|
القوميات الكبرى والأفكار
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3851 - 2012 / 9 / 15 - 08:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان خرابُ القرن العشرين الأوروبي الأكبر قد انبثق من أزمةِ نظامي ألمانيا وروسيا. هما نظامانِ رأسماليان متخلفان عن الرأسماليات المتطورة ذات التقدم على صعيدي إنتاج السلع والسيطرة على المستعمرات.
هو خرابٌ وتحولاتٌ في ذات الوقت، وهذا الجانبُ المتناقض بسبب ان غيابَ المستعمرات عن ألمانيا دفعها للحرب العالمية الكارثية، في حين إن روسيا هي صاحبةُ مستعمراتٍ منذ البداية وهي تترسمل وتغدو عالمية.
خطابان غامضان ظهرا في هاتين الرأسماليتين الدكتاتوريتين العنيفتين، يحتويان كميةً كبيرة من التعالي والغموض الأيديولوجي، وهما خطابان قزما تقدم العلوم الاجتماعية خاصة، وفرضا مقاييس القومية السائدة المريضة بالشمولية وبالعجز عن الديمقراطية والأنسنة.
في الظاهر كان يجري استخدام العلوم ولكن الأمة الشوفينية المتوارية كانت تنظرُ إلى أنها خارج العلوم، في روسيا السوفيتية طُرح ذلك كتجاوزٍ للأيديولوجية البرجوازية، وفي ألمانيا طُرح ذلك كتجاوز للبرجوازية الغربية المجاورة، وهما شكلان متناقضان من الادعاء لكنهما بجوهرٍ واحد.
حملَ البلدانِ جراثيمَ الادعاءِ بهدم وتجاوز البرجوازية، كلٌ من منظاره، وهذا الاشتراك بين يسار مفترض واقصى اليمين يعبر عن المشترك الأيديولوجي القومي الشوفيني، وإن الأمتين فوق مقاييس البشر. وإن البرجوازية والنبلاء والفئات المتوسطة التي تصعد للسلطة والثراء لها خواص الدفاع عن العمال والاشتراكية.
لم تجد الدكتاتورية الروسية حين هجم الهتلريون المتوحشون على الاتحاد السوفيتي سوى الدعوة القومية وصيحة إنقاذ (أمنا روسيا).
المضمون القومي التوحيدي القسري الذي تم بشكلين عسكريين مختلفين في كلٍ من المانيا وروسيا، لم يتم تحليله ونقده في ثقافة البلدين، كشكلٍ مشتركٍ لتخلفِ بعض الأمم عن التطور الرأسمالي العالمي العاصف بالجميع، وكونها رافضة التخلي عن ميراثها القروسطي، محتفظة به كشكل مميز موحّد لها، ويجعل القوميات التابعة لها تظل تحت التاج، ويجعل قياصرتها بشكلٍ رأسمالي ألماني أو بشكلٍ قومي اشتراكي روسي، يواصلون الهيمنةَ وتقرير مصير الملايين.
هذا ما ألقى بظلالهِ على تطوراتِ الأمم الأخرى، كلٌ من موقعهِ التاريخي، ودرجة علاقته بتطور الرأسمالية العالمية، فالصين الشبيهة بالقومية الروسية المريضة، تستعيدُ نفسَ التجربة بشكل دموي أكبر. ثم تنسحب التجربةُ على ذات الأمم والشعوب التي تريد العلو في المسرح والحفاظ على موروثها الاجتماعي المحافظ، وكانت الأمة العربية المفتتة في دول تريد أن تكون مثل ذلك، ولكن تشتتها كدولٍ لم يسمح لها بظهور هتلر أو ستالين عربيين، فظهرت مجموعةٌ كبيرة منهم وذات أحجام متقزمة في العديد من الدول العربية.
أشكالُ الأدلجةِ البرانية تتطاير مع انكشاف المضمون الحقيقي القومي، والبرجوازية البيروقراطية العسكرية يغدو من الصعوبة أن تفلت الناسَ من قبضتها، فروسيا راحت تجرّ أحذيتها الحديدية فوق رؤوس الشعوب مثلها مثل الصين، وهو الأمر الذي يغدو قنبلةً هائلة أضخم من مخزونات العالم النووية. لكن قواعدَ ألمانيا الضخمة في التطور الرأسمالي والديمقراطية سمحتْ لها بالانفكاك عن الشمولية الشرقية وأن تلغي الكثيرَ من أشباحها العدوانية.
ومن هنا فإن المشروع القومي الفارسي المماثل مع ألمانيا السابقة وبعض ملامح روسيا والصين الراهنتين، يدعونا لفحص جلود الثعابين التي يحملها، في كل حين. فمماثلة إيران لبروسيا الألمانية العسكرية منذ هيمنة إسماعيل الصفوي ثم توحدها القومي العنيف والسيطرة على القوميات غير الفارسية في القرن التاسع عشر ومنع تفتحها القومي وفرض قوى الريف والارستقراطية والكهنوت الفارسية في السبعينيات من القرن العشرين كلها مسيراتٌ لرفض الحداثة والديمقراطية وعدم القبول بتغيير المحافظة الريفية العتيقة وسيطرتها على البشر وعدم القبول بأشكال لم تكن حتى مرفوضة في الدكتاتوريتين السابقتين، كتحرر النساء وهو أمرٌ سيؤدي إلى نفس مصيري روسيا وألمانيا قبل تحولاتهما الأخيرة، فإما حربٌ داخليةٌ أو خارجية وانفجار هذا الشكل القديم من العلاقات الاجتماعية السياسية المقيدة بحدة هو مسألة زمن فقط.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خنادق وهميةٌ
-
الأممُ الكبرى العسكريةُ في الشرق
-
القومياتُ الكبرى وأزمةُ التحول الديمقراطي
-
سقوطُ الحربِ الباردةِ الفلسفية
-
الماضي أغلالٌ
-
وتائرُ تطورِ الرأسمالية
-
ثقافةُ التحليلِ وثقافةُ التحلل
-
التناقض الخلاق والتناقض المدمر
-
تحقيبٌ اجتماعي لفلسفةِ ألمانيا
-
الطائفيون وخرابُ البلدان
-
افتراق قطبي المسلمين
-
الوطنيون والطائفيون
-
الفردُ والشموليةُ الساحقة
-
الوعي الوطني ومخاطرُ اللاعقلانية
-
أزمةُ مثقفٍ (٢ - ٢)
-
أزمةُ مثقف
-
رأسماليةُ الدولةِ بدأتْ في الغرب
-
المنبريون والجمهور
-
إصلاحُ رأسمالية الدولة
-
الطوائفُ اللبنانيةُ والحراكُ السياسي
المزيد.....
-
-لا صحة لما يقال عن خضوعها للعزل-.. أحدث تطورات صحة أنغام
-
فيديو صادم.. شاحنة تقتحم ملعب كرة قدم أثناء تمرين الأطفال وت
...
-
حماس ترد على تصريحات نتنياهو حول خطة احتلال مدينة غزة
-
ما هي -القبة الحرارية- التي تقف وراء هذه الموجة شديدة الحرار
...
-
زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب غرب تركيا ويهز إسطنبول وإزمير دون
...
-
تركيا: زلزال بقوة 6,1 درجات يضرب غرب البلاد
-
مصر تقترب من الانضمام لمشروع تطوير المقاتلة الشبحية التركية
...
-
دليلك الشامل لاحتياجات المولود قبل الولادة
-
خبير عسكري: مهمة مستحيلة لدخول إسرائيل معاقل حماس بغزة
-
أصالة تعلن عن موعد قريب للقاء جمهورها في بيروت برسالة مؤثرة
...
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|