أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - 50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني















المزيد.....


50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3708 - 2012 / 4 / 25 - 19:03
المحور: مقابلات و حوارات
    


50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني
حوار مع الأكاديمي والمفكر الدكتور عبد الحسين شعبان -22
أجراه: توفيق التميمي




(القسم 22)

الحراك العراقي
بقدر ما يتعلق بالتجربة العراقية، فقد تمكّنت الولايات المتحدة من الاطاحة بالنظام الديكتاتوري السابق، لكنها لم تستطع بناء نظام ديمقراطي على أنقاضه، فضلاً عن ذلك فإن أزمتها العالمية اقتصادياً ومالياً، وهي جزء من دورة النظام الرأسمالي العالمي المستفحلة، قد تعمّقت بسبب الغرق في المستنقع العراقي، حيث كلفتها الحرب أكثر من 3 تريليونات دولار وأكثر من 4479 قتيلا وأكثر من 26 ألف جريح حسب الأرقام المعلنة من جانب وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الأمر الذي دفعها للهروب الى الأمام بعد توقيع اتفاقية مع العراق نقلت فيه الاحتلال العسكري الى احتلال تعاقدي، وستضطر الى الانسحاب من العراق في نهاية 2011 ، مع أن احتمالات البقاء واردة، بقوة عسكرية مؤهلة وقواعد لا تزال مؤمّنة ومحميّة، ولكن ذلك يمكن أن يتم بتوقيع اتفاقية جديدة مع العراق وفي ضوء التطورات الجديدة.
لا يمكن للولايات المتحدة اليوم القول أنها بنت نظاماً ديمقراطيا في العراق، حتى وإن جرت انتخابات وأبرم دستور جديد، احتوى بعض المبادئ الديمقراطية الايجابية، لكن فيه الكثير من الألغام التي يمكن أن تنسف الإيجابيات الواردة فيه، فضلاً عن القيود الكثيرة، بما في ذلك نحو 50 مادة تحتاج الى إصدار قانون، وينتظر الدستور تعديلاً لا يزال مسكوتاً عنه.
وقد تفاقم الفساد الى درجة مريعة واحتّل العراق الصدارة بين دول العالم في تقارير منظمة الشفافية الدولية، وارتفعت موجة العنف الطائفي والمذهبي والاثني الى درجة تشظّي المجتمع العراقي، لاسيما في ظل وجود الميليشيات المعلنة أو المستترة، ناهيكم عن جماعات الارهاب الخارجة عن القانون، بما فيها تنظيمات "القاعدة" الارهابية، واستمرت معضلة الخدمات، فالماء الصافي شحيح والكهرباء لا تزال غائبة في معظم الأوقات، والبطالة تضرب أطنابها، والحكومة معوّقة على الرغم من إجراء الانتخابات منذ آذار2010، وبعد ولادة عسيرة دامت أكثر من عشرة أشهر لا تزال الوزارات الامنية فارغة، فأي انجازات ديموقراطية يمكن الحديث عنها؟ ولعل صندوق الاقتراع وحده ليس مؤشراً أو دليلاً على الديمقراطية، إنْ لم يقترن بالمساواة والمساءلة وسيادة القانون والمواطنة السليمة والحريات والعدالة.
لقد حذّر رئيس الوزراء العراقي من التظاهر، لاسيما من المندسين، وخصوصاً تنظيمات "القاعدة" والبعثيين، وذلك في محاولة لإجهاض التحرك الذي يطالب باستعادة الخدمات ومحاربة الفساد ومساءلة المفسدين وإيجاد فرص عمل للعاطلين وتقليل رواتب المسؤولين وتحسين مفردات الحصة التموينية وغيرها. وإذا كان ذلك مفهوماً و"مبرراً" لأي حاكم يلتجئ اليه، وإنْ كان غير مبرّر، فالدستور على الرغم من نواقصه وعيوبه يكفل حق التظاهر السلمي، وأي تجمّع سواءً كان لزيارة المراقد أو لمناسبة عاشوراء أو غيرها يمكن أن يؤدي الى انضمام مندسّين، الأمر الذي لا يستوجب إلغاءها من جانب المعنيين سواءً الحكومة أو رجال الدين المتنفّذين وما يطلق عليهم اسم "المراجع العظام" والمقصود أربعة أساسيين هم آيات الله: السيد علي السيستاني، والسيد محمد سعيد الحكيم، واسحق فياض، وبشير نجفي.
ومرّة أخرى أقول إذا كان موقف رئيس الوزراء مفهوماً، فموقف المرجعية غير مفهوم أو لا يزال ملتبساً ويتراوح بين التأييد والتنديد، وبشكل عام ظلّ ضبابياً، من خلال تصريحات الناطقين باسم السيستاني، وأعني بهما الكربلائي والصافي، اللذين ظلاّ على مدى شهرين يحرّضان بشدّة للدفاع عن بعض المطالب الشعبية مثل عدم استحداث المزيد من المناصب الحكومية لمنع ترهّل الدولة وأجهزتها ويتحدثان عن سوء الخدمات وتفاوت الرواتب واستشراء الفساد والبطالة وعدم التلاعب بمفردات البطاقة التموينية، وهو أمر إيجابي، تبنّاه أيضاً المجلس الاسلامي الاعلى وجماعة السيد مقتدى الصدر وقوى دينية أخرى، لكنه عاد عشية تظاهرة 25 شباط الى إصدار تحذير من الاندساس ووضع شروطاً تقترب من الامتناع عن المشاركة، وهو ما جاء متناغماً مع تصريحات رئيس الوزراء، وقبل ذلك دعا السيد مقتدى الصدر الى تأجيل الاحتجاجات لمدة 6 أشهر لإعطاء فرصة للحكومة.
وإذا كانت التظاهرات قد نجحت في لفت النظر على الرغم من العقبات التي وضعت في طريقها وإغلاق الطرق والجسور والاعتقالات، التي شملت بعض الصحافيين، وتوقيعهم على تعهدات تذكّر بتعهدات النظام السابق، وأكّدت استمرارها وتجددها، الأمر الذي اضطرّت معه المرجعية الى التأكيد على لسان من يمثلها أنها مع شرعية التظاهرات إذا ما حافظت على الإطار السلمي دون نسيان التعبير عن قلقها، وشكرت المتظاهرين كما شكرت الذين لم يتظاهروا، بمعنى من استجابوا اليها، ودعت حكومة المالكي الى تقديم الخدمات والاستماع الى المطالب، وقال من ينطق باسمها أن المرجعية طالما حذّرت الحكومة من خطورة هذا الاداء، ولقد صبر الناس طويلاً.
أستطيع أن أتفهم حراجة موقف المرجعية التي دفعتها الأحداث الى إبداء رأيها والنطق بعد اضطرار طويل الى الصمت في زمن النظام السابق، كما أقدّر حرصها على حماية الأرواح والممتلكات، فهو أمر مشروع ومفهوم، خصوصاً إزاء محاولات الاندساس والعبث، ولكن مثل هذا الأمر قد يحدث أيضاً خلال الزيارات للمراقد وفي المناسبات الدينية، لكنها لم تتخذ الموقف ذاته، علماً أن القضية لا تتعلق هذه المرة بطقوس أو شعائر أو روحانيات، بل إن المسألة تتعلق بصميم حياة الناس واحتياجاتهم الانسانية، لاسيما الضرورية والاساسية.
وسبق للكربلائي ممثل السيستاني أن أجاب على سؤال بخصوص تلك المناسبات التي تكرّس لها الدولة كل طاقاتها، وتتعطل الدراسة أحياناً، وأحياناً أخرى تتعطل دوائر الدولة ومؤسساتها ويُستنفر الجهاز الأمني بالكامل وغير ذلك، قال و" إذا تعطلت الدولة "، فالأمر يستحق ذلك، ولكن ألا تستحق الخدمات والفساد والبطالة تسخير كل شيء في الدولة من أجلها، والضغط على الحكومة لتحقيقها، خصوصاً بعد مرور 8 سنوات على الاحتلال؟ ثم ألا يستحق ذلك دفع الناس للتظاهر حتى تستجيب الحكومة لمطالبهم أو تتنحّى إنْ لم تكن قادرة؟.

الغضب العراقي ليس استثناءً كما أنه ليس استعصاءً، فقد شهد التاريخ العراقي احتجاجات كاسحة، ولم يصغ الشارع سوى لعقله وضميره ولحاجاته الانسانية والحياتية، فقد أطاحت الاحتجاجات معاهدة بورتسموث العام 1948 وأسقطت حكومات وقادت انتفاضات وثورات في العام 1952 و1956 و1958، وكادت انتفاضة العام 1991 تطيح النظام السابق لولا تعرّضها لمحاولات تحريف وتجويف ومساومة ومؤامرة ولم تكن للمرجعية حينها الدور الذي تلعبه اليوم، فعسى أن نقرأ التاريخ جيداً!
المثقفون والأنظمة
*على الرغم من التحفظ حول توقيت نشر وثائق ويكيليكس أو غيرها من الوثائق التي تظهر بعد سنوات من حصول أحداثها ووقائعها، ولكن ما يهمنا من هذه الوثائق هو تورط مثقفين ومفكرين وسياسيين يساريين وقوميين، وهم يستلمون الرشاوى المالية والهبات السخية من حكام فاسدين ومستبدين بما يخالف سيرتهم الكفاحية أو مبادئهم ومثلهم التي يبشرون وينحازون اليها، وهؤلاء الحكام أثبتت الوقائع مصادرتهم لحريات شعوبهم أين تضع هؤلاء وكيف تتعاطى مع هذه الظواهر؟
- لا أتفق معك بخصوص التحفظ في توقيت نشر وثائق ويكيليكس، وأعتقد أنها جاءت متأخرة كما أن نشرها أمرٌ مفيد جداً، وهي لم تُخترَع أو تُفبرَك الحقيقة، بقدر ما ساهمت في نشر ما يتوافر منها، وقد لا تكون كاملة كلية أو دقيقة بالكامل، لكنها بلا أدنى شك وقائع حصلت ووثائق ظهرت ومعلومات وتقارير، وكُتبت حسب ما كان يسعى اليها من قام بتدبيجها، وبالطبع لم يكن هو صاحبها، بقدر ما كان هو جامعها، من مصادر رسمية وشبه رسمية بعضها مصادر دبلوماسية وعسكرية وسياسية أو غير رسمية، وحيث تم تسريبها. وإذا كانت واشنطن قد احتجت على الوثائق وحاولت ملاحقة صاحبها جوليان أسانج فإن الأمر له علاقة بكشف بعض المستور لاسيما علاقاتها مع قوى وشخصيات وزعامات ودول، كانت تتم من تحت الطاولة.
ومؤخرا فقد أعربت السلطات الأمريكية عن استيائها فيما يتعلق بالمئات من التقارير والوثائق العسكرية والتي تتعلق بممارسات تعذيب ممنهج لما يزيد عن 700 معتقل في سجن غوانتانامو. وقال البيت الأبيض إن هذه الوثائق كانت بين مصادر للمعلومات استخدمها فريق عمل خاص شكّله الرئيس أوباما العام 2009. وقال غاري كارني المتحدث باسم البيت الأبيض أن من المؤسف أن المؤسسات الصحفية قد قررت نشر الوثائق التي تم الحصول عليها بصورة غير مشروعة. أي انه لم يشكك بالوثائق، بل شكك في هدف نشرها وأنه تم الحصول عليها بصورة غير مشروعة وقال أن هذه الوثائق لا تزال سرية.
قبل ذلك تم تسريب وثائق عن النفط مقابل الغذاء، ولم تكن هناك جهة واحدة معتمدة، لكن هذا الاسلوب أي شراء الأتباع والمؤيدين استخدمه صدام حسين لاستمالة بعض القوى السياسية وبعض الشخصيات المحسوبة عليه أو المتعاونة معه، للوقوف الى جانبه، وبعضهم لا يخفي ذلك، وبالطبع فإن معظمها ليست أسراراً، حتى وإن اختفى البعض وراء بعض الأقنعة، وأود أن أشير في هذا الصدد الى دور البترودولار في إفساد الحركات الوطنية العربية منذ السبعينيات، تحت باب بعضه " مشروع" وهو دعم حركات التحرر الوطني، لكن استخداماته، لاسيما من جانب بعض المسؤولين أثارت شكوكاً وإشكالات واسعة، ولو أعدت قراءة آرشيفات ووثائق الحركة الوطنية العربية وأحزابها وغيرها ستطلّع على الكثير من الوقائع في هذا الشأن، وخصوصاً مرحلة الثمانينيات وما بعدها، وذلك قبل دخول العامل الدولي الذي أغرق بعض الحركات بالمال السياسي. وتستطيع أن تستعرض الكثير من الأسماء، خصوصاً وأن غالبية السياسيين المحترفين لم يمارسوا عملاً في يوم ما أو انقطعوا عنه بحجة الواجبات النضالية، وعاشوا حياة كسولة تشجع على الفساد والافساد، لاسيما إذا كان ما يصلها من المال وفيراً أو كافياً لاستخداماته بما يعزز سلطاتهم.
في السابق كانت العلاقات الأساسية والمساعدات المالية تقدّم في إطار آيديولوجي، فالشيوعيون يحصلون على دعم معنوي وثقافي واجتماعي من الدول الاشتراكية، حيث الزمالات الدراسية والإقامات الطويلة الأمد والاستشفاء وقضاء أوقات طويلة والراحة والتدريب والتأهيل والدراسة الحزبية وغيرها، وبعض هذه الامتيازات محصورة بالقيادات وعوائلها التي يصبح همّ الكثير منها هو كيفية كسب الطرف الآخر لاعتقاده بأن ذلك يعزز من دوره الداخلي، لاسيما في إطار الحزب وقد واجهت الصراع الحزبي الداخلي في الستينيات ولاسيما إبان انقسام الحزب بين القيادة المركزية واللجنة المركزية مواقف بعض الكوادر المتقدمة والوسطية، الذين سمّيوا " أصحاب المعاشات"، أي بعض المحترفين الحزبيين، حيث كانت مواقف البعض منهم مثيرة للشفقة فقد كان قسماً منهم يؤيد القيادة المركزية لكن معيشتهم كانت على اللجنة المركزية، وهكذا انحاز بعضهم الى صفها ليس عن قناعة أحياناً. وكان هناك من يتندّر على بعض المواقف فيقول: إن فلاناً في الليل مع القيادة وفي النهار مع اللجنة، وذلك دليل على القلق والتردد. وانعكس الأمر على صعيد طلبة الزمالات في الدول الاشتراكية، حيث تم تهديد البعض منهم، بل اتخذت إجراءات بحق إقامات البعض، وهو الأمر الذي كان صارخاً في الثمانينيات خلال الصراع داخل الحزب الشيوعي، واحتفظ بعشرات الوثائق والرسائل والأدبيات بهذا الخصوص.
والأمر ذاته تقريباً ينطبق على البعثيين، لاسيما المجموعة السورية والقوميين الناصريين أيام عبد الناصر الذين كانوا يحصلون على دعم من القاهرة، أما الاسلاميين فقد كانت فرصتهم بعد الثورة الإيرانية التي دعمت توجهاتهم مادياً ومعنوياً وقصص الاسلاميين كثيرة في طهران. وكانت ولاءات غالبية القوى في الأغلب الأعم لهذه البلدان تحت مبررات: الأخ الأكبر والأشقاء ومصلحة الاشتراكية أو العروبة أو الاسلام أو المذهب أو غير ذلك.
ومنذ أواخر السبعينيات دخلت بعض دول الخليج، لاسيما المملكة العربية السعودية في استقطاب الاعلام العربي وأقلام كثيرة، وقامت مؤسسات اعلامية كبرى وذلك قبل الفضائيات في تأمين جانب بعض الدول وأصبح الاعلام الأساسي، أمّا بيد أمراء الخليج أو بيد صدام حسين، الذي انحسر دوره في الثمانينيات وانقلب الى الضد منه في التسعينيات، وغيّر الكثير ممن كانوا يروجون له وجهتهم الى الطرف الآخر، بل دبّج بعضهم المقالات والكتابات ضده، خصوصاً بعد فترة الحصار الدولي، مع بقاء عدد لا يستهان به معه.
وخلال أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات كان للجماهيرية الليبية دوراً كبيراً في استقطاب معظم قيادات الحركة الوطنية العربية، لاسيما من الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين وبعض المصريين واليمنيين والصحراويين والموريتانيين وغيرهم، وحصل هؤلاء على دعم كبير، واستمرت ليبيا في ذلك بين مدٍ وجزر. وكانت سوريا على ضعف امكاناتها المادية تقدّم للأحزاب المقيمة لديها والمسمّاة حركات التحرر الوطني دعماً مادياً يحصل عليه الغالبية الساحقة من القوى السياسية، كما كانت اليمن الجنوبية تقدّم مساعدات للأحزاب اليسارية ولبعض الشخصيات السياسية أيضاً، مثلما تقدّم مساعدات لمثقفين أيضاً. وقد كانت منظمة التحرير الفلسطينية (م. ت.ف) سخيّة في هذا الجانب واحتضنت الكثير من المثقفين والمعارضين السياسيين، وكذلك المنظمات الفلسطينية التي فتحت ذراعيها للشيوعيين العراقيين في أواخر السبعينيات والثمانينيات ومنحتهم فرص عمل وعلاج ومخصصات، وقد ذكر أحد القياديين الشيوعيين في مذكراته أن منظمة أبو نضال (المجلس الثوري) كانت قد قدمت مساعدات مالية لهم.
ولعل بعض السياسيين وخصوصاً إعلاميين ومثقفين حصلوا على الكثير من الدعم، ولكنه ليس دون مقابل. وهنا يختلط المشهد ، خصوصاً إذا كان الثمن يتعلق بمجانبة الحقيقة أو للترويج أو للدعاية والتسويق، وقد عمل البعض أشبه بمقاولين لبعض الأنظمة. أتذكر ما كان يروى عن أحد الاعلاميين اللبنانيين الكبار، الذي غالباً ما يشاهد وهو يحمل أوراقه وأقلامه متجهاً الى المقهى وهي طريقة لبنانية في الكتابة لاسيما للصحافة، وإذا ما سأله أحدهم ماذا تحمل؟ كان يجيبه بكل أريحية: إنها عدّة النصب! .

وحسب الصحافي المذكور فإن: البعض يمدح ليقبض والبعض يذّم ليقبض بعد السكوت، ليتحوّل من الذم الى المديح والبعض يسكت ليقبض وفي كل الأحوال يرتضي بالخنوع حين يسخر قلمه بالضد من ضميره. وإذا كانت الصورة التي كنّا نسمعها كاركاتورية، فإنها في واقع الحال وفي مرحلة البترودولار كانت تشكل جزءًا من المشهد السياسي العربي للأسف الشديد، ولكن هذه المرّة كان حظ السياسيين وافراً، خصوصاً في المنافي.
لعلها مسألة لا أخلاقية ولا إنسانية، بل تشكل ثلماً كبيراً في الشرف المهني والحقوقي بل والوطني، حين يتم شراء ثمن سكوت أو كتابة مثقف أو كاتب أو صحافي عن جرائم ترتكب من جانب حكام دكتاتوريين، وهم يحاولون تلميع صورهم، وأعتقد أن مسائل من هذا القبيل تستحق الملاحقة وينبغي أن تُعرض على القضاء ولجان الشفافية والمساءلة، والأمر له علاقة بشرف الكلمة ووظيفة المثقف، ناهيكم عن رشاوى مدفوعة وأموال مهدورة، حصل البعض عليها من دون وجه حق.
وقد لاحظنا خلال السنوات المنصرمة لجوء معارضات الى جهات خارجية للحصول على التمويل، ونشر تلك الجهات معلومات عنها بما فيها من فساد مالي وإداري وإصدارها صحف ومطبوعات، كما أقيمت مراكز أبحاث ودراسات لخدمة الغرض نفسه حيث تم تمويل مثقفين للغرض ذاته، كل همّهم جمع معلومات وتقارير عن بلدانهم للاستفادة منها من خصومهم وأعداء بلدانهم، والاّ كيف يستطيع مثقف أن يجزم أن العراق وفي ظروف الحصار البالغة القسوة أن بإمكانه تدمير العالم خلال 45 دقيقة بواسطة مادة الانتراكس، كما كيف يمكن لمثقف آخر أن يجزم أيضاً ان إيران هي من استعمل السلاح الكيماوي في حلبجة، لتبرئة صدام حسين وهكذا تم تسخير بعض الاقلام بهذا الاتجاه أو ذاك لا عبر قناعات حتى وإن كانت خاطئة بل طبقاً لمصالح وحسابات وأجندات خاصة.
حرية التعبير وحرية التشهير
وحسبما نشرت الصحافة مؤخراً، وينبغي هنا التوثق دائماً، فحرية التعبير غير حرية التشهير فقد كان نحو 80 صحافياً مصرياً موظفاً لدى دوائر الأمن المصرية، وهو ما تم اكتشافه بعد نجاح الانتفاضة. وكنت قد إطلعت على معلومات مماثلة بعد سقوط النظام الدكتاتوري السابق، وجاء من يعرض عليّ معلومات عن أشخاص أو جهات عسى أن يشتريها خصومهم، وبعدها انتشرت الكثير من الوثائق الصحيحة والمزوّرة وضاع الكثير من المعلومات المهمة وحرص البعض على اللعب بها وسميت لاحقاً بوثائق " سوق مريدي " وهو سوق معروف في مدينة الثورة (الصدر) وفيه تزوير لكل شيء، وللأسف فقد كان هناك فرصة نادرة لتوثيق الكثير من الاختراقات وأعمال الاندساس والعبث بمصائر الناس، لاسيما الشخصيات المعارضة والوطنية، وحبذا لو تمكن العراق من استعادة أرشيفه الذي نقل الى واشنطن بعد حرب الخليج، وفي كل الأحوال فإن هذا التاريخ وهذه الوثائق تمثل قيمة علمية وسياسية مهمة، لاسيما لحقبة تاريخية ظلّت غامضة أو مبهمة على الرغم من كل ما نشر عنها بسبب السرّية الصارمة والتعتيم على المعلومات حيث كان كل شيء يعتبر مساساً بالأمن الوطني.
وقد نشر مؤخراً جميل مطر وهو كاتب مصري مرموق مقالاً بعنوان:" ما شعورك وأنت تقرأ ملفك في أمن الدولة؟" حيث يلفت النظر فيه الى العديد من أبناء الشعب كانوا أمام أمن الدولة يبحثون عن ملفات تحمل اسماءهم وتحكي عنهم حكايات صاغها آخرون. وروى كيف احترقت ملفات وفُرمت أخرى لإخفاء معلومات وارتكابات واندساسات، كما استذكر قصة المؤرخ تيموثي جارتون آش الذي زار ألمانيا بعد سقوط جدار برلين بحثاً عن ملفه الشخصي في أرشيف جهاز الأمن الألماني الخطير شتازي (جهاز الأمن السياسي) الذي تلقى الكثير من الجلادين العرب دروسهم فيه ومنه تعلموا الكثير، ودخلوا دورات للتدريب والتأهيل بما فيه على وسائل التعذيب التي كانت تستورد من ألمانيا الديمقراطية. وكانت حكومة بون قبل انتقالها الى برلين قد فاجأت العالم بالاعراب عن نيتها فتح أرشيف جهاز شتازي لكل من يريد الاطلاع على الملف الخاص به.
وبالمناسبة فقد نشرت العديد من الجهات أسماء المتعاونين مع جهاز شتازي وكذلك مع جهاز الـ KGB والمخابرات التشيكية والرومانية والهنغارية والبولونية والبلغارية وغيرها، وبين هؤلاء عرب وعراقيون أيضاً، وإذا كان البعض يبرر تعاونه لاعتبارات آيديولوجية أو حزبية، فإن البعض الآخر لم يكن تلقيه الأموال، سوى رشوة حيث وافق أن يبيع نفسه وقلمه أو فنّه، مهما كانت المبررات، ولا فرق كبير بين من يبيع نفسه لجهاز مخابرات داخلية أو لجهاز مخابرات أجنبية، وفي كلا الحالين فالأمر سيّان ولا فرق بين خائن وآخر، الاّ في الدرجة. وللأسف فإن مثل هذه النماذج لا تزال موجودة مع تبدّل الأوضاع، فقد سعت جهات دولية للطلب من بعض المؤسسات التعاون معها والكتابة اليها مقابل المال، وقامت هذه المؤسسات للتعاقد مع مثقفين وإعلاميين للكتابة، كما أن بعض المثقفين وتحت حجج مختلفة، حصلوا على بعض الامتيازات، ومثلما كان يفعل النظام السابق في توزيع بعض الأموال سواءً المكرمات أو أنواط أصدقاء الرئيس أو كوبونات النفط، حيث كانت بعض الأسماء معروفة، لاسيما من الشخصيات العربية، ولم يتوان هؤلاء من تسويق الحكم ورئيسه صدام حسين في المجالات المختلفة. وعلى الرغم من تبدّل الأوضاع، فإن الأمر لا يخلو من استمرار هذه الظاهرة ولذات الأهداف، وإنْ إختلفت التبريرات.
وإذا كان من مزايا ينبغي على المثقفين أن يحصلوا عليها ويكرمون وتراعى حساسياتهم فلا بدّ من أن يكون الأمر علناً وليس سرًّا وعبر جهات معترف بها ونظامية وليس جهات خاصة وغير مخوّلة أحياناً وبإمكانها توظيف ذلك، لحسابات خاصة وحتى دون رقابة من الجهات المانحة، وهو أمر خطير، ولعل حاجة بعض المثقفين الى ذلك تضطرهم أحياناً الى المداهنة أو السكوت، لاسيما وأن المثقف وأي كان من يستغلّه فإن ذلك يؤثر على إبداعه، وهو عمل بكل المعايير لا أخلاقي ويستحق الادانة والملاحقة القضائية، له وللجهات التي تحاول ترويضه أو تطويعه أو رشوته!.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواطنة -إسرائيل-
- عن ثقافة التغيير
- رسالة الى الحزب الشيوعي السوداني
- نعمة النفط أو نقمته في الميزان الراهن
- السياسة والطائفة
- حقوق الإنسان والمواقف السياسية
- الأحزاب العراقية بلا قانون
- 3 تريليونات دولار خسرتها أمريكا في العراق
- لا تقديم للنظرية على حساب الوقائع الموضوعية
- الشيوعيون والوحدة العربية
- الحرب العراقية – الإيرانية عبثية ، خدمت القوى الإمبريالية وا ...
- الميثاق الاجتماعي العربي: تنازع شرعيتين
- الحزب الشيوعي وتشكيل الجبهة
- معارضة الحصار
- في بشتاشان
- كلمة تحية بمناسبة تكريم الدكتور سليم الحص
- كلمة الدكتور شعبان في تكريم الاستاذ عزالدين الأصبحي
- الأكراد في النجف
- الحركة الطلابية
- من هو العراقي؟


المزيد.....




- قدمت نصائح وإرشادات للمسافرين.. -فلاي دبي-: إلغاء وتأخير بعض ...
- -شرطة الموضة-.. من يضع القواعد بشأن ما يُسمح بإرتدائه على مت ...
- رئيسي لبوتين: إيران لا تسعى للتصعيد في الشرق الأوسط
- إسرائيل.. إصابات جراء سقوط مسيّرتين أطلقتا من لبنان (فيديو + ...
- إسرائيل تغلق الطريق رقم 10 على الحدود المصرية
- 4 أسباب تستدعي تحذير الرجال من تناول الفياغرا دون الحاجة إلي ...
- لواء روسي: الحرب الإلكترونية الروسية تعتمد الذكاء الاصطناعي ...
- -سنتكوم-: تفجير مطار كابل عام 2021 استحال تفاديه
- الأمن الروسي يعتقل مشبوها خطط بتوجيه من كييف لأعمال تخريبية ...
- أوكرانيا تتسبب بنقص أنظمة الدفاع الجوي في الغرب


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - 50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني