أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد الفهد - حانة أم معتوك














المزيد.....

حانة أم معتوك


رشيد الفهد

الحوار المتمدن-العدد: 3877 - 2012 / 10 / 11 - 19:37
المحور: الادب والفن
    


توفيت السيدة (أم معتوك) صاحبة أقدم حانة غير مرخصة في البصرة عن عمر زاد على السبعين في اغلب الظن.
وقال الحاج ( سالم عبد المجيد ) المحسن الذي تولى مراسم دفنها على نفقته الخاصة:(أن السيدة فارقت الحياة داخل بيت عتيق،آيل للسقوط يعود إلى يهودي غادر البلاد قبل عقود،اتخذته منذ سنين محلا تقيم به لوحدها ،يقع في البلدة القديمة ،بعد امتهانها التسول منذ سنين عدة.
تعود معرفتي بالسيدة إلى حقبة الحرب العراقية الإيرانية. ولقائي الأول والأخير بها يعود إلى احد أيام تلك الحقبة.
كانت أمام حانتها في الجانب الآخر من الشارع مساحة خالية من الأبنية، كانت فسحة كبيرة، اجتازها مرة كل أسبوع ماشيا إلى المكتبة الأهلية،اكبر مكتبة في المدينة.
لم يكن بعلمي أن ثمة حانة تقع قبالة ذلك الفراغ الواسع لولا أنها نادت علي بصوت عال في إحدى الأيام التي كانت البصرة قد شهدت هجمات إيرانية بالمدفعية الثقيلة طالت معظم ألأحياء.
صاحت علي في ذلك اليوم الدامي، ملّوحة بيدها، تدعوني أن ألوذ بسدها : ( يا ولد... يا ولد تعال الى هنا...اركض)،كان ذلك خلال محاولتي اجتياز الساحة الخالية تحت نيران القصف العنيف.
بعد وصولي إليها راكضا وبعد دقائق استراحة حتى ضربت انفي رائحة الخمر،وإذا بي أمام غرفة كبيرة نسبيا، ينبعث منها صوت فؤاد سالم ،جدرانها مبنية من الآجر ذو قالب قديم،مسقفة بأعمدة خشبية عليها سعف النخيل مرصوصا و مغطى من الأعلى بالطين، إنها حانة أم معتوك.
وأم معتوك لها بشرة هندية، متوسطة القامة،صوتها جهوري، تتحدث كما لو أنها مديرة أو مسؤولة...ولها صوت قريب الشبه إلى صوت الرجل .
أما حانتها فهي لا تشبه الحانات،إنها مختلفة وغريبة، لا موائد ولا كراسي،إنها مفروشة بواسطة بارية منسوجة من السعف يجلس عليها الزبائن، صار لونها رماديا لقدمها، و بضعة أقداح بلاستيكية ملونة مرمية هنا وهناك.
زبائنها أشخاص على الغالب لا عائلات لهم ، أو ممن مروا بتجارب زواج فاشلة وأكثرهم يمارسون المهن الحقيرة .
بالنسبة للذين يتناولون جرعات كبيرة من الخمر لا يمكنهم الوصول إلى منازلهم ، تسمح لهم السيدة بالنوم داخل الحانة، و من ينام هناك لا ينام على وسادة.
لفت انتباهي أن زبائنها في تلك الساعة العصيبة كانوا في منتهى الهدوء والانضباط ،يحتسون الخمر غير مبالين ولا مكترثين بما كان يدور خارج الحانة مع إن دوي الانفجارات كان يسمع عن قرب، كأن الأمور تسري على نحو اعتيادي أو كأن شيئا مقلقا في الخارج لم يحصل.
بعد أن ساد هدوء نسبي مشوب بالحذر، وقبيل مغادرتي للمكان ، اطل على السيدة رجل يرتدي بدلة أنيقة حاملا بيده حقيبة،ما أن تحدث إليها حتى مدت يدها في جيبها مانحة إياه مبلغا من المال إضافة إلى قنينة خمر كبيرة .
التفتت إلي تقول : ( هذا المحامي جاء يأخذ حقه) قلت لها كيف ؟ قالت :( هل ترى تلك المرأة... أشارت إلى امرأة جالسة في نهاية الشارع يبدو أنها تبيع الحلوى البسيطة للصغار لقد حبسوا ابنها و أعطيت لها كلمة أن أطلق سراحه بواسطة هذا المحامي ، ماذا افعل أعطيتها كلمة...وعدتها ) .
لم يكن إيفاء السيدة لوعدها يثير اهتمامي إلا في السنوات القليلة الماضية ، فحين كانت تخطر على بالي أتذكر أشياء أخرى غير إيفاءها. شكلها ،حانتها وذلك اليوم العصيب ، كانت هذه هي الأشياء الأقوى التي تطفو على سطح ذاكرتي ، حتى إذا جاءني نبأ وفاتها أقدمت على الكتابة عنها ، لفرط إيفاءها واحترامها للمواثيق ليس إلا .



#رشيد_الفهد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعبنا يبكي شعبنا يضحك
- المصالحة مع المثقفين
- ألأغنية ألاولى...كانت هنا
- شيء من الحاضر
- كيف أصف ألنظام السياسي في العراق
- يا أنف فيروز
- أزمة السيد كامل
- حديث السيدة أم سامي
- الولي ازمة السيدة ام علي
- فخريه بائعة الجبن
- خالد يتزوج
- قالها علي:انا اعرفهم
- ويسالونك عن الحب
- وأنت ترى مواكب الأعراس...انتبه لنفسك
- الطعام.....فقط في وسائل الدعاية الانتخابية
- أين الشيطان؟
- أين الله؟
- شيء من العراق
- من سيحفر قبر الاسلام السياسي في العراق
- تحت تهمة الخيانة الزوجية:تنفيذ حكم الإعدام في بابل بحق احد ا ...


المزيد.....




- حي المِسكيّة الدمشقي عبق الورق وأوجاع الحاضر
- لا تفوت أحداث مشوقة.. موعد الحلقة 195 من قيامة عثمان الموسم ...
- أزمة فيلم -أحمد وأحمد-.. الأكشن السهل والكوميديا المتكررة
- بي بي سي أمام أزمتي -والاس- و-وثائقي غزة-... هل تنجح في تجاو ...
- من هم دروز سوريا؟ وما الذي ينتظرهم؟
- حسان عزت كما عرفناه وكما ننتظره
- -الملكة العذراء-: أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى ...
- مكتبة الإسكندرية تحتفي بمحمد بن عيسى بتنظيم ندوة شاركت فيها ...
- زائر متحف فرنسي يتناول -العمل الفني- المليوني موزة ماوريتسيو ...
- شاهد فنانة إيرانية توظّف الفن لخدمة البيئة والتعايش


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد الفهد - حانة أم معتوك