أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - في بشتاشان















المزيد.....


في بشتاشان


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3694 - 2012 / 4 / 10 - 16:14
المحور: مقابلات و حوارات
    



حوار مع الأكاديمي والمفكر الدكتور عبد الحسين شعبان - 9
أجراه: توفيق التميمي




(القسم التاسع)

في بشتاشان
كان مسؤول لجنة العمل الآيديولوجي الرفيق كريم أحمد، وقد سعينا أبو كسرى- أبو العباس (مهدي عبد الكريم وأنا) إلى إعادة طبع كرّاس "رد على أفكار تصفوية" الذي صدر العام 1957 (باقتراح من سلام عادل ومساهمة من عامر عبدالله وجمال الحيدري) بسبب صعود نزعات لضيق الأفق القومي، وكان لثقافة الجبل، وما يستتبعه من استخدامات القوة والسلاح دور في انحسار الثقافة المدنية، بل استصغارها والنظر اليها بمنزلة أدنى.
في البداية عشت لبضعة أشهر في منطقة نوكان أو ناوزنك قرب قرية قاسم رش وهي بالقرب من مقرّات جلال الطالباني والاتحاد الوطني الكردستاني، ولكننا اضطررنا إلى مغادرة المكان وترك ما نملك، لاسيما من أفرشة ومعدات بسبب تقدّم إيراني عسكري باتجاه منطقتنا، وواصلنا السير لأربعة أيام حتى وصلنا إلى بشتاشان (بعضهم وصل بخمس عشرة ساعة وبعضهم وصل بيومين) أما مهدي عبد الكريم وأنا وبعض الرفاق فقد وصلنا بأربعة أيام، وكانت المنطقة التي نحن فيها قد تم تخصيصها للاعلام بعد أن كانت مدرسة حزبية أدارها د. كاظم حبيب. وتقع بشتاشان بالقرب قرية أشقولكا وهي تابعة للحزب الاشتراكي الكردستاني (رسول مامند وعبد الخالق زنكنة في حينها) وذلك بعد خروج د. محمود عثمان وعادل مراد وعدنان المفتي، وبالقرب منّا كان لنا بعض المواقع في بولي وزلي وغيرها، ولأنني لست ماهراً في التنقّل سيراً على الأقدام بسبب بعض المتاعب، فلم أكن كثير الزيارات للمناطق القريبة الاّ اضطراراً، فمرّة ذهبنا عبد الرزاق الصافي وأنا إلى أشقولكا (تبعد حوالي ساعة ونصف مشياً وفي أوقات هطول الثلج أو تجمّعه يصبح الوقت ساعتين أو يزيد عليه) للاتفاق على التنسيق بين إعلام الحزب وإعلام الحزب الاشتراكي الكردستاني، وأخرى حيث ألقيت محاضرة عن الصراع الآيديولوجي في العلاقات الدولية في أشقولكا. أما المكتب العسكري فقد كان لا يبعد عنّا سوى عشر دقائق، وكذلك قرية كاسكان التي تبعد حوالي ثلث ساعة.
كان لدينا في الاعلام المركزي برنامج ثقافي أسبوعي وفعاليات متنوّعة وعروض مسرحية خاصة، وقد قدّمنا برنامجاً اسبوعياً مثيراً بعنوان "البانوراما السياسية"، وأشرفنا على رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين التي جرت محاولات لتأسيسها قبل ذلك.
وفي بشتاشان بدأنا بالبناء وجمع الحطب قبل أن يحلّ الشتاء وخزن بعض المؤن، مثلما بدأنا بالعمل، وبعد بضعة شهور حصلت احتكاكات مع الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة مام جلال الطالباني وشنّوا هجوماً على مقرّات الحزب الشيوعي، وقُتل في بشتاشان الاولى والثانية نحو 60 شيوعياً، كما قتل بعض أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني وأنصار الحزب الاشتراكي، ولعل بعض الذين قتلوا ليسوا في المعارك بل عند أسرهم، لاسيما من الشيوعيين وخصوصاً العرب، الأمر الذي خلق حساسيات شديدة وجروحاً عميقة، بعضها لم يندمل حتى الآن، وهناك مطالبات سياسية لتحريك دعاوى قانونية ضد "أوك" ومسؤوليه.
وعلى الرغم من أنني أميل إلى الحلول السياسية وأشجّع عليها في مثل هذه القضايا، خصوصاً وأن المرحلة قد أسدل الستار عليها، لكن ذلك لا يسقط حق الضحايا أو ذويهم من اللجوء إلى الوسائل القانونية إن ارتأوا ذلك، وهو حق لهم لا يستطيع أن يلغيه أحد. أما الحلول السياسية فهي تصلح لمعالجة الأمر في إطار تسويات سياسية، وهو ما تم بعد سنوات، خصوصاً وأن خارطة بعض السياسيين قد تغيّرت، بل إن بعض المتشددين من هذا الفريق أو ذاك انتقلوا من موقع الخصم إلى موقع الحليف، واشتبكت العلاقة بين موقع الرئيس والمرؤوس أحياناً، خصوصاً بتبدّل الأوضاع. ولعلّي وعدت بعض الأصدقاء بكتابة شهادة مستقلة حول أحداث بشتاشان وذلك بعد مطالبات عديدة منهم، وقد تكون تلك الشهادة جزءا من تدوين مرحلة تاريخية شخصية وعامة، في إطار قراءة انتقادية.
لقد بدأ هجوم الاتحاد الوطني ضد مقرّات الحزب الشيوعي 1 أيار(مايو) 1983 وكنت حينها مريضاً في المستشفى (وهي عبارة عن غرفتين من الطين قمنا ببنائها) ويسهر على معالجة المرضى أطباء من الأنصار بينهم الدكتور أبو ظفر(محمد بشيشو) الذي استشهد لاحقاً، ووقتها جاءني مهدي عبد الكريم ليخبرني بأن المكتب السياسي قرر رحيلنا ومعنا باقر ابراهيم وعبد الوهاب طاهر وأنور طه النجار (أبو عادل) وعبد الرزاق الصافي وآخرين، لكنني لم أتمكّن من الذهاب بسبب وضعي الصحي وافترضت أن الأمور قد تتحسن وأن الهجوم سوف لا يكون شاملاً، بل على أحد المواقع، كما أنني لم أرغب في ترك المنظمة بلا مسؤول، ولكن في اليوم الثاني بدأ الهجوم أشد كثافة وقتل ثلاثة رفاق أحدهم اسمه شهيد وهو سينمائي، وفي ذلك اليوم بعد الظهر جاءتني إحدى الرفيقات (رفاه) تبلغني أن كاسكان تم احتلالها، وهي لا تبعد سوى ربع ساعة أو عشرين دقيقة مشياً على الأقدام بطريقة البيشمركة.
عبور جبل قنديل
وكان بعض المقاتلين قد تصدّوا للمهاجمين، وأستطيع أن أذكر بعض الأبطال منهم صارم (أحميّد) وعزيز (أبو سهيل) وكاظم الموسوي وصباح المندلاوي وصفاء العتّابي (أبو الصوف) والمهندس أبو دجلة والفنان مكي حسين والفنانة أنوار البياتي وأبو جواد البصراوي وزوجته منى (نضال عبد الكريم) وأراس وعباس والمهندس عمار الذي استشهد في كردستان وآخرين، وكان مفيد الجزائري قد التحق بفصيل الإعلام قبل إسبوع تقريباً من هجوم أوك وكان يتهيأ للعمل في إذاعة صوت الشعب العراقي وأبلغناه بالانضمام إلى أحد الهيئات الحزبية، واضطرّ إلى الانسحاب معنا، وكذلك يسار خليل شوقي. ومثلما كان هناك شجعان وبواسل، كان هناك متخاذلون ودعاة استسلام، وهؤلاء دمغوا بالجبن بالاجماع لاحقاً، وبقدر صمت الشجعان، كان لسان بعض المتخاذلين طويلاً، خصوصاً وأن بعضهم حظي بدعم المؤسسة الرسمية والمتنفذين في القيادة.
انتقلنا من الاعلام المركزي إلى المستشفى بهدف التجمع لاتخاذ قرار وهناك التقينا بيوسف اسطفان بوكه وهو حقوقي وكان عسكرياً ومسؤولاً عن الخط العسكري وعضو في المكتب السياسي يومذاك، وبعد نقاش مع الحاضرين أبلغنا بالانسحاب، وللأمانة فالرجل كان يعزّ عليه النطق بها، ولم يكن أمامنا سوى عبور جبل قنديل الذي يبلغ ارتفاعه 7800 (سبعة آلاف وثمانمئة قدم) وهو مكسو بالثلج طوال السنة تقريباً، وعندما بدأنا بالعبور ضربت عاصفة ثلجية المنطقة، واستمرّت طوال الليل، حيث كانت مسيرتنا مأسوية، ومات بعض الرفاق في الثلج دون أن نتمكن من إنقاذهم، وكنت قد كتبت قبل ثلاثة أشهر من الحادثة رسالة إلى عامر عبدالله في دمشق، قلت له من باب الممازحة: تصوّر أن خط انسحابنا هو جبل قنديل، ولم أكن أتصوّر في يوم من الأيام أنني سأضطر لتسلّق هذا الجبل العنيد، وبقوى خائرة، لكن إرادة الانسان تنتصر أحياناً على كل العقبات. هكذا شعرت إننا نسير مدفوعين بقوة خفية تحركها الارادة الغامضة لمواجهة التحدي، وحصل هذا مع أبو انجيلا (الناصرية) الذي كاد أن يموت في الطريق عدّة مرّات، بسبب الربو وعدم قدرته على التحمّل.
واستمرت رحلتنا نحو 30 ساعة مشياً على الأقدام إلى أن وصلنا إلى منطقة بالقرب من قضاء خانة، واكتشفنا أننا في الأراضي الإيرانية ضيوفاً لدى الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكان المسؤول هناك عن أمورنا الملازم علي (الفريق علي حالياً) الذي قدّم لنا مساعدات لا تُنسى. كان في المجموعة عدد غير قليل من غير المسلّحين مثلي، وهم من المرضى وبعض العوائل، كانت أوضاعنا مزرية. في اليوم الثاني استمعنا من إذاعة أوك، عن اعتقال كريم أحمد وأحمد باني خيلاني (من قبل مجموعة الاتحاد الوطني الكردستاني). وقد اتفقا على إصدار بيان لإنهاء القتال، وهو أمر أثار الكثير من الالتباسات والتقوّلات في صفوفنا.
وقد بقيت في قرية بالقرب من خانة اسبوعين تقريباً، ثم ذهبت إلى رضائية (أرومية) لمراجعة المستشفى، ولكن يبدو أن هناك من تعرّف عليّ، على الرغم من ارتدائي الفيلد العسكري وإطلاق ذقني، حتى كنت أبدو مثل بعض أفراد الحرس الثوري وذلك للتمويه، الأمر الذي تقرر إرسالي إلى طهران بمساعدة من "خالو حاجي" أحد قادة الحزب الاشتراكي وكانت علاقتي قد تحوّلت مع ثابت حبيب العاني ثم إلى عبد الوهاب طاهر، الذي كتب لي رسالة إلى طهران ودمشق، كما أرسل لي بعض النقود في حالة احتياجي.
وكان حاجي على علاقة جيّدة بالإيرانيين. وفي طهران إلتقيت بجاسم الحلوائي (مسؤول التنظيم) ومساعده كامل كرم، ووفّرا لي مكاناً في أحد البيوت في منطقة شعبية (التوبخونة)، ولكنني شعرت أن المكان غير آمن، وإتصلت ببعض معارفي وكان الغالبية منهم يتخوّف من اللقاء أو حتى معرفة أنني موجود في طهران، لكن عائلة طيبة كانت قد استضافتني وجاء ولدهم إلى ساحة التوبخونة لاصطحابي بتاكسي إلى بيتهم، وأبلغتهم كي لا يخافوا وكي لا يسألوا حتى من باب الفضول: بأن وجودي شرعي، وأن لدّي بعض الأشغال سأقضيها وأسافر إلى دمشق، وبالفعل فقد تم كبس المكان الذي كان من المفترض أن أقضي فيه بضعة أيام. وقد ألحّت عليّ العائلة الكريمة بالبقاء لديها، ولم توافق قطعاً على ترك منزلها ووفرت لي كل ما أحتاجه وكأنني أنا ربّ المنزل وهم الضيوف.
ولعل قصة هذه العائلة سريالية حدّ الخرافة، ففي بغداد حين تمت مداهمة مكان العمل والمنزل واقتيد ربّ الأسرة وأحد أبنائه إلى أحد المعتقلات، احتجز بقية أفراد الأسرة لتسفيرهم بحجة التبعية الإيرانية وخلال عملية ختم المنزل بالشمع الأحمر، نسوا طفلاً عمره لا يتجاوز 3 سنوات كان يلعب لدى الجيران، خصوصاً وأن عددهم كبيراً وفي أجواء من الرعب، تم ترحيلهم إلى الحدود وفي الطريق اكتشفوا مع آخرين نسيانهم الطفل " عباس" الذي يبلغ اليوم عمره نحو 35 عاماً، ورفض الحرس المكلّف باصطحابهم، إعادتهم إلى منزلهم لجلب الصبي الذي نسوه معهم، وأرسل الجيران الطفل إلى بيت عمه القريب من منزلهم، وبعد بضعة أشهر تم "تهريبه" إلى سوريا، ومنها إلى إيران بعد أن سفّرت عائلته، ويوم إلتقيته في طهران كان عمره نحو ست سنوات وكنت أمازحه كثيراً.
وبما أنني كنت أحمل جواز سفر سوريا باسم سيد هاشم مالك علي، فقد كان هذا أحد الضمانات الأولية، لكنه ليس مضمونا بالكامل في وضع أمني مريب، وكانت الحملة في تلك الفترة ضد حزب توده الايراني (الحزب الشيوعي) في أوجها، وكان قد مضى على انتهاء الفيزا أكثر من سنة، ولهذا كان عليّ مراجعة الجهات الأمنية لتأمين موافقة بالخروج، وتحقّق الأمر بواسطة من جانب أحد رفاق المنظمة ودفعنا مبلغاً من المال، وتم إحالتي إلى محكمة وقررت المحكمة إلزامي بدفع غرامة، ثم أُعطيت مهلة أسبوع لمغادرة طهران، وغادرت طهران مع حقيبة أخذت فيها البريد الحزبي، حيث تم حفرها ووضع البريد في داخلها، ثم إعادة خياطتها بطريقة فنية، وعندما وصلت إلى دمشق سلمتها إلى د. نزيهة الدليمي وأبلغتها كيفية فتح الحقيبة لكي لا تتلف بعض الأوراق، وكان عادل حبه معها.

وكنت قد ناقشت موضوع الاذاعة والتوجّه مع كريم أحمد، حيث أبلغني بضرورة نسف الاذاعة فيما إذا اضطررنا للانسحاب لكي لا تقع بيد قوات الاتحاد الوطني، لكنني لم أوافقه وقال لي أرجو اقناع الرفاق بذلك، وعندما اجتمعت مع الرفاق المسؤولين عن الجوانب الفنية، وخصوصاً صارم المسؤول العسكري أبدوا تحفظّهم بل واعتراضهم، وقالوا يمكننا أن نخفي الاذاعة في أحد الكهوف (شكوفته) ونعود اليها حين نريد، وقلت لهم رأيي من رأيكم، وحاولت الاتصال باللاسلكي مع كريم أحمد، وقد أبلغني أن المكتب السياسي قرر ذلك وعليكم تنفيذ القرار.
وبكى الرفاق عند تنفيذهم القرار الذي لم يكن حكيماً، مثلما كان قرارنا لخوض المعركة، ليس له مبرر، لكن اندفاعات البعض وانجرارهم لاستفزازات الاتحاد الوطني الكردستاني، في ظل الثقافة السائدة والاحتكام إلى السلاح لحل الخلافات، فالبيئة عشائرية ومتخلّفة وهناك حساسيات وعداوات، وكان ينبغي أن نلعب دور حمامة السلام، لا أن نكون مع طرف ضد طرف، حتى وإن كان هذا الطرف على صواب، وذاك على خطأ، وهذه فرضية لا تصحّ في ظروف الجبل ومحاولة الحصول على مواقع وكسب مناطق نفوذ وغير ذلك من عقد تاريخية وصراع زعامات، واتضح أن الأمر ليس بعيداً عن اتفاقات مع الحكومة العراقية التي استقبلت وفداً من أعلى المستويات من الاتحاد الوطني الكردستاني، بعد أحداث بشتاشان وأصبح صدام حسين حسب بعض التصريحات " حكماً " وليس خصماً، وهكذا فإن ظروف الصراع السياسي، لاسيما غير العقلاني، وخصوصاً تناحر القوى الكردية كانت تقود إلى مثل هذه النتائج.
وربطتني بكردستان علاقة حميمة في التسعينيات أيضاً وخلال فترة ما بعد العام 1991 قمت بزيارات عديدة لإلقاء محاضرات والمشاركة في ندوات وحضور مؤتمرات، (علماً بأنني كنت درّست في جامعة صلاح الدين – كلية القانون والسياسة على فترتين) خصوصاً وقد انعقد في تلك الفترة أكثر من لقاء للمعارضة في حينها، وقد كنت مشاركاً فيها، وكتبت التقارير الأساسية لها وكذلك بياناتها الختامية، وقد حمّلني البعض مسؤولية إدراج مبدأ حق تقرير المصير في مؤتمر فيينا والاجتماع التمهيدي لمؤتمر صلاح الدين (ايلول /سبتمبر) 1992 ومؤتمر صلاح الدين (تشرين الثاني/نوفمبر 1992). ولذلك وبعد رجوعنا، وكنّا قد ذهبنا إلى صلاح الدين عن طريق إيران، وعدنا عبرها أيضاً، عاقبني الإيرانيون بحجزنا حيث نمنا في العراء، وبدرجة 5 تحت الصفر في منطقة باختران إلى الصباح، وجرت محاولات لتوقيفنا وتلك قصة أخرى، وكان في المجموعة ذاتها السيدة فريال العطية والسيدة عايدة عسيران وحسين الشعلان والشيخ محمد محمد علي (أبو حيدر) وأحد العسكريين السابقين لا أتذكر اسمه.
وقد عرفت بالخطة المدبّرة في وقت لاحق، علماً بأنني كنت أفضّل الذهاب إلى كردستان عبر تركيا أو سوريا، كما ذهبت أكثر من مرّة. وقد طالت المفاوضات مع الإيرانيين لبضع ساعات، حتى سمحوا لنا بالنوم داخل السيارات وليس في التوقيف بعد أن كانوا قد جلبوا سيارة سجن وأُركبَ بعضهم فيها، لكنني رفضت الركوب فأعادوهم بعد ساعتين.
ولكنني ذهبت بعد ذلك بأكثر من زيارة إلى طهران سواءً إلى كردستان أو بدعوة من حكومتها رئيساً للوفد العربي وتحضيراً لمؤتمر ديربن العام 2001، وكذلك بدعوة من وزارة الخارجية لحضور مؤتمر لدعم الانتفاضة الفلسطينية.
أعتقد أن ذلك كان بمثابة " إنذار" وربما حصل بتواطؤ بعض الذين حضروا المؤتمر المذكور. ولهذا التصرف أسباب أخرى، فعلى الرغم من أن موقفي كان إدانة نظام صدام حسين في حربه العدوانية وغير المشروعة على إيران، وكنت قد أصدرت كتاباً بهذا الخصوص بعنوان "النزاع العراقي – الايراني" ودعوت فيه لتجريمه بسبب شنّ الحرب، لكنني استعرضت صراحة الأطماع الإيرانية التاريخية، وشددت على حقوق العراق، وكان هذا الكراس الذي صدر في أوائل العام 1981 وقدّم له الرفيق باقر ابراهيم ردّاً متوازناً على الفريق العراقي الرسمي، وفي الوقت نفسه على الفريق الإيراني.
وبسببه اعتقلت عائلتي بكاملها بما فيها والدي المريض آنذاك ووالدتي وعمتي وأختي وزوجها وأطفالهما وكذلك زوجة أخي وإبنتها، وعاشت العائلة حالة من الرعب زادت على عشرين عاماً، وتضرّر بسببي بعض الأقارب من البعيدين أيضاً، لكنني لم أكن أرتضي احتلال بلدي، ولهذا وبعد إنسحاب الجيش العراقي من إيران، بلورت موقفاً يدعو إلى اعتبار أن الحرب لم تعد عدوانية وغير مشروعة من طرف ودفاعية وطنية من الطرف الثاني، بل إن الاستمرار فيها يصبح عدوانياً من الطرفين، إنْ لم يستجيبا للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
موقف جديد
وعندما انتقلت الحرب إلى الاراضي العراقية ولوّحت إيران بمشروعها الحربي والسياسي العام 1983، كتبت ونشطت في الدعوة إلى إن الحرب أصبحت عدوانية غير مشروعة وغير عادلة من جانب إيران، الأمر الذي يتطلب بذل كل الجهود لإحباط المخطط الإيراني بشأن غزو العراق وفرض نظام حكم عليه من لون معين، وعلى الرغم من دكتاتورية النظام العراقي السابق، فإنه من غير المشروع لإيران أو لغيرها، التصرّف بطريقة تصدير الثورة تحت أي حجة أو ذريعة، معتبراً أن الإطاحة بالدكتاتورية هي حق للشعب العراقي وقواه الوطنية.
ولذلك كان من دواعي الشعور بالمسؤولية هو دعوة الطرفين إلى الانسحاب إلى الحدود الدولية قبل 22 أيلول (سبتمبر) العام 1980 والجلوس إلى طاولة المفاوضات وحل الخلافات طبقاً للقانون الدولي، علماً بأنني سبق وأن نشرت عدداً من الأبحاث والدراسات والمقالات بخصوص اتفاقية 6 آذار (مارس) العام 1975 المجحفة وتعارضها مع القانون الدولي وما يسمى بخط الثالويك، وهو أعمق نقطة في وسط مجرى النهر عند انخفاض منسوب المياه وحتى البحر، وأن للعراق حقوقاً تتعلق بشط العرب وبمناطق في شمال العراق (كردستان)، إضافة زين القوس وسيف سعد، لكن حل هذه المشاكل واستحصال هذه الحقوق يتم بالتفاوض والحوار والوساطات وحسب القانون الدولي، وليس عبر الحرب التي لا معنى لها والتي التجأ اليها النظام العراقي، ثم أصرّت إيران على مواصلتها طيلة 6 سنوات بعد انسحابه إثر معركة المحمّرة (خرمشهر) 1982.
ولعل الموقف من الحرب العراقية- الإيرانية، لاسيما بعد انتقالها إلى الأراضي العراقية قد بلور توجهات مغايرة لقيادة الحزب الشيوعي الرسمي، التي "اضطرت" إلى ممالأة للحركة الكردية التي كانت قريبة من الموقف الايراني، لاسيما بخصوص استمرار الحرب، وتدريجياً كانت مواقف زكي خيري وعامر عبدالله ونوري عبد الرزاق وحسين سلطان ومهدي الحافظ وسعدي يوسف وماجد عبد الرضا وباقر ابراهيم وعدنان عباس وخالد السلام وحميد برتو وعبد الوهاب طاهر وناصر عبود وطلال شاكر وقاسم سلمان ومحمد جواد فارس وكاظم الموسوي وعبد الباقي شنان وساهرة القرغولي وعصام الحافظ وعباس عبيدش وأحمد كريم وعلي حنوش ومحمود شكارة ومحمود عبد الكريم وضياء خوجه نعمه وموسى السيد وطارق الدليمي وعبد اللطيف الراوي وعبد الحسين شعبان، وعشرات من الكوادر التي كانت تتعاطف مع هذا التوجه وترفض بشدّة محاولات إيران احتلال العراق، كما ترفض مبرراتها باستمرار الحرب، وقد وقّع الكثير منهم على نداءات وبيانات بهذا الخصوص.
وتدريجياً شكلّنا هيئة ضمّت 6 رفاق وقررنا إصدار صحيفة المنبر وأوكل لي أمر الإشراف على تحريرها والإشراف على طبعها في بيروت وبعد سنتين ونصف أصدرنا عدداً واحداً في براغ بعد انتقالي اليها، وقبل أن تتوقف أصدرنا عدداً واحداً أيضاً من لندن بعد انتقالي اليها، ونشرت المنبر وثائق وكراريس حول الموقف من الحرب العراقية- الإيرانية وأزمة الحزب الشيوعي. وضمت الهيئة مهدي الحافظ ونوري عبد الرزاق وماجد عبد الرضا وخالد السلام وأحمد كريم وعبد الحسين شعبان، والتف حولها عشرات الشيوعيين ولقيت صحيفتها " المنبر" ترحاباً واسعاً عربياً واهتماماً دولياً من جانب الدول الاشتراكية، على الرغم من علاقاتها الأساسية ظلّت مع القيادة الرسمية، وكان الكثير من قيادات وكوادر التنظيم الرسمية يزوّدنا بالأخبار ويشجعنا على الاستمرار في النشر وإثارة الحوار الفكري.
ولعل مثل هذه المواقف ولاحقاً الموقف من الحصار الدولي الجائر المفروض على العراق كانت أكثر إيذاءً على النظام العراقي، ناهيكم عن كونهما الأكثر انسجاماً مع الوطنية العراقية بسليقتها ودون تنظيرات أو حسابات ذاتية خاصة أو عامة، وهو ما أخبرني به في وقت لاحق أحد أقطاب النظام السابق، ومن الذين تميّزوا عنه، حيث قال لي كان إعلامنا ودعايتنا بسهولة يستطيعان أن يتهما الآخرين، فهذا عميل للمخابرات المركزية الأمريكية ومموّل منها، وذاك للموساد ويزورها سرًّا مباشرة أو بالواسطة وآخر لسوريا ووكيل لديها وهؤلاء لإيران وهم حاقدون، والكل في دائرة الإدانة، أما أنتم وقصد مجموعة كان لها مواقف واجتهادات خاصة بشأن الحرب العراقية- الايرانية والحصار الدولي ورفض التعويل على القوى الخارجية ورفض تأييد غزو العراق، فتمثلون خطراً علينا، لأنكم تنافسوننا على الوطنية التي كان بالإمكان حجبها أو التشكيك بها إزاء الآخرين، ولأن صوتكم أعلى من صوتنا في الخارج، لاسيما وأنتم لا تنسون في غمرة ذلك، ادانتكم لسياساتنا وممارساتنا التي تتهمونها بالدكتاتورية، ولعل بعضنا كان يتعاطف معكم سرًّا، لكن خطركم كان علينا أشدّ، حتى وإن لم تمتلكوا قوة تنفيذية، وهذا ما كان سائداً.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة تحية بمناسبة تكريم الدكتور سليم الحص
- كلمة الدكتور شعبان في تكريم الاستاذ عزالدين الأصبحي
- الأكراد في النجف
- الحركة الطلابية
- من هو العراقي؟
- الحركة الوطنية بقضّها وقضيضها لم تكن ناضجة
- ماذا بعد الربيع العربي!
- قراءتنا للماركسية كانت أقرب إلى -المحفوظات-
- المساءلة: عدالة أم انتقام؟
- الماركسية تحررت واستعادت عافيتها بعد تخلّصها من البطريركية ( ...
- حلبجة: العين والمخرز! - شهادة عربية حول حلبجة والأنفال
- “إسرائيل” . . من حل الصراع إلى إدارته
- البارزاني في ذكرى رحيله الثالثة والثلاثين..الكاريزما الشخصية ...
- الأمن أولا والحرية أخيراً.. والعنف بينهما
- العدالة وإرث الماضي
- الجنادرية والروح الجامعة
- العدالة الانتقالية وخصوصيات المنطقة العربية
- العدالة الانتقالية: مقاربات عربية للتجربة الدولية!
- كلام في ثقافة التغيير!
- الهوِيّة الوطنية والربيع العربي


المزيد.....




- اخترقت جدار منزل واستقرت في -غرفة نوم-.. شاهد مصير مركبة بعد ...
- مصر تعلن اعتزامها التدخل لدعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أ ...
- -القسام- تفجر عبوة -رعدية- بقوة إسرائيلية خاصة وتستهدف ناقلة ...
- قصة الصراع في مضيق هرمز منذ الاحتلال البرتغالي وحتى الحرس ال ...
- هولشتاين كيل يصعد للبوندسليغا للمرة الأولى في تاريخه
- البحرين تدعو للتدخل الفوري لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة ومن ...
- طلبت منه البلدية إخفاء قاربه خلف السياج.. فكان رده إبداعيا و ...
- استطلاع: نصف الأمريكيين يعتبرون الإنفاق على مساعدات أوكرانيا ...
- حاكم بيلغورود: 19 شخصا بينهم طفلان أصيبوا بالقصف الأوكراني ل ...
- مشاهد جديدة لسقوط حافلة ركاب في نهر ببطرسبورغ


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - في بشتاشان