أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - سمفونية الرحيل- عبد الرحمن النعيمي الرجل الذي مشى بوجه الريح















المزيد.....

سمفونية الرحيل- عبد الرحمن النعيمي الرجل الذي مشى بوجه الريح


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3513 - 2011 / 10 / 11 - 19:56
المحور: الادب والفن
    


سمفونية الرحيل

لعلّه شرف لي أن أمثّل أصدقاء الراحل الكبير عبد الرحمن النعيمي "سعيد سيف"، وأن أتحدث باسمهم في هذه المناسبة الجليلة وفي هذا الحفل المهيب، الذي يُقام تكريماً له، فقد غادرنا وهو في أوج عطائه الفكري والثقافي، سياسياً لامعاً وأحد القمم العربية الشعبية التي عرفتها الساحات العربية من مشرق الوطن العربي وحتى مغربه، ولذلك ليس غريباً أن يلتئم هذا الشمل وأن تجتمع هذه النخبة المتميّزة من الشخصيات العربية المتنوعة والمختلفة، لتقول كلمة تحية بحق الرجل الذي مشى بوجه الريح، غير آبه بما ستؤول إليه النتائج طالما يستهدف الوصول إلى الحقيقة، التي ظلّ باحثاً عنها ومخلصاً لها وغير متمسك بسواها، بل ومستعد لتغيير أو تعديل مساره إذا شعر أنه ابتعد عنها أو تعارض معها، خصوصاً وقد استعان ببوصلتها.
لم يكن النعيمي طيلة ما يقارب عقود خمسة من الزمان، يفتش عن السهل من الأمر، فقد كان خياره هو الأصعب دائماً، فكان حازماً مع نفسه أولاً، مترفعاً عن الصغائر، يعمل بصمت ودون عنعنات أو ادعاءات، يتواصل مع الآخر ويعترف بالاختلاف والحق في الاجتهاد. وإذا كان الوصول إلى الحقيقة يمرّ بطرق مختلفة، فقد فضّل النعيمي أن يختار الطريق الأصعب، حتى وإن اضطّر إلى امتشاق السيف بحثاً عن الحرية والعدالة والمساواة، وكنّا غالباً ما نرددّ مقطعاً شعرياً من قصيدة شهيرة بعنوان "زفة شناشيل" لصديقنا الشاعر الكبير مظفر النواب:
أنه يعجبني أدوّر عالگمر بالغيم
ما أحب الگمر كلّش گمر!!
وحسب الشاعر المبدع سعيد عقل: "الصعب صنو الجمال،لأنه دهشة وإعمال كدّ عقلي وإبداع عبقرية وكدح فكري".
ولعل النعيمي في عمله واجتيازه للصعاب كان أشبه بنحات ينقش في الرخام ويرسم ألواناً من الضوء هي نوع من الخلق والتفرد والتمييز، وفي ذلك تتجسد الصعوبة لأنها إبداع.
كان النعيمي في تساؤل وقلق وحوار دائم مع نفسه، تُرى هل أن الطريق الذي اختاره كان صحيحاً، لا سيما بعد تجارب مريرة وخيبات كبرى وأحزان معتقة ومرارات مستمرة؟ وكان يعيد السؤال على نفسه: هل أن هذا الطريق هو المؤدي إلى الحقيقة أم ثمة طرق أخرى؟.
في مواجهته مع الصعاب، ولا سيما في فترات الأزمات والاحتدامات سواءً على المستوى البحريني أو على المستوى العربي، كان النعيمي بعد تقليبه الأمور يميناً وشمالاً، يعود وهو الأكثر عناداً وصلابة، في اختيار طريق الحقيقة، طريق النضال على الرغم من وعورته ومخاطره، لكنه كان يجد فيه سعادته وعلى العكس كان ينظر إلى الخنوع الذي لم يكن بالنسبة إليه سوى تعاسة ما بعدها تعاسة، وكأنه يقتفي أثر الجواهري شاعر العرب لأكبر الذي يقول:
إن الحياة كفاح وتضحية

حبّ السلامة فيها أرذل السبل


وبقدر واقعية النعيمي وبراغماتية مواقفه السياسية، لكنه كان حالماً كبيراً، ولم يفارق حلمه في أشد الأوقات حلكة وسواداً وحسب اقتباس من مكسيم غوركي الروائي الروسي الكبير في وصف أحد الثوريين الكبار: كان نصف عقله يعيش في المستقبل الذي كرّس له حياته، غير عابئ بالتضحيات من أجل الحرية والعدالة والخلاص من الاستغلال والاستبداد واللامساواة.
توّصل النعيمي في سنواته الأخيرة إلى ضرورة تكوين كتلة تاريخية، فلم يعد التخندق بالأيديولوجيات أو المواقف السياسية مقدساً، ولا بّد من عمل جماعي على مستوى اليسار أولاً وفيما بعد على المستوى الوطني بجميع تموّجاته وألوانه الدينية أو السياسية. وقد بذل في سبيل ذلك الكثير سواءً للتقارب بين الجبهة الشعبية في البحرين وجبهة التحرير الوطني البحريني، مثلما ساهم في فتح حوارات متواصلة للهدف ذاته بين جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، والمنبر الديمقراطي، كما سعى وساهم في إقامة علاقة تأصيلية مع حركة الوفاق الإسلامية، ولا أريد التحدث عن ذلك، فأهل مكّة أدرى بشعابها، وهل يُفتى ومالك في المدينة؟
استذكرنا باستعادة ارتجاعية ولكن بحضور بهي شخصية النعيمي ودوره القيادي وسجاياه الإنسانية عشية رحيله الأستاذة خولة مطر وأنا في اجتماع على الغذاء في بيروت التي أحبّها، حيث كان أكثر من نصف حديثنا يدور حوله، وعلى الرغم من معرفتنا بحاله وهو في غيبوبته منذ أربع سنوات، لكنه لم يدر بخلدنا أنه كان في ساعات احتضاره الأخيرة.
عاش النعيمي حياته كثير الاعتزاز ببحرينيته وبخليجيته، وفي الوقت نفسه كان مخلصاً وفخوراً بانتمائه العروبي، مثلما كان اتجاهه اليساري والأممي منفتحاً، وكان فضاؤه إنسانياً رحباً.
وبقدر ما كان المنفى ضاغطاً وعنيفاً عليه، خصوصاً وقد انتقل لأكثر من بلد خليجي وعربي، من ظفار إلى عدن ومنها إلى سوح المقاومة في لبنان، ثم استقر به المقام في الشام، وفي تلك المنافي حمل البحرين في قلبه، وظل متمسكاً بهويته التي لم يغادرها أو يغب عنها قط، ولم يشعر للحظة واحدة أن بُعد المسافات كان عائقاً أمام تواصله وتفاعله وربما وجوده قريباً من حيث يُريد.
وعندما انفرجت الأوضاع السياسية في البحرين في مطلع الألفية الثالثة وساد نوع من الوفاق الوطني، كان النعيمي ينظر بإيجابية وتقدير لذلك التطور وكم تمنى أن يستكمل مداه بالمزيد من الانفتاح والحريات والقواعد القانونية والدستورية الديمقراطية.
ومثلما كانت البحرين عشقه، فقد كان نصيب فلسطين كبيراً من هذا العشق الإنساني المتماهي مع الحقيقة، حيث عاش القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها كما لم يسبقه أي فلسطيني آخر، وحمل الهّم اللبناني في جميع مراحل الحرب الأهلية وبعدها، ومع اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، وفيما بعد غزو الكويت والحصار على العراق وأخيراً وقوعه تحت الاحتلال، كان العراق شغله الشاغل، ومع حساسيته من الاستبداد ورفضه لأساليب الحكم الدكتاتورية، إلا أنه كان ضد شن الحرب على الشعب العراقي وإذلاله، مثلما كان ضد الاحتلال والتدخل العسكري الخارجي، ولعله دفع ثمن اعتداله ومواقفه المتوازنة تلك، وقد أغضب موقفه المبدئي الفريقين، لكن إرضاء الحقيقة كان هاجسه الأول والأخير.
كان بيته الدمشقي الياسميني الصغير، منتدىً يتسع للعلمانيين والمتدينين والماركسيين واليساريين، للقوميين والليبراليين، ولكأن البيت وأصحابه بمن فيهم سيّدة المنزل الفاضلة مريم والأبناء كانوا في ورشة عمل دائمة ومفتوحة للحوار والتفاعل والمبادرة والضيافة والكرم في كل الأوقات، حيث يلتقي فيه ضيوف من المغرب والمشرق، سوريون ولبنانيون وفلسطينيون وعراقيون ومغاربة من شتى الاتجاهات الفكرية والسياسية. وغالباً ما كانت الجلسات تضم مثقفين كبار.
وإذا كان التواضع سمة من سمات الكبار، فقد كان النعيمي متواضعاً بامتياز، دون تكلّف أو ادعاء، يعيش مع الناس ويختلط بطبقاتهم وفئاتهم الاجتماعية وألوانهم الدينية، وكان يمارس دور المثقف العضوي والناقد دون أستاذية أو غرور، بل كان يسعى للتعلّم من أصدقائه ومريديه ومعارفه، بمن فيهم تلامذته، وهو الحكيم والمجرّب الأمين.
لقد سعى النعيمي خلال منافيه لبناء نفسه وتطوير قدراته وعمل طويلاً على تنمية إمكاناته الفكرية والثقافية، وبقدر حرصه على الحوار والنقاش والجدل ومدّ الجسور، إلاّ أنه كان بعيداً عن كسل بعض المثقفين الذين عرفتهم المنافي، حيث استهلاك الوقت في المقاهي والتسكع على الأرصفة والانشغال بالترهات، لأنه كان يعرف قيمة الوقت وكم هو ثمين، كما كان يدرك أهمية الفكر في الصراع الدائر، لذلك كرّس وقته للعمل النافع، وحرص في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين وأوائل تسعينياته على نشر ثقافة الحوار والاختلاف والتنوّع والتعددية، فعمل مع ثلّة من رفاقه إلى تأسيس دار الكنوز الأدبية التي قدّمت عناوين ثقافية وسياسية مهمة لكتاب ومفكرين ومثقفين، على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم!
حزننا شديد بفقدان "أبو أمل" على الرغم من أن الشجرة الكبيرة والمثمرة التي زرعها تتحول اليوم إلى بستان مزدهر، بفضل إصراره وصحبه على التمسك بالحقيقة، ومع حزننا الكبير لرحيل "أبو خالد" فلن نبكي عبد الرحمن النعيمي ولن نقول له وداعاً، وإنما نقول له اشتياقاً، فالسفينة التي أبحر بها أول مرة لا تزال تمخر عباب البحر على الرغم من العواصف والرياح، حيث الشمس الذهبية التي تتوهج في كبد السماء ترسل أشعتها الدافئة إلى المرافئ الخليجية، واعدة بحلم وضاء وربيع أخضر ومستقبل أكثر سعادة وإشراقاً..
عبد الرحمن النعيمي نمّ قرير العين فلك الذكرى العطرة المخلّدة.
وتحية لك من أصدقائك العرب.


المنامة 10/10/2011



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحق في الماء
- سورية :هل لا يزال طريق التسوية التاريخية سالكاً!؟
- العقدة اليمنية وما السبيل لحلها؟
- في رحيل عبد الرحمن النعيمي
- بالمر جولدستون.. أَيُّ مفارقة وأَيُّ قانون؟
- أسئلة الثقافة والسلطة: اختلاط الزيت بالماء
- ثروات العراق: عقود ملتبسة ومستقبل غامض!!
- إرهابيون أشرار وإرهابيون أخيار!
- في وداع عبد الرحمن النعيمي : حين يجتمع العقل والحكمة والصدق
- الدبلوماسية العالمية: مفارقات وحيرة
- ليبيا: احتلال بالتعاقد أم الأمن الناعم؟
- مصر التي في خاطري
- البوعزيزي وسيدي بوزيد وبحر الزيتون
- التزوير «القانوني» وكاتم الصوت العراقي
- ما بعد كركوك.. هل جنوب السودان نموذج؟!
- صالح جبر وسعد صالح : التاريخ وصداقة الأضداد
- دولة فلسطين واعتراف الأمم المتحدة
- الربيع العربي واستنساخ التجارب!
- القوى المخلوعة والمحافظة تهدد الثورة .. وحذار من التصدع!
- في نظرية التفكيك العراقية!


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - سمفونية الرحيل- عبد الرحمن النعيمي الرجل الذي مشى بوجه الريح