|
ثلاثة أكاليل
محمد مراجع العزومى
الحوار المتمدن-العدد: 3832 - 2012 / 8 / 27 - 22:38
المحور:
الادب والفن
صنعت لنفسها عالم خيالى من الحُزن و الألم من لا شئ و ذلك لأنها تشعر بأنها لا شئ ، فقط و جدت اللذه فى الألم الذى سببته كثرة التجارب الفاشله فى حياتها ، حتى ولادتها ، كانت ثمرة تجربه فاشله ، لأب رفض أن يدفع مهر غالى فأتى بإمرأه وجودها عوره ، و أم أبت أن ترفض ذلك المعتوه الذى تقدم لطلب يدها و الذى يُشبه أمها إلى حد ما ، فكانت هى ثمرة مزج بين مسخين من وجهة نظرها . حياتها كانت أشبه بالسجن ، تخشى أن تنظر من شباك غرفتها ، حتى لا تسمع تعليقاً على شكلها ، تخشى أن تمشى بغير نقاب ، مع إنها تكرهه و تكره من يرتديه كانت تكره وجودها و وجود من حولها جُمله . على الوجه الأخر ، كانت نواره ، تلك المرأه العجوز التى تمتلك أسراراً ، لا يكشفها إلا زهو عينيها ، التجاعيد التى فى وجهها تحكى عن أنثى جعلها جمالها تمتلك كُل من حولها ،، خضع لها الجماد و النبات و الحيوان ، حتى الإنس و الجن لم يسلما من طُغيان جمالها ، وجهها رغم كبر سنها له سحر شيطانى ، فهى شابه فى شيخوختها ، فيلسوفه بالسليقه ، عاطفتها مشبوبه ، كُلما زاد بها العُمر كلما إزدادت قُدرتها على التنبُأ ،التنبُأ بأنه ستأتى يوماً ما فتاه تُغير مفاهيم الجمال . أثناء الإحتفال بمولد القديسه دميانه ، جاءت نواره تدنو من تلك الفتاه القابعه على حافة الجدار مطأطأه رأسها ، و كأن أحدٍ ما علق برقبتها وزن ثقيل عجزت بسببه أن ترفع رأسها للسماء ، مدت يدها فى جُعبتها ، و أخرجت وريقه مكتوب عليها كلمات باللغه القبطيه أعطتها لهذه الفتاه و هى تقول أراكِ يا دميمه كما دميانه ، لأجل أباكِ مُشط جسدك بأمواس الحديد ، و وضع على رأسك الزفت و الزيت ، أنهضى أيتها الإبنه المُباركه فلكِ ثلاثة أكاليل ، أهبها لكِ كما وهبها المسيحُ لدميانه ، فلو كان حاضراً كان توجك هو بنفسه ، لكِ أكليل البتوليه فقد عشتى بتول و ستموتى ، و لكِ أكليلُ الألام فستعيشى و تموتى بألامك ، و لكِ أكليلُ الشهاده فسوف تموتى شهيده لأجل الجمال الذى لم تناليه . نظرت إليها الفتاه و هى تمسك فى يدها تلك الوريقه ، تنظر فيها ، تُحاول أن تُفسر ما بها من كلمات ، لم تفهم شئ ، عادت لتسأل نواره ، نواره إختفت فجأه !!! قضت تلك الفتاه ليلتها ، و هى تنظر فى الوريقه التى معها ـ تُحاول تفسير ما بها من كلمات ، و لأول مره أحست بأن روحها تصعد و تُحلق ، عاشت لأول مره بوجدان الحاسه لا بأحساس الغريزه ، أحست بأن حياتها عدم و وجود ، عدم للعاجل و وجود للآجل . جاءت إلى الأسكندريه مع أبويها لأول مره ، فى زياره لأهل أبيها ، و التى لم تعرفهم من قبل ، بعد قضاء الليل عند أقاربهم ، نظر أبيها فى الساعه المعلقة على الحائط أمامه ، الساعه الحادية و النصف مساء ، أقترب موعد لقاءه مع الشيخ خالد فى مسجد شرق المدينه المواجه لكنيسة القديسين ، و الذى سيخلصه من أبنته ليزوجها لأحد الملتزمين ، مرا من أمام الكنيسه ، قطعا الطريق تجاه المسجد ، دخلاه فى تمام الساعة الثانية عشر ، و فجأه دوى إنفجار . هرعا إلى الخارج ليجدا أشلاء متناثره هنا و هناك ، عويل و صراخ ، أم تبحث عن أبنها ، شاب مُزقت قدماه يزحف على يديه طلباً للنجده ، و أثناء هذا الضجيج الغير مفهوم سمعت صوتاً خافتاً و كأنه موجه لها هى ، شخص يستغيث ، ساقتها قدماها إلى مكان الصوت ، قس مُلقى على جنباتِ الطريق ، إخترقت رقبته شظيه ناتجه عن الإنفجار ، الدماءُ تسيل على الأسفلت ، و القس يمد يده ليتعلق بعبائتها و هو يقول لها ساعدينى . أخذت تبحث حولها عن شئ توقف به النزيف فلم تجد سوى نقابها الذى على وجهها ، خلعته لفته حول رقبة القس ، فبان وجهها ، فكت الطرحة التى كانت تُدارى رقبتها ، لتمسح بها الدماء عن وجهه ، نظر إليها القس و إبتسم و هو يقول ، إلتقى الحُب بالأمل ، حياتك قصيره ، ستنتقلين لترتدى ثوباً لا يفنى ولا يتدنس و لا يضمحل ، ثوب السعاده الأبديه ، و فجأه ، هوى على رأسها حجر ألقاها بجوار القس ، سال دمائها ، إختلط بدماء القس بجوارها ، أبيها ينظر أليها ، و هو يصرخ ، خلعتى نقابك ، ضاع حيائك ، تشوش المنظر أمامها ، أسدلت جفنيها فى رفق ، رأت نواره و هى تقول كتبتُ لك فى الورقه إلتقى الحُب بالأمل ، حُبك للخير ، و أمل القس فى تنُقذيه ، ستنتقلين لترتدى ثوباً لا يفنى و لا يتدنس ولا يضمحل ، ثوب السعاده الابديه ، بعد أن خلعتى نقابك ، ثوب حياء أبيكى ، لتُنقذى القس ، إن ضيقات و أحزان هذه الحياه تتحول إلى مجدٍ عظيم فى السماء ، فهنيئاً لك الثلاثة أكاليل
#محمد_مراجع_العزومى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلوربرومازين
-
ميدان المعقول
-
على فلنكات السكه الحديد -1-
-
على فلنكات السكه الحديد -2-
-
عام من العزله
-
إحنا موش طبقه ثالثه
-
لحظه بين عالمين
-
بأسم الشعب فى صحة الوطن
-
رفقاً بالدين يا مُتدينين
-
مجهول الهويه
-
ثورتنا العنقاء
-
القذافى روائى و أديب
-
رؤيه فى الفكر السلفى
المزيد.....
-
-بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام
...
-
تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي
...
-
-حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين
...
-
-خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
-
موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي
...
-
التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
-
1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا
...
-
ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
-صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل
...
-
أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|