالية. يُضاف إلى هؤلاء ما يصعب حصره أيضاً من المتعاطفين والمؤيدين في العالم العربي، وفي العالم بشكل عام.
أحياناً، وقد لمست هذا في نقاشات حتى مع إسرائيليين لا أشك في تعاطفهم مع حق الفلسطينيين في تقرير المصير، يغضب هؤلاء إذا كان الفلسطيني أقل تشدداً في مواقفه السياسية منهم، أو حتى إذا انتقد الأصولية والنـزعة المحافظة في فلسطين. فهذه وتلك في أعين هؤلاء دليل على هوية أصيلة، لا تكل ولا تمل في الحرب الطويلة على الاحتلال.
لذلك، حتى وإن كان الغضب مبرراً، إلا أن دهشة الآخرين إزاء كل ما يجعل من حياة الفلسطينيين طبيعية مبرر ومشروع. ومن المؤكد أن علينا العيش بين هذين الحدين المتطرفين فترة طويلة من الوقت.
بيكاسو في فلسطين. فلنفكر في بعض الدلالات. أول ما يتبادر إلى الذهن العبث. العبث كلمة رديئة في اللغة العربية، وفي المخيال العام، على اعتبار أن لدى العرب أشياء أكثر أهمية دائماً. والصحيح أن للعبث طاقة تخريبية وإبداعية عالية: تخريب الراسخ والراكد، والإبداع بكل ما ينطوي عليه من إمكانية العثور على الجديد والفريد والمدهش في ثنايا الهامشي، والمبتذل، وإلى حد ما وبعيد المألوف، أيضاً.
لم تغب أشياء كهذه عن ممارسات المصريين، الذين احتشدوا لإسقاط مبارك ونظامه في ميدان التحرير. رفع أحدهم لافتة تقول "خلاط + رئيس مستعمل بخمسين جنيه".
فلنعد التفكير في المشهد: ثورة شعبية هي الأهم والأضخم في تاريخ مصر، ملايين من بني البشر في كافة المدن والقرى المصرية، شهداء وجرحى بالمئات، دم في الشوارع، ورصاص، وجِمال، وإذاعات وتلفزيونات، وسفارات أجنبية تراقب، وجيوش تتأهب، وحكام في عواصم أخرى فقدوا أعصابهم، وتاريخ في طور التكوين. ومع هذا كله، سخرية رفيعة بديعة، وعبثية تماماً على خلفية مشهد كهذا. هل اقتربنا من معنى العبث، من طاقته التخريبية والإبداعية العالية؟ نعم، قليلاً.
فلنعد إلى بيكاسو في فلسطين. احتلال هو الأطول في التاريخ الحديث. طائرات، وحواجز، ودبابات، ومستوطنات، وجنود، ومع ذلك تأتي من مكان بعيد لوحة لفنان من أهم فناني القرن العشرين، تملك دولة الاحتلال حق تفتيش اللوحة في الصندوق، لكنها لا تملك حق منعها من الوصول إلى رام الله، كما منعت تشومسكي، مثلاً.
فلنفكر مرّة أخرى: تملك دولة الاحتلال حق منع اللوحة من الوصول إلى رام الله، لكنها تشعر بقدر لا يُستهان به من الإحراج، إذ يُفترض أنها دولة متنوّرة، وأوروبية، ومولعة بالفن الرفيع والحضارة، وكل الكلام الفارغ الذي تقوله عن نفسها. لذا، يمكن لدولة الاحتلال الهجوم على سفينة في عرض البحر للحيلولة دون وصولها إلى غزة، ويمكنها تعطيل سفن أخرى حتى قبل الإبحار، لكنها تجد مشكلة في التعامل مع لوحة تحمل اسم أحد كبار الرسامين في العالم.
ليس من الضروري أن يكون أصحاب فكرة إحضار لوحة لبيكاسو وعرضها في فلسطين قد فكروّا في أشياء كهذه، كل ما في الأمر أنهم أرادوا تطبيع وجودهم، فكان ذلك مدخلاً، ضمن أمور أخرى، لاكتشاف معنى ودلالات الجانب العبثي للاحتلال.
فإلى جانب أشياء كثيرة، للاحتلال دلالات عبثية لا تحصى تُستمد من سخافته، وحماقة الساهرين على ديمومته. هذه الأشياء لم تنل ما تستحق من الاهتمام، فلكل زمن ذائقة خاصة، وأدوات تعبير، وحساسية لا تقبل التكرار.
قبل عقود مضت، وحتى وقت قريب، كانت فكرة فرانتز فانون عن العنف كفعل من أفعال التطهير الذاتي من جانب المقموعين رائدة وسائدة. ولكن يصعب تصوّر ريادة وسيادة لفكرة كهذه في العقد الثاني من ألفية وقرن جديدين. ربما السخرية وسيلة تطهير جديدة. وهي ليست جديدة تماماً، فقد عثر عليها باختين في تقليد الكرنفال في الثقافة الأوروبية.
ينطوي العبث على سخرية رفيعة وبديعة، صافية ومدهشة. وقد لفتت انتباهي بشكل خاص عبارة لمريد البرغوثي، في مقالة عن الثورة المصرية، تفيد بأن المصريين أطاحوا بالطاغية عن طريق الضحك.
لوحة بيكاسو لن تطيح بالاحتلال، يكفي أنها فتحت الباب أمام حقل لم تُكتشف طاقاته الإبداعية بعد، أعني عبثية الاحتلال. وعندما يسقط الاحتلال، في يوم ما، سيفكر الناس في أشياء كثيرة، لن يندر أن تكون من بينها فكرة تقول: البراعة في اكتشاف واستثمار ما يسم الاحتلال من عبثية وسخافة وحماقة، لم تسهم في تجريده من أوراق التين الأخلاقية وحسب، بل ووخزته في مؤخرته بمهماز السخرية، أيضاً. ألا تحرّض فكرة كهذه على مديح العبث؟



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن ساحة المرجة، والثورة، وأدونيس..!!
- أسئلة ساذجة ومباشرة تكفي..!!
- الرهان الحقيقي على دمشق..!!
- الوجاهة القطرية، لماذا كل هذا؟
- مشهدان، وملاحظتان، وتعليق..!!
- سيناريو يوم القيامة في الجولان ولبنان..!!
- الصراع على هوية مصر..!!
- صورة جانبية لرجل اسمه حسني مُبارك..!!
- جول مير خميس: وقائع موت مُعلن..!!
- المخطوفان فلسطين والإسلام رهائن الثورة المضادة..!!
- دعوة للانخراط في المؤامرة ومبايعة للمتآمرين..!!
- كم من الكيلومترات يمشي نداء الحرية في اليوم..!!
- ربيع الشعوب العربية: 1- السنوات العجاف..!!
- ما الذي سيبقى من العقيد..!!
- الله، ومعمّر، وليبيا وبس..!!
- مصر قامت والقيامة الآن..!!
- عَمَارْ يا مصر..!!
- الشعب يريد إسقاط الرئيس..!!
- تحيا تونس..!!
- لا أحد يحب العرب هناك..!!


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن خضر - مديح العبث..!!