العلاجات التقليدية وتجليات الوهم-5-

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

الحوار المتمدن-العدد: 3872 - 2012 / 10 / 6 - 17:56
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

العلاجات التقليدية وتجليات الوهم-5-
يقف الوهم على طرفي نقيض من الواقع ،وهو يشكل حالة من الرفض الواعي للحقيقة والتي هي غالبا ،شديدة المرارة.وتعشش في الأذهان اوهام كثيرة عن ماض زاهر ومستقبل باهر ،دون بذل الحد الأدنى من الجهد .وحالة غيبوبة الوهم هي حالة من "الاستنماء " بحثا عن لذة او متعة صعبة المنال.
لكن الوهم المقصود في الحالات العلاجية التقليدية ،هو وهم يعتمد على موروث حضاري ثقافي ،يشمل ضمن ما يشمل ،الموروثات الاجتماعية "والدينية "لمجتمع ما ،وتمأسس على اعتقادات وايمان راسخ بصدقية المعتقد ،لا يزحزحها مزحزح.
والموروث يحاول ان يعطي اجابات ،لكل احوال الأنسان الحياتية ،المعيشية والشعورية ،مما يقتضي ،نوعا من العلاج لكل طاريء حياتي او شعوري ،فردي او جمعي. فلدى بحثنا عن تفسير المجتمع للمرض النفسي مثلا ،وهو مرض تظهر عوارضه على السلوك الخارجي ،فأن الأجابة الغالبة في المجتمع العربي ،هو ان هذا التغير السلوكي ،الشعوري والتفكيري ،سببه في المكان الأول ،تسلط قوى خارجية على "نفس"الفرد ،وتتحكم في سلوكياته ،مشاعره وانماط تفكيره غير السوي ،وتؤدي بالتالي الى انقطاعه عن الواقع ،ورؤية اشياء او سماع اصوات تأتي من السماء او من الأرض ،من اشخاص معروفين او من كائنات خفية.
وصف عوارض المرض متشابهة ،لكن الأختلاف في تفسير مصدرها ،فالعلم او الطب النفسي يصف هذه العوارض ،ويبحث عن مصدرها ،والذي هو خلل في كيمياء الدماغ ،بينما الثقافة الشعبية الموروثة منذ القدم ،ترى ان السبب هو الأرواح الشريرة على اختلاف مسمياتها.
اذن التفسير للظاهرة ،يدفع الناس الى البحث عن العلاج لدى "الخبير" بمثل هذه الحالات ،وهذا امر منطقي .وما يهم الأسرة اولا واخيرا ،هو علاج الحالة ،ولا تهم الوسيلة انطلاقا من ايمانها وقناعتها لمسبب المرض.
واثناء عملي الطويل ،ما يقرب من الثلاثة عقود ،في تأهيل المرضى النفسيين لم اصدف مريضا لم تكن العلاجات التقليدية المحطة الأولى في رحلته العلاجية ،بل ولم تكن الأخيرة!
العجز ،و الفشل في العلاج هو الذي يقود الاسرة الى الأستعانة بالطب النفسي ،والحصول على علاج دوائي ونفسي للفرد المريض،ومحاولة اعادة دمجه في الحياة الأجتماعية من جديد.
لكن ومع التقدم الكبير وازدياد الوعي ،فما زال المعالجون الشعبيون يقدمون خدماتهم لكل راغب.
ويعود السبب في ذلك ،وكما اثبتت بعض الأبحاث ،ان المعالجين الشعبيين يقدمون علاجا بالوهم ،لزبائنهم ،من المرضى وغير المرضى ،وقد يحرز البعض من الزبائن بعض التقدم !!!
والعلاج بالوهم ،وسيلة معروفة في الأبحاث الطبية ،وهي تعرف بظاهرة ال"بلاسيبو" ،واكثر ما تستعمل في الأبحاث على الأدوية الجديدة !! فمجموعة التجربة تقسم الى مجموعتين ،الاولى تأخذ الدواء الجديد المنوي اختباره ،ومجموعة المقارنة تأخذ محلولا غذائيا او سكريا لا يحتوي على اي دواء ،لكن دون معرفتهم بذلك.ولاحظ الباحثون حصول تحسن عند مجموعة او قسم من افراد مجموعة المقارنه،رغم عدم حصولها على الدواء!!!!! انه مفعول الوهم السحري !!او البلاسيبو .
الباحث البروفسور عليان القريناوي ،نصح ونتيجة دراساته ،ان يتم الدمج بين العلاج الطبي والتقليدي ،في الحالات المقاومة للعلاج الدوائي ،اي في الحالات التي لا تتحسن حالتها بالشكل المرجو ،لأن المريض لا يؤمن او لا يصدق ان سبب مرضه عضوي ،بل يؤمن ان سبب حالته هي الارواح الشريرة !! وهذا هو رأي باحثان اخران درسا حالات الزار لدى اليهود الاثيوبيين.
ان نسبة هؤلاء "المقاومين" للعلاجات الطبية الدوائية لا تتجاوز ال 10% على اعلى تقدير ،ويأتون من مجتمعات مغلقة ،غير "متعلمة"،ولم يتعرفوا على العلاجات الحديثة ،ويتوحدون حول موروث ثقافي واضح المعالم.
وبالمقابل فانه وكلما زاد الانفتاح لدى هذه المجموعات على الثقافة المعاصرة ،وكلماتوسعت الخدمات الطبية والصحية ،فأن نسبة المتوجهين الى المعالجين التقليديين تقل بشكل كبير.
الابحاث تتحدث عن وجود طبيب نفسي لكل مليون فرد في بعض دول العالم الثالث!!!!!فمن سيقوم بالعلاج اذا لم يكن المعالجون الشعبيون!!!!!!
ان اتاحة الخدمات الصحية والتعليمية للجميع ،والذي هو مطلب انساني اساسي ،سيؤدي الى نقلة نوعية لدى الشعوب المظلومة ،وسينقلها من الظلمات الى النور!!!!!وعقبال عند العرب والمسلمين ،امين.

#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل