أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - إيمان البغدادي - درّاجة الحريّة















المزيد.....

درّاجة الحريّة


إيمان البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 3807 - 2012 / 8 / 2 - 16:20
المحور: المجتمع المدني
    


كوني آخر حبّة في العنقود كما يُقال كنت متعلّقة جداً بالحبّة التي سبقتني و هو أخي الذي يزيدني بثلاث سنوات حيث كان هو صديقي الحميم والمقرّب إلى قلبي أكثر من أخواتي البنات. كنت أنا و هو نلعب معاً، نذهب للمدرسة و نعود منها معاً ، نحكي لبعضنا عن همومنا وأحلامنا الصغيرة، نشتري في طريق العودة من المدرسة " الفول النابت" أو "غزل البنات" ونتقاسم كل لقمة معاً. في الصيف و بعد الغداء كنا نجلس في ساحة بيتنا الشرقي تحت أشجار الليمون و النارنج حيث كنت أنا أبدأ بكتابة وظائفي بينما يبدأ هو بتجاربه التي لم تكن تنتهي مع كل نملة تسقط من الشجرة على الطاولة، حيث كان يحبس النملة في كأس الشاي الزجاجي و يبقى ينظر إليها ويراقب حركتها ليرصد متى ستتعب من الدوران بحثاً عن مخرج.
أحلى الأوقات كانت حين تحتاج أمي لبعض الخضروات أو بعض السكر، لأنّ هذا يعني أن أرافق أخي في مشوار قصير جداً لدكان السمّان، لكن الفرحة الكبرى كانت تتحقق عندما لا نجد حاجيات أمي عنده فهذا يعني أن يُخرج أخي دراجته الحمراء الصغيرة و يذهب إلى الساحة ليشتري ما تريده من هناك. طبعاً مرافتي له كانت تحتاج للمفاوضات مع أمي حيث لم تكن تسمح لي دائماً بمرافقته على الدراجة لأنها كانت تقول أنها تخاف عليّ من أن الأذى.
في الحقيقة لقد وقعت من على الدراجة في أكثر من مرة وتسبّب ذلك في جروح صغيرة و بسيطة كنت أستطيع إخفاءها عن والدتي ، لكن في أحد المرات اصطدم دراجة أخي بعمود الكهرباء فوقعنا معاً و بقيتُ أنزلق على ركبتيّ و يدايَ لبضع ثوانٍ مما تسبّب بجروح كبيرة وبدأ الدم يسيل منهما بغزارة وهذا الجرح كان الشعرة التي قسمت ظهر البعير لدى أمي حيث اتخذت قراراً قاسياً للغاية يمنعني من ركوب الدراجة مع أخي، أو حتى مرافقته سيراً على الأقدام في حال كانت الدراجة معه.

لم تدرك أمي الغالية حينها كم كان هذا القرار قاسياً و مزلزلاً لطفلة كانت أحلى و أقسى أحلامها أن تتعلم ركوب الدراجة لوحدها.
ذلك القرار سحقَ حُلمي وأشعر أخي بالخذلان حيث لم يتمكن من تنفيذ وعده لي بتعليمي قيادة الدراجة حتى في ساحة الدار، حيث كانت والدتي تتوتر و تقول لي بعصبية لا أريد أن أراك قرب هذه الدراجة اللعينة أبداً. فكّرت حينها أنهم يسمحون لأخي بقيادة الدراجة لأنه أكبر مني لذلك قلت لنفسي حين سأصبح بنفس عمره سأتعلم ركوب الدارجة. اكتشفت بعدها أنني كنت مخطئة فعندما أصبحت بعمر أخي اكتشفت أنه من غير المألوف أو المقبول لأنثى أن تقود الدراجة، ولذلك تم مقابلة طلبي بتعلم قيادة الدراجة بالرفض القاطع

أتذكر أنّني بكيتُ من المرارة وقلت لوالدي لماذا هذا غير مسموح لي رغم أنه لدي قدمين مثل باقي الصبيان. ضحك والدي و قال لي: لا تحزني عندما ستكبرين ستقودين السيارة بدل الدراجة وهذا أفضل. حقيقةً لم تعجبني قيادة السيارة أبداً ولا حتى ركوبها ولطالما شعرت بإعياء وتعب حين أركبها بينما لم يكن هذا الشعور يصيبني أبداً مع الدراجة الحمراء الصغيرة.


مرّت الأيام و السنين و بقيّ هذا الحلم حبيساً في مكان ما داخلي دون أن أن يكون مُلحّاً كما كان. ظل كذلك حتى جاء يوم الثامن من آذار 2012 وهو عيد المرأة العالمي حيث فاجئني زوجي بدراجة حمراء جديدة كان قد اشترها لي كهدية في هذا العيد. كانت هذه الدراجة واحدة من أجمل الهدايا التي حصلت عليها في حياتي كلها. شعرت بالفرح لكنني شعرت بالهمّ أيضاً فكيف سأتعلم قيادة الدراجة الآن و أنا في في الثلاثين من عمري؟ كيف سأقودها و وزني ضعف الوزن الذي كنت أزنه عندما كنت صغيرة ؟ تساءلت إن كنت سأجد في داخلي ذلك الشعور الطبيعي لطفلٍ قد يقع من على دراجته فينهض بعد قليل دون أن يصيبه شيء من الخجل أو الارتباك، فجرأة الأطفال هي أعظم و أكبر من جرأة الكبار.

كالعادة الصيف في السويد يأتي متأخراً جداً و خجولاً جداً لذلك بقيت تساؤلاتي معلّقة و بقيت دراجتي الحمراء الجديدة التي أسميتها كلارا واقفة بكل اعتزاز أمام باب البيت لأسابيع. في يومٍ مشرق أصرّ زوجي على أن نأخذ كلارا في نزهة و قال لي هل تريدين أن تشعر كلارا بالملل أو الوحدة؟ في ذلك اليوم علمني التوازن وكان من الصعب جداً أن أجلس على مقعد الدراجة فلقد شعرت بنفسي ثقيلة جداً وخائفة أيضاً. لم يكن بالأمر اليسير لكن وجودي على مقود الدراجة منحني شعوراً لا يوصف بالسعادة. بعدها بعدة أسابيع خرجنا للدرس الخامس وبعد أن تمكّنت من الجلوس و تحريك أقدامي زادت السرعة بشكل مفاجئ ولم أعرف كيف أوقف الدراجة أو أكفّ عن تحريك أقدامي، وما هي سوى بضعة أمتار حتى شعرت أنني أطير من على الدراجة و سقطت أرضاً فحصلت على بعد الخدوش و انجرحت ركبتي جرحاً كبيراً جداً وشعرت بألم مازالت آثاره موجودة للآن. بسبب هذه الحادثة لم أعد أتمكن من الخروج مع كلارا بالإضافة لأنني لم أعد واثقة من نفسي. لكن البارحة خرجنا أنا و زوجي و كلارا من جديد و بدأنا التمارين و بعد نصف ساعة تمكّنت من قيادة دراجتي الحمراء مسافة 2 كم دون أن أقع أو أن أفقد توازني و نزلتُ منها نزولاً مقرّراً غير اضطراري ولم أتسبّب لنفسي بأي إصابة. خلال هذه المسافة اخترقتني الكثير من الأحاسيس و الذكريات. كما أنني شعرت بأنّني حرة و أستطيع التحكّم بجسدي و بطريقي دون أن أخشى شيء. شعرتُ أنّني تحرّرت من خوفي و من قلقي و من شكيّ وشعرت أنّني ابنة الطبيعة و أعجبني أن تخترقني نسمات الهواء الرائعة. كنت أضحك بشدة ثم أحاول أن أضبط نفسي كي لا أفقد توازني، ثم أعود لأضحك من جديد وفجأة اختلط الضحك بالبكاء، ولكم تمنيت أن يكون أخي وصديق طفولتي معي ليرافقني على دراجتي الحمراء فحينها لم أكن خائفة من شيء وكنت أتمنى أن يكون معي حتى لو وقعنا معاً لأنني كنت مؤمنة بأننا سننهض معاً من جديد. تمنيتُ أيضاً لو أنّني ثرية لأشتري دراجة لكل طفل و طفلة في سوريا ليشعروا بهذا الشعور الرائع فلاداعي لأن يأتي متأخراً و مصاباً بالشكوك. ربما كنت سأصاب ببعض الجروح لو تركني أهلي أتعلم قيادة الدراجة حين كنت صغيرة لكنني كنت بالطبع لن أحتاج لكل تلك المصاعب و التردد الذي أصابني و أنا كبيرة. لو لم يُعلمنا أهلنا على الخوف من التجربة و من النقاش و السؤال و الانتقاد لما صمتنا على الظلم و التمييز و الديكتاتورية طيلة تلك السنين، و لتحرّرتْ إبداعاتنا الفكرية بأبهى صورها. جرأة الطفل كفيلة حقاً بأن تُغيّر الموازين فلنكن فقط بجانب أطفالنا دون أن نكبح حرياتهم و جرأتهم التي تصنع لسوريا فجرها الأروع.



#إيمان_البغدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمنية
- عنجد خلصت
- أهلاً بالمنشقّين دوماً
- قطعة سمك في متحف الشمال
- هلاّ نزعتم عني هذا الرداء؟
- حيّ على الحياة
- إلى أمي
- السوريون بين فجور النظام و خجل العالم
- أمي و شجرة النارنج و رشة كمون
- ثورة إنسان لا ثورة د.برهان
- لا مجال للمراهقة السياسية
- إلى متى ستستمرون بقتلنا ؟؟
- نحن البحر
- فلتخرجوا من هذه القوقعة
- انتهى زمن صناعة الآلهة
- أسماء لامعة إعلامياً و معتمة إنسانياً وأخلاقياً
- ميثاق شرف بين المعارِضين السوريين (قوى سياسيّة و مستقلين)
- فلنجهض هذا الجنين
- ماذا سنفعل بعد الثورة؟؟
- إذا الشعب السوري أراد الحياة


المزيد.....




- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - إيمان البغدادي - درّاجة الحريّة