أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبعوب - نص.. قراءة في لوحة -بوهيمية- للرسام ويليام بوغيرو














المزيد.....

نص.. قراءة في لوحة -بوهيمية- للرسام ويليام بوغيرو


محمد عبعوب

الحوار المتمدن-العدد: 3856 - 2012 / 9 / 20 - 20:01
المحور: الادب والفن
    


كلما تناولت مجلة الثقافة الجديدة القاهرية التي تتصدر غلافها الخارجي خِلتها قبالتي بدمها ولحمها، أكاد أسمعها تستأذنني بفرنسية رقيقة في العزف على تلك الالة التي تتعيش من ورائها، بل أجزم أنني اراها وهي تتمايل مع تقاسيم موسيقاها محاولة جذبي الى ركح الرقص الحر في ذلك الشارع، إنها ملهمة الرسام الفرنسي ويليام بوغيرو -عاش خلال النصف الاول من القرن التاسع عشر- في رسم رائعته "البوهيمية" .. جلست تعرض غذاء للأرواح المتعطشة للفرح على ناصية طريق عام، حافية القدمين في ظل شجرة حور على رصيف الشارع تتدثر بأسمال جمعتها كما اتفق لتقيها برد المدينة القارس، ترسل شعرها الغجري الأسود على كتفيها ليمنحها جمالا طبيعيا زاد وجهها الطفولي جمالا وإشراقا رغم حالة العوز والحرمان التي تبدو عليها.. تحتضن كمنجتها وقد تشابكت اصابع يديها منتظرة زبونا تعطشت نفسه لغذاء الروح.. الطريق محاذ لنهر انتصبت على حافته المقابلة قلعة تاريخية محاطة بمرج أخضر يعيدنا الى العصور التي كانت فيها الطبيعة هي سيدة المشهد.. نظراتها توحي بنوع من اليأس او التعب من المنادة على زبائن محتملين لم يأتوا، لكنها تفيض ايضا بالامل القادم .. أكاد اسمعها وهي تنادي :
- معي غذاء للروح.. معي لحظات فرح.. معي سفر في فضاء لا متناهي لاحدود له لا موانع امامه لا ضرائب عليه.. هل من مشتري؟

تستعرض بنظراتها نهر المارة المتواصل أمامها، كل يذهب في شأنه إلا هي لم تصادف شأنها الذي تبحث عنه في أعماق هذا الطيف البشري من مختلف المشارب والأذواق.. حدثت نفسها مستجدية الحظ عندما رصدت كهلا يمشي متعثرا :
- اعتقد ان هذا الكهل الذي يتوكأ على عكازه يحتاج الى لحظة فرح تعيد له ومضات من شبابه الذي ولَّى.. إنه ينظر الي .. هيا جد بقطع من نقودك التي حتما ستذهب كما غادرك الشباب، هيا يمكنني أن أرحل بك عبر الزمن الذي ولى .. وتطلق وهي تساير خطواته الوئيدة نغمات فرح وحبور من كمنجتها، تشاكس روحه.. تدغدغها علها تدفع يده الى جيبه.. لا يستجيب ربما هو أصم.. لكنه مؤكد انه ينظر ويراني .. لماذا لم يلق في يدي اي قطعة نقود؟ ربما هو ايضا فقير!!

تتركه لتلاحق عاشقين وقد احتضنا بعضهما وهما يحلقان في سماء الاحلام الوردية التي تفيض بها خيالات العشاق.. محدثة نفسسها :
- ياللعاشقين المشتبكين في لحظات وجد!! لو يدعياني لتزيين لحظاتهما بموسيقى من كمنجتي، حتما سيكون المشهد أحلى لهما ، واضمن أنا ثمن ما اسد به رمقي..
لاحقتهما متعثرة وهي تعزف مقطوعة راقصة تخاطب وجدانهما وتلامس شغاف قلبيهما.. التفتا اليها بابتسامة مجاملة وواصلا السير.. سبقتهما لتقابلهما وهي تصر على إثارة كرمهما عزفا شجيا تطلقه عبر كمنجتها .. توقفت الفتاة مبتسمة وشدت اليها عشيقها .. اجتهدت هي في العزف، إذ بدت البشائر مع تلك الابتسامة.. اكملت معزوفتها وتوجتها بابتسامة فرح للعاشقين، امتدت يد العاشق اليها ، ولامس كفها برودة قطعة نقد جادت بها يده مع ابتسامة رضا كانت هي زادها لمواصلة البحث عن قوتها في بيع الفرح لآخرين يلقي بهم الشارع أمامها..

جلست تتحسس قطعة المعدن الباردة في جيبها، وتنقل نظرها بين المارة علها تفوز بزبون آخر يؤنس وحدة تلك القطعة المعدنية اليتيمة في جيبها بأخرى.. لاح أمامها شخص في العقد الخامس من العمر تقريبا ممتلئ الجسم يشد بنطاله الى كتفيه بمشد يحمل حقيبة جلد ويرتدي بدلة سوداء تشي بمهنته كتاجر او مهني ثري .. اعترضته بخفة وهي تعزف والابتسامة تفيض على محياها، لعلها تفلح في بعث الحياة في اوصاله التي جردتها هموم الدنيا من الروح .. يواصل السير لكنه لم يكن موجودا هناك.. كانت تعزف لجثته!! فروحه تلك اللحظة تهيم بين البنوك واسواق المزادات ولم ولن تعرف للمسيقى طعما .. تركته بعد ان عرفت انه لم يكن هناك مطلقا، قائلة:
- يا له من جاحد يقتر على روحه ويحرمها من لحظة طرب ثمنها لا يوازي ثمن كاس جعة يحتسيها في لحظة.. لا بد أنه تاجر أعمته المادة عن الروح وفارق روحه ليتحول الى مادة متحركة..

لم يؤثر فيها هذا الجحود، إذ تقابل يوميا نماذج كثيرة من البشر منهم من يفوق حجود هذا المسكين.. عادت الى مجلسها تتفحص الشارع.. ثلة من أطفال مدرسة يتسابقون ويتشاغبون .. زرعوا فيها لحظة فرح .. عادوا بها الى سنوات البراءة والصفاء.. فاض الفرح على محياها بابتسامة مشرقة لهم وقابلتهم عازفة لهم على اوتار قلبها متراقصة أمامهم قائلة في قرارة نفسسها:
- تعالوا أحبائي الصغار انتم ملائكة الدنيا سَأُطرِب نفسي بإطرابكم.. هيا هذه لكم مجانا .. انتم أجدر بها من كل هؤلاء المارة ..
رقصت البراءة وضكحت ملئ شدقيها على وجوههم الملائكية وشاغبوها فزاد طربها عزفا فرائحيا وحلقت معهم بعيدا بعيدا حيث الفرح يعم الأجواء ولا مكان لنكد الدنيا وهمومها.. ودعتهم بعد عودتها بروح راضية .. لقد عوضوها ما لم تحققه من ذلك الجلف المنفصل عن روحه.. لعنت في نفسها كل تاجر تستعبده المادة .. شيعت ثلة البراءة بعينيها حالمة لو يعود بها العمر الى هناءات البراءة..

جلست الى ركنها في ظل شجرة الحور نظرت الى كمنجتها .. تبسمت لها في حنان وعشق.. اليست هي رفيقتها في توزيع الفرح والطرب على من لم تفارقهم أرواحهم، ثم سرحت بنظرها تلاحق الأمل الذي لم يفارقها وهي تطارد قوت يومها على تلك الناصية.. لحظتها كما يبدو لي كان الفنان المبدع وليام بوغيرو يقابلها على الرصيف يختزل في خياله كل خلجات نفسها وقسمات وجهها ليجسدها لنا في هذه اللوحة الناطقة التي قد تقدم عشرات اللوحات الناطقة لهذه الفاتنة البوهيمية، لكل من زاويته..



#محمد_عبعوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين سلطة الدولة مما يجري في ليبيا؟
- اللحظات الأخير لرحيل طاغية..
- تسويغ الفساد ثقافة شعبية
- فزاعة فضائية بمواصفات قذافية..
- ذكرى الاولى لتحرير طرابلس.. فرح يخالطه الحزن
- حتى لا تدنس الثورة السورية..
- إمارة شمال مالي الإسلامية .. عواقب التفكيك ومخاطر التغول
- حرب كيميائية اسرائيلية ضد العرب الفلسطين
- ديمقراطية الدم في العراق
- في عرس الديمقراطية بُعث الامل وصمتت البنادق..
- لا للعسكرة.. نعم للتمدن..
- الخطوط المغربية.. واقع دون الطموح!!
- الأفريكوم تطرق الباب .. ما سر صمت حكومتنا؟!!
- (س ص) لماذا التخلي عن أمانته العامة؟
- ملتقى بني وليد القبلي.. إستنساخ لثقافة هدامة
- حق العودة .. الوجه الآخر
- يائيل برتانا.. خطوة على الطريق الصحيح..
- الازمة الايرانية الخليجية طوق نجاة للطرفين
- عندما يُمسخ عيد العمال.
- مركز لحجز المُعنِّفين.. قبل دور المعنَّفات.


المزيد.....




- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبعوب - نص.. قراءة في لوحة -بوهيمية- للرسام ويليام بوغيرو