أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - جدل دستوري عراقي وغواية الانقلاب العسكري















المزيد.....

جدل دستوري عراقي وغواية الانقلاب العسكري


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3535 - 2011 / 11 / 3 - 21:47
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    



لم يعرف العراقيون في تاريخ دولتهم المعاصر جدلاً دستورياً مثلما عرفوه بعد الاحتلال في العام ،2003 ربّما يعود الأمر في جزء منه إلى تعويض عن غياب دستور دائم منذ “ثورة” 14 يوليو/ تموز العام ،1958 حين كرّت الدساتير المؤقتة كل بضعة أعوام أو بعد كل انقلاب عسكري، إذ صدر الدستور المؤقت الأول في 27 يوليو/ تموز العام 1958 وحكم البلاد لغاية 8 فبراير/ شباط ،1963 واستبدل بهذا الدستور قانون المجلس الوطني “الدستور المؤقت الثاني” الذي صدر عقب الانقلاب البعثي الأول الذي أطاح حكومة الجنرال “الزعيم” عبد الكريم قاسم .

أما الدستور المؤقت الثالث فقد صدر عقب انقلاب 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 1963 الذي كرّس عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية بدستور صدر العام ،1964 وإثر انقلاب 17 يوليو/ تموز 1968 ومجيء حزب البعث ثانية إلى السلطة، صدر الدستور المؤقت الرابع في سبتمبر/ أيلول ،1968 واستبدل بهذا الأخير دستور مؤقت خامس صدر في يوليو/ تموز العام 1970 واستمرّ لغاية العام 2003 أي نحو 33 عاماً .

ومن المفارقة أن تكون فترة الدستور المؤقت الخامس الذي حكم العراق، مساوية للفترة التي حكم بها الدستور الدائم الذي شُرّع العام 1925 بإشراف بريطانيا، وهو أول دستور للدولة العراقية المعاصرة بعد تأسيسها في 23 أغسطس/آب ،1921 والذي أبطل في العام 1958 .

وإذا كانت الفترة الملكية قد اتّسمت بوجود دستور دائم واستقرار نسبي، فقد شهدت الفترة الجمهورية وجود دساتير مؤقتة وانقلابات عسكرية، إلى أن وقعت البلاد تحت الاحتلال وأطيح نظام صدام حسين، بعد حروب لا مبرر لها دامت نحو ربع قرن، وحصار دولي جائر استمر نحو 13 عاماً، حيث تم سنّ قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية في مارس/ آذار 2004 خلال فترة حكم الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر، وقيل إن المشروع الأساسي أعدّه نوح فيلدمان اليهودي الأمريكي المتعاطف مع “إسرائيل” .

وقد بُني على أساس هذا الدستور المؤقت، الدستور الدائم الذي تم إقراره في 15 أغسطس/ آب 2005 وجرى الاستفتاء عليه يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه، وتمت الانتخابات النيابية بموجبه في 15 ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته .

وهكذا أصبح للعراق دستور دائم وإنْ اختلفت وتعارضت وجهات النظر بشأنه، لكنه على الرغم من جميع مساوئه، وهي كثيرة، وكل مثالبه وهي ليست قليلة وكامل ألغامه وقنابله الموقوتة وغير الموقوتة وهي متشعبة، بل ومعقدة، إلاّ أنه احتوى على بعض الإيجابيات التي تتعلق بالحقوق والحريات وقواعد الديمقراطية والمواطنة، وفصل السلطات، واستقلالية القضاء، واختيار الحكّام في إطار التداولية والتعددية، وإنْ كان بعض هذه الحقوق أعطيت بيد وجمّدت باليد الأخرى، لاسيما باشتباك إشكالية الدين والدولة .

كما بقي الكثير من القضايا العقدية في الدستور عالقة أو محلّ خلاف انفجر لاحقاً، مثل حدود الفيدرالية وسقفها، وموضوع حق ثلاث محافظات في إبطال أي تعديل دستوري، وقضية الأقاليم من غير إقليم كردستان، وهي التي تم إقرارها لاحقاً، لكنه تم تأجيل تطبيقها إلى 18 شهراً، وبعد ذلك طواها النسيان، وقضية كركوك والاختلاف بشأن المادة 140 التي جاءت مرحّلة من المادة 58 من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وتوزيع الثروة والمياه ومشكلة الموارد الطبيعية، لاسيما النفط والغاز، على الرغم مما ورد في نص المادة 111 من أنهما “ملك الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات”، لكن نصوصاً وتفسيرات تعويمية أخرى أعطت للأقاليم حق التصرف في الحقول غير المستخرجة بالاتفاق مع السلطة الاتحادية (الفيدرالية)، الأمر الذي أثار التباسات بين إقليم كردستان وبغداد، خصوصاً بعد رفض السلطات الاتحادية العقود التي وقعتها حكومة الإقليم مع الشركات النفطية، وهكذا نشبت أزمة بين بغداد وأربيل لاتزال مستمرة .

وكان يفترض أن يتم تعديل الدستور، بناءً على اتفاق بين القوى السياسية عشية الاستفتاء عليه، وكان ذلك شرطاً لبعض القوى التي كانت ممانعة للتصويت عليه بالصيغة المعتمدة، لاسيما جبهة التوافق في حينها، وحُدّدت فترة 4 أشهر بعد افتتاح جلسات البرلمان بعد انتخابات العام 2005 لإنجازها، وشكّلت لجنة لهذا الغرض، لكنها وصلت إلى طريق مسدود، وقد انتهت الدورة الانتخابية الماضية المحددة بأربع سنوات، وزاد عليها ما يزيد على عام ونصف، منذ انتخابات مارس/آذار 2010 ونحن في نهاية العام 2011 ولم يتم إجراء التعديلات المذكورة، فلا القوى التي وعدت بتنفيذ ذلك استجابت، ولا القوى التي أصرّت على إجراء التعديلات واصلت ذلك أو طالبت به، وهكذا صدرت الصيغة وهي تحمل عواراً باعتراف جميع القوى .

وإذا كان تعديل الدستور الدائم غير سالك أو مجمّد، فإن نحو 50 مادة من مواده نصّت على صدور قانون لتكون صالحة للاستعمال، إلاّ أن هذه القوانين لم يتم تشريعها من جانب البرلمان، وهكذا فإن هذه المواد لاتزال غير نافذة هي الأخرى، وهو أمر يحتاج الى أكثر من دورة برلمانية اعتيادية لكي يتم إنجازها، قياساً إلى ما هو عليه وضع البرلمان وعلاقة القوى السياسية بعضها ببعضها الآخر، فضلاً عن الوضع الأمني للبلاد بشكل عام، الأمر الذي يقترب من استعصاء أو استحالة تطبيق الدستور أو الاحتكام إليه بسبب جوانب عملية وأخرى فنية وبالأساس تعقيدات سياسية، لاسيما في ظل التمترس الطائفي والمذهبي واستمرار ظاهرة العنف والإرهاب واستشراء الفساد المالي والإداري، على الرغم من تشبث “الجميع” بالدستور!

أما بصدد الديمقراطية والحريات، وهما مسألتان إيجابيتان وردتا في الدستور، فهناك تضادّات تقف بوجههما وتحدّ من امتداداتهما، لاسيما في علاقة الدين بالدولة، حين نصّ الدستور على عدم تعارض جميع القوانين التي يتم تشريعها مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، وتلك هي أيضاً قضية إشكالية، لاسيما بتداخلها مع اجتهادات وآراء المفسرين والمؤولين الذين يسعون إلى توظيفها سياسياً ومذهبياً أحياناً، وهي واحدة من إفرازات الوضع العراقي بعد الاحتلال، ويقابل هذه النصوص، نصوص أخرى خاصة بالديمقراطية والحريات، حيث أكد الدستور على أنه: “لا يجوز سنّ قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية” و”لا يجوز سنّ قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور” .

ألم يكن كافياً القول إن الإسلام دين الدولة (وخصوصاً أنها فقرة واردة في النصوص الدستورية السابقة)، أو أنه دين أغلبية الشعب العراقي لكي يعطيه المنزلة العلوية، وبالتالي سيكون أمراً مفهوماً، مراعاة ذلك عند صياغة أي قانون أو تشريع؟ ثم ماذا لو حصل اختلاف بين نص دستوري يفسره “الإسلاميون” أو “غيرهم” بشيء، وبين الديمقراطية وحقوق الإنسان والحقوق والحريات العامة والخاصة، التي يمكن تفسيرها بشيْ آخر؟ فلمن ستكون الغلبة خصوصاً بين المصادر الأساسية التي يُعَدّ الإسلام واحداً منها؟

إن هذه النصوص تعكس ارتباكاً حقيقياً في الصياغة، فضلاً عن عدم وجود فهم مشترك وضعف الثقة بين الأطراف، وعن تداخل السياسي بالديني، والديني بالمذهبي، وهذا الأخير بالفقهي، في ظل اختلاف الفقه والمجتهدين والاجتهاد تاريخياً!

وإذا كانت الأوساط السياسية العراقية، لاسيما المشاركة بالحكم والعملية السياسية قد أخذت تتحدث عن الدستور وتدعو إلى التمسك به وتعزو صراعاتها إلى مخالفة أحكامه أو بعض مواده، فذلك يعود الى انتشار “الثقافة الدستورية”، وهي مسألة إيجابية وإن كان تفسيرها لايزال اعتراضياً ومصلحياً، وأحياناً بالضد من المعايير القانونية، خصوصاً في النظر إلى دور القضاء، لاسيما عند الفصل في القضايا السياسية الشائكة، مثلما حصل في موضوع “حق الترشيح” لبعض من شملهم قانون اجتثاث البعث، لكنه في الأغلب الأعم يتم استخدام الدستور والاحتكام إليه في غير موضعه، والأغرب من ذلك فإن مواد الدستور غالباً ما يجري الاستهتار بها، ويتم تعطيلها بحجة التوافق، ولعل اتفاق أربيل بخصوص إنشاء مجلس السياسات الأعلى، “غير الممكن دستورياً”، سوى أحد هذه المظاهر الصارخة التي يتم ابتلاعها إذا كانت مصالح الاصطفاف السياسي والمذهبي والإثني تقتضي ذلك، وهناك العديد من الأمثلة التي لا يتّسع المجال لذكرها .

وإذا كان وراء كل مشكلة قانونية إشكالية سياسية، فإن المسألة لا تتعلق بالدستور فحسب، بل بالعملية السياسية ككل، وقد تداخل الأمر بينهما لدرجة الاشتباك بحيث أصبح من الصعب حلّه، لا في ما يتعلق بالصياغات والقواعد القانونية العامة، وإنما من خلال المواقف والاستقطابات السياسية، وهو ما ثار بين القائمة العراقية برئاسة د . أياد علاوي، وبين دولة القانون برئاسة نوري المالكي رئيس الوزراء، وستكون مثل هذه الاصطفافات أكثر حدّة وربما تناحراً، بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق في نهاية العام الجاري ،2011 وقد تكون هناك “معركة كسر عظم”، كما يقال، إذا اقترنت بتداخل خارجي إقليمي، لاسيما من جانب إيران، وهو ما تبديه بعض القوى السياسية، خصوصاً وقد ارتفعت موجة العنف مؤخراً وشهدت تصفية علماء وأساتذة جامعيين بوساطة كواتم صوت، ومؤخراً رجال شرطة المرور، فضلاً عن اعتقالات واسعة بررت الحكومة ذلك بتحسّبات ومعلومات عن استعدادات للقيام بانقلاب عسكري، على الرغم من الحديث أن زمنه قد ولّى .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بغداد واشنطن: انتبهوا الوقت ينفد!
- صناعة الدستور
- الأردوغانية: زواج كاثوليكي بين الإسلام والعلمانية
- إسرائيل- والمياه
- مشكلة المياه العربية
- سمفونية الرحيل- عبد الرحمن النعيمي الرجل الذي مشى بوجه الريح
- الحق في الماء
- سورية :هل لا يزال طريق التسوية التاريخية سالكاً!؟
- العقدة اليمنية وما السبيل لحلها؟
- في رحيل عبد الرحمن النعيمي
- بالمر جولدستون.. أَيُّ مفارقة وأَيُّ قانون؟
- أسئلة الثقافة والسلطة: اختلاط الزيت بالماء
- ثروات العراق: عقود ملتبسة ومستقبل غامض!!
- إرهابيون أشرار وإرهابيون أخيار!
- في وداع عبد الرحمن النعيمي : حين يجتمع العقل والحكمة والصدق
- الدبلوماسية العالمية: مفارقات وحيرة
- ليبيا: احتلال بالتعاقد أم الأمن الناعم؟
- مصر التي في خاطري
- البوعزيزي وسيدي بوزيد وبحر الزيتون
- التزوير «القانوني» وكاتم الصوت العراقي


المزيد.....




- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - جدل دستوري عراقي وغواية الانقلاب العسكري