أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - يوسف سلمان يوسف ... فهد ( 3 – 3 )















المزيد.....


يوسف سلمان يوسف ... فهد ( 3 – 3 )


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3760 - 2012 / 6 / 16 - 14:48
المحور: مقابلات و حوارات
    


جدل

بيّن د. عبد الحسين شعبان : كانت صورة الإشتراكية وردية لدى فهد بما فيها التطبيقات البيروقراطية، التي حرص على تقديمها باعتبارها مثالية ونموذجية وموديلاً، دون أن يتم الحديث عن مصاعبها وتحدياتها وأخطائها، باستثناء الحديث عن الدور الخاص لتخريبها من طرف الإمبريالية العالمية. وكانت الاشتراكية أقرب إلى حزمة من المبادئ السياسية والجذابة التي تمنح الانسان الوعد بالسعادة والرفاه وإلغاء الإستغلال وتحرره من الظلم، وقد أشرتُ إلى طغيان الأسلوب المدرسي في عرضها، لاسيما عبر عمليات تأويل شعبوية أحياناً، خصوصاً لواقع عراقي معقد ويعجّ بالكثير من المتناقضات، الدينية والطائفية والقومية واللغوية والتشكيلات الاجتماعية الاقطاعية والعشائرية والتدخلات الخارجية والمعاهدات والاتفاقيات المجحفة والمذلة، وبالأخص مع بريطانيا، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً وغير ذلك.
واضاف شعبان في مراجعتنا بشأن الفكر العراقي الحديث : أن ماركسية الكومنترن ومدرسة كادحي الشرق ظلّت برانية وهامشية، إذا أخذناها منظوراً إليها من زاويتها الفكرية بجوانبها الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية، لكنها في الوقت نفسه كانت تعبيراً عمّا هو سائد، بل حتى متقدم على الأفكار السائدة آنذاك وخصوصاً في البلدان العربية، وسرعان ما تقبلها المثقفون حتى بطبعتها الستالينية، وخصوصاً نظراتها التجديدية باسم الواقعية الاشتراكية إزاء قضايا الأدب والفن، على الرغم من تشدد مدرسة جدانوف إزاء المثقفين والمبدعين وما مثلته آنذاك من رؤية متزمتة، لدرجة أنها تدخلت في تفاصيل الخير والجمال والحق ومكافحة الاستغلال والاستثمار.

الاشتراكية صورة وردية
س / من خلال قراءتكم أعمال يوسف سلمان يوسف ما هو تصوره عن الاشتراكية ، الماركسية ، هل لدية صورة واضحة أو فهم مشوش وغامض تلك الأفكار ؟

 / كانت صورة الإشتراكية وردية لدى فهد بما فيها التطبيقات البيروقراطية، التي حرص على تقديمها باعتبارها مثالية ونموذجية وموديلاً، دون أن يتم الحديث عن مصاعبها وتحدياتها وأخطائها، باستثناء الحديث عن الدور الخاص لتخريبها من طرف الإمبريالية العالمية. وكانت الاشتراكية أقرب إلى حزمة من المبادئ السياسية والجذّابة التي تمنح الانسان الوعد بالسعادة والرفاه وإلغاء الاستغلال وتحرره من الظلم، وقد أشرتُ إلى طغيان الأسلوب المدرسي في عرضها، لاسيما عبر عمليات تأويل شعبوية أحياناً، خصوصاً لواقع عراقي معقد ويعجّ بالكثير من المتناقضات، الدينية والطائفية والقومية واللغوية والتشكيلات الاجتماعية الاقطاعية والعشائرية والتدخلات الخارجية والمعاهدات والاتفاقيات المجحفة والمذلة، وبالأخص مع بريطانيا، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً وغير ذلك.

انتاج المعرفة
س / لماذا تم الاعتماد على المركز السوفياتي في انتاج المعرفة الفلسفية والسياسية وتحديد المواقف من الانعطافات التاريخية؟
على الرغم من أن فهد كان في السجن عشية اندلاع النقاش والجدل حول القضية الفلسطينية، وكان له في البداية رأي واضح بخصوص "عروبة" فلسطين وأحقّية سكانها الأصليين وموقفه النقدي من المهاجرين اليهود إليها، مشيراً إلى أن اليهود ليسوا أمّة، لكن هذا الموقف لم يظهر لاحقاً، لاسيما بعد تأييد الاتحاد السوفييتي لقرار التقسيم.
ويمكن القول أن اعتقال فهد ورفاقه في المكتب السياسي حسين الشبيبي وزكي بسيم يعدّ تاريخاً فاصلاً في موقف الحزب الشيوعي من القضية الفلسطينية، فإضافة إلى أن اعتقاله كان قد تزامن مع صعود النشاط الصهيوني والدولي بخصوص فلسطين، فإن غياب قيادته أدّى الى ابتعاد الحزب عن انخراطه في الدفاع عن القضية الفلسطينية لدرجة أن الشيوعيين ظلّوا لفترة ينفرون أو يتحسسون من مواجهة مثل هذه المواقف، وإن لم يفلحوا من الزوغان عنها، فقد كانوا يقتبسون موقف الاتحاد السوفييتي، وكأنهم دبلوماسيون يتحدثون ببرودة عن دول لا تهمهم أو تعنينهم، وحتى الآن لم تتم مراجعة تلك المواقف ونقدها وتصويبها، حيث لا يزال بعضهم مأخوذاً بما يقال " العزّة بالإثم" فالنقد رياضة فكرية وروحية، وهو مطهرٌ للأخطاء والنواقص، ولا يمكن لأي كان من العاملين في الحقل السياسي الاّ أن يخطأ، وكما يُقال "الاعتراف بالخطأ فضيلة" وليس عيباً، خصوصاً في ظروف اشتباك الصراع وتداخلاته، ناهيكم عن اشتداد القمع والارهاب وأحياناً في ظل تشوش الرؤية أو ضبابية الأجواء .
وأظن أن هيمنة بعض العناصر اليهودية، وبعيداً عن نظرية المؤامرة، وإنْ لا يمكن إغفالها، قد أثّر على تعاطي الحزب مع القضية الفلسطينية، وأدّى الى إعراض أوساط غير قليلة من الجماهير عن الحزب، وكذلك ابتعاد القوى الوطنية عنه، الأمر الذي استفادت منه بعض القوى القومية التي "تاجر" قسم منها بالقضية الفلسطينية واستمر لعقود من الزمان دون أن يقدّم لها شيئاً يُذكر.
وتستحق هذه القضية وقفة أخرى، فالحزب الذي نظّم تظاهرة ضد قرار التقسيم وطالب بسقوط الاستعمار الانكلو – أمريكي وربيبته الصهيونية وبتحرير فلسطين وإقامة دولة ديمقراطية مستقلة حرّة فيها، وهو ما ورد في جريدة القاعدة في حينها عاد وتبنّى قرار التقسيم، على الرغم من معارضة فهد له، لاسيما بعد صدور كراس " ضوء على القضية الفلسطينية" الذي صدر بتوافق بين الحزب الشيوعي الفرنسي وبعض الشيوعيين الدارسين في باريس، وحمله يوسف اسماعيل البستاني إلى بغداد، باعتباره يمثل الموقف الأممي.
وكان الحزب الشيوعي الفرنسي حينها معروفاً باتجاهاته "الشوفينية" سواءً من قضية الجزائر، إضافة إلى موقفه من قرار التقسيم وقيام دولة إسرائيل في 15/أيار(مايو) 1948، وقد مارس هذا الحزب بالاتفاق مع السوفييت ضغوطاً لحمل الأحزاب الشيوعية العربية الرافضة لقرار التقسيم على تغيير مواقفها.
وكان قد وصل مبعوثاً عن الحزب الشيوعي الهندي إلى بغداد من جانب الكونفورم لحمل الحزب الشيوعي على تغيير موقفه من قرار التقسيم. وهو ما نقله شريف الشيخ أحد الكوادر والقيادات لاحقاً عن لقائه الدكتور راناجت كوها الذي سأله عن موقفه وموقف الحزب من قرار التقسيم مستعرضاً عليه مواقف الماركسية والأحزاب الشيوعية العربية وغير العربية.
وكان فهد قد تحفّظ على كراس " ضوء على القضية الفلسطينية" من داخل السجن وكتب " ليس كل ما فيه ينسجم مع نظرتنا إلى القضية الفلسطينية..."وأضاف في الكراس "... معلومات خاطئة واستنتاجات غير صحيحة" وفي رسالة أخرى كتب إلى مالك سيف المسؤول الأول للحزب معترضاً على استخدام مصطلح " القومية اليهودية"، واعتبره استخداماً غير صحيح، ولكنه برّر موقف الاتحاد السوفييتي قبول بضعة مئات من الألوف للهجرة إلى فلسطين واعتبارهم من سكانها، الاّ أنه لم يتمكن من اعتبارهم قومية، بل أخضع موقف السوفييت إلى ذريعة المؤامرات والمشاريع الاستعمارية، مركّزاً على إلغاء الانتداب البريطاني وجلاء الجيوش الأجنبية وتشكيل دولة ديمقراطية وطلب استطلاع مواقف الأحزاب الشيوعية في سوريا وفلسطين لتعيين الموقف، لكن جريدة الحزب آنذاك بدأت بنشر المقالات المؤيدة لقرار التقسيم وهو ما عكسته الوثائق التي كبستها شرطة التحقيقات الجنائية عند اعتقال مالك سيف و"يهودا صديق" الذي أعدم مع فهد وكذلك ساسون دلال الذي استلم القيادة بعدهما وأعدم هو الآخر لاحقاً.
وكان زكي خيري قد كتب لاحقاً كراساً من السجن انتقد فيه عزيز شريف الذي كان موقفه معارضاً للتقسيم. وكانت تلك فترة عصيبة ففهد في السجن وغير قادر على اتخاذ الموقف أو بلورة الرأي، لاسيما بعد موقف الاتحاد السوفييتي والحركة الشيوعية بشكل عام، التي أيّدت هذا التوجه الذي لقي "مناصرة" من داخل الحزب الشيوعي، لاسيما بعض قياداته، سواءً لأسباب عاطفية أو لجهل باتخاذ الموقف الماركسي السليم، ولعل بعضهم ظل يجادل حتى وقت قريب ولربما إلى الآن بزعم أن الموقف من قرار التقسيم كان صحيحاً، بدليل أن مواقف الأخرين لم تأتِ بالنتائج المرجوة لتحرير فلسطين.
وكنت في أواسط الثمانينيات قد ألقيت محاضرة في دمشق وبيروت حول القراءة الارتجاعية للموقف السوفيتي بشكل خاص والموقف الماركسي بشكل عام من قرار التقسيم، وكانت قد أثارت ردود فعل متباينة، لاسيما وأن الجمود العقائدي والولاء المطلق للمركز الأممي كانا مهيمنين على المشهد، ولعل بعض من رفاقنا لا زال أسيراً للماضي ولم يتحرر من عادة انتظار التعليمات حتى بعد غياب الاتحاد السوفييتي.

عروض مدرسية
س / ان الماركسية القادمة من سياسات (الكومنترن) و( مدرسة كادحي الشرق) ظلت برانية وهامشية في الثقافة العراقية، بقيت عروض بيداغوجية مبسطة لمقولات في التاريخ والسياسة والاقتصاد فما هو رأيكم؟

 / بقدر ما يصحّ القول أن ماركسية الكومنترن ومدرسة كادحي الشرق ظلّت برّانية وهامشية، إذا أخذناها منظوراً إليها من زاويتها الفكرية بجوانبها الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية، لكنها في الوقت نفسه كانت تعبيراً عمّا هو سائد، بل حتى متقدم على الأفكار السائدة آنذاك ولاسيما في البلدان العربية، وسرعان ما تقبلها المثقفون حتى بطبعتها الستالينية، وخصوصاً نظراتها التجديدية باسم الواقعية الاشتراكية إزاء قضايا الأدب والفن، على الرغم من تشدّد مدرسة جدانوف إزاء المثقفين والمبدعين وما مثلته آنذاك من رؤية متزمتة، لدرجة أنها تدخّلت في تفاصيل الخير والجمال والحق ومكافحة الاستغلال والاستثمار.
وبالمناسبة فقد كان الإسم الأول للحزب الشيوعي " لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار" حيث تأسس في 31 آذار (مارس) 1934باتحاد حلقات بغداد مع التنظيمات الجنوبية (البصرة والناصرية بشكل خاص) وبعض الامتدادات الموصلية وأصبح إسمه الحزب الشيوعي بعد نحو عام وانتخب الخياط عاصم فليح أمينا عاماً للحزب وأصدر جريدة باسم كفاح الشعب في العام 1935، وهو ما ناقشته عند تقريضي لكتاب شوكت خزندار " الحزب الشيوعي العراقي- رؤية من الداخل"، المنشور في مجلة المستقبل العربي.
وقد تعرّض الحزب خلال تاريخه إلى عدد من الانشقاقات والتكتلات، وكانت التهم جاهزة لمن يخالف المركز ولعل أبسطها " الانتهازية والتحريفية والسطو على الفكر الماركسي والخيانة وخدمة البرجوازية"، ومثل هذا الصراع الداخلي أفرز لغته الخاصة، وكان فهد قد تميّز بها، لاسيما عند كتابة كرّاسه " حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية" حيث انكبّ على تأليفه العام 1943 مستخدماً أسلوب لينين في الرد على الأسئلة، وإن كان الكرّاس في سياقه التاريخي يعكس الفكرة الستالينية إزاء مفهوم الحزب تلك التي دفع بها لينين في كراسه " ما العمل؟" ردّاً على الفكرة المارتوفية، الاّ أنه طرح فهماً من واقع التجربة الكونية إزاء موقف الأقلية الصائبة من الأغلبية الخاطئة، وهي أطروحة لينينية قاربها من موقف البولشفيك من المونشفيك، ثم وحدانية العمل الحزبي، أي شرعية وجود حزب شيوعي وانتهازية الآخر في حال وجود أكثر من تنظيم، مركّزاً على جذور الانتهازية.
وكانت إجابات فهد على الرفيق " مقدام" قد اعتمدت على لينين لاسيما أطروحاته حول الحركة العمالية العالمية وإحدى المسائل الأساسية في الثورة، وبأي شيء نبدأ؟ وكتابات ستالين "مسائل اللينينية" وفي سبيل تكوين حزب بولشفي، وبعض الكراسات الخاصة بالمدرسة الحزبية (كادحي الشرق) كما يذكر د. كاظم حبيب ود. زهدي الداووي في مؤلفيهما المشترك " فهد والحركة الوطنية في العراق" ويمكن إضافة خبرته وتجربته العملية في ذلك.

الديمقراطية هاجس برجوازي
س / عدى فهد ( الديمقراطية ) و ( القومية ) هاجس برجوازي ؟

 / لا يخرج فهد عن النمط السائد الداعي إلى المركزية الملتصقة صمغياً بها اسم الديمقراطية وخضوع الهيئات الدنيا للهيئات العليا والأقلية للأكثرية والتنفيذ اللاشرطي للقرارات " نفّذ ثم ناقش" وهي قواعد عمومية تصلح لحالات الطوارئ وليس لحالات حزب في ظروف اعتيادية، حتى وإن كانت ظروف العمل السري.
وكان فهد يطلب من رفاقه إطاعته من خلال ما ينقله عن ستالين الزعيم "المحبوب" و"المُطاع" و"المحنّك" و"المُحترم" وذلك حين يقول : وأصبح ما يقوله قائدهم الأكبر ستالين، وما يأمر به، واجباً مقدساً وأمراً مطاعاً ليس فقط من قبل أعضاء الحزب والطبقة البروليتارية السوفييتية والشعوب السوفييتية، بل من البروليتاريا العالمية والشعوب، كما جاء في كراسه "حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية".
لقد أراد فهد أن ينشأ حزباً شيوعياً بمواصفات الكومنترن بغض النظر عن الظروف والواقع، ولعل ذلك طلباً أممياً، على الرغم من محاولاته " تعريق" الطبعة الدولية والعربية، لكن إيمانه بقيادة ستالين وبالتطبيق الاشتراكي السوفييتي، جعلته يغضّ النظر عن سلبياتهما، بل ينفّذ تعليماتهما باعتبارها "واجباً مقدساً" مع سعيه لإيجاد بعض الأجوبة عن طبيعة المجتمع العراقي وتشكيلاته، لاسيما عدم وجود طبقة عاملة بالمعنى العلمي للكلمة وكذلك اختلاط المهمات الاجتماعية بالمهمات الوطنية في مقاومة الاستعمار، لكنه تراه يتحدث عن دكتاتورية البروليتاريا وجوهر البلشفية والانحرافات اليسارية واليمينية في الحركة العمالية والاتجاهات الاقتصادية للحركة العمالية والأمميات الثلاث والأممية الشيوعية في جوانب لا تشغل كثيراً المجتمع العراقي، وقد حاول تبيان صواب الماركسية وتطبيقاتها في البلدان المتقدمة والرأسمالية المتطورة وكذلك في البلدان المتخلّفة أيضاً.
كان فهد يتبرّم من الدعوة لتوسيع الديمقراطية ويتطيّر كثيراً من النقد ويتعامل تحت زعم ظروف العمل السري بأوامرية وفردية شديدة، فيقيل ويقدّم أعضاء إلى اللجنة المركزية دون استشارة أحياناً أو بزعم وحدة الإرادة والعمل، فمثلاً تعامل مع يعقوب كوهين أحد الكوادر الطلابية في الحزب الشيوعي حين طالب عام 1942 منح المثقفين دوراً متميّزاً وقيادياً واشباعهم من جهة ثانية بالثقافة الماركسية، ولم يكن فهد مقتنعاً بذلك، لاسيما دعوة كوهين إلى اعتبار الاشتراكية هدفاً مباشراً وراهناً لتوجهات الحزب الشيوعي، وبدلاً من مناقشته وإقناعه تم طرده، وحصل الأمر مع الروائي ذو النون أيوب الذي كان عضواً في قيادة الحزب مع فهد والشبيبي وزكي بسيم وأمينة الرحال ووديع طِلبه ونعيم طويّق وداود الصائغ وصفاء الدين مصطفى وعبدالله مسعود القرني وذلك في تشرين الثاني (نوفمبر)العام 1941، وهو ما يذكره حنا بطاطو.
وعندما تململ ذو النون أيوب مطالباً بزيادة الديمقراطية الداخلية، قام فهد بطرده أيضاً، لاسيما بعد انحيازه لصوب يعقوب كوهين، الأمر الذي دفعه إلى قيادة تكتل انشقاقي عُرف باسم " إلى الأمام" وصدرت جريدة بالإسم نفسه، وشدّد هذا الاتجاه على ضرورة احترام الديمقراطية الداخلية وسنّ نظام داخلي (كان الحزب يفتقر إليه) وعقد مؤتمر عام (لم يكن قد انعقد حتى العام 1945) ووضع برنامج وإجراء انتخابات لقيادة الحزب والتوجه لتعزيز دور المثقفين وإعلان الدعوة لقيام نظام اشتراكي كمهمة مرحلية.
ولم تمضي فترة طويلة حتى طرد عبدالله مسعود القرني الذي كان منفياً في البصرة وكان بمثابة الرجل الثاني، ومنافساً قوياً لفهد لمنصب الأمين العام، حيث تم انتخاب فهد في وقت كان هو غائباً (كمسؤول أول- سكرتير عام) واعتبر مساعداً لفهد.
ولكن القرني استغلّ غياب فهد الذي سافر لحضور اجتماعات الكومنترن، وعقد مؤتمراً حضره 26 مندوباً وكان بعنوان "وعي البروليتاريا العراقية" وسمّيت جماعته "بالشرارة الجديدة" وأبعد عدداً من قيادة الحزب وانتخب القرني أميناً عاماً، ولعل مثل هذه الإجراءات غير الديمقراطية والتهميشية وسواها من إقصاء وعزل كانت سائدة داخل الحركة الشيوعية، وانتقلت عدواها إلى الأحزاب القومية والإسلامية لاحقاً، لاسيما في ظروف العمل السري وفرض شرعيات خارج نطاق الاختيار الحر حتى وإن سمّيت بالشرعية الثورية والمركزية الديمقراطية، التي لم تكن سوى مبررات ومزاعم بغياب الديمقراطية الداخلية.
ولم تسلم قيادة فهد مرّة أخرى من انشقاقات جديدة حين قاد داوود الصائغ الذي كان عضواً في المكتب السياسي الذي شكل " رابطة الشيوعيين العراقيين" وأصدر جريدة باسم "العمل" في العام 1944 ثم شكل يوسف زلخا جماعة شيوعية من أوساط المثقفين والشباب عُرفت باسم " وحدة النضال" وذلك للأسباب ذاتها، وخصوصاً النزعة الفردية وغياب الديمقراطية الداخلية.

التنويرية الأوربية
س / لم نجد في إعمال يوسف سلمان يوسف السياسية أي أثر للحركة التنويرية الأوربية التي تعد الحاضن الأساسي للماركسية أو الحركة التنويرية العراقية أو العربية ؟ ما هو التفسير لذلك ؟

 / كان فهد سياسياً بامتياز وامتلك ثقافة حزبية واسعة، لاسيما في ظروف العمل السري، وكتب وأنتج خلال اختفائه في بغداد أهم المعالجات الحزبية، لاسيما بين العام 1941 و1946، ولكن انشغالاته وهمومه والتحدّيات التي واجهته لم تكن خارجية حسب، بل بعضها كان داخلياً، ولم تكن تلك التحدّيات بمعزل عن الظروف السائدة ونمط التفكير آنذاك، وقد صبّ جلّ اهتمامه على الأوضاع الداخلية من جهة، وعلى كيفية التقريب بين الفكرة الاشتراكية والواقع العراقي، وبتقديري كانت اطلاعاته محدودة على حركة التنوير الأوروبية، فضلاً عن ظروف العمل السري، خصوصاً وكان تحصيله العلمي بسيطاً بسبب ظروفه المعاشية، حيث كان قد انقطع عن الدراسة لغاية المرحلة المتوسطة.

إنتاج مفكر
س / هناك ظاهر غربية في النسخة الماركسية العراقية أنها لم تستطع إنتاج ( مفكر ) إسوه بالنسخة السورية أو اللبنانية ( الياس مرقص ، مهدي عامل ) ؟ هل ذلك بسبب العوامل التاريخية والمعرفية لعدم اسهامها في انتاج مفكر ؟

 / بخصوص النسخة الماركسية العراقية التي وردت في سؤالك، فأظن أن القمع والارهاب ساهما في منع تكوين مفكرين ماركسيين في العراق، على خلاف مصر ولبنان وسوريا: مثل محمود أمين العالم، فؤاد مرسي، الياس مرقص، ياسين الحافظ ومهدي عامل وكريم مروّة وفوّاز طرابلسي وآخرين، لكن ذلك لا يعني أن الماركسية العراقية لم تنجب مفكرين أو أنها لم تكن "ولوداً". وكان واحداً من النماذج التي يمكن إطلاق صفة مفكر عليها هو عامر عبدالله وهو شخصية اشكالية في الحركة الشيوعية، امتاز بقلم رشيق ولغة جميلة، أقرب إلى الأدب وفكر عميق وإطلاع واسع، لكن انصرافه للعمل الحزبي وانخراطه في التكتلات والصراعات استهلكت الكثير من طاقاته وفيما بعد تفرّغه إلى العمل الوظيفي والوزاري، وبتقديري أن الشيء الأهم هو ما تعرّض له في حياته الحزبية من ضغوط ومحاولات إبعاد لم تكن بعيدة عنها بعض طموحاته الشخصية، وهكذا خسرنا مفكراً كبيراً وواعداً بسبب الصراعات والخصومات والأحقاد التي نالت منه كثيراً، حيث قضى آخر أيام حياته لاجئاً وحيداً ومنكسراً في لندن التي توفيّ فيها العام 2000.
وإذا أردنا استعراض بعض المفكرين الماركسيين، فيمكن ذكر عبد الفتاح ابراهيم أحد أبرز مؤسسي جماعة الأهالي العام 1932 وكاتب منهجها " الشعبية" وصاحب كتاب "على طريق الهند" الصادر العام 1935 والعديد من المؤلفات وكذلك د. ابراهيم كبه ود. محمد سلمان الحسن المفكران الماركسيان الرياديان والأكاديميان من الطراز الأول، ولهما عشرات الكتب والمؤلفات والترجمات وقد حافظا على استقلاليتهما، وقدّما أطروحات في غاية الأهمية وفي ظروف لم تسمح بالنشر أو الكتابة أو حرية التعبير، لكنهما تركا تأثيراتهما الكبيرة على الفكر الماركسي العراقي وإلى حدود معينة العربي، وعلى الوسط الجامعي والأكاديمي، وإن كان هناك جحوداً عاماً إزاء التعامل مع المفكرين والمثقفين، لاسيما إذا كانوا من مواقع مستقلة أو انتقدوا التيار الحزبي السائد وقياداته. وهو الأمر الذي ظل مشتركاً لجميع القيادات في الأحزاب الشمولية، مهما كانت تسميتها.

تنصيصات
 كان فهد واعياً لدور قوى التحالف المعادي للفاشية، لاسيما بانضمام الاتحاد السوفيتي، ولذلك ركّز جهود الحزب خلال تلك الفترة في فضح النازية والفاشية فكرياً وسياسياً مبيّناً خطرها على الشعوب، بما فيها العربية. وبحكم إلتقاطه للحلقة المركزية في النضال فقد خفّض من نبرة العداء لبريطانيا،
 كان فهد يتبرّم من الدعوة لتوسيع الديمقراطية ويتطيّر كثيراً من النقد ويتعامل تحت زعم ظروف العمل السري بأوامرية وفردية شديدة، فيقيل ويقدّم أعضاء إلى اللجنة المركزية دون استشارة أحياناً أو بزعم وحدة الإرادة والعمل،
 وكانت الاشتراكية أقرب إلى حزمة من المبادئ السياسية والجذابة التي تمنح الانسان الوعد با لسعادة والرفاه وإلغاء الاستغلال وتحرره من الظلم، وقد أشرتُ إلى طغيان الأسلوب المدرسي في عرضها، لاسيما عبر عمليات تأويل شعبوية أحياناً، خصوصاً لواقع عراقي معقد ويعجّ بالكثير من المتناقضات، الدينية والطائفية والقومية واللغوية والتشكيلات الاجتماعية الاقطاعية والعشائرية والتدخلات الخارجية والمعاهدات والاتفاقيات المجحفة والمذلة،



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعويض الضحايا!
- يوسف سلمان يوسف -فهد-...(1 – 3 )
- زمن الفتاوى ومغزاها
- خمسة آراء بصدد المسألة الكردية في العراق
- السياسة في معناها
- حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة-*الجزء الثاني
- الحق في الجمال
- الأسرى الفلسطينيون والوعي النقدي المطلوب!
- المساءلة والحقيقة في بعض تجارب العدالة الانتقالية
- المفكر السيد الصدر حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة*( ...
- اشتراكي جديد في قصر الإليزيه
- الهوّية وأدب المنفى !
- الدولة البسيطة والدولة المركّبة
- الربيع العربي والأقليّات
- ليبيا: الفيدرالية المدنّسة والمركزية المقدّسة
- مواقف خاطئة للحزب الشيوعي
- القضاء الدولي والقضاء الوطني: علاقة تكامل أم تعارض؟
- نقد قيادة الحزب الشيوعي
- 50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني
- مواطنة -إسرائيل-


المزيد.....




- مشهد صادم.. رجل يتجول أمام منزل ويوجه المسدس نحو كاميرا البا ...
- داخلية الكويت تعلن ضبط سوداني متهم بالقتل العمد خلال أقل من ...
- مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت
- صابرين جودة.. إنقاذ الرضيعة الغزية من رحم أمها التي قتلت بال ...
- هل اقتصر تعطيل إسرائيل لنظام تحديد المواقع على -تحييد التهدي ...
- بعد تقارير عن عزم الدوحة ترحيلهم.. الخارجية القطرية: -لا يوج ...
- دوروف يعلّق على حذف -تليغرام- من متجر App Store في الصين
- أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته أربك حسابات إسرائيل
- الرئاسة الأوكرانية تتحدث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة وتحدد أط ...
- حدث مذهل والثالث من نوعه في تاريخ البشرية.. اندماج كائنين في ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - يوسف سلمان يوسف ... فهد ( 3 – 3 )