أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - العنف واللاعنف في الربيع العربي















المزيد.....

العنف واللاعنف في الربيع العربي


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3618 - 2012 / 1 / 25 - 17:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



ظلّ العنف هو القاعدة السائدة تاريخياً، أما اللاعنف فهو الاستثناء، حتى جاء الربيع العربي ليطرح فرضيات جديدة أساسها يتعلق بإمكانية المقاومة بالسلم أو التصدّي للعنف بقوة اللاعنف والصمود لحين تتحقق إمكانية الانتصار . وإذا كانت ثورة الياسمين والكرامة في تونس وبعدها ثورة النيل والغضب في مصر قد انتصرتا باللاعنف، فإن ثورة ليبيا السلمية، اللاعنفية التي انطلقت من بنغازي لم تستطع بحكم عنف نظام القذافي، الحفاظ على طابعها اللاعنفي، لاسيما بعد التدخل العسكري لقوات حلف الناتو .

وعلى الرغم من مرور نحو عام على الثورة اليمنية، فإنها بقيت في إطارها السلمي- اللاعنفي، مع وجود أكثر من 68 مليون قطعة سلاح في اليمن . وفي سوريا فإن الطابع السلمي، المدني، اللاعنفي الذي بدأت به حركة الاحتجاج السورية التي تحوّلت إلى انتفاضة مستمرة منذ 15 مارس/آذار 2011 لم تستطع الحفاظ عليه على الرغم من المطالبات بحماية المدنيين التي شهدت مجابهات عنفية، ولم تسلم حركة الاحتجاج في بلدان أخرى من عنف السلطة أو من بعض التدخلات الخارجية، حتى وإن كان طابعاً سلمياً ولا عنفياً .

لعل زاوية النظر تختلف إلى حدود غير قليلة إزاء مسألة العنف واللاعنف، فالإعلامي سيكون معنياً بالحدث، لحظة وقوعه حيث يقوم بنقل صورته وتفاصيله إلى الخارج . وحسب البير كامو: “الصحافي هو مؤرخ اللحظة”، أي أنه أقرب إلى آلة تصوير للمشهد واللون والعنوان .

أما الحقوقي فهو معنيٌ بالانتهاكات، لاسيما المتعلقة بالإنسان، وحسب الفيلسوف الإغريقي بروتوغوراس “الإنسان مقياس كل شيء” . ولكن بوسع المؤرخ قراءة الأحداث بسياقاتها التاريخية بجميع وقائعها وربطها مع بعضها بعضاً بما سبقها وما لحقها، على الرغم من أن التاريخ مراوغ حسب هيغل، وبوسع السسيولوجي أن يضع أحكامه بعد وقوع الأحداث، لاسيما مقارباتها السسيوثقافية واستخلاص الدروس والعبر اللاحقة من تحليل لما وقع .

أما المفكر فهو معني بدلالات الحدث بما فيه مقارباته التاريخية والسسيوثقافية، فكيف حلّت اللحظة “الثورية” التاريخية؟ وكيف تراكمت وتجمّعت عواملها الموضوعية والذاتية، الداخلية والخارجية في جدليات وديناميات قادت إلى التغيير؟ ثم كيف انتقل الخوف من المحكومين إلى الحكام، سلماً ولا عنفاً، أي مواجهة العنف باللاعنف، أو في ما إذا حدث رد فعل في عنف مضاد في بعض المجتمعات أو حسب طبيعة السلطات السياسية؟ الأمر الذي يطرح فكرة الاتفاق على عقد اجتماعي جديد، بعد أن تآكلت الشرعيات القائمة أو لم تعد صالحة وليس بإمكانها الاستمرار، فالصيغة الجديدة ينبغي أن تستجيب لمتطلبات العصر، انطلاقاً من كيمياء خاصة وبيئة حاضنة، بحيث لا يجري زرعها بالقوة، وليس بامكان ذلك، أن يحدث وعلى نحو تعسفي إن لم يكن الأمر ممكناً .

لعل من الحقائق المهمة التي أفرزها الربيع العربي، هي إمكانية التغيير بالسلم وباللاعنف، وحتى وإنْ لم تستجب بعض الحكومات للإرادات الشعبية، فإن الشباب المتمرد، الرافض، المدني، السلمي، الطامح إلى التغيير سيعيد الكرّة بعد الأخرى حتى يحصل التغيير، سواءً حصل من جانبها مرغمة أو مضطرة أو بتخطيها وانزياحها .

لقد أدركت بعض النخب الحيّة، لاسيما التي قادت حركة التغيير من الشباب، نساءً ورجالاً، أن طريق العنف لن يقود إلى تحقيق الأهداف المرجوّة، وسعت على الرغم من عوامل الكبح والمعوّقات إلى المبادرة الجسورة بالدعوة إلى اللاعنف وعملت على نشر ثقافته، بحيث تمكّنت القوة الناعمة من هزيمة القوة الخشنة، وانتصر اللاعنف على العنف، لاسيما أن قطار التغيير انطلق، وقد يتأخر أو ينحرف أو يسير في منعرجات صعبة، ولكن لم يعد بالإمكان وقفه .

وقد شارك المجتمع المدني العربي، على الرغم من ضعفه وبعض نواقصه وثغراته، بفاعلية في تهيئة بعض مستلزمات التغيير السلمي، وإن كان شكلها العام عفوياً، والثورة في كل الأحوال لم تكن مستنسخة من تجارب سابقة أو رسماً بيانياً أو هندسياً أنيقاً، بل كانت حراكاً شعبياً هائلاً، لاسيما بعودة الطبقة الوسطى المغيّبة إلى الميادين، حيث لعب الإعلام والعولمة وثورة الاتصالات والمواصلات دوراً كبيراً، أعاد الثقة بالنفس وبإمكانية الانتصار من خلال وسائل لا عنفية، حيث تتنوع وتتشعب تلك الوسائل لتصل حسب بعض الباحثين والأكاديميين إلى أكثر من 300 وسيلة لا عنفية، بالإمكان ابتداع وسائل أخرى، حسب خصوصيات كل شعب وكل منطقة .

قال بوذا: “إذا رددنا على الحقد بالحقد، فمتى سينتهي الحقد؟”، لعل ذلك جوهر الفلسفة المقاوِمَة اللاعنفية التي اتّبعها المهاتما غاندي منتصراً على أعتى امبريالية عالمية في زمانه (بريطانيا العظمى)، محرّراً بلاده بوسائل اللاعنف، حاصلاً على استقلالها واضعاً إياها في طريق التسامح والديمقراطية والتعايش وقبول الآخر، ولهذا ليس عبثاً أن يقول غاندي: لا أحبّذ التسامح، لكني لم أجد وسيلة أفضل منه، وإذا كان مانديلا رمز التسامح والسمو على الإقصاء والتمييز لأنه رفض الانتقام والثأر وتسامى على جراحه ليدفع البلاد باتجاه التسامح والعيش المشترك والتطور الإنساني، داعياً الجميع إلى عدم الانشغال بالماضي، بل التفكير في المستقبل . وكان عبدالرحمن بن خلدون قد ربط منذ وقت مبكر بين الظلم والخراب، مثلما ربط العدل والمساواة بالعمران .

اللاعنف هو خيار الإنسان الواعي الذي يعتمد على المقاومة الحقيقية، وإذا كانت سلطة العنف هي القوة والإكراه، فإن سلطة الحق هي العقل والضمير . واللاعنف حسب جين شارب كبير باحثي مؤسسة “البريت اينشتاين” في بوسطن هو ممارسة حضارية تفرض على الجهة التي تعتمدها حل مشكلاتها وصراعاتها مع الآخرين، بانتهاج أساليب إنسانية سلمية .

وإذا كانت في العالم العربي تجارب نظرية أو عملية جنينية حول المقاومة باللاعنف، لاسيما في تاريخنا المعاصر، فإن أوروبا الشرقية قد سبقتنا في ثوراتها التي غلب عليها طابع اللاعنف في أواخر الثمانينات، لاسيما تجربة نقابة تضامن البولونية وهنغاريا، وإلى حدود غير قليلة تجربة تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الديمقراطية، وإن اكتست تجربة يوغسلافيا بطابع عنفي وكذلك رومانيا وغيرها، الاّ أنها بشكل عام أفرزت إمكانية النصر باللاعنف واستخدام المقاومة بالسلم، وكانت بعض التجارب قد اعتمدت التواصل مع الماضي وليس القطيعة، لاسيما إزاء التعامل مع الارتكابات السابقة، بعيداً عن الكيد والثأر والانتقام .

كما أن بعض تجارب أمريكا اللاتينية قد تمثّلت في انتصارات ثورات اللاعنف، خصوصاً في تشيلي بالتحول من نظام دكتاتوري بقيادة الجنرال بينوشيه إلى نظام ديمقراطي عبر صندوق الاقتراع، وكذلك بوليفيا، واكتسب شعار “الثورة في صندوق الاقتراع” أهمية خاصة، خصوصاً بفوز عدد من التيارات اليسارية في الانتخابات في خمسة بلدان أمريكية لاتينية، وكان للاهوت التحرير والكنيسة دور مهم في ذلك .

واعترافاً من الأمم المتحدة بالدور الإنساني السلمي واللاعنفي لغاندي، ليس على صعيد كفاحه لتحرير الهند، بل على النطاق العالمي، فقد قررت اعتبار يوم عيد ميلاده 2 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، مناسبة سنوية للاحتفال بيوم اللاعنف في العالم .

وإذا كان التراث العنفي هو السائد، نظرياً وعملياً، بما فيه ما يتّصل بتاريخنا المعاصر، فإن ثمت إضاءات في فكر وممارسات بعض النخب العربية في هذا المجال، أخصّ منها بالذكر ندوة مهمة انعقدت في العام 1987 دعا إليها منتدى الفكر العربي بعنوان “العنف والسياسة في الوطن العربي” ناقشت أسباب العنف والإرهاب داخلياً وخارجياً، عربياً ودولياً، وتوقفت عند علاقة العنف بالقانون، لاسيما في مجال القانون الدولي، كما مرّت على عنف الجماعات المسلحة، وتوقفت عند العنف في التجربة السودانية وظاهرة العمليات الاستشهادية .

أما المبادرة الثانية فهي إنشاء جامعة في لبنان باسم “جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان” وهي أول جامعة في العالم في هذا الميدان، وتغطي ثمانية فروع أساسية من الفلسفة والتربية والمسرح والقانون والحقوق وسبل حل المنازعات، بما فيها التفاوض، وهذه المبادرة قام بها مفكّران ومناضلان من أجل قضايا اللاعنف، عملا طويلاً، وهما د . أوغاريت يونان ود . وليد صليبي .

وبالطبع، ونحن نتحدث عن اللاعنف، فقد ينصرف إلى الذهن ما يثير التباسات وتشوشات لدى العديد من النخب الفكرية والسياسية، ولعل بعضهم يربطه بمفهوم التخاذل والتواطؤ والاستسلام، وهو ما دعا نبيلة حمزة رئيسة مؤسسة المستقبل الدولية التي افتتحت ندوة عن “العنف واللاعنف في الربيع العربي” في عمان إلى استدراك ذلك في كلمتها بالقول: إن مفهوم اللاعنف تعرّض إلى هجوم لاذع خلال النقاشات الدائرة نظراً لارتباطه في الذهنية العربية بالإذعان والاستسلام والخنوع والتنازل عن المبادئ والحقوق، وربما إلى أبعد من ذلك كإرتباطه باستراتيجيات وأجندات خارجية، تهدف إلى النيل من المقومات والثوابت الوطنية .

إن مفهوم اللاعنف، وكما أثبتته تجربة الربيع العربي، هو مفهوم للمقاومة والتصدي للظلم والاستبداد والكراهية، ولكن بطرق سلمية ترفض الردّ على العنف بالعنف، وهو يتطلب شجاعة وطاقة عالية على اختيار هذه الوسيلة الإنسانية التي ينبغي أن تتماهى مع الغاية الإنسانية، و”الوسيلة والغاية كالبذرة للشجرة على حد تعبير غاندي”، الأمر الذي يحتاج إلى مران طويل ومغالبة للنفس ورياضة عقلية ونفسية لإعادة بناء الذات وإقناعها باللاعنف، تارة بالقول لا لعنف الآخرين وفي الوقت نفسه القول: لا لعنف الذات، وبالطبع فالأمر بحاجة إلى تنشئة وتربية طويلة الأمد، ليس أقل منها ما بذله مرب كبير هو كومنسكي التشيكي لإعادة إحياء وبناء اللغة التشيكية الجديدة منذ أكثر من ثلاثة قرون من الزمان .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محنة العراق بين الديمقراطية والحرية
- الربيع العربي وردّ الاعتبار إلى السياسة
- تعويم الدستور العراقي
- إشكاليات ما بعد الربيع العربي
- الشيخوخة
- اللحظة الثورية وربيع التغيير
- الإسلاميون والعلمانيون
- ماذا بعد الربيع: العرب والجوار والعالم؟
- الانسحاب الأميركي من العراق.. من الأقوى؟
- ليبيا من الثورة إلى الدولة
- اليونيسكو والثقافة بالمقلوب
- بانتظار بايدن
- الفدرالية العراقية والكثبان المتحرّكة
- الدرس التونسي: القطيعة والتواصل
- ما بعد الانسحاب الأمريكي من العراق!!
- جدل دستوري عراقي وغواية الانقلاب العسكري
- بغداد واشنطن: انتبهوا الوقت ينفد!
- صناعة الدستور
- الأردوغانية: زواج كاثوليكي بين الإسلام والعلمانية
- إسرائيل- والمياه


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - العنف واللاعنف في الربيع العربي