أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - الهوّية وأدب المنفى !















المزيد.....



الهوّية وأدب المنفى !


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3723 - 2012 / 5 / 10 - 21:18
المحور: الادب والفن
    


ـــــــــــ
• مفكر وباحث أكاديمي عراقي، استشاري في عدد من المنظمات والدوريات الثقافية والاعلامية والحقوقية، له ما يزيد عن 50 مؤلفاً في قضايا الفكر والقانون والسياسة والإسلام والصراع العربي الإسرائيلي والمجتمع المدني وحقوق الإنسان والثقافة والأدب.
باستعادة رسالة الجاحظ " الحنين إلى الأوطان"(1) وهو الجد الأقدم للمثقفين العرب والمسلمين ندرك حقيقة المعاناة الإنسانية للمهاجرين أو المهجّرين أو المنفيين في عالمنا المعاصر، سواءً ما يتعلق بالمكان والذاكرة من جهة، ومن جهة ثانية ما يتعلق بالهوية والثقافة بشكل عام، وأدب المهجر بشكل خاص.
وإذا كانت العولمة اليوم قد جعلت عالمنا الشاسع والمترامي الأطراف، قرية صغيرة، فإنها بهذا المعنى أعطت فيه للمنفى ولثقافة المهجر أهمية كبيرة، لم يكن يتمتّع بها من قبل، ولم يعد بالامكان في ظل ثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا المعلومات والطفرة الرقمية "الديجيتل" منع التواصل والتفاعل والتشارك والتداخل بين الوطن والمنفى، وبين المهاجر وثقافته الأصلية، وبين الثقافات والحضارات المختلفة والمتنوّعة، وصار من غير المجدي للدول والحكومات حجب المعلومة والرأي والقصيدة والرواية والمقطوعة الموسيقية والكتاب واللوحة، لأنها تصل بسرعة الضوء أو أسرع منه في الكثير من الأحيان.
ومع كل هذا التطور الهائل يبقى هناك شيء مختلف بين الوطن والمنفى، حيث يعيش المهاجر خارج بيئته وثقافته المجتمعية ولغته الأصلية أحياناً، حتى وإن حافظ عليها، وتلك مسألة تحتاج إلى تبصّر وتفكّر، لاسيما ونحن نتحدث عن الثقافة العربية في المهجر، سواءً في جانبها الإيجابي أو في بعض جوانبها السلبية أحياناً.
في كتابه " تأملات المنفيين"(2) يعرّف الصحافي البريطاني جون سمبسون المنفي بالقول" هو الشخص الذي لا ينسجم مع مجتمعه" ثم يعدد ست مجموعات من المنفيين لأسباب سياسية أو دينية أو قومية أو قانونية أو نفسية أو اقتصادية أو غير ذلك. ولعل هذه الشمولية في أسباب الهجرة أو التهجير أو النفي سواءً كانت قسرية أو طوعية أو بين المنزلتين تغنينا عن الدخول في دلالات المصطلح لغوياً وواقعياً، حيث أخذت تتدفق المجموعات والكتل البشرية الهائلة في عملية هروب جماعي أحياناً بسبب الحروب الخارجية والنزاعات الداخلية المسلحة والخوف من الإضطهاد الإثني والديني والمذهبي، بأبعاده الإنسانية: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهكذا ازدحمت بلدان المهجر بعشرات، بل مئات من المثقفين العرب وعلى دفعات مختلفة ومن بلدان متنوّعة وإن اختلفت الظروف.
وفي المهجر هناك حياة جديدة يحاول المهاجر أن يتكيّف على العيش فيها، مكتسباً عادات جديدة حتى وإن ظل محافظاً على عاداته وتقاليده وطريقة عيشه ومأكله وملبسه، لكن للمجتمع الجديد أوضاعاً مختلفة تفرض على الإنسان التواءم معها. وإذا كانت الظروف الجديدة ضاغطة على المهاجر بشكل عام والمثقف بشكل خاص نظراً لحساسيته وانشغالاته الإبداعية، فإن هذه الحياة تكتسب ملمحاً جديداً، فبقدر ما هي موجودة وقائمة، فإن المثقف يحاول أن يصنعها على طريقته ومثلما يريد، خصوصاً إذا تمتّع بالحرية المفقودة، لاسيما سعيه للحفاظ على لغته وثقافته، حتى وإنْ اكتسب لغة أخرى وكتب فيها وتعمّق في الثقافة المستقبِلة (بالكسر) وهكذا تنشأ ثقافة جديدة في المهجر لها سماتها وتحدياتها وبيئتها وعناصرها.
لقد شملت الهجرات العربية الأولى (في القرن التاسع عشر) مثقفين مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وآخرين، الذين أسسوا "الرابطة القلمية" في نيويورك، وقد أقاموا صلات مع أدباء الوطن وكانوا الأكثر شهرة قياساً بالأدباء الذين هاجروا إلى أمريكا الجنوبية، لاسيما إلى البرازيل مثل شفيق المعلوف والياس فرحات وجبران سعادة وغيرهم الذين أسسوا " العصبة الأندلسية".
وكان المنفى آنذاك أقرب إلى "الاختيار" حتى وإن كان اضطراراً، لأسباب اقتصادية في الغالب أو بسبب الفتن الطائفية ويومها كان منتصراً على عوائل وصلات وعلاقات ومصالح باستثناءات محدودة، مثل هجرة الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي إلى إيران بعد فشل ثورة العشرين في العراق (1920)، وبقائه فيها ثماني سنوات وترجمته الشهيرة لرباعيات عمر الخيام، ومن ثم انتقاله إلى سوريا ولبنان(3).
لكن هجرة الخمسينيات والستينيات وما بعدها كانت أقرب إلى الهجرات الجماعية، لاسيما الهجرة الفلسطينية القسرية بعد قيام إسرائيل في 15 أيار (مايو) العام 1948 وإجلائها مئات الآلاف من السكان الأصليين لعرب فلسطين وانتقال أقسام منهم إلى أوروبا وأمريكا بمن فيهم عدد من الأدباء والمبدعين، وفي السبعينيات وما بعدها شهدت لبنان هجرة واسعة، شملت مبدعين ومثقفين، وإعلاميين، بسبب الحرب الأهلية.
وكانت الهجرة العراقية الواسعة قد بدأت على خمسة مراحل: الأولى بعد ثورة 14 تموز (يوليو) العام 1958 وفي مطلع الستينيات وخصوصاً، بعد انقلاب العام 1963 وهي هجرة محدودة جداً ولأسباب سياسية في الغالب والهجرة الثانية وهي في نهاية السبعينيات، حيث شملت عشرات الآلاف، بمن فيهم بضعة مئات من خيرة المثقفين العراقيين بسبب حملة القمع التي تعاظمت في تلك الفترة، لكن هذه الأرقام تضاعفت على نحو كبير بعد الهجرة الثالثة خلال الحرب العراقية- الإيرانية 1980-1988، ثم بدأت هجرة رابعة كبرى بعد غزو الكويت وحرب قوات التحالف وبالأخص عند فرض نظام العقوبات الدولي بين أعوام 1990-2003. أما الهجرة الخامسة فهي التي بدأت بعد احتلال العراق واصطبغت بالاصطفافات الطائفية والاستقطابات المذهبية، فقد شملت مئات الآلاف من العراقيين بمن فيهم مئات من المثقفين والأدباء من كل الألوان والانحدارات، لاسيما بعد العام 2006.
وكانت هجرات سورية قد شملت عوائل ومجموعات سكانية محدودة، وقد كان للجيل الثاني الذي ولد في المهاجر دوراً كبيراً في التلاقح الثقافي خصوصاً بحمل الثقافتين، أو من ذوي الثقافات المزدوجة وازدادت بعد العام 1960، وشملت أعداد من المسيحيين الذين تناقص عددهم في جميع البلدان العربية، وخصوصاً في فلسطين حيث كانوا يشكّلون نحو 20% من السكان فإنهم اليوم لا يزيدون عن 1.5 % بسبب سياسات الإجلاء والنفي وكذلك في سوريا حيث كان عددهم يزيد عن 16% فإنهم اليوم لا يشكّلون أكثر من 10%، كما شهد لبنان هجرة واسعة وخصوصاً للمسيحيين حيث بلغت حسب بعض التقديرات نحو 700 ألف مسيحي، وفي العراق تناقص عددهم خلال الخمسين سنة الماضية ولم يعودوا يشكّلون أكثر من 2% من السكان بعد أن كانت نسبتهم أعلى بكثير عند تأسيس الدولة العراقية في العام 1921، وكانت المسيحية العربية بشكل خاص والمسيحية الشرقية بشكل عام قد لعبت دوراً كبيراً في حركة النهضة العربية وفي تجديد الفكر العربي منذ القرن التاسع عشر والقرن العشرين.
لقد اتّسعت وتنوّعت أسباب الهجرة، لاسيما للأدباء والمثقفين بشكل عام وحسب المفكر الأمريكي الياباني الأصل فرانسيس فوكوياما أصبحت الهجرة ظاهرة مقلقة، بل مهددة للاستقرار العالمي، ولاسيما للغرب بشكل خاص، وكان قد حذر من تعاظم مشكلة المهاجرين واللاجئين، في كتاب " نهاية التاريخ وخاتم البشر" (4) حين أعلن منذ أواخر الثمانينيات سيادة الليبرالية، كنظام سياسي واقتصادي على المستوى العالمي، معتبراً مشكلة تدفق المهاجرين من بلدان الجنوب "الفقير" إلى بلدان الشمال " الغني" إحدى التحدّيات التي تواجه العالم المعاصر إضافة إلى النفط والإرهاب.
وقد أضاف المفكر الأمريكي صمويل هنتنغتون في كتابه " صراع الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي" (5) بعداً جديداً على الفكرة، مفاده أن العدو المحتمل والتحدّي الأساسي لعالم ما بعد انهيار الأنظمة الشيوعية في بلدان شرق أوروبا والاتحاد السوفياتي سيكون " الإسلام" الذي يشكل تهديداً خطيراً لظفر الليبرالية على المستوى العالمي، على أساس نظريته المعروفة بصدام الحضارات وصراع الثقافات.
ومع تعاظم مشكلات اللاجئين والمهاجرين والمنفيين تبرز العديد من الإشكاليات مثل: الهوية، ومسألة الاندماج وتفرّعاتها، وقضية الخصوصية الثقافية والقومية والدينية، وكان هنتنغتون قد اعتبر الصراع الأساسي هو بين الحضارات والثقافات، وهو الأمر الذي ساد بشكل خاص بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية الإجرامية في الغرب، الأمر الذي أعاد موضوع الهوية والاندماج والخصوصية الثقافية إلى الواجهة في سلسلة من أفعال وقوانين تم تشريعها في الغرب، وفي ردود فعل برزت من جانب المهاجرين أو من جانب حركات دينية أصولية استغلّت بعض الإجراءات التعسفية في الغرب لتعيد انتاج حتميات الصراع التناحري منظوراً إليه من زاوية أخرى، وهي الوجه الآخر لأطروحات فوكوياما وهنتنغتون وبيان المثقفين الستين الأمريكان بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001.
وإذا كان موضوع علاقة الحضارات والثقافات مطروح ستراتيجياً على المستوى الكوني، فإنه يواجه المثقفين، ولا سيما المهاجرين على المستوى الفردي أيضاً. وتظهر هذه القضية على نحو واضح وربما صارخ بالنسبة للجيل الثاني أحياناً، حيث تبدأ بمواجهة المشكلة الأكبر مع البلدان المضيفة (المستقبِلة)، خصوصاً في موضوع الهوية والاندماج، وقد تتحوّل إلى احتدام محموم فيه الكثير من المفارقات، ابتداء من الاعتراف ومروراً بمواجهة التمييز، وانتهاء بمسألة الخصوصية الثقافية، بكل جوانبها القانونية والاجتماعية، وعلى أساس التنوّع والتعددية.
رحلة المنفى
كتب الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي في منفاه الخمسيني والستيني قصائد مفعمة بغنائية رقيقة وصوفية عقلانية متآلفة راسماً صوراً أليفة بألوان منسجمة، ولعل ذلك أراده تواصلاً مع الوطن أكثر من كونها تعبيراً عن الفقد واللوعة والحزن، وهذا ما ظهر في "النور يأتي من غرناطة" وفي "بستان عائشة" وهو من أجمل دواوينه، وكذلك صوفياته عن ابن عربي. وعلى نحو مختلف كتب الشاعر سعدي يوسف عن منفاه الأول في الجزائر، وخصوصاً في مجموعته الشعرية " الأخضر بن يوسف" حين حظر المنفى باعتباره واقعاً ظلّ من خلاله يتهجى الوطن" يبلل ماؤه طعم الوسادة في ليالي النوء والحسرة
ويأتي أخضراً مثل رائحة الطحالب يسمح كفه اليمنى
بغصن الرازقي أفق، أنا النهر ألست تحبني؟
أو لم ترد أن تبلغ البصرة ،
بأجنحة الوسادة أيها النهر
أفقت فوق وسادتي قطرة لها طعم الطحالب إنها البصرة!
أما مظفر النواب فقد كان يجد "المنفى كالحب" يسافر في كل قطار أركبه
في كل العربات أمامي
أو كما يقول
يجي يوم إنلم حزن الايام
وإثياب الصبر
وإنرد لهلنا (لأهلنا)
يجي ذاك اليوم
لجن (لكن) آني خايف
كبل (قبل) ذاك اليوم
تاكلني العجارب (العقارب)
ويودع مظفر النواب كل اوجاعه ومنفاه وحزن روحه بالقول :

يجي ذاك اليوم
وإذا ما جاش (لم يأتِ)
إدفنوني على حيلي (طولي)
وكصتي (جبهتي) لبغداد
لعلّي هنا أتوقّف عند رواية الكاتب والروائي الفلسطيني غسان كنفاني "رجال في الشمس" (6) في الحديث "عن رحلة النفي أو الهجرة أو اللجوء". كيف قدر لهؤلاء الرجال الذين بقوا في الصهريج ينتظرون موتهم ببطء ويأس وحتى دون حراك، فبدلاً من فتح باب الفرج، انفتح لهم باب القبر بكل صمته وظلامه. وبإيحاء كنفاني الذي كان منولوجه الداخلي عالي النبرة، يخاطب هؤلاء الرجال لماذا لا تصرخوا؟ لماذا لا تدقوا كي يسمعكم من بالخارج؟
كان خوفهم في اكتشافهم من جانب سلطات الحدود العراقية- الكويتية وهم يجتازون مفرق سفوان، هو الذي دعاهم إلى الصمت، الإذعان، وإلى الموت انتحاراً إذا جاز التعبير. إن صمتهم وعدم حراكهم سببه الخوف من ضياع فرصتهم في الهجرة، فبعد النفي الأول من الوطن كان البحث عن منفى جديد مؤقت ولو للعمل، ولم يخطر ببالهم أنهم يرحلون هذه المرّة إلى المجهول، إلى العالم الآخر وقد عانى الكثير من الأدباء من مصائر مختلفة ووقعوا فريسة لأعمال نصب واحتيال، بل كان العديد منهم ضحايا في رحلة منفى قاسية.
إن مأساة الفلسطيني التي صوّرها غسان كنفاني ببراعة تتكرر يومياً وبصورة دراماتيكية مرعبة أحياناً، ويكاد لا يمرّ أسبوع أو شهر إلاّ ونسمع موتاً جماعياً، غرقاً أو اختناقاً أو ضياعاً، فالكوارث الطبيعية وحراس الحدود والشواطئ يقفون بالمرصاد، والمشهد يستمر: قوارب وبواخر وحافلات وقطارات .. مهرّبون وسماسرة، ضحايا ومنفيون، سجون واحتجاز... وقصص لا تنتهي عن بلدان الرعب والحروب والجوع وهدر الكرامة.
ولم تكن مأساة دوفر التي ذاع صيتها (العام 2000) سوى واحدة من الشهادات اليومية على الموت البطيء لضحايا مجهولين وانكسار آدميات وإذلال بشر.. هكذا تتحول الجنان الموعودة إلى كوابيس، وحراس الحدود والمطارات والموانئ يقفون سدًّا منيعاً أمام (زحف الجراد) على الأرض الخضراء، وتعرض شاشات التلفاز صوراً بشعة، ولكنها للأسف أصبحت مألوفة وقد لا تثير الاهتمام والتعاطف المطلوب، عن جثث لفظها البحر وأخرى تجمّدت وضحايا مطاردات وإصابات عبر الحدود والأسلاك والموانئ والحواجز واستغاثات أدباء ومثقفين... ومعها برزت أصوات جديدة تندّد بالهجرة وتطالب بالتشدد إزاءها، بل وتدعو إلى طرد اللاجئين والمهاجرين.
مع الاستقرار المؤقت والاندماج الجزئي في المجتمع الجديد، تبدأ مشكلات المهاجرين والمنفيين الحقيقية وتطل هواجس الروائي الألماني أريش ماريا ريمارك قائمة في (ليلة لشبونة)(7) فالمهاجر كثير الشك، منغلق في مجموعات، يثير ريبة أهل البلاد الأصليين أحياناً، ويتعامل مع العالم الخارجي في الكثير من الأحيان بمنظار أمني، ويعاني من فقدان هويته الأصلية، وعدم قدرته على التكيّف مع الهوية الجديدة.
وحتى لو حصل الأديب المنفي على جنسية البلد المستقبِل (المضيف) بعد سنوات من إقامته فيه، فإنه يظل يعاني من ازدواجية الجنسية فيما بعد، لاسيما وأنها في إحدى تعبيراتها تواجه ازدواجية المواطنة أحياناً، وهذه تثير نوعاً ملتبساً من ازدواجية الهوية.
لعل أهمية كتاب أدوارد سعيد " خارج المكان"(8) لا تتأتّى فقط من أسلوبه المشوّق والممتع أو من سرده الدرامي، وليس بسبب مضمونه أيضاً، ولكن لكونه يمثّل أو يجسّد إحدى شهادات العصر المهمة عن حدث لا زال يؤرّق الضمير الإنساني، فقد استطاع إدوارد سعيد وهو أحد أبرز المثقفين العرب الموسوعيين في القرن العشرين أن يخاطب العقل (الآخر) ويتحدث عن تجربة اقتلاع شعب من أرضه ورميه خارج المكان في محاولة لمحو ذاكرته ومصادرة تاريخه وإقصاء مستقبله. ويعتبر إدوارد سعيد المثقف المغترب الأخطر بالنسبة للحركة الصهيونية، حيث فهمت الأخيرة ماذا يعني كتابه الأول "الاستشراق"(9) وهو ما حدا ببعض قادتها لتحسس استمرارهم ووجودهم في فلسطين عند قراءة هذا الكتاب الذي صدر عام 1978.
في كتاب " خارج المكان" عبّر سعيد عن إزدواجية الهوية، أو الهوية المزدوجة، المختلفة والمؤتلفة لديه، على نحو مثير. والكتاب محاولة لإحياء الذاكرة، لإبقائها حيّة، والبحث في التفاصيل الصغيرة، التي تشكل عوالمها مهمة أساسية يستعيدها المنفيون واللاجئون. "خارج المكان" هو بحث في الهويّة، رغم العواصف، والتنقّلات والهجرات والثقافات، فالهوّية ظلّت تشكل الهاجس الذي يطلّ برأسه ويلوح بصورة عفوية ودون استحضار مسبق. وقد سبق لأمين معلوف الروائي اللبناني العالمي الذي منح أعلى وسام فرنسي مؤخراً أن تحدّث عن موضوع الهوّية في كتابة " الهوّيات القاتلة" وقد مثل هو شخصياً هذا البعد المتحرّك في الهوّية بحمله الثقافتين العربية والفرنسية وقدرته في أن يكون جسراً للتواصل (10)، دون أن يعني ذلك تجاوز المعاناة الإنسانية الفائقة، لاسيما في التعبير عن تلك الهوّيات المزدوجة، بل المتعددة والمتنوّعة.
الهوية: بعيداً عن التبشير
في كتابه " موسيقى الحوت الأزرق"(11) يناقش أدونيس فكرة الهوّية ويستهل حديثه بالعبارة القرآنية التي تضيء بقِدَمِها نفسه، حداثتنا نفسها على حد تعبيره، وأعني بها التعارف، أي الحركة بين الانفصال والاتصال في آن، من خلال " روية الذات، خارج الأهواء" وخاصة الآيديولوجية، ويمكن أن نضيف الدينية والقومية وغيرها، بمعايشة الآخر داخل حركته العقلية ذاتها، في لغته وابداعاته وحياته اليومية.
وبعد أن يستعرض أدونيس آركيولوجية الغياب المعرفي العربي على خارطة المعرفة الإنسانية، وهو ما أشارت إليه على نحو صارخ تقارير التنمية البشرية في العقد الأخير، لاسيما شحّ المعارف ونقص الحريات واستمرار الموقف السلبي من حقوق الانسان وخصوصاً حقوق المرأة والأقليات وغيرها، يطرح سؤالاً حول سبل الخروج من هذا الغياب، ويسأل أيضاً ولِمَ هذا الغياب؟ لاسيما بتمثّل ذلك نقدياً ومعرفياً، من خلال معرفة الآخر بمعرفة ذاتنا معرفة حقيقية، ولعل الخطوة الاولى التي ظل يركّز عليها في كتابه الممتع والعميق، هو كيف يمكن أن يصغي بعضنا إلى بعض!؟(12).
وتستند هذه الرؤية إلى احلال الفكر النقدي التساؤلي، محل الفكر التبشيري- الدعائي، حيث يصبح الوصول إلى الحقيقة التي هي على طول الخط تاريخية ونسبية، وصولاً يشارك فيها الجميع رغم تبايناتهم إلى درجة التناقض أحياناً، وهذا يعمّق الخروج إلى فضاء الإنسان بوصفه أولاً، إنساناً، ويدفع الذات إلى ابتكار أشكال جديدة لفهم الآخر ثانياً، وثالثاً يكشف لنا أن الهوّية ليست معطى جاهزاً ونهائياً، وانما هي تحمل عناصر بعضها متحركة ومتحوّلة على الصعيد الفردي والعام، وهو ما يجب اكماله واستكماله دائماً في إطار منفتح بقبول التفاعل مع الآخر. وإذا كانت ثمت تحولات تجري على الهوية على صعيد المكان- الوطن، فالأمر سيكون أكثر عرضة للتغيير بفعل المنفى وعامل الزمن وتأثير الغربة والاغتراب.
هل الهوّية جوهر قائم بذاته، لا يتغيّر أو يتحوّل؟ أم هي علاقة تجمعها مواصفات بحيث تكوّن معناها وشكلها؟ وبالتالي لا بدّ من تنميتها وتعزيزها وتفعيلها في إطار المشترك الإنساني، الأمر الذي يتخطّى بعض المفاهيم السائدة، ذات المسلّمات السرمدية السكونية لدرجة التقوقع، وينطلق إلى خارج الأنساق والاصطفافات الحتمية، من خلال قراءات مفتوحة تأخذ التطور بنظر الاعتبار عناصر تفعيل وتعزيز وتحوّل في الهوّيات الخاصة والعامة.
بهذا المعنى لا يكون اختلاف الهوّيات أمرٌ مفتعلٌ حتى داخل الوطن الواحد، فما بالك في بلدان المنافي وتعدّد منابع الثقافات وتنوّع الحضارات واختلاف التراث واللغة. وإذا كان ثمت تكوينات مختلفة دينية أو إثنية أو لغوية أو سلالية، ناهيكم اختلاف الهوّيات الخاصة للفرد عن غيره وعن الجماعة البشرية، فالأمر سيكون تحصيل حاصل بما يجري من تغييرات على هوية المنفي وثقافته.
ولعل هناك علاقة بين الشكل والمعنى التي تتكون منها الهوّيات الفرعية – الجزئية الخاصة وبين الهوّيات الجماعية العامة ذات المشتركات التي تتلاقى عندها الهوّيات الفرعية للجماعات والافراد، حيث تكون الهوّية العامة أشبه بإطار قابل للتنوّع والتعددية، جامعاً لخصوصيات في نسق عام موحّد، ولكنه متعدد وليس آحادي، فمن جهة يمثل هوّية جامعة ومن جهة أخرى يؤلف هوّيات متعددة ذات طبيعة خاصة بتكوينات متميّزة أما دينياً أو لغوياً أو إثنياً او غير ذلك، فالشكل ليس مسألة تقنية، حسب أدونيس وإنّما هو مسألة رؤية.
إن الحديث عن هوّيات فرعية، أو خصوصيات قومية أو دينية، لأقليات أو تكوينات، يستفزّ أحياناً بعض الاتجاهات المتعصبة دينياً أو قومياً فهي لا ترى في مجتمعاتنا سوى هوية واحدة اسلامية أو اسلاموية حسب تفسيراتها وقومية أو قوموية حسب أصولها العرقية ونمط تفكيرها واصطفافات طبقية كادحيّة حسب آيديولوجياتها الماركسية أو الماركسيوية، أما الحديث عن حقوق وواجبات ومواطنة كاملة ومساواة تامة وحق الجميع في المشاركة وتولّي المناصب العليا دون تمييز بما فيها حقوق المرأة وحقوق متساوية للأديان والقوميات، فهذه تصبح في "الواقع العملي" حسب جهات التشدد والتطرف ليس أكثر من مؤامرة ضد الأمة والدين، تقف خلفها جهات امبريالية- استكبارية تضمر الشرور للمجتمعات العربية – الاسلامية.
وبهذا المعنى لم تسلم حقوق بعض المبدعين في التميّز والاستقلالية والتفكير الحر، تلك التي ينبغي أن تُحترم ويؤمن لها كل أسباب التطور والنمو، لكن أصحاب نظريات الإجماع وإلغاء التمايزات وإزدراء الفردانية، يعتبرون ذلك بمثابة انشقاق وخروج على الجماعة والمصلحة العليا وفي حالة معارضة تفكيرها، فالامر يستحق العقاب والتحريم والتجريم، لكونه مروق وبدعة وتجاوز على ما هو سائد.
وقد كان لمثل هذه الممارسات، لاسيما بحق الجماعات القومية أو الدينية سبباً في دفعها للانغلاق وضيق الأفق القومي، وخاصة إذا تعرّضت للاضطهاد الطويل الأمد وشعرت بالتهديد لهويّتها الخاصة المتميّزة، وهو الأمر الذي كان أحد نقاط ضعف الدولة القطرية العربية تاريخياً، خصوصاً في مرحلة ما بعد الاستقلال. ولعلي هنا وأنا أتناول مسألة الأقليات فإنني آتي عليها مجازاً، لأنني أقصد التنوّع والتعددية الفكرية والثقافية والدينية والإثنية والسلالية واللغوية وغيرها، على الرغم من أن الأمم المتحدة تستخدم مصطلح الأقليات في قرار الجمعية العامة لعام 1992 بشأن حقوق الأقليات وقرار العام 2007 بخصوص الشعوب الأصلية، لكنني أجد مصطلح التنوّع أقرب إلى جوهر فكرة المساواة بغض النظر عن العدد (أغلبية أم أقلية) تلك التي تصلح للتوصيف السياسي وليس للانتماء القومي أو الديني أو اللغوي أو غير ذلك، كما أن مفهوم الأقلية القومية أو الدينية يحمل في ثناياه فكرة الاستتباع والخضوع.
أقصد من هذه الأطروحات إثارة النقاش والتفكير بقضية حساسة عاشها المثقفون داخل وخارج بلدانهم، وأعني بها الهوية والعلاقة بالآخر، لأنك قد تجد هناك من يدعو لعدم نشر الكلام الذي ينتقد أوضاعنا العربية، بحجة استفادة العدو من كشف المستور، تحت مبرر عدم نشر الغسيل الوسخ، ولأن نشره يسيء إلى صورتنا أمام الآخرين، وينسى هؤلاء المبشّرون أن إخفاء المرض لا يشعر المرء بالطمأنينة على صحته ولا يعيد له العافية، كما أن التغلّب على العدو يحتاج إلى تشخيص لنقاط ضعفنا والتخلّص من بعض النزعات العنصرية إزاء الآخر في داخلنا، وقراءة واقعنا موضوعياً بروح النقد والنقد الذاتي والاعتراف بحقوق الاقليات وبالهوّيات المتعددة، وعدم تجميل صورتنا أمام أنفسنا، خصوصاً إذا كانت صورة البعض كالحة.(13)
ولا زال الموقف من الأقليات القومية والدينية قاصراً في الكثير من الأحيان وحتى الاعتراف ببعض الحقوق يأتي كمنّة أو مكرمة أو هبة أو حسنة، حيث تسود تصوّرات مخطوءة عنها، بل أن الكثير من السائد الثقافي يعتبرها، خصماً أو "عدواً " محتملاً أو أن ولاءها هشاً وقلقاً وسرعان ما يتحوّل إلى الخارج، دون أن نعي أن هضم حقوقها، تارة باسم مصلحة الإسلام وأخرى مصلحة العروبة والوحدة وأحياناً بزعم الدفاع عن مصلحة الكادحين، والقوى العلمانية والمدنية وقيم النضال المشترك وغير ذلك، هو السبب الأساسي في مشكلة الاقليات وليس نقص ولائها أو خروجها على الهوّية الوطنية العامة التي تصبح لا معنى لها بسبب معاناتها، وبسبب نقص المواطنة الفادح والنظر إلى أفرادها كرعايا لا مواطنين من الدرجة الأدنى، وإنْ كان المواطنون ككل مهضومو الحقوق، فإن العبء الذي سيقع على كاهل الأقليات سيكون مركّباً ومزدوجاً ومعاناتها كذلك.(14)
ولعل هذا الموقف من الأقليات ودلالاته الثقافية لا يقوّم الإنسان بوصفه إنساناً، له حقوق وواجبات معروفة في الدولة العصرية، بحقوق المواطنة، وإنما يقيّمه بوصفه "انتماءً "، أي هو يحوّل الإنسان إلى سياسي برأس إثني أو قومي أو ديني أو مذهبي، وهكذا يتحوّل الإنساني إلى سياسي، وهذا الأخير إلى حقل من الحروب تبعاً للمصالح السياسية والمادية، فتهيمن الأهواء والنزعات على العقول وتظهر الوحشية عند الممارسة، ويغيب كل ما هو إنساني.
وأحياناً كثيرة تستخدم القوى الخارجية هذه الثغرات والعيوب والنظرة الاستعلائية القاصرة للنفاذ منها لتشتيت الهوّية الجامعة والعزف على الهويات الخاصة لدرجة التعارض والتصارع مع المشترك الانساني. والأمر لا يقتصر على البلدان المتخلفة، بل إنه يشمل أحياناً بلداناً متقدمة، ففرنسا بلد الحريات يريد أن يصهر هوية المهاجرين وثقافتهم وذلك بوضع قوانين تتعلق بفرض خلع الحجاب أو وضع عقبات تمييزية فيما يتعلق بالعمل أو غيره، الأمر الذي يتعارض مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، بغض النظر عن الموقف من الحجاب، سواءً كان سلبياً أو إيجابياً، فهو حق فردي لمن يرتديه أو يخلعه.
ولنعد إلى ما يسمى بالهوّية الوطنية، ولنتأمل الحرب الأهلية اللبنانية، فبعد دماء غزيرة وخراب استمرّ 15 عاماً، غسل الجميع أيديهم وتعانقوا وكأن شيئاً لم يكن، وظلّت الهوّيات الصغرى طاغية، والهوّية الجامعة هشّة، قلقة، مقصاة.
وبعد الاحتلال الامريكي للعراق، اندلع العنف والارهاب على نحو لم يسبق له مثيل ليحصد أرواح عشرات ومئات الآلاف من العراقيين من جميع الطوائف والقوميات والاتجاهات، تحت شعارات التفوّق الطائفي والإثني أحياناً، وهو ما كانت له بعض الأسباب في التاريخ لاسيما المعاصر، وخاصة الاتجاهات التمييزية السائدة، على الرغم من أن المحاصصة والتقاسم المذهبي والإثني كانتا تشكلان أساساً قام عليه مجلس الحكم الانتقالي وما بعده، ولكن ظل جميع الفرقاء والفاعلين السياسيين من جميع الاتجاهات، يعلنون أن لا علاقة لهم بالطائفية والمذهبية، بل هم يستنكرونها ويعلنون البراءة منها، لكنهم عند اقتسام المقاعد والوظائف يتشبثون بها، ويحاولون الظهور بمظهر المعبّر، وربما الوحيد عنها، دون تخويل من أحد.
وإذا كان هذا هو السائد، فإن الغالبية الساحقة من المهاجرين والمهجّرين والمنفيين، تتصرف لاسيما في الخارج وخصوصاً الأدباء والمثقفين بشكل عام، على نحو مختلف دون التوقف عند المسألة الطائفية أو المذهبية، سواءً إزاء الثقافة والهوّية الوطنية العامة، أو إزاء الثقافة والهوّية الجديدة التي قد تكون إغناءً للهوية الأصلية (15).
إن الفكر اليقيني المطلق، هو فكر امحائي لا يؤمن بالآخر، ويريد إلغاء الفروق داخل المجتمع بكياناته ومكوّناته وأفراده وسجن التعددية واقصاء الخصوصيات، والأكثر من ذلك يريد إلغاء تاريخ مكوّنات بحيث يلعب فيها مثل كرة عمياء تتدحرج في طريق أعمى وبأيد عمياء. (16)
إن التعصّب والعصبية هما اتجاهان إلغائيان لمن لا يتعصّب لهما، ولعل جدل الهوّيات يكشف ان اختيار الصراع بدل التعايش، والصدام بدل الحلول الانسانية، سيكون ضاراً وخطيراً على الهوّيات الكبرى مثل الهوّيات الصغرى وهذه الأخيرة إنْ لم يتم احترامها وتأمين حقوقها المتساوية ستكون عنصر ضعف كبير ويتسع باستمرار على مستوى الهوّية والدولة العراقية، إذ لا بدّ من اتّباع طريق المعرفة وشراكة الناس في المسؤولية والبحث عن الحقيقة وعن المعنى، سواءً عبر الهوّيات الفرعية- الجزئية أو من خلال الهوّيات الأوسع والأكبر، ولكن بانسجام مع الهوّية العامة التي لا تستقيم كينونتها وحقوقها الاّ باحترام الهوّيات الفرعية وخصوصيتها على مستوى الجماعات أو الأفراد (17).
ذاكرة المهاجر
أتذكّر حديثاً للقاضي يوجين قطران وهو أول قاضي فلسطيني عربي في بريطانيا كان قد مضى على وجوده فيها آنذاك نحو خمسة عقود من الزمان، كيف تحدث في ندوة عن اللاجنسية في الوطن العربي، أقامها مركز أكسفورد لدراسات اللاجئين والمنظمة العربية لحقوق الإنسان ومركز شمل اللاجئين والشتات الفلسطيني في رام الله 2000، عن تجربته المثيرة للنفي وازدواجية الهوّية والولاء والإنتماء والمواطنة والجنسية، كيف أراد أن يحضر حفل زفاف أخته في السودان في أواسط الخمسينيات، بجواز مرور بريطاني، وكيف كان الحصول على الفيزا من أصعب القضايا. تحدّث عن إشكاليات عانى منها " قطران" مثلما عانى منها المهاجرون والمنفيون قبل اكتساب جنسية البلد المضيف، والذي يهمنا هنا المواطنة والهوّية والذاكرة، التي تختلط وتتقارب وتتباعد وتؤثر، بل وتضغط على المنفي أو المهاجر المبدع وثقافته وإنتاجه، لاسيما على وعيه إزاء النظر للقضايا والإشكاليات.
إن صورة حياة المنفيين لاسيما المثقفين الألمان خلال الحرب العالمية الثانية وقبلهم المهاجرون الروس في العشرينيات، وفي أواخر الأربعينيات والخمسينيات المهاجرون الإيرانيون واليونانيون وفي السبعينيات الشيليون وبشكل خاص في التسعينيات، وفي السبعينيات أكراد العراق وفي أواخرها المثقفون العراقيون المنفيون الذين استمروا في الهجرة حتى الآن وبأعداد كبيرة كما تمت الإشارة إليهم، هي صورة الهواجس الدائمة والهموم والشكوك والانكسارات، هذه كلها تمثل حياة المثقفين المهاجرين في كل مكان: البحث عن وثيقة، باسبورت، مكان آمن، الابتعاد عن الاحتكاك برجالات السلطة ومؤسساتهم، تحاشي المشكوك بأمرهم، الدعايات والإشاعات المبثوثة في كل مكان جدل الهوّيات أو الهوّيات المتعددة، المتفاعلة، المختلفة والمؤتلفة، وما تسبّبه أحياناً من تمزّقات.
ولعل خير من عبّر عن هذه الحالة من الصراع والتناقض والتألق كتاب إدواد سعيد "خارج المكان" الذي سجل حياته من خلال العلاقة المركّبة والمزدوجة بين الوطن والمنفى. فقد حاول الاستعاضة أحياناً عن فلسطين بمصر ولبنان، لكن فلسطين ظلّت الفضاء الذي تسبح في أجوائه الذكريات الأولى ومراتع الصبا والنشأة، ولكنه مع الفضاء الجديد الذي وجد نفسه فيه بعد هجرته إلى الولايات المتحدة، ظل الهاجس الأول يسري معها أينما ذهب وحيثما ارتحل!.
"خارج المكان" مثلت جسراً بين ماضي لا يمكن أن ينسى وبين حاضر لا يمكن أن يدوم، وبينهما صور وانعكاسات وأحداث ووقائع ومؤامرات وآمال وحروب، ولكن الذاكرة تظل قائمة وكأنها تعيش واقعاً هو استمرار بحثها عن هوّية ومكان وأرض ووطن مسلوب، لعلها الهوّية اللقاحية على حد تعبير الباحث التراثي هادي العلوي، الذي ظل يردد أنه سليل الحضارتين الصوفية ( العربية- الاسلامية) والتاوية (الصينية) لاسيما انتسابه إلى لاوتسه مثلما هو منتسب إلى الحلاّج.
لعل إدوارد سعيد لم يكن بعيداً عن جبرا إبراهيم جبرا حين تحدث في " البئر الأولى"(18) عن نشأة الطفل والتشكّل الأول لذاكرته وما استقرّ فيها من تفاصيل ولم يكن من الممكن محوها أو التجاوز عنها فقد حفرت في قاع الذاكرة وهي ما لا يمكن إهماله.
في حديث خاص مع الشاعر الكبير الجواهري، سألته عن المنفى: ماذا كان هناك يا أبا فرات: فردوس الحرية أم زمهرير الغربة؟؟ بعد فترة تأمّل سحب نفساً عميقاً من سيجارته فأجاب، الإثنان معاً أي والله الاثنان معاً! لكن تجربة الجواهري تكاد تكون مختلفة عن التجارب التي جرى ذكرها، فالجواهري الذي عاش ثلث حياته البيولوجية ونصف حياته الإبداعية في المنفى، كان قد تشكّل واكتمل في الوطن وظلت الهوّية التي يبحث عنها تمثّل هاجس الحرية التي جعلها تشكل همّا يومياً له، مثل همّ الغربة والمنفى والابتعاد عن الوطن(19) وهو أمر مختلف حين يحمل المرء الثقافتين: الثقافة الجديدة للدول المستقبِلة (بالكسر) والثقافة القديمة أي العربية – الإسلامية (الوافدة بالنسبة للمجتمع الجديد). لكن هذه الميزة تتحول إلى صراع داخلي أحياناً وربما إلى فقدان البوصلة، لدرجة التشظي!
وإذا كان الأمر يتعلق بالثقافة العربية في المهجر، فإن الشاعر الدكتور مصطفى جمال الدين (20) يرسم لنا صوراً أخرى تتعلق بالهجرة إلى الثقافة العربية، وذلك عند حديثه عن أحد مصادر الثقافة النجفية، التي تتعلق بثقافات الوافدين الذين يأتون للدراسة في جامعة النجف الشهيرة التي مضى على وجودها أكثر من ألف عام، وهم من الأتراك والإيرانيين والأفغان والهنود والباكستانيين، إضافة إلى الوافدين من بعض الأقطار العربية، الذين يجدون أنفسهم في أجواء تستوجب التلاقح والتفاعل لدرجة الإنغماس بالثقافة العربية.
وإذا كان مثل هذا الأمر مفهوماً أو حتى مقبولاً، فإن نقيضه يثير إشكاليات حقيقية ومعاناة فعلية، ثقافية واجتماعية ونفسية بالنسبة للمنفى أو بالنسبة لمجتمعه الجديد، وخاصة للشباب، لاسيما إذا دخل الدين عنصراً في الموضوع، فإن هناك الكثير من عوامل عدم الاندماج الموضوعية والذاتية قد تدخل على الخط، ويزداد الأمر تعقيداً بالنسبة للمرأة في ظل العقلية الشرقية والأبوية "الإسلامية" التقليدية التي تظل تفعل فعلها في حياة المهاجرين والمنفيين لوقت طويل وربما تتجدد بأشكال وأساليب تزيد من التمسّك بها على نحو يبدو كثير الغرابة والتعقيد، خصوصاً في أوروبا أو في الغرب عموماً.
لذلك فقد بدأت بعض الظواهر الغريبة والمستنكرة تظهر في الغرب أحياناً، مثل القتل غسلاً للعار أو إجبار الشابات على الزواج دون اختياراتهن أو حتى في سن قاصرة أو ختان الإناث أو غير ذلك، الأمر الذي يتعارض مع القوانين السائدة، فضلاً عن تعارضه مع اللوائح الدولية لحقوق الانسان، وبالمقابل هناك محاولات للتجاوز على الخصوصية الثقافية والدينية، لاسيما في موضوع خلع الحجاب وإصدار قوانين مشددة بهذا الخصوص، تفرض غرامات على المحجّبات.
لم يستطع روائي كبير مثل غائب طعمة فرمان الذي عاش المنفى طيلة أكثر من ثلاثة عقود أن يكتب رواية عن المنفى، ظل هاجسه الوطن، حيث ولد وترعرع وعاش شبابه الأول وظلّت شخصياته ذات ملامح بغدادية حادة أحياناً. لم يتمكن المنفى منه، على الرغم من أنه أعطاه فضاء الحرية. وعلى العكس منه كان برهان الخطيب الذي عاش في المنفى أكثر من ثلاثة عقود في موسكو ودمشق واستكهولم، قد خصص أعماله الروائية عن الغربة والنفي والبحث عن الهوّية وقد بلورها في روايته " الجنائن المعلّقة" وهي تصوّر الشتات العراقي في الأعوام الأربعين الأخيرة، وروايته هذه هي استمرار لرواياته " بابل الفيحاء" و"الجسور الزجاجية" و"ليلة بغدادية" و"حب في موسكو".
في سؤال لمجلة "الوطن العربي" (21) يقول الخطيب: للمهجر أو للمغترب وجهان ظاهر وخفي. الأول مبهرج والثاني كالح، حياة المهجر تكشف لي عن وجه شنيع أحياناً، وهناك صعوبات وضغوط حاولت كسري. ويضيف: أمّا التأقلم والذوبان أو الصمود أمام الصعوبات والضغوط ومجابهة احتمال التحطّم... خياري هو المجابهة وتجديد النفس بدلاً من تذويبها أو تحجّرها. الهرب من فجيعة الوطن لا ينبغي أن يجعلنا نسقط في فجيعة الغربة. والثقافة إذاً فرصة لتطوير ومعرفة الذات لمواجهة المنفى وتجاوز الكسل بالإبداع حسب الخطيب. لكن هل يكفي ذلك لكي نتمسّك بالهوّية؟: أليس ثمت همّ إنساني يتشكل بمعزل عن الإرادة وخاصة للجيل الثاني يؤثر على لغتهم وهويتهم، لاسيما من ولدوا في بلدان المهجر وترعرعوا فيها واكتسبوا ثقافتها وكتبوا وأبدعوا بلغتها، فماذا يمكن أن يعتبر أدبهم؟ وهو سؤال كبير ومهم لا يتعلق بالرغبات، بل لا بدّ من أخذ الواقع بنظر الاعتبار.
في حوار أداره المنتدى الأورومتوسطي (22) وحضرته نخبة متميزة من المثقفين قال أسامة الشربيني في معرض معالجته لظاهرة الازدواجية: حين أكون في المغرب أشعر بأنني مغربي وعربي ومسلم، وحين أكون في بلجيكا أشعر بأنني بلجيكي وأوروبي وجزء من الثقافة الغربية. وهنا يثار تساؤلاً مشروعاً: وهل المكان هو الذي يحدد الهوّية؟ أم أن الهوّية التي تكونت وترسخت واكتسبت تظهر عل نحو جلي في بيئتها الحقيقية ، حيث المكان والاستمرار والتفاعل؟
وإذا كان مثل هذا الأمر يواجه النخبة، خصوصاً من تكوّن وترعرع، ثم انتقل ليواصل ويندمج في مجتمع جديد، فالأمر مختلف باختلاف درجة الوعي والنضج والاستعداد للتكيف والاندماج، وبالتالي حمل الثقافتين ومواصلة الاستفادة من النبع الأول، بالقدر الذي تتم فيه الاستفادة من المصادر الجديدة، كما يختلف مثل هذا الأمر للجيل الثاني وبالطبع بالنسبة للجيل الثالث من المهاجرين.
وإذا أردت أن أتحدث عن تجربتي الشخصية، فإنني كنت أواجه بشكل شبه يومي وعلى مدى 10 سنوات حالات تعدّ بالآلاف بخصوص المهاجرين والمنفيين واللاجئين العراقيين والعرب وذلك أثناء رئاستي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا. وكان العراقيون يشكّلون أكثر من 80% من هذه الحالات، ناهيكم عن ذلك فقد عشت تجربة المنفى لعقدين كاملين من الزمان، وأن كنت على اتصال مستمر بالوطن وضمن الفسح والمساحات المتاحة، لكن الأمر استمر حتى بعد سقوط النظام السابق حيث بدأت معاناة جديدة للعراقيين في الداخل والخارج، وبدأت مرحلة نفي جديدة أو اغتراب من نوع جديد، قوامه نحو مليونين جديدين من المهاجرين في البلدان المجاورة والمنافي البعيدة، ومثلهم في بدايات العام 2006 و2007 من النازحين بالداخل، لاسيما بضعف الهوّية الوطنية العراقية أو تصدّعها وصعود النزعة الطائفية والإثنية وارتفاع رصيد الهوّيات الفرعية على حساب الهوّية العامة، بفعل التنكّر والتهميش الطويل الأمد، الأمر الذي وجد متنفساً له لعب عليه أمراء الطوائف كثيراً، ودفع العراق ثمنه باهظاً.
وإذا كانت هناك من معاناة للثقافة العربية في المهجر، وخصوصاً للمثقفين، فهو ما يمكن أن نتمثله من خلال ببيتين من شعر الحلاج الذي نختتم به هذا البحث والذي كان يرددها وهو يواجه السيف بعد رحلة نفي طويلة يقول:
طلبتُ المستقرّ بكلّ أرضٍ
فلم أر لي بأرض مستقرّا
وذقت من الزمان وذاق منّي
وجدتُ مذاقهُ حلواً ومرّا
فقد ولد الحلاج حسب ما يروي المؤرخ الطبري عنه في مدينة البيضاء في اليمن(حسب ابنه أحمد) وهاجر منها إلى بلدة " تستر " ثم إلى البصرة. ثم رحل إلى بغداد ومنها عاد إلى تستر ثم خراسان، حيث غاب هناك 5 سنوات مطارداً ومنها إلى " كرمان" وبعدها إلى الأهواز، حيث انتقل إلى البصرة ومنها إلى مكة وعاد إلى البصرة ومن البصرة إلى بغداد، وقد سبقته روايات عن زندقته المزعومة فهجرها إلى حيث واجه حتفه حسبما ورد في كتاب الصحافي والكاتب عبد المنعم الأعسم " الهجرة والتهجير"(23).
إن هوّية الحلاج الرئيسية مثلما هي هوّية اللاجئ، والحرية في إحدى تجلياتها تظهر في فضائها ألوان ثقافات وتواصل حضارات وعادات شعوب وبشر. فالحرية إذن هي الشرط الأول للاجئ والمهاجر والمنفي، وهي القاعدة التي تؤسس عليها الهوّية اللاحقة، ذات البعد الإنساني والتي تمثل المشتركات الإنسانية.


المصادر
(1) انظر: رسالة الجاحظ رقم 387، الجزء الثاني، تحقيق طه الحاجري، دار الكتب العلمية.
(2) أنظر: شعبان عبد الحسين – المنفى والهوّية والحنين إلى الأوطان، موقع الحوار المتمدن الالكتروني، 15/7/2008
(3) انظر: شعبان، عبد الحسين- سعد صالح: الضوء والظل- الوسطية والفرصة الضائعة، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2009، ص 192-194.
(4) انظر: فوكوياما، فرانسيس- نهاية التاريخ وخاتم البشر، مركز الأهرام ، القاهرة ، 1999.
(5) أنظر: هنتنغتون، صموئيل، صراع الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي، الدار الجماهيرية، القاهرة، 1996.
(6) أنظر: كنفاني، غسان- رجال في الشمس، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1963.
(7) أنظر: ريمارك، اريش ماريا – ليلة لشبونة، ترجمة الدكتورة ليلى نعيم، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1981.
(8) انظر: سعيد، ادوارد- خارج المكان- ترجمة فواز طرابلسي، دار الاداب ، بيروت ، 2000.
(9) أنظر: سعيد ، ادوارد- الاستشراق، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ترجمة محمد عناني ، بيروت، 1978.
(10) انظر: معلوف، أمين- الهوّيات القاتلة، دار الفارابي، بيروت، 2004.
(11) انظر: أدونيس – موسيقى الحوت الأزرق (الهوية، الكتابة، العنف)، دار الاداب، ط1، بيروت، 2002، ص 5-8 (الاستهلال).
(12) قارن: تقارير التنمية الانسانية العربية، منذ صدور التقرير الأول، العام 2002 وحتى تقرير العام 2009 وهو بعنوان : تحديات الأمن الانساني في البلدان العربية، البرنامج الانمائي للأمم المتحدة (المكتب الاقليمي للدول العربية)، بيروت، 2009، وقد شارك الباحث بأوراق خلفية في عدد من التقارير السنوية، إضافة إلى مساهمات مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا والباسفيك (الاسكوا).
(13) أنظر: شعبان عبد الحسين- جدل الهوّيات في العراق: المواطنة والدولة، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2009، ص 30 وما بعدها.
(14) أنظر: شعبان، عبد الحسين – استحقاقات المواطنة العضوية الحق والمشاركة والهوّية،(ورقة عمل قدّمها الى) منتدى الفكر العربي، الرباط ، 21-23 نيسان (ابريل) 2008.
(15) ولعل ذلك هو الذي دفع الباحث لاقتراح مشروع لتحريم الطائفية وتعزيز المواطنة في العراق وهو إذ يعرضه على جميع الفرقاء، يأمل أن يثير نقاشاً وحواراً واسعاً لدى الجميع، آملاً أن تتبناه القوى السياسية الوطنية وفاعليات المجتمع المدني، التي لا تؤمن بالطائفية وتدعو إلى تحريمها ومحاسبة كل من يمارسها أو يدعو ويروّج لها أو يتستر عليها، واعتماد مبادئ المساواة التامة والمواطنة الكاملة، فذلك هو السبيل لتعزيز الهوّية الوطنية العراقية وتأمين حقوق الهوّيات الفرعية القومية والدينية وغيرها.
انظر: مشروع قانون تحريم الطائفية وتعزيز المواطنة في العراق، الذي سبق أن اقترحه الباحث وأدرجه في كتابه " جدل الهوّيات في العراق- المواطنة والدولة" وأجرى عليها تعديلات لاحقة بعد مناقشته من جانب نخبة متميّزة من رجال القانون والفكر والسياسة وعدد من الحقوقيين العراقيين، كتاب جدل الهوّيات – مصدر سابق، الملاحق.
(16) انظر: ادونيس- موسيقى الحوت الأزرق، مصدر سابق، ص 212.
(17) أنظر: المصدر السابق.
(18) أنظر: جبرا، ابراهيم جبرا –البئر الأولى، دار الكشكول، لندن، 1986.
(19) انظر: شعبان، عبد الحسين- الجواهري: جدل الشعر والحياة، ط2، دار الآداب، بيروت، 2008.
(20) انظر: جمال الدين، مصطفى – الديوان، دار الفكر، بيروت، 1995.
(21) انظر: مقابلة مع برهان الخطيب في مجلة الوطن العربي بتاريخ 24/11/2000
(22) وهو الحوار الخاص بالشمال والجنوب، وقد انعقد في مدينة الرباط في شهر تشرين الأول (اكتوبر) العام 2000 وشارك فيه الباحث.
(23) أنظر: الأعسم، عبد المنعم- الهجرة والتهجير، دار الأماني، دمشق، 2003.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة البسيطة والدولة المركّبة
- الربيع العربي والأقليّات
- ليبيا: الفيدرالية المدنّسة والمركزية المقدّسة
- مواقف خاطئة للحزب الشيوعي
- القضاء الدولي والقضاء الوطني: علاقة تكامل أم تعارض؟
- نقد قيادة الحزب الشيوعي
- 50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني
- مواطنة -إسرائيل-
- عن ثقافة التغيير
- رسالة الى الحزب الشيوعي السوداني
- نعمة النفط أو نقمته في الميزان الراهن
- السياسة والطائفة
- حقوق الإنسان والمواقف السياسية
- الأحزاب العراقية بلا قانون
- 3 تريليونات دولار خسرتها أمريكا في العراق
- لا تقديم للنظرية على حساب الوقائع الموضوعية
- الشيوعيون والوحدة العربية
- الحرب العراقية – الإيرانية عبثية ، خدمت القوى الإمبريالية وا ...
- الميثاق الاجتماعي العربي: تنازع شرعيتين
- الحزب الشيوعي وتشكيل الجبهة


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - الهوّية وأدب المنفى !