أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الحسين شعبان - كلام في ثقافة التغيير!















المزيد.....

كلام في ثقافة التغيير!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3640 - 2012 / 2 / 16 - 18:28
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



بعض الذين أبدوا تخوّفاً أو قلقاً إزاء انتشار ظاهرة الإسلام السياسي، ولاسيما بعد نجاح الإسلاميين في الفوز بانتخابات تونس ومصر والمغرب على حق، وفي الوقت نفسه ومن زاوية نظر أخرى فإنهم غير محقّين. فهم على حق لأن الاسلام السياسي يعمّ دول المنطقة ويكتسح تياره شعوبها، بل ويسعى لاقتناص ظروف التغيير لتوظيفها لصالح مشروعه السياسي الراديكالي، لاسيما باتساع دائرة نفوذه في ليبيا واليمن والبحرين وسوريا، إضافة إلى البلدان التي تم ذكرها وهي البلدان التي كانت الأكثر مرشحة لإحداث تغييرات سياسية واجتماعية، في إطار حركة الاحتجاج المدنية السلمية الواسعة.
وهم على خطأ لأن تطيّرهم لا مبرر له، فهذا ما أفرزته صناديق الاقتراع، فضلاً عن أن هذا هو المُنتظر، ولم يكن الأمر مفاجئاً، فليس من المؤمل فوز غير الإسلاميين لأسباب كثيرة، لكن أبرزها هو غياب أو شحّ الثقافة المجتمعية المدنية، حيث لا تزال الشعوب العربية من أقصاها إلى أقصاها تفتقر لها، بسبب نقص الحريات المزمن واستشراء الفساد المالي والاداري وتفشي السلطوية الاستبدادية تحت ذرائع مختلفة، ولكي تتأهل هذه البلدان لاستقبال رياح الحرية والكرامة وثقافة السلام واللاعنف والمجتمع المدني، فهي بحاجة إلى فترة انتقالية وتراكم وإلى زمن ليس بالقصير، وليس في الأمر ثمت تشاؤم محبط أو من زاوية ثانية تفاؤل مفرط، بقدر ما هي قراءة للوضع القائم وآفاقه.
قد يكون من أولى الواجبات هو الإهتمام بالتربية والتعليم، خصوصاً وأن هناك أكثر من 70 مليون أمي عربي، غالبيتهم الساحقة من النساء، وأنهن لا زلن بعيدات عن سوق العمل والتأثير، ناهيكم عن تمكينهن، فضلاً عن تفشي البطالة وبشكل خاص لدى عنصر الشباب المتخرّج من الجامعات وتخبّط الأرياف العربية بحالات الفقر الشديد، حيث لا يتعدى متوسط دخل الفرد فيها الـ 300 دولار في السنة، وتعاني المجتمعات العربية من نسبة عالية من هجرة الكفاءات العربية وتركّز الثروات والمداخيل بشكل كبير لدى فئة قليلة من رجال الأعمال وبعض المسؤولين الحكوميين، الذين يتماهون مع البزنس، وغياب أي إبداع في الانتاج السلعي والخدماتي، الأمر الذي يظهر مساوئ الطابع الريعي للاقتصادات العربية الذي يشلّ قدرات مجتمعاتها الكبيرة، ويحول دون دخولها النهضة العلمية والتكنولوجية والاقتصادية المطلوبة، خصوصاً والعالم في عصر العولمة وثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا المعلومات والطفرة الرقمية " الديجيتل".
وعلى النشطاء والمعنيين الذين لا يزالوا يتوجهون إلى النخب المعزولة والمحدودة والمتعالية، التفكير بالغالبية الساحقة من الناس الذين هم بعيدون عن فهم أوليات الديمقراطية، ناهيكم عن ثقافتها، بحكم الموروث والعادات والتقاليد، وأحياناً بسبب التربية الدينية الخاطئة التي تجعل من الديمقراطية استيراداً غريباً أو اختراعاً مشبوهاً، مثلما عليهم أن ينخرطوا في نضالات شعبية ومطلبية واقعية بحيث يستطيعون التأثير على الناخب وإذا ما شعر هذا الناخب أن الاتجاهات الديمقراطية الحداثية قريبة منه فإنه سيتولى استكمال ثورته حيث كان الشباب الأساس في الانتفاضة المدنية السلمية.
إن مخاوف الذين على حق أو ليسوا على حق، لن يكون بإمكانها وقف عملية التطور، لاسيما وأن اللحظة الثورية بدأت ولا يمكن وقف شرارتها المنطلقة في العديد من البلدان العربية لتأجيل أو لتأخير أو للنظر بقنوط ويأس إزاء التطورات الهائلة التي حصلت في العالم العربي، خصوصاً وأنه جزء من قانون عام لا مفرّ منه ولا أحد يستطيع أن يعطي للثورة دروساً وللثوار نصائحاً، فهم وحدهم من سيكتشف الطريق السليمة للحفاظ على ما حققوه، والذي سيظلّ مساراً طويلاً قابلاً للأخذ والرد وقد يتعرّض للتصدّع أو الانكفاء أو الانكسار، فالأمر له علاقة باستقطاب القوى بين الإسلاميين والعلمانيين، وبدرجة الاستعداد لخوض نضالات اجتماعية لاحقاً، تلك التي يريدها بعضهم على قيم السماء، في حين أن بعضهم الآخر يريدها لحل مشاكل الأرض وتحقيق رفاه الانسان وسعادته!.
ومثلما كانت الحكومات السابقة تستغل بعض الأطروحات المؤيدة أو المنددة بهذا التيار أو ذاك، لاسيما ذات البعد الواحد لتنحي باللائمة على معارضيها من الذين يدعون إلى التغيير دون أن ننسى تصعيدها في السنوات الأخيرة لعزل التيار الاسلامي وتهميشه، وفي الوقت نفسه دمغ بعض دعاة حقوق الإنسان ونشطائه والمطالبين بالديمقراطية، باعتبارهم صناعة خارجية، باستغلال بعض الاستفزازات للوجدان العام أو العقل الجمعي الكثير المحافظة والركود، خصوصاً وقد دخل التمويل على بعض منظمات المجتمع المدني،التي لم تكن بعيدة عن أصابع بعض الأجندات الغربية، ناهيكم عن انكشاف حالات فساد خطيرة.
وعلى الرغم من محاولات التشويه والإساءة وبعض التصرّفات الخاطئة من بعض العاملين في إطار المجتمع المدني، الاّ أن هذه المنظمات لعبت دوراً مشهوداً على امتداد الوطن العربي كلّه، وإذا كان العاملون، وفي السبعينيات ومطلع الثمانينيات مثلاً بضع عشرات أو مئات، من المنخرطين في إطارات المجتمع المدني وخصوصاً منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان مع استمرار ظاهرة المنع أو عدم الترخيص القانوني أو وضع الكوابح والعقبات في طريقها أو ملاحقة النشطاء وزجّهم في السجون أو اضطرارهم الذهاب إلى المنافي، فقد أصبحوا اليوم يعدّون بعشرات ومئات الآلاف، بل إنهم كانوا الأكثر دفاعاً عن التيارات الاسلامية حين تعرّضت للاضطهاد أيام الأنظمة السابقة.
لقد أثبتت منظمات المجتمع المدني أنها عملت بجد وإخلاص في تبنّي المطالب الشعبية، لاسيما قضايا الحريات وسجناء الرأي والتعذيب وحقوق المرأة واللاجئين والمهمشين، وساهمت في نشر الوعي الحقوقي وفي التربية على حقوق الانسان، ودرّبت عشرات الآلاف في مختلف الميادين من البيئة إلى الصحة والعمل والتربية والتعليم والاعلام والبرلمانات وأجهزة القضاء والشرطة، إضافة إلى الأكاديميين ومؤسسات المجتمع المدني ذاتها، ناهيكم عن أطراف الحركة السياسية ونشطائها من الفاعلين السياسيين.
ولعل مثل هذه المساهمة المتعددة والواسعة والمتراكمة، جاءت لحظتها حين اندلاع شرارة الثورة، فتحرّكت الجماهير لتضع حدّاً لمعاناتها وآلامها، تلك التي وصلت مع الأنظمة السابقة إلى نقطة اللاعودة، فلم يكن بدّ من التغيير، وإنْ اتّخذ مسارات مختلفة، لكن هدفه كان واحداً، هو التحوّل إلى الديمقراطية بدلاً من الاستبداد.
وإذا كانت الثقافة تحتاج إلى حامل اجتماعي، فهذا الحامل هو من يقوم لا بعملية التحوّل التي حصلت فحسب، بل بحماية التحوّل الديمقراطي اللاحق وليس أجدر من الطبقة الوسطى التي لعبت مثل هذا الدور، وكان أكثر النشطاء حضوراً منها في الربيع العربي، وهي التي ساهمت في تحريك الجموع الشعبية تلك التي تعيش في العشوائيات وتخوم المدن المريّفة، حيث لعبت دوراً حاسماً في الصراع مع الأنظمة السابقة.
من جهة أخرى لا تزال القوى الديمقراطية واليسارية الماركسية والقومية والليبرالية الأقرب إلى المشروع " التحرري" للطبقة الوسطى التي جرى تهميشها سابقاً ضعيفة ومشتتة وتعاني من مشكلات مزمنة وإخفاقات مستمرة لدرجة الاحباط واليأس أحياناً، فضلاً عن ضعف ثقتها بنفسها بسبب ما تعرّضت له من قمع وملاحقة ونكوص لتجاربها. أما الإسلاميون حتى وإن كانوا يريدون دولة إسلامية ، وربما لم يكونوا معنيين كثيراً بالتحوّل الديمقراطي فإن ما حصدوه سيجعلهم أقرب إلى الوسطية من التشدد، الأمر الذي يحتاج إلى الطرق عليه بشدّة، لأنه مثل الحديد لا زال ساخناً، ولم يكن طموحهم، في السابق ينصرف إلى أكثر مما يعلنونه عن مبادئ عمومية حول الديمقراطية، وهي ليست أكثر من زيادة بعض الهوامش في ظل الدولة الاستبدادية القائمة آنذاك، تتيح لهم فرصة التحرك والكسب وتخفف عنهم الملاحقة والتضييق وتغني مشاريعهم الاجتماعية والخيرية، التي توفّر لهم قاعدة شعبية وترفدهم بكفاءات شابة.
وللأسف لم يتوقف الكثير من المتابعين عند بعض التطورات التي حصلت لدى التيار الإسلامي في مصر أو في سوريا أو في العراق أو في لبنان أو في فلسطين أو في السودان أو في البحرين أو المغرب أو تونس أو الجزائر أو ليبيا أو موريتانيا وإلى حدود كبيرة في تركيا وبحدود أدنى في إيران، بخصوص العلاقة مع الآخر، إضطراراً أو اختياراً، ذلك إن مسألة الانفراد وإدعاء " العمصة" أو الأفضليات لم تعد تُطرح جهاراً على أقل تقدير، بل أن بعض القوى الإسلامية ضمّنت في برامجها مسألة التحوّل الديمقراطي وقبلت بآلياته سواءً تحت باب الإنتخابات أو الشورى أو التوافق أو غيرها. وإذا كانت المسألة ناقصة ومبتورة، لكنها جزء من الصراع الطويل الأمد حول قيم الديمقراطية ومبادئها حين تتحول إلى قوانين وأنظمة ومؤسسات بحاجة إلى رقابة ومساءلة وشفافية.
وتدريجياً أخذ بعض الإسلاميين، "يعترف بوجود الآخر" ويتعاطى معه على أساس سياسي وضمن مشتركات ومطالب سياسية وطبقاً لسياسة الأمر الواقع، وهي الحالة التي لا تلغي الخلاف الآيديولوجي، بل تؤجله، لاسيما موضوع الصراع على قيم السماء، طالما هناك إمكانية للعمل المشترك أو للتوافق على بعض مطالب الأرض، خصوصاً المتعلقة بالفقر والفساد والرشا واحترام الكرامة الإنسانية ومقاومة الاحتلال والهيمنة الخارجية وغيرها.
وهذا الأمر أيضاً يلتقي به التيار العلماني – المدني ، مع التيار الديني وخصوصاً الإسلامي، وهناك مساحات مشتركة للتوافق. أما الخلافات الآيديولوجية، التي كانت مثل الفاكهة الضرورية على مائدة النقاش والصراع، فإنها لن تتقدم على طبق السياسة، لاسيما والجميع بدأ يشعر أن ليس بإمكانه إلغاء الآخر، الأمر الذي يحتاج إلى تعزيز العقلانية السياسية والواقعية الضرورية، وكلّما كان الطرف العلماني والمدني، قوياً ومؤثراً فإن فرصاً أوفر ستكون له للتعاطي والتعاون مع الطرف الإسلامي، خصوصاً إذا لم يحاول الانفراد والعزل وهو في ذروة قوته، وإن كان هذا الأخير يتعرض إلى ضغوط شديدة من جانب السلفيين المتشددين والمتعصبين الذين يجاهرون برفضهم وتكفيرهم للآخر، لدرجة التجريم.
لعل الأمر يحتاج إلى تراكم وعمل طويل الأمد لنشر ثقافة الاعتراف بالآخر، وصولاً إلى المشترك الإنساني الذي يستطيع المجتمع بكل فئاته إنجاز أهداف عملية التغيير وتحقيق ما يريده الناس من الربيع العربي الذي طال انتظاره.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوِيّة الوطنية والربيع العربي
- الربيع العربي منظور إليه استشراقياً
- فريضة التسامح وجدلية القطيعة والتواصل!
- مصير الإمام موسى الصدر: متى خاتمة الأحزان؟
- التواصل والقطيعة في فريضة التسامح
- مقهى وروّاد ومدينة: ذاكرة المكان ونستولوجيا التاريخ!
- العنف واللاعنف في الربيع العربي
- محنة العراق بين الديمقراطية والحرية
- الربيع العربي وردّ الاعتبار إلى السياسة
- تعويم الدستور العراقي
- إشكاليات ما بعد الربيع العربي
- الشيخوخة
- اللحظة الثورية وربيع التغيير
- الإسلاميون والعلمانيون
- ماذا بعد الربيع: العرب والجوار والعالم؟
- الانسحاب الأميركي من العراق.. من الأقوى؟
- ليبيا من الثورة إلى الدولة
- اليونيسكو والثقافة بالمقلوب
- بانتظار بايدن
- الفدرالية العراقية والكثبان المتحرّكة


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الحسين شعبان - كلام في ثقافة التغيير!