أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطيب طهوري - عن الشعر ولغته















المزيد.....

عن الشعر ولغته


الطيب طهوري

الحوار المتمدن-العدد: 3840 - 2012 / 9 / 4 - 21:33
المحور: الادب والفن
    


- الشعر تعبير عن حالة ما، أسئلة لا تنتهي ، سؤال يفتح الباب لسؤال آخر، وهو بذلك فلسفة، لكنه ليس فلسفة خالصة ، ذلك أن أسئلته تأتي حارقة منغمسة بدم الحيرة ونار الهموم البشرية، ومعانقة غيم الألم.. الشعر لغة انزياحية حتما ودائما ، يمتزج فيها القريب بالبعيد، الذاتي بالموضوعي ، الفردي بالجماعي، الخاص بالعام، العقل بالجنون، الوعي باللاوعي والحضور بالغياب..ولأننا في الزمن العولمي الكاسح، حيث التواصل السريع والدائم بين البشر صار واسعا، وحيث الاتصال بالأمكنة صار واقعا مألوفا، يمكننا أن نضيف: والمحلي بالعالمي.. ولأن الشعر كذلك فإن الشاعر صار كمن يسير على السراط الرقيق كالشعرة والحاد كموسى الحلاقة ، وهو ما يعني انه معرض للوقوع – وفي اية لحظة – إما في لغة اليمين المباشرة الفجة ، لغة المناسبات ...إلخ ، أو في لغة البرود اليابس يسارا ،حيث الضياع في الكلام الذي لا يقول شيئا ولا يبين عن أية حالة ..ليصير – بمعنى آخر - شبيها بالتبن الذي يتعرض بعد الحصاد للمطر الصيفي ويصبح خاليا من أية فائدة.. ولاشك ان تجنب هذا الوقوع المتوقع في أية لحظة لا يتم إلا من قبل الشاعر المدرك أسرار لغته ، العارف أعمافها و تخومها ،المحب لها ، المالك حسها الفني الذي يجعله يعانقها بحميمة إنسانية تضع كل كلمة في المكان الذي يشعرها بالتآلف مع أخواتها والشعور بالسعادة بينهن ، والصادق في تجربته – حيث الشعر في النهاية تجربة في الأساس.. لاشك أيضا أن الأهم في كل ذلك هو امتلاك ثقافة الوعي بالواقع والتاريخ وفي مختلف تجليات المعرفة البشرية، إلى جانب تبني الموقف المسؤول لكل القيم التي تعمق كرامة الإنسان حيث كان (مكانا ومعتقدا وجنسا وعرقا ..إلخ)..ذلك أن الشاعر الحقيقي إنسان إنساني قبل كل شيء، مليء بهموم الناس ،من جهة، ومنحاز لأحلامهم المشروعة في العدل والحرية والأخوة دائما..
غني عن القول أن الشعر بهذا المعنى قلة هم الشعراء الذين يكتبونه ..وهؤلاء هم الباقون بعد أن يمحو الزمن اللاشعر ويجعله هباء...

2- اللغة الشعرية طريق جديدة إلى البعيد/الآخر الذي يتقاطع مع القريب/الآني ويتعانق معه في نقطة مركزية هي هذا الهاجس الذي يقود الشاعر بصورة مستمرة إلى محاولة كشف أسراره واختراق أبعاده المتعددة وإدخاله من ثمة القلب حيث لحظة التناهي /التماهي..
ومن هنا فاللغة الشعرية بقدر ما تتيح للشاعر التلاعب بها وتعميق غرابتها وجرها إلى الداخل حيث الإفصاح الغامض والصعب عن مكنوناته ومكبوتاته ، وحيث التخطي المفرح واللذيذ للقيد الاجتماعي بسكونيته الخانقة وغباره المظلم ، تحتم على وعيه ( الشاعر) – على الأقل في المرحلة الأخيرة من الخلق الشعري – العمل على شذب الزائد من اغصانها وتحريك تربتها وسقيها من اجل جعلها اكثر اخضرارا أي تأثيرا في ذات الاخر /المتلقي، وانغراسا في عالمه الذاتي الذي يتجاذبه العالم الموضوعي ويتقاطع معه ليفرض عليه وجوده بشكل او بآخر.. ولا شك أن هذا التحكم المقيد/ الحر للغة وفي اللغة عملية حساسة ، بين الوعي واللاوعي فيها خيط رفيع جدا يمكن ان ينقطع في أية لحظة ويجعل النص الشعري من ثمة إما فوضى لغوية لا إيحاء فيها ولا عمق ولا رائحة أو لغة مباشرة تقضي على لذة الاندماج بين المتلقي والنص ..

لاشك أيضا أن المحافظة على ذلك الخيط لا يمكن ان تتحقق وتحافظ على استمراريتها شعريا إلا إذا امتلك الشاعر الحس اللغوي المرهف الذي يوجه عملية نمو نصه والموقف الإنساني الذي يجعله يختار الكيفية المناسبة لبناء نصه وتحريك لغته بأبعادها المختلفة المتنوعة والتراكم المعرفي الذي يعمق إيحائية اللغة وتوجهاتها ويهيئ الأرضية المناسبة لاختيارها ووضعها في أماكنها المناسبة ضمن سياق النص العام.. ومن هذا المنطلق أرى أن النص الشعري بقدر ما هو مغامرة في اللغة ، خلق جديد لها وبحث دائم عن تجددها واشتعالها المائي لا يمكنه إطلاقا الابتعاد عن مغامرة البحث في أسرارهذا الوجود وكشف خفاياهوربط الذات المبدعة ومن ثمة ذات الآخر بلذة تلك المغامرة..
وبهذا المعنى تصبح مغامرة اللغة ولغة المغامرة وجهين ضرورين لعملة واحدة – إن جاز التعبير – هي لغة الشعر الحقيقية..
وأعتقد أن تحقيق أي شاعر لتلك العلاقة الجدلية بين وجهي لغة الشعر لا يمكن ان يتحقق إلا ببذل الكثير من الجهد الثقافي والنفسي والكثير من الاندماج التاملي بذات الاخر وعالمه ..
من جانب آخر أرى أن اللغة الشعرية والشعرية خاصة كائن حي في تشكيله الجمالي ، بمعنى انها تحمل الكثير من الأبعاد النفسية والاجتماعية والحضارية ومن ثمة الوجودية بصورة عامة ،ومرد ذلك انها كينونة اجتماعية متواصلة تاريخيا بشكل او بآخر ، ومن هذا المنطلق فهي فضاء مفتوح للذات وعلى الذات المستعملة والموظفة لها كوسيلة تعبير عن وجودها الخاص المتعانق والمتقاطع أيضا مع موضوعات الحياة المتنوعة المليئة بالتناقضات والرجات المؤلمة احيانا والمتوهجة المفرحة أحيانا اخرى ، وانطلاقا من ذلك فإن اللغة فغن اللغة تتعامل معي – كما تتعامل مع أي شاعر – وفق حالتي النفسية ، حيث تكون مدببة ، جارحة ، تغرس شوك مداها في دمي وتزحف بي على صخر العطش اللافح ورمل المتاه كلما ازداد حصار الواقع لي واشتد خناق العزلة /الاغتراب لذاتي اكثر..وهذه اللغة نفسها ، وفي الحالة النقيض ، حالة امتلائي بالاخرين وبهواء الأرض وأشجار الشمال البحرية تصبح عصفورا اخضر فضي الجناحين يغني عشب العشق ويرحل بي نحو انسيابية الأفق اللانهائي ..
وهذه اللغة التي تسحبني او تطير بي في فضائها هي في النهاية لغة هذا الواقع الراضخ الساكن في رضوخيته ، وهي – من ثمة – مهما عملتُ على عناقها بعمق والإسراع بها في التجدد المستمر والحفر الدائم عن جديدها واحلامه المبهجة البعيدة أحس في اكثر الحالات أنني عاجز عن تحقيق ما أريده لها ولذاتي من خلالها ،وما تريده هي نفسها لها ،ذلك أن هذا الواقع الرملي الراضخ يحد من انطلاقتي بصورة مستمرة ، رغم جعله دقات قلبي أكثر سرعة وشعرات رأسي أكثر انتحارا..ثم ، أوليس هذا هو سبب هروب كبار الشعراء العرب إلى واقع الآخر/ الغرب تحديدا – بشكل أو بآخر – سواء كان ذلك الهروب جسديا أو ذهنيا نفسيا ، حيث مجال الحرية مفتوح بكيفية أوسع أوسع وأعمق ، وحيث مجال القول / التعبير لغة وتفكيرا وحتى جسدا أرقى وأنقى ، وحيث يتقلص هاجس الخوف والنفاق إلى حد كبير جدا جدا..



#الطيب_طهوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف يكون احترامنا لأنفسنا ورمضاننا؟..دفاعا عن المفطرين في رم ...
- يفتح البحر أعماقه
- الأديب الطيب طهوري : المرأة تمثل قوة انتخابية كبيرة لكن عقلي ...
- عن الانتخابات البرلمانية في الجزائر( 10 ماي ) ودور المثقف في ...
- صخرة
- هيفاء
- لأديب الطيب طهوري للصقر :- تغيير جلد السياسة الثقافية في الج ...
- المغزل*
- عن الدين والعلمانية والأحزاب الإسلامية
- ممرات ضيقة للكلام لكنزة مباركي.. إرادة التحدي التي لا تلين..
- لماذا عجز عن القيام بالثورة شباب عشرات الالاف من المساجد في ...
- عندما تحتقر السلطة شعبها
- الخطاب الإسلامي الراهن يرسخ التخلف والاستبداد اكثر؟
- بدمي .وقعت
- في الشكل الشعري.. في الأنوثة والذكورة ...مناقشة لبعض آراء سه ...
- ليس في القبو سواه
- كيف نسي الكرز؟
- ردا على مختار ملساوي.. نعم، السلطة تتحمل المسؤولية أكثر..
- إضعاف مستوى التعليم في الجزائر..كيف تم؟ ولصالح من؟
- ما صار.. ما سيصير


المزيد.....




- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطيب طهوري - عن الشعر ولغته