أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نعيم عبد مهلهل - الوردة الأيرلندية














المزيد.....

الوردة الأيرلندية


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1122 - 2005 / 2 / 27 - 11:10
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


إلى ماركريت ..

مشهد أول :
صباح مدينة بلفاست بارد كثلاجة .
نقار الخشب يضرب على قلب الشجرة بقوة . ينكشف ما في داخل الساق المجوف ، بنادق ، رمانات يدوية ، سكاكين . وبيانات تحث على قتل العسكر . ظل نقار الخشب يدق . مر أكثر من رجل بوليس لم ينتبه إلى حركته المنقارية السريعة . في الليل جاء ملثمون وأخذوا الأسحلة من بطن الشجرة . الطائر كان نائما فوقها . لم يعلم . في الصباح سمع صوت أنفجار هائل ، فعرف أنه ربما أحد أسباب هذا الموت . من يومها لم يعد ينقر على شجرة . بل ظل ينقر على طبلة .

مشهد ثان :
صباح مدينة بغداد بارد
قاعة مستشفى . الحروب تجعل المستشفيات فنادق للإقامة الدائمة والمؤقتة . كنت مع طفلتي التي أصابتها شظايا سيارة مفخخة . لا أعرف كيف أن تكون هناك دمية بعمر خمس سنوات وفي جسدها ثلاثين قطعة حديد . الأطفال ليسوا مناجم بل هم ذاكرة للبراءة فقط . وحين يلتقط مبضع الطبيب قطعة واحدة تصرخ : دعوها إنها لي . تتصور القديسة الصغيرة أنهم يخلعون منها إصبعا أو ظفيرة أو صوان أذنها . وحين أراد الجراح أن يرفع برادة حديد عن شفتيها صرخت بوجه : لا تفعل لأني أريد أن أغني .
شاهدت امرأة تراقب المشهد . أمراة طويلة وبشعر أسود وربما كانت تحدث الطبيب بعربية يشوبها شيئاً من لكنة أجنبية . سألت عنها ؟
قالت الممرضة : أنها السيدة الأيرلندية مارغريت .
شاهدتها تحاول حبس دموع خجلة بين مآقيها الغامضة . ولكي تفعل شيئا من تقوية عزيمة صغيرتي . قالت :
حبيتي . سيظل صوتك مثل البلبل وغدا سأجلب لك دمية تغني .
قالت طفلتي بصوت خافت : لا تكوني كذابة .
ابتسمت السيدة مارغريت وقالت : يعلم سيدينا محمد والمسيح أني مع الأطفال صادقة دائماً .
ـ شرط أن تغني أغنية { بليله }
استغربت من المفردة ، هزت برأسها وسألت إحدى الممرضات : ما تعنى هذه المفردة ؟
قالت الممرضة وهي تضحك بصوت عال : أنها يا سيدتي عنوان لأغنية مصرية يكثر عرضها في الفضائيات هذه الأيام وأجواء تصويرها في العصور الحجرية وهي أغنية خفيفة . أما المعنى ربما كل العراقيون لا يعرفونه .
ابتسمت وهي تمرر أصابع من زجاج لماع وملون على شعر طفلتي : وأنا لا اعرف معناها ولكني حتماً سأحاول أن اجلب لك غدا دمية تغني هذه الأغنية { بوليله ..بوليله }
عندها غفت طفلتي بهدوء وشجاعة لمبضع الجراح وأستخرج كل البرادات الموجودة بين شفتيها وعرج أيضا على قطع من الحديد ضئيلة الصغر استقرت بين خديها وتحت جفنيها وفي جبهتها .
أنخفض عدد قطع الحديد في جسد أبنتي من ثلاثين إلى عشرة فقط .

مشهد ثالث
في ليل دبلن . الليل البارد كعواطف سيدة فاقدة الأمل . تتطاير في الشارع الفارغ صحيفة ممزقة ، تتدحرج العناوين على الإسفلت فيما افتتاحية رئيس التحرير عن سيدة مخطوفة في بلد ملتهب تحاول أن تركن بزاوية ما كي لاتتمزق في انتظار من يتلقفها في الصباح وينتبه إلى صورة سيدة باسمه شعرها أسود وطويل ، والى حين يطل الصباح كان الثلج قد ملئ الأمكنة وتدثر الشارع بغطاء أبيض ، ارتجفت صورة السيدة من البرد ..
صادف مرور نقار الخشب بطيرانه الرشيق ، عفوا نقار الطبل . سمع أنفاسها المستغيثة . لكنه لم يفعل شيئا ، فكيف يزيح الثلج ومنقاره تحول إلى طبلة ؟
خيبة أمل أصابت ماركريت ولكي تعوض هذا الفقدان تذكرت جميس جويس وروايته الذائعة الصيت وتمنت أن يجئ البطل الإغريقي لينقذها من الثلج وخاطفيها وليس مستر بلوم..

مشهد أخير
كبرت أبنتي . حملت من سني التفخيخ مثلما يحمل جرحى الحروب من شظايا . كانت رسامة جيدة رغم أنها لازالت في الخامس الابتدائي . مرة وجدتها تحت دفئ صباح مشمس في يوم شتائي وقد انشغلت بمتعة رسم امرأة ، المفاجأة أن وجه المرأة قريب جدا لوجهة تلك الزهرة الأيرلندية التي زارتها في لحظة الجرح قبل أعوام طويلة . تعجبت وسألت أبنتي : كيف تخيلت شكل وجه هذه المرأة ؟
ردت كمن يتذكر لحظات غائبة : أنه هذا الوجه أتخيله دائماً ، ولا أدري لماذا ؟



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليلة على وسادة واحدة ..المسيح والحلاج وسارتر
- جورج حبش يسأل
- العصافير تنشد في الأهوار لثقافة الحب والرب
- رسالة أنتريت الى نابليون وبابليون وكيس النايلون
- رسالة انترنيت الى البابا
- امريكا ورؤى سبتمبر
- نهار في دهوك
- العودة الى حاج عمران
- رسالة انترنيت الى ارشاد منجي
- رسالة انترنيت الى رفيق الحريري
- نبؤة المقال وأيام الحرب على العراق
- ماذا ترك لنا زمن السنيور برايم…………ر…؟
- ذاكرة المكان .. بين المشهد والشاهد تمثال لينين أنموذجاً
- أتحاد الشعب وأتحاد القلب
- ماركس أيها الطيب ..مالذي يحدث بالضبط


المزيد.....




- منحة المرأة الماكثة في البيت 2025 الجزائر.. الشروط وطريقة ال ...
- ما هي طريقة التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت في الجزائر ...
- تأثيرات مذهلة لدموع النساء.. هذا ما يحدث حين تبكي المرأة
- هل بتعاني من سرعة القذف؟
- أول امرأة ترأس شبكة DW - انتخاب باربارا ماسينغ مديرة عامة جد ...
- اليوم العالمي للاجئين: سودانيات بين الاغتصاب والاستغلال في ل ...
- علماء يعيدون تشكيل وجه امرأة عمرها 10500 عام باستخدام الحمض ...
- كانت على عمق 30 مترًا.. هكذا تم إنقاذ امرأة فُقدت لأيام في و ...
- اعتذار متأخر لأمي: عن البؤس كيف يصير وصمة عار
- ليس مجرد مشكلة إنجابية!.. العقم لدى النساء قد يكون جرس إنذار ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نعيم عبد مهلهل - الوردة الأيرلندية