أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - الماضي أغلالٌ














المزيد.....

الماضي أغلالٌ


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 3846 - 2012 / 9 / 10 - 08:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



(كللا عصرٍ يندارُ نحو الماضي) المجتمعُ يلتفتُ أو يكسرُ عنقَه ويشوهُ بصرَهُ وبصيرته، أو يقفُ مستقلاً عنه، ناقداً له، متعافياً من أمراضه، مستثمراً نواته العقلانية، أو بالعكس غارقاً في أمراضهِ وخرافاته وتخلفه.

العلاقةُ بين الحاضرِ والماضي هي نتاجُ سيرورةِ تاريخِ الأمة في العالم، نتاجُ التراكمِ الجيد أو التراكم السيىء، نتاجُ التضحياتِ الكبار أو نتاجُ تاريخٍ عارم بالشهوات والبذخ وتضييع الثروات!

العربُ يعيشون الحالةَ المرضيةَ مع الماضي كأكثرِ أمم الأرض انفصاماً، العربُ لا يعيشون الحاضرَ إلا كطيوفٍ، كأشباحٍ من الرؤى المتشظية، ككائناتٍ غيرِ حقيقيةٍ في العصر، متحققةٍ في الماضي تهفو للتحقق في الحاضر وهو يهربُ منها لأنها لا تدرك قوانينه وسببايته! يكلمون الموتى أكثر مما يكلمون الأحياء.

أرداوا القفزةَ الكبيرةَ نحو الحداثة فوجدوا أرجلَهم مقيدةً بسلاسل رهيبة!

إندفع الشبابُ بالحواسيب قرب النجوم يُدخلون المعادلات الاجتماعيةَ الثورية في الجماجم الصدئةِ، في غاباتِ المقابر الراقدة، أشعلوا نيرانَ الدفءِ في المدنِ الثلجية، نفضَ سكانُ المقابرِ والثلاجاتِ الأثرية أيديهم، حركوا الجليدَ، ظهرتْ دوائرُ من النار، لكن جاء الماضي وأدخلهم الزنزانةَ ثانية.

عاش العربُ بإغلالِ البداوة وبثاراتِ الشعر الجاهلي وسكك حديدِ القوافي التي توصلُ للحروب والغارات ودراهم القصور، وحين فتح الرجالُ بعضَ الأقطار اندفعوا للمتع، جلبوا الجواري وملايين العبيد وبدلاً من الخيام عاشوا في الدور والبساتين والقصور، كان كل همهم أن يصلوا الجنانَ، وعبرَ الأقوال الشكلية والحروب الفعلية كان رجاؤهم أن يعيشوا في أراضٍ سرمديةٍ من اللذات.إستعانوا بالأمم الأخرى لتعملَ بدلاً عنهم. جماعةٌ تترجمُ لهم ما كتبتهُ الأممُ العظيمة الأخرى، جماعةٌ تجمعُ ما تناثرَ من أقوال قبائلهم وقد غدتْ لغاتٍ، جماعةٌ تعدلُ وتصحح وتعقلن ما جُمعَ من كلِ هذه الغاباتِ من الأقوال والهذيان ومن الصراعِ وأقوال العشق والخرافات، جماعةٌ تفلسفُ لهم أفكارَهم الدينية وتجعلها في سياقاتٍ معقولة من الثقافة، جماعةٌ تنظفُ بيوتَهم وقصورهم وتجمعُ البقايا عنهم. جماعةٌ تربي أولادَهم وتخفي بناتَهم عن العيون، وجماعةٌ تعلمهم علومَ النجوم، وجماعة تعلمهم السحر ليحيلوا المعادن الخسيسة لمعادن (شريفة)، جماعاتٌ وجماعاتٌ كثيرة تحاربُ عنهم وتحمي بلدانَهم وتنزعُ الذهبَ والأرض منهم.

وظلوا يتعلمون ببطء شديد من الأمم المتحركة على مسرحِ التاريخ وهم مدفونون في رمالهم وقراهم ومستنقعاتهم ومناجمهم، يجيءُ بعضُ المثقفين بشُعلِ النور من الخارج، يحاولون نشر بعض الضوء في الكهوف.

حصل البعضُ على الثراء في رحلاتِ الصحراء، ظهرت القبائلُ والطوائفُ والسحرة مجدداً، انتعشت الكهوفُ، استعاد تجارُ النخاسةِ بعضَ حقوقهم الضائعة في الحداثة، عادتْ أسرابُ الجواري تملأُ المدن، خشيتْ الحرائرُ على أنفسهن من الفتنة فتغطين، وآثرن أوامرَ البيت على الخدم، والنوم حتى الظهيرة في معمل البشرية المتقد ناراً وعلماً، وانتشرت الأمراض كالتباهي بالأجساد عبر الثياب أو بدونها، واعتبار الوقت لعنة والقراءة مصيبة مثل السكر وضغط الدم، وتكوين حشودٍ من العيال المتجهة للفِتن والأمية والسياحة العالمية.

ثار شبابُ العربِ العمال الفقراء الحالمون بالسفر والوظيفة والبلد النظيف، عاشوا في تجريبية تعليمية محنطة بتراث شمولي ذكوري ملتهب، غُيّبوا عن الجدلِ والمادة وحلموا طويلاً بالفلوس، اندفعوا للعصر الحديث وكبسَهم العصرُ العثماني بدراويشه، وملله وورقه الصفر، وحاز الجبناء المنتظرون على ثمار الثورات وخسرها الشجعان المضحون، وسيطر الملالي لكنهم يلبسون هذه المرة بدلات حديثة، ويربطون الماضي المشرق بذكريات الجواري وبالخراج، والذين ابعدوا الشبابَ السذج في فهم الصراع الطبقي.

أغلب الماضي هو ورق الشجر الأصفر، وصار أغلالاً، تحيطُ بالجسد من كل جانب، وتدخل الروحَ في قفص، وتوجه الشعوب للطوائف وحروبها، وتعتقلُ الشبابَ في شيخوخةِ علاقاتِ عصورٍ عتيقة.

كل مجتمع يلتفت إلى الماضي لكن بشرط أن لا تنكسر رقبته.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وتائرُ تطورِ الرأسمالية
- ثقافةُ التحليلِ وثقافةُ التحلل
- التناقض الخلاق والتناقض المدمر
- تحقيبٌ اجتماعي لفلسفةِ ألمانيا
- الطائفيون وخرابُ البلدان
- افتراق قطبي المسلمين
- الوطنيون والطائفيون
- الفردُ والشموليةُ الساحقة
- الوعي الوطني ومخاطرُ اللاعقلانية
- أزمةُ مثقفٍ (٢ - ٢)
- أزمةُ مثقف
- رأسماليةُ الدولةِ بدأتْ في الغرب
- المنبريون والجمهور
- إصلاحُ رأسمالية الدولة
- الطوائفُ اللبنانيةُ والحراكُ السياسي
- كسرُ عظمٍ على أسسٍ متخلفة
- النقدُ الذاتي وليس المراوغة
- خارجَ الطائفةِ داخلَ الطبقة
- بُنيتا الحداثةِ الاجتماعية
- المفكرُ والتحولات


المزيد.....




- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - الماضي أغلالٌ