أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - العراق: نصف لأميركا ونصف لإيران















المزيد.....



العراق: نصف لأميركا ونصف لإيران


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3805 - 2012 / 7 / 31 - 20:46
المحور: مقابلات و حوارات
    



حوار مع المفكر والأكاديمي العربي الدكتور عبد الحسين شعبان
-I-
كانت حقوق الإنسان ولا تزال مهدورة في العراق، منذ تأسيس الدولة العراقية، وخصوصاً خلال العهود الجمهورية، ولاسيما في ظل النظام السابق، الذي حكم العراق بالحديد والنار لثلاثة عقود ونيّف من الزمان، ومارس خلالها هدراً سافراً للحقوق وانتهاكاً صارخاً للحريات، ولعلّ ما زاد من التجاوزات والخروقات للحقوق والحريات، دخول العراق في حروب ومغامرات عسكرية لا مبرر لها، ابتداءً من الحرب العراقية- الإيرانية 1980-1988 إلى غزو الكويت في 2 آب (اغسطس) 1990، وفيما بعد تعرّض الشعب العراقي لحصار دولي جائر استمرّ نحو 13 عاماً، وفعل سيف العقوبات الدولية تقطيعاً لأوصال المجتمع العراقي وتمزيقاً لوحدته وكرامته وانتهاكاً لحياته ومستقبله، اقترب من حروب الإبادة الجماعية المحرّمة دولياً.
ثم جاء الاحتلال فزاد الطين بلّة، وهو ما يمكن اعتباره انتهاكاً للقانون الدولي الانساني من جهة، ولكامل منظومة حقوق الإنسان من جهة ثانية، لاسيما الحقوق المدنية والسياسية، إضافة إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وللحقوق الفردية والجماعية للفرد وللوطن، على حدّ سواء، ولاسيما لحق تقرير المصير، ولحق كل إنسان في الحياة والحرية.
وعلى الرغم من انسحاب القوات الأمريكية المحتلة من العراق، فإن ذيولها وتأثيراتها لا تزال باقية حتى الآن، وقد انتعشت خلال وجودها السجون السرية وتفشت ظاهرة التعذيب على نحو مريع، وهي ظاهرة كانت مستشرية في العراق، كما انتشرت الفرق المسلحة والجماعات الإرهابية وسادت أعمال الخطف والاختفاء القسري والجريمة المنظمة بشكل هائل، ومارست الشركات الأمنية أعمالاً منافية لأبسط القواعد القانونية، فضلاً عن الشرعة الدولية لحقوق الانسان.
وكان لفضيحة سجن أبو غريب دوي دولي، لأنها تتعلق بصميم التشدّقات التي جاءت بها الولايات المتحدة، بزعم "تحرير العراق" وتربية مجتمعة على الديمقراطية، وكان للاعلام الأمريكي الدور الحاسم في كشف الفضيحة ونشر الصور الخاصة بها وعرض أفلام الفيديو، وهو ما ذكّر العالم بفضيحة ووترغيت للتنصت على الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون.
ولعل تلك الفضيحة الكبرى، إضافة الى السجون السرية الطائرة والسجون السرّية العائمة وسجن غوانتانامو وما حصل في سجن قلعة جانكي في أفغانستان وغيرها، شكّلت المشهد الأكثر حساسية لضمير مجتمعاتنا، بل وللضمير الإنساني بشكل عام، ولم تتعافَ الولايات المتحدة من تلك الفضائح حتى يومنا هذا، ولم تفلح خطابات الرئيس أوباما لتعويض سلفه الرئيس بوش، لاسيما خطابه من جامعة القاهرة (حزيران/يونيو) 2009 بُعيد توليّه مهماته في البيت الأبيض ببضعة أسابيع، بتأكيده احترام العرب والمسلمين وخصوصياتهم والحديث عن المشترك الانساني، وكذلك تعهّده بإغلاق سجن غوانتانامو الذي لم يتحقق على الرغم من أن ولايته تشارف على الإنتهاء (نهاية العام 2013)، فقد ظلّت تلك وصمة عار شنيعة وعلامة سوداء في السياسة الأمريكية، وأخذ العالم يتحدث عن التعذيب للإيهام بالإغراق، وحفلات الاغتصاب الجنسي والجماعي والصور الشاذة والكلاب الجائعة والماركات المسجّلة، والمدموغة Made in USA، وهي الصورة الشهيرة للمعذّب علي القيسي، الذي أُلبس كيساً أسوداً على رأسه وأجبر على فتح يديه بعد ارتدائه جلباباً أسود أيضاً، ووضع في مكان مرتفع ليكون عالياً والتقطت له صورة لتوزّع لاحقاً على وكالات الأنباء، كما أخبرني خلال استضافته لإجراء حديث معه مع نخبة من الخبراء والمعنيين في حقوق الإنسان.
لعل تقارير المنظمات الدولية المعتمدة، مثل منظمة العفو الدولية، ومنظمة مراقبة حقوق الانسان، ومنظمة الفيدرالية الدولية، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان وغيرها، كلّها تؤكد الحالة المزرية لحقوق الإنسان في العراق، والتي تمثل المشهد الأكثر سطوعاً على ما وصلت إليه الأوضاع، خصوصاً في ظل استمرار الوضع الأمني متردياً وعودة العنف بين الفينة والأخرى، حيث يطلّ علينا برأسه كلما لاحت في الأفق بوادر أزمة سياسية أو عندما تأخذ بالاستعصاء أو الاستفحال، وكذلك عدم انقطاع حبل الإرهاب، وحتى وإنْ بدا راخياً، فإنه يشتدّ بين حين وآخر، كل ذلك في ظل استمرار نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية والإثنية، ودستور فيه الكثير من الألغام والالتباسات والعُقد، لدرجة يصبح معه غير ممكن دستورياً، على الرغم من بعض إيجابياته، لاسيما في باب الحقوق والحريات ومبادئ المواطنة .
لكن ذلك ليس كامل الصورة، فحرية التعبير تحسنت لدرجة كبيرة قياساً بالماضي، لاسيما حق التظاهر والكلام والكتابة والنقد وحق إصدار الصحف والمطبوعات والإذاعات والقنوات الفضائية، وكذلك حق تشكيل الأحزاب والمنظمات، ولاسيما منظمات المجتمع المدني، وإلى حدود معينة فإن الحق في المشاركة حتى وإن بدى شكلياً، لكن احتكار العمل السياسي والنقابي والمهني لم يعد محصوراً بفئة محدّدة، وهناك حراك في المجتمع وعلى هامشه، لكن عدم استقرار الوضع السياسي، مرهون بالوضع الأمني الذي لا يزال هشّاً وهلامياً، حتى وإن بدت عليه سطوة أو بعض مظاهر القوة، الاّ أنه في واقع الحال لا زال ضعيفاً والثقة بين أطراف العملية السياسية لا تزال معدومة أو ضعيفة وتصاحبها شكوكاً وقلقاً مستمرين.
- II -
يمكن القول إن الوضع الاقتصادي تحسّن في العراق، من حيث تعديل الرواتب ومستوى الأجور، ولاسيما بعد رفع الغالبية الساحقة من القرارات الدولية المتعلقة بنظام العقوبات الذي فُرض على العراق منذ العام 1990 ولغاية العام 2003، على الرغم من أن قرارات أخرى صدرت بموجب الفصل السابع، الذي لم يعد له أي مبرر شرعي وقانوني، خصوصاً بعد الإطاحة بالنظام السابق، وهذه لا تزال نافذة المفعول، كل ذلك في ازدواجية دولية وتناقض صارخ بين الأقوال والأفعال.
فمن جهة بشّرت الولايات المتحدة العالم أن العراق لا يملك أسلحة دمار شامل بعد تفتيش دقيق لطول البلاد وعرضها (العام 2005)، وكذلك سكتت عن مزاعمها بشأن علاقته بالارهاب الدولي وبتنظيمات القاعدة، ولو كان الأمر كذلك لتم كشف الأوراق التي كانت "مبرراً" لزعم الولايات المتحدة لشن الحرب على العراق، خارج نطاق ما يسمى بالشرعية الدولية ودون تفويض من الأمم المتحدة، التي عادت وشرعنت الاحتلال بالقرار 1483 الصادر في 22 أيار (مايو) 2003، وأخضعت كل ما حصل لاتفاقيات جنيف لعام 1949 ولقواعد القانون الدولي الإنساني.
وابتلعت الولايات المتحدة لسانها بخصوص الديمقراطية المزعومة، المحمولة على الطائرات، والمصاحبة لسمفونيات القصف المستمر على بغداد، ولاحقاً انفلات أعمال إرهاب لا حدود لها، واكتفت واشنطن بالحديث عن الاستقرار والهروب إلى الأمام بإعلان الانسحاب بعد اتفاقية استمرت 3 سنوت (أواخر العام 2008 ولغاية 31 كانون الأول /ديسمبر 2011) ولكن اتفاقية التعاون الستراتيجي، التي هي أكثر خطورة ونعومة لا تزال مستمرة وتكبّل العراق وترهق كاهله، بل وتجعله من الناحية الفعلية وتحت باب التعاون والصداقة واقعاً تحت النفوذ الأمريكي. أقول أن واشنطن اضطرت إلى الانسحاب بفعل ثلاث عوامل أساسية:
العامل الأول- موجة المقاومة السلمية- المدنية التي واجهتها والتي لم تكن تتصورها، إضافة إلى مقاومة مسلحة، وقد سبّبت لها خسائر مادية ومعنوية كبيرة، ليس أقلّها الأرقام الرسمية، حيث خسرت نحو 4800 قتيل و 26 ألف جريح وأكثر من تريليون دولار لنهاية العام 2008 وربما يصل الرقم إلى ضعفين، حتى إتمام انسحابها مع بقاء بعض ذيول جيشها وسفارتها التي هي أكبر سفارة في العالم.
والعامل الثاني- ضغط الرأي العام الأمريكي والأوروبي والغربي، عموماً بخصوص لا أخلاقية الغزو، لاسيما بعد الفضائح الكثيرة التي رافقته، ناهيكم عن كونه لم يحظَ على ترخيص من الأمم المتحدة أو المجتمع الدولي، الأمر الذي وضع أكثر من علامة استفهام حوله، خصوصاً بعد الخسائر التي تعرّضت لها واشنطن في العراق.
والعامل الثالث- الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي اجتاحت الولايات المتحدة، وضربتها بالصميم وادّت إلى انهيار مصارف كبرى وشركات تأمين عملاقة، وهي لم تعد قادرة على استمرار احتلالها الذي كلّقها أثماناً باهظة.
ومع أن الوضع الاقتصادي تحسّن في العراق، لكن الخدمات وخصوصاً الماء والكهرباء والتعليم والصحة والعمل لا تزال شحيحة، وتعاني نصف القوى القادرة على العمل في المجتمع العراقي من بطالة إضافة إلى انتشار البطالة المقنّعة، لاسيما للحمايات والحرس الخاص والعاملين في الإطارات الحكومية الحزبية والسياسية والبرلمانية، كما يعاني المجتمع من فساد مالي وإداري مستشري، حيث كان العراق في أعلى سلّم الدول الفاسدة فيما يتعلق بالنزاهة، وحتى بعد مرور 9 سنوات فإن منزلته لا تزال الرابعة بين دول العالم الأكثر فساداً.
لا تزال الكثير من المصانع لم يتم تشغيلها، وحتى التي تم تشغيلها أو بنائها، فإن انتاجها غير ذي بال وغالباً ما تتوقف بسبب الإرهاب أو الفساد أو البيروقراطية.
أما الزراعة فلا تزال محدودة ولم تعود لها عافيتها التي عرفتها في فترة أواسط السبعينيات، وسارت من تدهور إلى آخر، لاسيما خلال الحرب العراقية- الإيرانية وما تبعها وارتفاع الهجرة من الريف إلى المدن.
وإذا كانت ميزانية العراق خلال السنوات التسعة قد دخلها أكثر من400 مليار دولار، فإن ما استفاد منه المواطن العراقي ظلّ شحيحاً جداً جداً، وانقسم المشهد العراقي بين الدولة الاتحادية (المركز) وبين حكومة الاقليم (كردستان) بشأن النفط واستخراجه وعقوده وتصديره.
وظلّ العراق يعتمد على هذه السلعة التي شكّلت المشهد الريعي للاقتصاد العراقي غير المنتج، وهذه يتم تهريبها والتلاعب بها وتوقيع عقود لا يرتقي بعضها إلى المعايير الدولية، لاسيما تحكّم الشركات بحجم الانتاج، كما أن بعضها، لاسيما في إربيل، كانت عقود شراكة، في حين أن بغداد كانت عقودها عقود خدمة، وهناك اختلاف حول طبيعة وحقوق ومستقبل تلك العقود، ناهيكم عن خبرة مفاوضة الشركات العملاقة وأساليبها المتنوّعة.
- III -
إن أي حديث عن المصالحة الوطنية غير جاد، ناهيكم عن أنه لا توجد بيئة صالحة للشروع به وتحقيقه وإذا كان المقصود هو أن تلقي بعض الجماعات المسلحة السلاح وتنتقل من تصنيف الارهابيين إلى تصنيف الأصدقاء، فيما إذا تعاونت مع التيار السائد في الحكومة، فتلك لن تؤسس لمصالحة حقيقية، لأن هذه القوى سرعان ما تعود إلى العنف وحمل السلاح، إنْ لم تحصل على امتيازات وشروط، وهي تريدها مستمرة ومتواصلة، في حين يقتضي إلقائها السلاح، التوجّه إلى العمل المدني والخدمة الوظيفية المدنية، دون أية اشتراطات الاّ حكم القانون.
وبسبب الصراعات السياسية بين الكتل القائمة، فإن هذه المجموعات أحياناً تنتقل من هذا التحالف إلى خصمه بحكم الامتيازات التي تحصل عليها أو التي توعد بها، وبعضها يلتجئ أحياناً إلى بعض دول الجوار لمساعدته، لأسباب ومبررات لا تبدو في الكثير من الأحيان مقبولة.
أما إذا كان المقصود بالمصالحة حزب البعث الحاكم سابقاً فهو مستهدف بحكم قانون الاجتثاث، وقانون المساءلة والعدالة لاحقاً، كما أنه هو الآخر حين كان في السلطة أراد أن يجتث الآخرين بإصدار قرار بإعدام أعضاء حزب الدعوة بأثر رجعي يوم 31 آذار (مارس) 1980 وفعل الشيء نفسه بالنسبة للحزب الشيوعي حين حدد موعداً (العام 1980) للقضاء عليه، وانتهك حقوق الكرد وشن حروباً عدوانية ضدهم. إن حزب البعث نفسه لا يؤمن بالمصالحة ومثله مثل الحكومة العراقية، كل يريد اجتثاث الآخر ويتهم خصمه بشتى التهم.
قد يكون مناسباً الحديث عن العدالة الانتقالية، التي تعني كشف الحقيقة كاملة عما جرى ولماذا جرى، ومن ثم المساءلة للمرتكبين في الماضي والحاضر، وفيما بعد وترافقاً مع ذلك تعويض الضحايا وجبر الضرر، وأخيراً إصلاح الأنظمة القانونية والقضائية والأمنية لكي لا يتم تكرار ما حصل.
للأسف الشديد فإن مبادئ العزل والإقصاء والتهميش والإلغاء ظلّت مهيمنة على عقلية الحكّام، بل الأكثر من ذلك حين يتحوّل الاجتثاث إلى سلاح يُرفع بوجه كل من يرفض العملية السياسية أحياناً، وهو سلاح مزدوج، فلغرض التطويع والترويض، يتم غضّ النظر عن الارتكابات السابقة، إذا أعلن الولاء للحاضر، بمسوّغ "التوبة"، والعكس صحيح فإن الأفكار تحارب ويتم السعي لتحريمها، في حين يظل المرتكبون بمعزل عن المساءلة والعقاب.
ولكي لا تتحوّل المسألة إلى ثأر وكيدية وانتقام، فلا بد من إلغاء القانون، أما المرتكبون فيمكن احالتهم للقضاء، وأخذهم بالتسامح ووفقاً لمعايير العدالة الانتقالية، لكي يتم استعادة المجتمع لوحدته والمصالحة مع نفسه. ومن المفارقات أن ينتقل مثلاً أحد الذين تم رفضهم لشمولهم بقانون الاجتثاث إلى نائب لرئيس الوزراء بعد صفقة سياسية، وهكذا الأمر بالنسبة لعدد من الموظفين الكبار والعسكريين من الضباط، الذين تم تعيينهم وكالة في حين أنهم مشمولون بقانون الاجتثاث.
وحتى الآن لم تتبلور رؤية لطائف عراقية وإن كان " إسقاط" الارتكابات، أمرٌ يقرره القضاء، وليس اتفاقيات سياسية، الاّ أن أي اتفاق سياسي يمكن أن يحلحل القضية القانونية، ولاشك أن وراء كل مشكلة قانونية إشكالية سياسية، وهذه هي الأساس. وإذا كان لإيران أو غيرها تأثير في العراق، فإن الأمر يتعلق بدرجة وعي وقدرة الفرقاء في التوصل إلى ما هو مشترك، لكن الإرادة السياسية لا تزال قاصرة، ونزعات احتكار العمل قائمة، ورغبة البعض في عودة الماضي مستمرة، والاحتكام إلى صندوق الاقتراع وفقاً لقواعد جديدة للعبة السياسية لازال غائباً.
-IV-
العراق نصف لواشنطن ، حتى بعد الانسحاب الأمريكي من العراق، لكن نصفه الآخر لطهران، ولا يعني ذلك أن خط الساسة العراقيين يسير باتجاه منطقة الصفر أو الزون الفاصل بينهما، فهما متداخلان ومتشابكان، ويحاول بعض الساسة اللعب في منطقة الوسط، أي منزلة بين المنزلتين، وهو ما سعى إليها نوري المالكي رئيس الوزراء ولا يزال حتى الآن.
في آخر زيارة لواشنطن (أواخر العام 2011) أبلغ الرئيس أوباما رئيس الوزراء العراقي المالكي، بأن واشنطن ستدعمه، ولعل ذلك ما كان قد قررته الولايات المتحدة سابقاً عند دعمها له للعودة إلى رئاسة الوزراء، لأنها لم تكن ترغب في فرض من تريده(د. إياد علاوي) لأن فشل الأخير سيعتبر فشلاً لها، في حين أن فشل المالكي لا تتحمله، وقد أدركت واشنطن دور ونفوذ طهران، فهي لن تدع علاوي في السلطة، وإذا بقي فيها فستجد له ما ينغّص عليه كثيراً وفي نهاية المطاف سيفشل، كما أن إيران ارتضت بالمالكي وإنْ كانت تريد من هو أقرب إليها، لكنها فكّرت أنه سوف لا يلعب بحديقتها الخلفية، في حين أن واشنطن قدّرت أنها يمكن أن تدفع المالكي لمشاغلة إيران أو ممانعتها، وكلا الأمرين كانا على درجة من المعقولية والبرغماتية، الإيرانية والأمريكية.
أما حظ سوريا فقد كان حضورها ضعيفاً في المشهد العراقي، وعشية عودة المالكي للوزارة كان قد دخل بمعركة معها واتهمها فيها بالتآمر والتفجير وإرسال الإرهابيين، لكنه وبحكم ضغوط إيرانية جرت تسوية الأمر معها بعد أن وافقت الأخيرة على التخلي عن علاوي ودعم المالكي، لاعتبارات اقتنعت فيها، ولمصلحتها، وهو ما يفسّر موقف بغداد اليوم القريب من إيران إزاء موضوع التغيير في دمشق.
-V-
الشيعة لا يحكمون في العراق اليوم مثلما أن السنّة لم يحكموا من قبل، هناك شيعة الحكم وهم ينتمون إلى أحزاب شيعية، أما الشيعة كطائفة، فلا علاقة لها بهم، وهم حزب سياسي مثل بقية الأحزاب مثلما هو حزب البعث، في حين أن الشيعة ليسوا متجانسين وليس لهم رأي سياسي واحد أو موحد أو خلفية آيديولوجية واحدة ولا أحد يزعم أو يستطيع الإدعاء أنه يمثلهم مهما بلغ من نفوذ سواءً كان آية الله السيستاني أو غيره أو من شيعة الحكم أو غيرهم، وهم طائفة كبيرة متوزّعة على القوميات قسمها الساحق من العرب والقسم الآخر من الكرد والتركمان، وبينهم شيوعيون وقوميون عرب، بل أن الغالبية الساحقة من أعضاء حزب البعث كانوا من الشيعة الذين كان عددهم يقارب 68% من أعضائه، والسنّة مثل الشيعة لا أحد يمثلهم لا في السابق ولا في الحاضر، حتى وإن تعكّز البعض عليهم أو استغل بعضهم بالاتجاه الذي يريده، فإنهم كتلة كبيرة وطائفة واسعة موزّعة على عموم سكان العراق وغالبيتهم عرب والغالبية من الأكراد والتركمان سنّة، وهم كذلك لديهم توجهات سياسية وفكرية متنوّعة ومختلفة وبين الشيعة والسنّة: متدينون وغير متدينين مؤمنون وملحدون، يساريون ويمينيون ، اشتراكيون وليبراليون، تقدميون ورجعيون، وهكذا، لذلك لا يمكن أخذهم بالجملة وكأنهم قطاع واحد موحد ومتجانس.
لهذا من الخطأ القول أن السنّة حكموا العراق، واليوم جاء دور الشيعة، وهو خطأ آخر، ولعلّ من حكم باسم هذه الفئة أو تلك وباسم العرب أو غيرهم لم يكونوا سوى حكّام حاولوا تسخير كل شيء بما فيها الطوائف والقوميات وحتى الأديان، لخدمة مصالحهم، واستخدموا مختلف الأساليب للبقاء في السلطة. لذلك فإنك ستظلم السنّة مرتين في الأولى، عندما تقول أنهم حكموا العراق، وفي الثانية عندما تريدهم أن يدفعوا ثمناً لذنب لم يرتكبوه، كما أنك تظلم الشيعة اليوم، عندما تقول أنهم يحكمون العراق، وهي الأكثر معاناة، حتى وإن تمتع بالامتيازات شيعة الحكم، وهم فريق سياسي، لا يمثلون الطائفة ولا يعبرون عن تطلعاتها، التي هي تطلّعات غالبية العراقيين في الأمن والكرامة والحرية واستعادة هيبة الدولة ونحسين الوضع المعاشي بإعادة الخدمات الصحية والتعليمية والمواصلات وتأمين الحصول على عمل مناسب وتأمين الضمان الاجتماعي والتقاعد والقضاء على البطالة وغير ذلك من جوانب الرفاه الاجتماعي.
اليوم وبعد الأزمة يمكن تشكيل حكومة أغلبية، ولعلّه هو الأمر الطبيعي، فيما إذا رفضت القوائم الأخرى المشاركة في الوزارة، وهذا أمر طبيعي آخر في الأنظمة التي تدّعي الديمقراطية. وأعتقد أن الكرد وهم الأكثر قرباً للتمثيل من غيرهم (كقيادات) سوف يشاركون في أية حكومة قادمة بغض النظر أكانت تسمى حكومة أغلبية أو توافق أو شراكة؟ ولا يهم التسميات، فلا بدّ من وجود كتلة أساسية (هي الأكبر) وهي التي ستدير الأمور وفقاً لرؤيتها سواء بزعم استحقاقها الانتخابي أو بمزاعم أخرى.
-VI-
التقسيم لا يتم دفعة واحدة، ولعل جميع اللاعبين السياسيين، ولاسيما الدوليين لا يريدونه حالياً فدول الجوار الإقليمي بما فيها إيران وتركيا وسوريا والمملكة العربية السعودية والأردن، والدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا تؤيده، بل تخشى من انعكاساته السلبية على دول المنطقة، وإن كان بعضهم وعلى رأسهم " إسرائيل" يميل إليه على نحو تدريجي وبطيء بحيث يصبح الأمر الواقع واقعاً.
كان جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي الحالي قد طرح مشروع الفيدرالية الثلاثية، وحسن مفهومه فهي أقرب إلى الكونفدرالية بل أكثر من ذلك هي دوقيات أو كانتونات، حيث يتم وضع شك بوينت (CHECK POINT) على حدود بعضها البعض وتنظيم هويات (أقرب إلى باسبورات) وتشكيل قوة مسلحة تبلغ نحو 300 ألف جندي تفصل بين الحدود ويتم توزيع الموارد وفقاً لنظام خاص ووضع ميزانية لتنفيذ المشروع تصل إلى مليار دولار، والحجة هي وضع حد للصراع بين السنّة والشيعة والعرب والكرد وإنهاء التوتر الطائفي والإثني.
ولعلّ ذلك ليس سوى مقدمة للتقسيم كان بايدن قد طرحها وروّج لها واتصل بأعضاء في مجلس الأمن الدولي لتأمين تأييدها واستصدر قراراً من الكونغرس لذلك في العام 2007، لكنه بعد أن أصبح نائباً للرئيس وانشغل بالملف العراقي وزار بغداد زيارات مكوكية لأكثر من أربع مرّات، وجد القضية أعقد وأصعب بكثير مما تصوّره خياله أو مما وضعه على الورق.
باستثناء فيدرالية إقليم كردستان، وهي جزء من اشكالية تاريخية لم تتحقق حتى الآن فيدراليات أخرى في البصرة أو للجنوب أو فيدراليات لصلاح الدين أو الأنبار أو ديالى أو فيدرالية للسنّة، كما طرح رئيس البرلمان العراقي الحالي أسامة النجيفي في تصريح له من واشنطن نهاية العام المنصرم 2011 وذلك بمبرر التهميش وعدم المشاركة..
الفيدرالية الكردية هي امتداد لحقوق الكرد ومطالبهم (وقد اعترف دستور العام 1958 بشراكة العرب والكرد في الوطن العراقي. أما دستور العام 1970 فقد اعترف بأن الشعب العراقي مؤلف من قوميتين رئيسيتين هما العربية والكردية) وبعد الانسحاب الحكومي من إقليم كردستان في أواخر العام 1991 وإثر حرب الخليج وغزو الكويت، أعلنت الجبهة الكردستانية ملء الفراغ وأجريت انتخابات في العام 1992 بدعم دولي تكرس بعد ذلك في منطقة الملاذ الآمن، لكن قتالاً اندلع بين الفريقين الكرديين: (الاتحاد الوطني الكردستاني (برئاسة جلال الطالباني) والحزب الديمقراطي الكردستاني( برئاسة مسعود البارزاني) شكك في إمكانية استمرار الفيدرالية الكردية التي أعلنت من طرف واحد في 4 تشرين الأول (اكتوبر) 1992.
وعند إعلان الاتفاق بينهما 1998 وفيما بعد 1999-2000 تعززت إمكانية التقارب ولاحقاً توحيد الادارتين، وكان فريق الطالباني (السليمانية) قد تحالف مع طهران ضد (إربيل)، في حين تحالف فريق البارزاني ضد الطالباني حيث تدخل الجيش العراقي لصالحه لطرد غريمه من إربيل في 31 آب (اغسطس) 1996.
عندما أعلن قانون الأقاليم في دورة البرلمان التي سبقت هذه الدورة (2005-2008) تم تأجيل تطبيقه إلى 18 شهراً، وظلّ مؤجلاً حتى اليوم، وإن جرت محاولات لتفعيله من الفريق الذي رفضه، بل رفض الدستور بسبب احتوائه على الفيدرالية، وأعني بذلك محافظات صلاح الدين والأنبار وإلى حدود كبيرة الموصل وديالى، وكان كل من طارق الهاشمي والحزب الاسلامي وصالح المطلك وجبهة التوافق بقضها وقضيضها ضد الفيدرالية، أما اليوم فقد توجّهت إلى تأييدها لأسباب تقول أنها تتعلق بهيمنة المالكي على القرار والتحكم بمصائر المحافظات التي تريد أن تتحوّل إلى أقاليم فيدرالية، ولعل ذلك ليس مبرراً كافياً لإعلان الفيدرالية، وهو نقص فادح في التوجه الديمقراطي، وليس في قلب كل فيدرالية هناك مكان للديمقراطية، في حين أن كل نظام ديمقراطي يمكن أن يتحوّل إلى نظام فيدرالي وليس العكس.
للأسف أن الثقافة الحقوقية لا تزال شحيحة ومحدودة وكذلك الوعي القانوني ولاسيما بالنظام الفيدرالي كنظام متطور، إذْ لا يزال البعض يخضع هذه المسألة الحساسة للمصالح السياسية الضيقة الآنية. وأحياناً يتم الحديث عن الدستور وهو حمّال أوجه فضلاً عن أن 50 مادة من مواده الأساسية لا تزال معلّقة تنتظر أن يصدر بشأنها قانون لكي تصبح نافذة، ولم يصدر هذا القانون على الرغم من انقضاء دورة برلمانية ونصف الدورة، كما أن الدستور لم يعدّل حسبما تم الاتفاق عليه، في انتخابات الدورة الأولى (أي بعد أربعة أشهر على انعقاد الدورة الأولى) ومضت اليوم نحو 7 سنوات على إبرام الدستور ولم يتحرك ولم يتم الحديث عن اللجنة الدستورية المكلفة بإعداد تعديلاته والتي أكدت منذ سنوات أنها غير قادرة على القيام بمهماتها بسبب الاختلافات السياسية بين الفرقاء.
-VII-
لم يتم الحصول على 163 صوتاً لسحب الثقة من المالكي، لكن مجرد وجود رقم مقارب فإن له رمزية خاصة، لاسيما لثقة البرلمان بالحكومة. وخصوصاً لو صحّ وجود 160 صوتاً أي نصف البرلمان تقريباً لسحب الثقة، فإن الأمر في غاية الخطورة، وأي حضور كثيف للرافضن استمرار المالكي سيعرقل أية قرارات تصدر عن البرلمان، بل أنه سيؤثر عليه بالشكل الذي تريده إنْ بقيت هذه الكتلة متماسكة.
لعل هناك ضغوطاً تمت ممارستها لمنع سحب الثقة، فالولايات المتحدة لم تعطي الضوء الأخضر وإنْ بدت محرجة وترددت بعض الأطراف للخوف مما قد يدفع البلاد إلى أزمة أكبر، كما يبرر الطالباني رئيس الجمهورية، وربما لم يمكن موقفه بمعزل عن ضغوط إيرانية مباشرة أو غير مباشرة، كما أن "جبهة الممانعة" لم تكن متماسكة بما فيه الكفاية، في حين أن "جبهة الموالاة" كانت أكثر تماسكاً وحاول المالكي اللعب مع خصوم غير قليلين وتقريبهم في اللحظة المناسبة، كما أن صدور فتوى من أية الله محمد مهدي الآصفي دفع بعض أنصار الصدر أو غيره للتردد بشأن موقفهم من المالكي، لاسيما وأن إيران لم تكن تحبّذ إزاحته، بل أنها أرسلت إشارات واضحة على هذا الصعيد عبّر عنها قاسم سليماني مسؤول الملف العراقي في لقاءاته مع سياسيين عراقيين.
وكان لفتوى آية الله كاظم الحائري المقيم في إيران، والذي يعتبر الصدر من مقلّديه بعدم انتخاب علماني لأي من مراكز القرار العراقي، إشارة أخرى على رفض علاوي ومن يمثله أو يكون شبيهاً له لمثل هذه المناصب، بل رفض العلمانيين ككل، وهي دليل جديد على احتدام الجدل والسجال بين التيار الديني والتيار العلماني الذي لم يتبلور على نحو واضح.
-VIII-
الوضع الأمني لا يزال يراوح في مكانه وإن تحسّن قياساً لسنوات 2006 و2007 والخط البياني وإنْ كان في صعود، لكن هناك انتكاسات تحصل بين حين وآخر بسبب اختراقات وبسبب تفاقم الأزمة السياسية واستغلال أوساط مختلفة، لإثارة المزيد من الفتن، وهكذا يعود إلى الانتكاس، وسيظلّ الأمر على هذا الحال إنْ لم يتم رد الاعتبار للعقيدة الأمنية والعسكرية والتي تتلخص بالولاء للوطن وللمؤسسة، وليس للحزب أو لهذا الاتجاه السياسي أو الطائفي أو الديني أو ذاك.
ويقتضي الأمر تطهير الجيش وقوى الأمن، لأنه تم تشكيلهما على عجالة وبصورة مرتجلة، خصوصاً بدمج ميليشيات وصحوات بالجيش وبقوى الأمن الداخلي، وظلّت الكثير من الانتسابات في ولاءاتها محسوبة على الجهات التي رشّحتها، ولهذا تظهر اختراقات صارخة في صفوفها. ولعل عزل نحو 60 ألف منتسب من وزارة الداخلية قبل فترة قصيرة دليل على اختراقات كبيرة لهذه المؤسسة الحيوية، لأن غالبيتهم وربما يوجد أضعافاً لهم لا زالوا على ولاءاتهم، مما يسهل التلاعب بتوجههم على حساب حماية الوطن والدولة وعلى حساب مصالح الشعب والمواطن فضلاً عن أن غالبيتهم الساحقة غير مؤهل مهنياً.
-IX-
إن أهم نقاط الخلاف بين الحكومة الاتحادية (الفيدرالية) وبين حكومة إقليم كردستان (الحكومة الإقليمية) تتلخص بالصلاحيات التي يمنحهاالدستور للحكومة الإقليمية والخلاف حول تطبيقها، لاسيما المادة 120 من الدستور وبشكل خاص المادة 121 التي منحت للأقاليم صلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية. وإذا كان الخلل في الدستور الذي حدد صلاحيات الحكومة الإتحادية وترك ما عداها للحكومة الإقليمية، فإن بغداد تريد استعادة بعض تلك الصلاحيات الممنوحة للاقليم لحسابها، مثلما يتعلق الأمر بالنفط والغاز، وهو أمرٌ ترفضه حكومة إقليم كردستان وتعتبره تجاوزاً على الدستور.
أما الخلاف الثاني فهو حول النفط، حيث حددت المادة 111 النفط والغاز باعتبارهما ملكاً للشعب، في حين أن المادة 112 اعتبرت ذلك في الحقول المستخرجة، أما الحقول غير المستخرجة فيتم استخراج النفط بإدارة من الإقليم بالتعاون مع الحكومة الإتحادية. وهو الأمر الذي أثار إشكالاً حول حق الإقليم في التوقيع على عقود نفط (شراكة) دون الرجوع إلى بغداد أو أخذ موافقها وقد هدّدت بغداد الشركات بعدم الاعتراف بتلك العقود وتحريم التعامل معها ولعل هذه المشكلة هي جوهر الخلاف الرئيسي اليوم.
أما المشكلة الثالثة فهي مصير كركوك التي أسماها جلال الطالباني "قدس الأقداس" وكذلك ذهب مسعود البارزاني إلى التمسك بها باعتبارها مسألة غير قابلة للتنازل وقد تم ترحيل هذه المشكلة من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية (المادة 58) إلى المادة (140) للدستور الدائم على أن يتم معالجة أثار الحقبة الماضية (سياسات التهجير والتعريب) وتعويض المتضررين وإجراء استفتاء سكاني وبالنتيجة تقرير مصير كركوك والأمر يشمل ما سمّي بالمناطق المتنازع عليها.
وقد فشلت الأمم المتحدة عن طريق مبعوثها في إيجاد حلول توافق عليها الأطراف الثلاثة ولاسيما سكان كركوك: العرب والكرد والتركمان، أما الطرف الرابع فهو الآشوريون والكلدان، وفي حين يظهر العرب والتركمان تقارباً إلاّ أن هناك، من يحاول التلويح بحلول أخرى، من الطرفين، لكن المشكلة تزداد تعقيداً، وهي مشكلة رافقت إتفاقية (بيان 11 آذار/مارس 1970) بين الحكومة العراقية والحركة الكردية بزعامة الملاّ مصطفى البارزاني وبسببها اندلع القتال في العام 1974 وقد كانت كركوك العقدة المستعصية في جميع مفاوضات الكرد مع الحكومات العراقية، وحتى في أوساط المعارضة كان هناك بعض الإشكالات بشأنها.
وحسب وجهة نظري ليس المهم ان تكون كركوك في إقليم كردستان أو في إقليم مستقل أو في الاقليم العربي فيما إذا أصبح إقليماً أو حتى يمكن أن تنظم إلى إقليم أو تجتمع مع أقاليم مقاربة... أقول ليس المهم أين تكون ولكن المهم أن وجودها في إطار العراق الموحد وأن تصان حقوق الإنسان فيها وأن لا يجبر أحد من سكانها على الهجرة، الاّ طوعاً، مثلماً يمكن ولمن يريد أن يسكنها لاحقاً الانتقال طوعاً إليها، وعلى الفرقاء أن يتباروا في تقديم الخدمات لها، لكي يحصل كل منهم على ما يريد، وهو تأييد السكان.
ولعل الحل الأكثر نموذجية وهو ما عرفته كركوك تاريخيا وهو التعايش والمشترك الانساني: القومي (العربي، الكردي، التركماني، الآشوري- السرياني وغيره) والديني (الإسلامي، المسيحي) والطائفي (الشيعي ، السنّي) وهي النموذج المصغّر للعراق.
وبخصوص البيشمركة فقد تم إدماجهم بالجيش العراقي، لكن قيادتهم تابعة للإقليم وليس للدولة الاتحادية، وهو اتفاق تم إبرامه في إطار الدستور كتحصيل حاصل، خصوصاً وقد كانت البيشمركة تمثل فصائل أنصارية للمقاومة ولحماية الإقليم وتكرّس وجودها واقعياً كنواة لجيش كردستاني، وإن كان استمرارها سيثير إشكاليات لاحقة، لاسيما إذا ما تفاقمت الأزمة واختلفت الرؤى، لا فيما يتعلق بالوضع الداخلي، بل حتى فيما يتعلق بالوضع الخارجي.
ولعل نظام الفيدراليات العالمي المطبق في نحو 25 بلد ونحو 40% من سكان الكرة الأرضية، يميل إلى اعتبار الجيش والقوات المسلّحة والعلاقات الدولية والعملة والخطط الاقتصادية الكبرى، كلّها بيد الحكومة الاتحادية، وفيما عدا ذلك بيد سلطات الإقليم من الصحة والتعليم والتجارة والاقتصاد والبلديات والبيئة والرياضة والسياحة والثقافة وكل ما يتعلق بإدارة الأقاليم واستقلالها، فهي من اختصاصات الإقليم الذي ينتخب برلماناً ويؤلف حكومة ويكون له بعض اختصاصات القضاء.
إن موضوع البيشمركة حساس، خصوصاً في ظل انعدام أو ضعف الثقة بين الطرفين وتنظر حكومة الإقليم بشيء من الشك أحياناً إلى بعض إجراءات الحكومة الاتحادية، ولأنه كان سابقاً جزء من تشكيلات مقاومة للجيش نفسه وللسلطات المركزية، فإن بقاءه بشكله الحالي يثير مشاكل مع الحكومة الاتحادية، وإخضاعه لها يثير مخاوف وقلق إدارة الإقليم الذي شهد تاريخه صراعاً عنيفاً، وكان للبيشمركة دورهم التاريخي في هذا الصراع، لاسيما في الدفاع عن الشعب الكردي، ولهذا فإن الأكراد لن يتخلّو عن السلاح.
أعتقد أنه بالديمقراطية وتعزيز الثقة ونبذ استخدام السلاح وتحريم استخدام القوة وتأكيد التعددية والتنوّع واحترام الخصوصيات والهويّات الفرعية يمكن أن يسهم في إيجاد حلول دائمة لهذه المشكلة ولبقية المشاكل التي لا تزال عالقة، لاسيما إذا توفّرت بيئة ديمقراطية تساعد في احترام حقوق الإنسان بما فيها حقوق الشعب الكردي وحقه في تقرير مصيره!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كي لا تطمس الحقيقة
- الربيع العربي وديناميات التأثير الإقليمي
- حكاية الدستور الثاني في العالم الحديث
- جدار برلين الثاني !
- من باليرمو إلى دوكان
- صبراً جميلاً وعزاءً حاراً لفقدان الراحل جاسم القطامي
- الثورة التونسية ومسار التغيير العربي
- المسيحيون والبيئة الطاردة
- النموذج الإسلامي
- يوسف سلمان يوسف ... فهد- الأخيرة
- الاتجار بالبشر
- يوسف سلمان يوسف ..(فهد)-( 2 – 3 )
- يوسف سلمان يوسف ... فهد ( 3 – 3 )
- تعويض الضحايا!
- يوسف سلمان يوسف -فهد-...(1 – 3 )
- زمن الفتاوى ومغزاها
- خمسة آراء بصدد المسألة الكردية في العراق
- السياسة في معناها
- حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة-*الجزء الثاني
- الحق في الجمال


المزيد.....




- حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر ...
- باريس تعلق على طرد بوركينا فاسو لـ3 دبلوماسيين فرنسيين
- أولمبياد باريس 2024: كيف غيرت مدينة الأضواء الأولمبياد بعد 1 ...
- لم يخلف خسائر بشرية.. زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب جزيرة شيكوكو ...
- -اليونيفيل-: نقل عائلاتنا تدبير احترازي ولا انسحاب من مراكزن ...
- الأسباب الرئيسية لطنين الأذن
- السلطات الألمانية تفضح كذب نظام كييف حول الأطفال الذين زعم - ...
- بن غفير في تصريح غامض: الهجوم الإيراني دمر قاعدتين عسكريتين ...
- الجيش الروسي يعلن تقدمه على محاور رئيسية وتكبيده القوات الأو ...
- السلطة وركب غزة


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - العراق: نصف لأميركا ونصف لإيران