|
عام من العزله
محمد مراجع العزومى
الحوار المتمدن-العدد: 3525 - 2011 / 10 / 24 - 21:08
المحور:
الادب والفن
لم يعد الطعام إحتياجاً يبعث على السرور ، كان قانوناً أسود يجبرنا على البلع بأية و سيله و بأى ثمن ، لسد جوع لا يشبع بل يتزايد ، كنا نعانى من الوحشه الأبديه للصحراء ، التى علمتنا أن إستيطان روح الإنسان فى مكان ما لن تتحقق إعتماداً على الإنتقال من مكان لأخر ، بل بالتعاطف و الحب ، و لا سيما تلك العواطف التى لا تروض و التى جعلت الإنسان على ما هو عليه الأن ، مخلوق بائس ، فهو كائن مأسوى يستطيع العيش على الأرض ، و الكفاح ، و السقوط فى ميدان البطوله .
مر الوقت ـ شعرنا به ـ بدا لنا مثل حلم يمضى سريعاً و لكنه حلم طويل لا ينتهى ، الوقت شراب غريب لا طعم له ، نتجرعه لحظه بالحظه ، كنا على الرغم من إختلاف مشاربنا فى الحياة نجتمع على شئ واحد ، أمر مجهول يدفعنا إلى ممارسة كل القوى من أجل الحريه الكامله ، أو الموت / فقد تيقنا تماماً بأن الإنسان الحى عليه أن يختار كل يوم ، كيف يموت غداً ؟؟!! كنا نريد أن يكون كل فرد منا ، شامخ الحياة رائع الموت .إن هذا المزاج المعتم الحزين ، لأولئك القله ، كان شاهداً على ثقل العبء الإنفعالى للإحساس بالإذلال و قلة الحيله الذى عانيناه ، بعد أن تيقنا أننا فى ذلك المكان لأجل تلك المُسماه بالثوره ، فعقاباً لنا على ما إقترفناه ، و ما لم نقترفه ، عُزلنا لمدة عام عن العالم الخارجى ، لا نرى منه شئ ، و لا نسمع عنه شئ ، و نتكلم فيما أرادونا أن نتكلم عنه ، فقط نقول الثوره خطأ فادح .تفوهت ذات يوم ، بخزعبلات عقلاً يكافح لينفض عنه غبار الصدأ الذى أصابه ، مُذ أن أتيت إلى ذلك المكان الموحش ، بأن نادراً ما يكون الثوريون هم القادرين على هدايتنا إلى العالم الجديد ، فعند الوصول إلى بوابة هذا العالم ، نعطى المفاتيح لمن لا عقل له ، الغير قادر على نبذ الماضى بما فيه من المقدمات التى أتت بالثوره ، و عدم القدره على إستيعاب الحاضر بما فيه من رخاء و خيــر ، لنتوه فى مرحلة إنتقاليه قد تطول مدتها و ربما لا تنتهى ، فما كان لى إلا أن ذقت مرارة اللومان لمدة 15 يوماً ذقت فيها شتى أنواع الذل ، تعرفت فيها على الصديق الرائع المناضل محمد يونس ، الذى قال لى عشية فراقنا ، من الممكن أن أمنح الحياة للأنسان بأن أسرق منه موته ، ليأخذ مكانى فى الصباح وسط تلك القوات الذاهبة لحفظ السلام فى أفريقيا و من وقتها إنقطعت عنى و عن أهله أخباره .كنا نعتمد فى سجننا على العاطفه الخالصه المتحرره من قيود العقل ، فقد كنا نستغرق فى العاطفه بلا نقاش ، و كنا نتشارك فى المتعه دون محاوله لضبطها .
قال لى صديق ذات يوم ، إن القانون وضع لمنع البسطاء من الوصول لمرتبة واضعى القانون ، و ليس لحمايتهم ، و دورنا نحن الثوريون ، أن نأتى بحركات تحرريه ، لنُسقط ذلك النير عن ظهور البسطاء الذي أنا واحد منهم ثم ألحق رأيه هذا ببيت للراحل أحمد شوقى ، قف دون رأيك مجاهداً ، إن الحياة عقيدة و جهاد !!! أثناء وجودى فى السجن مدة ال 15 يوماً ، قرأت العديد من الكتب المهربة ، منها روايه لكاتبه تدعى مارتى ليمباخ إسمها الموت شاباً ،عرفت بعد ذلك أنها كاتبه أمريكيه مشهورة ، و كانت أول ما قرأته فى الأدب الأمريكى ، ثم رواية خريف إمرأه أمريكيه للأديب تينسى ويليامز ، الذى سمعت عنه أنه عاش طيلة حياته يعانى من الإكتئاب و خشية الإصابه بالجنون مثلما أصاب أخته .كنت دائماً ما أترك تذكاراً فى كل مكان أذهب إليه ، أى شئ يشير إلى الأخرين بأنى كنت متواجد فى هذا المكان فى يوم من الأيام ، كانت أغلبها كتابه على الحائط أو نحت فى صخره ، فكتبت عشية خروجى من الحبس على الحائط " كنت هنا أنكر الذات و أتواضع تواضع الفضلاء ، إلا مع أهل الكبر فإن التواضع لهم لا يزيدهم إلا خيلاء و غروراً و تجبراً على الأخرين ، و كذلك أولئك من حكموا على بعام من العزله .
#محمد_مراجع_العزومى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إحنا موش طبقه ثالثه
-
لحظه بين عالمين
-
بأسم الشعب فى صحة الوطن
-
رفقاً بالدين يا مُتدينين
-
مجهول الهويه
-
ثورتنا العنقاء
-
القذافى روائى و أديب
-
رؤيه فى الفكر السلفى
المزيد.....
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|