أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الحسين شعبان - البارزاني في ذكرى رحيله الثالثة والثلاثين..الكاريزما الشخصية والواقعية السياسية















المزيد.....



البارزاني في ذكرى رحيله الثالثة والثلاثين..الكاريزما الشخصية والواقعية السياسية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3660 - 2012 / 3 / 7 - 00:07
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



إذا جاز القول إن الرواية الروسية قد خرجت من معطف غوغل، فربما يجوز القول إن الحركة الكردية المعاصرة قد خرجت من " جمداني" (لباس الرأس الذي يرتديه الرجال الكرد) الملاّ مصطفى البارزاني في تاريخ الدولة العراقية المعاصرة.


Barzani ,barzane,mola mostafa barzani
وإذا كان هذا القول ينطبق على الحركة القومية الكردية التحررية في العراق، الاّ أنه ليس بعيداً عن بقية أجزاء كردستان. وذلك للدور البارز والمتميّز لقيادة البارزاني وللمكانة التي احتلّتها لدى عموم الأمة الكردية، فقد استطاع بفضل مؤهلاته وموقعه وحنكته وبعد نظره أن يحقق الكثير للشعب الكردي وأن يُعلي قضيته في شتى الميادين والمحافل ولاسيما بعد ثورة 11 (سبتمبر) 1961 في كردستان العراق، على الرغم من الظروف المعقّدة والتداخلات الخارجية وظروف الصراع الدولي في فترة الحرب الباردة، لاسيما بغياب القضية الكردية عن الأروقة الدولية منذ عشرينيات القرن الماضي وبعد معاهدة لوزان العام 1923 ولغاية العام 1991، وذلك بصدور القرار 688 عن مجلس الأمن الدولي في 5 نيسان (ابريل) الخاص بكفالة احترام حقوق الانسان في العراق ووقف القمع الذي تعرّضت له المنطقة الكردية وبقية مناطق العراق، باعتباره تهديداً للسلم والأمن الدوليين.

لقد اجتمعت في شخص البارزاني عناصر قوة كثيرة يندر أن تجتمع في شخص واحد. وهذه العناصر موضوعية وذاتية. فهو سليل الأسرة البارزانية الشهيرة وصاحبة الطريقة النقشبندية، والتي تمتلك نفوذاً دينياً ومادياً ومعنوياً كبيراً. يضاف إلى ذلك فهي أسرة مكافحة وشجاعة ساهمت في العديد من الحركات والانتفاضات ضد الحكم العثماني وما بعده حين أصبح العراق خاضعاً للنفوذ البريطاني، وليس عبثاً أن تدمّر منطقة بارزان خلال القرن ونيّف الماضي من تاريخها 17 مرّة وتستباح ويتم تخريبها وقصفها عدّة مرّات.

* * *

نشأ البارزاني في ظروف قاسية، فحين بلغ الثالثة من العمر اعتقل مع أمّه في سجن الموصل. كما أعدم أخوه عبد السلام. وترعرع الفتى بعد ذلك في ظروف المقاومة ومواجهة التحديات والتصدّي لمحاولات إملاء الإرادة، دفاعاً عن النفس وعن حقوق الكرد، سواءً خلال مشاركته بالثورة في كردستان تركيا 1917-1919 أو بانتفاضة الشيخ محمود الحفيد في السليمانية عام 1919، حيث قام بتنفيذ تعليمات أخيه الأكبر الشيخ أحمد البارزاني.

وفي الثلاثينيات شارك في الإعداد والتنفيذ والقيادة لحركات البارزان، وفي أواسط العام 1936 اعتقل في الموصل، ونقل هو والشيخ أحمد البارزاني وعدد كبير من العوائل البارزانية إلى بغداد وبعض المدن العراقية حيث فرضت عليهم الاقامة الجبرية، وهو إجراء طالما لجأت إليه الحكومات المتعاقبة بحق الكرد، حيث يتم إجلاؤهم وتهجيرهم إلى مناطق أخرى بحجة الظروف الأمنية.

وخلال الحرب العالمية الثانية، استطاع البارزاني الهرب (1943) حيث وصل إلى قرية "شنو" في إيران، تمهيداً للانتقال إلى بارزان لقيادة حركة بارزان بين عام 1943-1945، حيث كان البارزاني قد تمرّس في القيادة العسكرية، وفي الوقت نفسه اكتسب مهارة سياسية وأثمرت مؤهلاته القيادية، في المساهمة بتأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) عام 1946. وكان البارزاني قد شارك في الدفاع عن جمهورية مهاباد " الكردية" الإيرانية مع القاضي محمد الذي أعدم عام 1947، حيث اضطر البارزاني إلى مغادرة كردستان بعد أن ضاقت به السبل ليطلب اللجوء السياسي في الاتحاد السوفيتي السابق وعدد من أنصاره وعاش في المنفى نحو 12 عاماً.

وبعد ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 تمكّن من العودة إلى العراق في 6/10/1958 حيث استقبل استقبالاً حافلاً من لدن حكومة الثورة والزعيم عبد الكريم قاسم. وكان في طريق عودته قد التقى الزعيم المصري جمال عبد الناصر في القاهرة، ليؤكد أهمية وضرورة التآخي العربي- الكردي. كما اختار ميناء البصرة العربية محطة أولى لوصوله ومنها إلى بغداد وبعدها إلى كردستان.

ومن المفارقة الإشارة إلى أن البارزاني كان قد حكم عليه غيابيا بالاعدام في كل من العراق وإيران، وقد سبق للحكومتين أن خصصتا مبلغ 50 ألف دينار كمكافأة لمن يلقي القبض عليه أو يقدّم معلومات عنه (1943). وكانت الحكومة التركية في وقت سابق قد اعتقلت الشيخ أحمد البارزاني وقامت بتسليمه إلى الحكومة العراقية عام 1933 وذلك يعكس البعد القومي لتحرّكه من جهة ودور الجغرافية السياسية في تعطيل مطالب الشعب الكردي وحقوقه من جهة أخرى، والتعاون والتنسيق الحكومي والأمني بين الحكومات الثلاث الذي ظلّ يشكل على مدى ثلاثة أرباع القرن أو ما يزيد العلامة البارزة في سياسات الدول الثلاث إزاء القضية الكردية، وفي سنوات التسعينيات كان مسؤولو كل من إيران وتركيا وسوريا يجتمعون بشكل دوري لبحث الموضوع الكردي في العراق، ارتباطاً بتطورات قيام كيان كردي مستقل عن الحكومة المركزية في العراق.

* * *

لقد تمكّن البارزاني من الجمع الوثيق بين دفاعه الراسخ وإيمانه اللامحدود بقضية شعبه وأمته وعدالة قضيته، وبين قدرته الكبيرة على فهم طبيعة العلاقة المتميّزة بالشعب العربي. وهو ما أكسبه مكانة كبيرة لا باعتباره زعيماً كردياً مرموقاً ومتفانياً حسب، بل باعتباره شخصية وطنية عراقية كبيرة لعب دوراً مهما وخصوصاً في العقود الثلاثة التي تلت ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 في السياسة العراقية، إذْ لم يكن من الممكن تجاهله، كما لم يكن من الممكن استبعاده من أي حل لأزمة الحكم المزمنة في العراق.

ولذلك حاولت الحكومات " والثورات" والانقلابات العسكرية استمزاج رأيه وجسّ نبض موقفه قبل قيامها أو بعدها مباشرة، وذلك لأنه كان يمثّل ضمير الشارع الكردي، بغضّ النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول سياساته أو نهجه من جانب السياسيين الآخرين، وفي تقييماتها اللاحقة.

وإذا كان البارزاني قد توفّي في الغربة بعيداً عن أرض كردستان الطيبة التي أحبّها، لكنه حسب وصيته فقد استعيدت رفاته ليدفن في موطنه (بارزان) وحيث نشأ وترعرع، فقد توفّي البارزاني في 1 آذار (مارس) 1979 في الولايات المتحدة، ودفن في بلدة شنو الإيرانية (قرب الحدود) واستقبلت رفاته شعبياً في جو من الحزن والهيبة والوقار والوفاء في 16 تشرين الأول (اكتوبر) 1993، وأصبح بإمكان الشعب الكردي وأصدقائه زيارة قبر البارزاني في منطقة بارزان، حيث تنظّم مسيرات شعبية في ذكراه كل عام.

وقد شاهد كاتب السطور يوم 1 آذار (مارس) 2000 خلال زيارته لكردستان لإلقاء محاضرات على طلبة الدراسات العليا في جامعة صلاح الدين (كلية القانون والسياسة) تدفّق جموع غفيرة من المواطنين وعلى نحو عفوي منذ الصباح الباكر متوجهين إلى منطقة بارزان من جميع أنحاء كردستان. وكان لذلك المشهد تأثير كبير في نفس الكاتب الذي شاهد كردستان وقد لبست حلّتها الربيعية الجميلة الممزوجة والمطرّزة بالحزن ومشاعر اللوعة والغياب. وأصبحت زيارة قبر البارزاني تقليداً شعبياً للتعبير عن علاقة المواطنين الكرد بالرمز. ولعل الكرد أرادوا من خلال مظاهر الاحتفال التعبير الواعي وليس العفوي حسب، عن تمسكهم بالطريق الذي اختاره البارزاني وبعدالة القضية التي نذر لها نفسه.

* * *

الاستثنائية في المرونة والواقعية

لقد كان البارزاني قائداً استثنائياً بكل معنى الكلمة، استطاع أن يجمع بين الاصرار وروح المقاومة من جهة وبين المرونة والاستعداد للحلول المرحلية من جهة أخرى. وإلى جانب روح الكبرياء والعزّة القومية كان يحترم الشعوب والأمم الأخرى ويتحلى بالتواضع الكبير والأدب الجم. وعلى الرغم من أنه كان ثائراً ومتمرّداً واقتحامياً في ميدان القتال، فقد كان مسالماً ومتسامحاً وغير ميال للعنف لاسيما بحق الأبرياء والعزل.

وفي سؤال للأخ الاستاذ مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان لاستجلاء واستكمال هذه الصورة، قال لي: بعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها البارزاني بواسطة السيارة الملغمة التي اتهمت بها الأجهزة الأمنية بقيادة ناظم كزار مدير الأمن العام آنذاك (1971)، توفّرت لدينا معلومات وتقديرات عن أمكانية الرد بالمثل وكانت الخطة ستنجح، واطلعنا البارزاني على المعلومات فتجهّم وجهه، ولم يرد بشيء بادئ الأمر، ثم قام وتوضأ وصلّى وبعدها قال لنا: نحن لا نردُّ على الجرائم بجرائم مماثلة، لأن ذلك سيصيب الأطفال والنساء والأبرياء. أحذّركم بشدّة وأرجو منكم الاقلاع عن التفكير بمثل هذه الأمور.

وعلى الرغم من استخدام السلاح في الثورة الكردية دفاعاً عن النفس، الاّ أنها نأت بنفسها عن "الارهاب" واعتبر البارزاني تلك الممارسات جُبناً وليس مقاومة أو دفاعاً عن النفس. وهو ما جعل شخصية مثل كرايسكي مستشار النمسا وصف الثورة الكردية بـ " الثورة النظيفة" لأنها حاولت الابتعاد قدر الامكان عن القيام بأعمال تخريب أو تفجيرات أو أعمال عنف أو اغتيالات من شأنها إلحاق الأذى بالمواطنين الأبرياء العزل. واقتصرت عملياتها الأساسية على الدفاع عن النفس والقيام ببعض الهجمات ضد القطعات والمواقع العسكرية الحكومية في كردستان، خصوصاً المهاجِمة منها.

وكان شعار البارزاني " العفو عند المقدرة" وعلى أساسه تعامل مع "الجحوش" واستقبل بعضهم ممن ترك مواقعه على الرغم من معرفته بأنهم " خانوا شعبهم" لكنه كان يتعامل بمرونة ومسؤولية إزاء هذه الشريحة، ويبدي تفهّماً إزاء الضغوط التي كانوا يتعرضون لها، ناهيكم عن بعض المُغريات، الأمر الذي يقتضي بتغيّر الظروف والأوضاع، تغيير مواقفهم، وهو ما كان يشجعهم عليه من خلال نهجه المتسامح، خصوصاً إذا ما قرروا فك ارتباطهم بالجهات التي لا تضمن الود للشعب الكردي.

وقد سارت الحركة الكردية على هذا الطريق، فبعد انتفاضة آذار (مارس) 1991 تمكنت من السيطرة على المحافظات الكردستانية ووقع في الأسر أعداد غفيرة من الضباط والجنود والموظفين الحكوميين والحزبيين البعثيين، ولكنها تعاملت معهم بشكل انساني في الغالب (على الرغم من بعض الإستثناءات) تنفيذاً لتعليمات "الجبهة الكردستانية" لاسيما مسعود البارزاني رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني ومام جلال الطالباني الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، على الرغم من المرارات والعذابات التي تعرّض لها الشعب الكردي وخصوصاً عند قصف قضاء حلبجة بالسلاح الكيمياوي 16-17/3/1988، والذي راح ضحيته خمسة آلاف مواطن في الحال وعمليات الأنفال السيئة الصيت التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المواطنين الكرد العزّل وسياسة الأرض المحروقة التي أدت إلى تدمير واتلاف 4500 قرية وقصبة خلال الحرب العراقية – الايرانية.

وقد استوعبت الحركة الكردية هذه البروفة الأولية، وكانت مهيأة بعد الاطاحة بالنظام السابق للتعامل مع حرس الحدود والأكراد الذين كانوا يعملون مع الحكومة مع موقع يساعد على تطمينهم، خصوصاً بالابتعاد عن سياسة الانتقام والثأر والكيدية، وهو الأمر الذي كان العراقيون بشكل عام وليس الأكراد حسب، بحاجة ماسّة إليه لإعادة ترميم الوطن وإشاعة أجواء السلام والتسامح، والتخلص من بيئة الكراهية والأحقاد والضغائن.

* * *

دروس التجربة التاريخية!

يمكنني القول إن البارزاني استوعب بشكل حيوي ومن تجربته التاريخية الغنيّة وخصوصاً في السنوات الأخيرة، أهم الدروس للحركة القومية الكردية في علاقاتها الخارجية، خصوصاً مع القوى الإقليمية والدولية، تلك التي تجلّت فيما عبّر عنه كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق بفصل السياسة عن الأخلاق، لاسيما بإخضاع مصالح الحركة الكردية للمصالح العليا للاستراتيجية الأمريكية في علاقاتها الدولية، ولعل مثل هذا الأمر كان يمثل أيضاً جوهر الاستراتيجية التركية والإيرانية والإسرائيلية في المنطقة، تلك التي حاولت استثمار القضية الكردية في العراق لحساباتها الخاصة.

وقد عبّر البارزاني بمرارة عن هذه الحقيقة، وهو ما يمكن استنتاجه من رسائله إلى الادارة الأمريكية، فلا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتماد صداقة مع أي عدو للعرب باعتباره صديقاً للكرد، مثلما لا يمكن للعرب اعتماد أي عدو للأكراد باعتباره صديقاً لهم، وكان مثل هذا الاستنتاج المهم والخطر أحد دروس انتكاسة العام 1975 بتوقيع إتفاقية 6 آذار (مارس) بين شاه إيران محمد رضا بهلوي والرئيس السابق صدام حسين (النائب حينذاك).

ومثل هذا كان البارزاني قد أدرك على نحو أعمق وخصوصاً بعد اتفاقية (بيان) 11 آذار (مارس) العام 1970 مع الحكومة العراقية ضرورة وأهمية وضع القضية الكردية في مكانها الصحيح من القضية العراقية، فالجزء يؤثر في الكل ويتأثّر به والعكس صحيح. ولذلك فإن الحل الوطني الديموقراطي والتآخي العربي- الكردي يشكل الحجر الأساس في حلّ المشكلة الكردية في إطار مشكلة الحكم في العراق ككل.

لقد استوعب البارزاني الترابط العضوي بين حلّ المشكلة القومية وبين قضية الديموقراطية، إذْ لا يمكن الحديث عن حقوق الشعب الكردي في العراق أو بقية أجزاء كردستان دون الحديث عن الديمقراطية، ذلك أن غيابها قلّص من امكانيات حلّ القضية الكردية والاعتراف بحقوق الشعب الكردي سلمياً، كما أنه رجّح الحل العسكري، الذي هو الآخر لم يكن بوسعه التوصل إلى حلّ معقول وعادل لقضيته، بل زادها تعقيداً.

ولذلك كان شعار الحركة الوطنية اليسارية والديمقراطية العراقية وبضمنها الحزب الديمقراطي الكردستاني لسنوات طوال " الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان" وهو التعبير الأكثر واقعية في تلك المرحلة على التلازم بين الحل الديمقراطي لأزمة الحكم في العراق وبين الحل السلمي للقضية الكردية.

ولعل فداحة غياب الديمقراطية، كان يتجلى أيضاً بحرمان الشعب الكردي، من ممارسة حقوقه المشروعة في التعبير عن إقامة كيانه السياسي، وكذلك حرمانه من ممارسة حقه في التعبير والتنظيم والمشاركة السياسية، وهي من الحقوق الأساسية التي يقرّها الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 10 كانون الاول (ديسمير) العام 1948 إضافة إلى العهدين الدوليين، العهد الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الصادرين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1966، والداخلين في حيز التنفيذ العام 1976، واللذين يقران بحق تقرير المصير.

كما أن فداحة غياب الديمقراطية تجسّد في استمرار نكوص الدولة العراقية عن واجباتها الأساسية في حماية حقوق مواطنيها، وخصوصاً حقوق المواطنة الكاملة وعدم التمييز، واستمرّت الحكومات المتعاقبة في الإستئثار والإنفراد بالحكم، الأمر الذي قاد إلى ميل شديد لهضم الحقوق في إطار حكم شمولي استبدادي، لدرجة أخذت قاعدته الاجتماعية تضيق تدريجيا مع استمرار حرمان الشعب الكردي من حقوقه المشروعة، وبالأخص حقه الأساسي وأعني به حق تقرير المصير.

ولعل حجب حق المشاركة السياسية في إدارة شؤون الحكم وتولّي المناصب العليا هو واحد من اشكاليات الدولة العراقية منذ التأسيس. ويزداد هذا الأمر ويتضاعف بممارسة العزل بالنسبة للشعب الكردي. وقد أبانت التجربة أن القضية الكردية لا يمكن حلّها دون إقرار نظام تعددي دستوري برلماني. وقد ضاقت سبل التجربة الأولى من تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 وإصدار القانون الاساسي عام 1925، حين تقلّصت الهوامش الشكلية وزاد الاختلال في تركيبة الدولة العراقية بإهمال الوجود القومي الكردي وربط البلاد بأحلاف أجنبية زادت من تبعيتها وخصوصاً بعد قيام حلف بغداد (حلف السنتو – حلف المعاهدة المركزية) العام 1955.

المسألة الكردية فقهياً

وعلى الرغم من التطور الذي حصل بعد ثورة 14 تموز (يوليو) 1958، بإقرار شراكة العرب والاكراد في الوطن العراقي (المادة الثالثة) الذي يعتبر أول نص دستوري يعترف بحقوق الشعب الكردي فإن توتر الأوضاع ومطالبة الشعب الكردي باستكمال وتطوير حقوقه واستدارة البلاد نحو الحكم الفردي، أدّى إلى تفجير الأوضاع وقصف مناطق بارزان عام 1961 حيث اندلعت ثورة أيلول (سبتمبر) 1961 التي قادها البارزاني.

وكانت اتفاقية (بيان) 29 حزيران (يونيو) العام 1966 بين حكومة الدكتور عبد الرحمن البزاز وقيادة البارزاني بمثابة هدنة طويلة، كما أن السلام الذي انبثق على أساسها ظلّ مصحوباً بالحذر وأجواء عدم الثقة والترقّب ولم يكن يفضي إلى الحل المنشود والطموح الذي يبتغيه الشعب الكردي.

أما اتفاقية (بيان) 11 آذار (مارس) العام 1970 فقد كانت أهم وأشمل المحطّات التي اعترفت بحقوق الشعب الكردي. وتعتبر أفضل وأعمق نص سياسي وقانوني يحصل عليه الشعب الكردي في تاريخه المعاصر منذ تأسيس الحكم الأهلي في العراق العام 1921 وحتى تاريخه. كما أن بيان 11 آذار (مارس) في حينه كان النص المتميز بالنسبة لدول المنطقة التي تعاني من مشكلة كردية وخصوصاً تركيا وإيران وسوريا.

لقد وضع بيان 11 آذار (مارس) الأساس الصحيح لحل سياسي سلمي معقول للقضية الكردية، كان يمكن تطويره وتعميقه على أساس التفاهم والتوافق والمصلحة المشتركة بعيداً عن الحلول العسكرية والعنفية التي لم تحصد سوى الهزيمة والخيبة والفشل باستمرار. وعلى أساسه تمت صياغة قانون الحكم الذاتي لعام 1974. وهو القانون الذي يعدّ تطوراً مهما في نظرة إحدى حكومات المنطقة إلى القضية الكردية، على الرغم من النواقص والثغرات والمثالب التي احتواها القانون والممارسات الحكومية التي أعقبته، لدرجة قادت إلى تسويفه وسلب صلاحياته من الناحية الفعلية.

وتكمن دلالة ذلك التطور في القضية الكردية قانونياً وسياسياً في تشريع دستور جديد (مؤقت) للبلاد في 16 تموز (يوليو) 1970 (استمرّ نافذاً حتى احتلال العراق في 9 نيسان (ابريل) 2003) حيث تضمّن صياغة دستورية مهمة للغاية وجديرة بالتأمّل على الرغم من أن العبرة ليست بالنصوص، وإنما بالممارسة، وهو ما تم أخذه بنظر الاعتبار في ضوء النصوص الجديدة والنافذة لقانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية 2004، أو الدستور الدائم في 2005، فقد كان للتجربة السابقة دور كبير في وضع الأسس للتخلي عن الأساليب العنفية والعسكرية لحل القضية الكردية، وهي إحدى دروس الحاضر والمستقبل.

ولعل ذلك ما تم البناء عليه انطلاقاً من القاعدة الدستورية التي أرست بعض النصوص وجرى تطويرها بما يتلاءم مع حاجات التطور ومطالب الشعب الكردي وحقوقه تلك التي بلورها برلمان كردستان في العام 1992 بإصداره قانون الاتحاد الفيدرالي.

ويلاحظ الباحث أن وجود نص يعتبر الشعب العراقي يتألف من قوميتين رئيستين هما القومية العربية والقومية الكردية كما ورد في المادة الخامسة كان مسألة مهمة في التطور الدستوري بالنسبة للقضية الكردية، حيث تضمن النص المذكور عبارتين لهما دلالة بالغة وردتا لأول مرة في التشريع العراقي حين نص على " القومية الكردية" و" الشعب الكردي". وذهبت المادة السابعة من الدستور المؤقت العام 1970 (الفقرة ب) إلى التأكيد على أن تكون اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في المنطقة الكردية، وذلك وفقاً لما ورد في بيان 11 آذار (مارس) الذي اعتبر اللغة الكردية لغة التعليم في هذه المناطق، وقرّر مراعاة مبدأ الكفاءة ونسبة السكان في تولّي المناصب المهمة والحساسة كالوزارات والجيش وأن يكون أحد نواب رئيس الجمهورية من الكرد.

ولكن مع الأسف الشديد سارت الأمور باتجاه آخر، حيث اندلع القتال الذي أبعد كل امكانية للتفاهم والحل السلمي وذلك بسبب نهج الغرور والتفرد والاستئثار من جهة وبعض التداخلات والضغوط الخارجية من جهة أخرى للقوى الإقليمية والدولية، ولاسيما لإيران. وبعد اتفاقية الجزائر عام 1975 استخدمت الحكومة عنفاً مضاعفاً ومنظّماً، فقامت بعمليات عقاب جماعي وتهجير قسري في محاولة لتغيير الواقع السكاني والتركيب القومي.

الدرس الآخر الذي استلهمه البارزاني من تجربته الشخصية وخصوصاً بعد اتفاقية 6 آذار (مارس) العام 1975، هو أن أي حل مهما كان إيجابياً ويستجيب إلى حدود معينة لمطالب وحقوق الشعب الكردي، سيبقى ناقصاً وقلقاً ومعرضاً للاقصاء في ظل غياب المؤسسات الدستورية والديمقراطية، وذلك لإمكانية العدول عنه وتسويفه وإجهاضه، خصوصاً دون رقابة ومساءلة.

كما أن أي حلّ لا بد أن يحظى بدعم الإرادة الشعبية وفي فضاء رحب تستطيع فيه أن تعبّر عن نفسها، لكي يكون حلاً راسخاً وثابتاً ولا عودة عنه وليس حلاً مؤقتاً أو قلقاً أو فوقياً. ولن يتحقق ذلك الاّ في أجواء سلمية وطبيعية، ولن يكون مثل هذا الحل الاستراتيجي صفقة سياسية مع هذه المجموعة السياسية أو تلك أو مع هذا الفريق السياسي أو ذاك، لأن ذلك سيمكن التنصل عنه كما حصل في التجارب السابقة، ولعل مثل هذا الحل الستراتيجي يتطلب اعترافاً بحق تقرير المصير لا باعتباره هبة أو منّة أو مكرمة، بل باعتباره اعترافا بواقع أليم كان غيابه سبباً في معاناة حقوق الشعب الكردي.



الفهم الملتبس للفيدرالية

وإذا كان البرلمان الكردستاني (المجلس الوطني لكردستان العراق) قد اختار الفيدرالية في تشرين الأول (اكتوبر) 1992، فإن المسألة كانت تحصيل حاصل واعتراف بالأمر الواقع لإقليم كردستان عند وضع الدستور العراقي المؤقت أو الدائم لاحقاً، على الرغم من التداخلات المعروفة والتجاذبات التي ظلّت قائمة بخصوص النظام الفيدرالي، وهي لا تزال حتى الآن بغض النظر عن استبدال الفرقاء مواقفهم ومواقعهم من الفيدرالية، فمن كان بالأمس القريب ضدها ويعتبرها كارثة على العراق أصبح من المنادين بها، أما من كان مؤيداً له فقد أبدى تحفظات بشأنها، والأمر له ارتباط بالقرب أو البعد من موقع السلطة والحكم. وليس لديّ أدنى شك ومن خلال قراءتي للنظام الفيدرالي العالمي المطبق في نحو 25 بلداً ونحو 40% من سكان العالم يتبعونه، فإن ما ورد في الدستور العراقي يثير إشكاليات منهاجية وعملية ستبقى قائمة ومصدراً للتناحر والاختلاف وبتقديري انه لا يمكن الحفاظ على وحدة طوعية للدولة العراقية دون تعزيز العلاقة والأخوة العربية- الكردية بشكلها القانوني، وعلى أساس المشترك الإنساني والفهم المتبادل.

فالفيدرالية حسب وجهة نظري كحقوقي عربي، هي تأكيد على انتماء الكرد للدولة العراقية. وهي نفي قاطع للانفصال والتجزئة، ولكنها في الوقت نفسه محاولة لإعادة تأصيل العلاقة العربية- الكردية وتحديد المسؤولية بين الحكومة المركزية (الاتحادية) والمنطقة الكردية (إقليم كردستان) بما يوفر للاكراد ضمانات مستقبلية وصلاحيات تنسجم مع تعقيدات المشكلة الكردية مستفيدين من وصول تجربة الحكم الذاتي السابق التي وصلت إلى طريق مسدود، ومن آثار حقبة الاضطهاد الطويلة الأمد.

وقد سبق لي أن لمست حقيقة الموقف الكردي من خلال لقاءاتي العديدة وصداقاتي مع النخب الفكرية والثقافية والقيادات الكردية، فقد كان الزعماء الكرد التاريخيون منهم والجيل الثاني يؤكدون بعقلانية وبعد نظر وفهم عميق للوضع الجيوبوليتيكي والعلاقات الدولية على أهمية الاتيان بنظام حكم دستوري تعددي فيدرالي لعراق ديمقراطي موحد لكن مثل هذا الأمر سيخضع دون أدنى شك إلى تطورات الوضع السياسي الداخلي والإقليمي والدولي ودرجة نجاح الدولة العراقية في بناء مواطنة سليمة قائمة على أساس المساواة تنسجم فيها المكوّنات القومية وفقاً لشراكة حقيقية وتوزيع سليم للصلاحيات والسلطات والثروات.

وإذا كانت مثل هذه الفرصة قد أصبحت سانحة، فلا بدّ من إعادة بنائها على أسس صحيحة وحل المشاكل التي تعترض طريقها عبر الحوار والتفاهم والمشترك الانساني، سواءً فيما يتعلق بالمادة 140 أو قضية كركوك أو غيرها من القضايا التي ينبغي أن تحل على أساس احترام حقوق الإنسان، وإرادة السكان ودون أي إكراه مع مراعاة مصالح النضال المشترك للعرب والكرد وسائر المكوّنات العراقية وحقوقها العادلة والمشروعة.

واعتقد ان من مصلحة الكرد قبل غيرهم انجاز مشروع التغيير الديمقراطي الذي لا بدّ أن يأخذ بنظر الاعتبار الاعتراف بحقوقهم وفي المقدمة منها حق تقرير المصير واحترام خياراتهم بصيغة العلاقة مع شقيقهم الشعب العربي سواء كانت الفيدرالية أو غيرها.

إنّ حلاً مثل هذا سيلغي المخاوف والمبررات والدعاوى من خطر " الانفصال" أو "التقسيم" أو "التجزئة" أو " التفتيت" أو " البلقنة" أو " اللبننة" أو الأفغنة"، خصوصاً باعلان الرغبة المشتركة في إعادة توحيد الدولة العراقية على نحو جديد ومشروع، ويحظى بثقة المواطنين وعلى أساس ارادتهم الحرة ووفقا لحق تقرير المصير، بما يؤدي إلى تقليص نزعات الاستعلاء القومي والشوفينية من جهة وكذلك نزعات الانعزالية وضيق الافق القومي، من جهة أخرى. ولا شك أن حلاً مثل هذا سيعزز من وحدة الدولة العراقية ومن كيانيتها المؤتلفة في إطار اتحاد فيدرالي أساسه العرب والكرد وليس فيدرالية قائمة وفقاً لاعتبارات طائفية أو مذهبية ستثير مشاكل جديدة بوجه الوحدة العراقية.

* * *

الحوار العربي- الكردي

ان الاقرار بحق تقرير المصير هو اقرار بواقع أليم عانى منه الشعب الكردي الذي ذاق حرب الإبادة والتهجير ومحاولات إلغاء الهوية والتشكيك بالوطنية والمواطنية وتغيير التركيب السكاني والطابع الديموغرافي بهدف تذويب أو صهر أو تعويم أو إضاعة لونه الخاص ومعالمه.

وحسب تقديري فإن الاقرار بحق تقرير المصير ونحن نتحدث عن سيرة البارزاني، الذي أفنى حياته في سبيله، ليس حسنة من أحد أو هدّية من مجموعة (حكّاماً أو معارضة) كما أشرت إلى ذلك في البحث الذي قدّمته في ندوة الحوار العربي- الكردي في القاهرة 1998، وهو ما سبق أن عرضته في المؤتمر الذي كان لي شرف تنظيمه في لندن العام 1992 بخصوص " الحوار العربي- الكردي" في إطار المنظمة العربية لحقوق الإنسان التي كنت أترأسها، بل هو تعبير عن النظرة الإنسانية الأصيلة والتفكير العصري المتحضّر، خصوصاً وإن عالم اليوم أخذ يقر للأمم والقوميات، بما فيها أمم وقوميات صغيرة، بل وحتى وقبائل خرجت لتوها من الغابات، بحقها في تقرير مصيرها، وأخذ علمها يرتفع في الأروقة والمحافل الدولية والدبلوماسية بما فيها الأمم المتحدة، وهو ما تقرّه القوانين والقواعد الدولية ومبادئ وشرعة حقوق الانسان وقواعد العدالة الدولية.

* * *

مع البارزاني في كلاله!

أتوقف الآن بعد 33 عاماً على وفاة البارزاني وقد قدّر لي أن ألتقي الزعيم الكردي الكبير في مقرّه بكلالة قبل 42 عاماً، حيث زرته على رأس وفد مهنئاً ببيان 11 آذار (مارس)1970 وشاكياً في الوقت نفسه تجاوزات حكومية شملت قوى وتيارات وشخصيات يسارية وقومية وليبرالية، فما كان منه الاّ أن يندّد بالارهاب ويعدّ ببذل ما يستطيع لوقفه معبّراً بطريقته الخاصة عن الإخاء العربي- الكردي، بإشارته أنه لا يمكن للجزء الكردي أن يتعافى طالما أن الجزء العربي من العراق في وضع غير سليم.

لم يكن البارزاني ليهمل قواعد الدبلوماسية والبروتوكول والحصافة السياسية حين وجه رسالة تندد بالارهاب بعد أسابيع من بيان 11 آذار (مارس) والتي سرت في وقتها مثل النار في الهشيم كما يقال، لكنه كان شديد الحساسية إزاءه مما دفعه إلى انتقاد الحكومة العراقية علناً محذّراً من مغبة السير في هذا الطريق.

لقد كانت مبادرة البارزاني بتوجيه رسالة تضامن لها وقع كبير على المستوى الداخلي والخارجي، وفي حينها كلف الاستاذ صالح اليوسفي (رئيس تحرير صحيفة التآخي) بكتابة الرسالة وبحضور الاستاذ علي عبدالله والاستاذ علي السنجاري والدكتور محمود عثمان والاستاذ فرانسو الحريري.

وكانت الرسالة أول بادرة انذار علنية وإشارة صريحة ضد الممارسات القمعية، إذ أن بيان 11 آذار (مارس) لم يكن بالامكان تطبيقه في ظل تدهور حالة الانفراج السياسي وتلكؤ القيام باصلاحات ديمقراطية، التي تشكل صمام الأمان لتلبية مطالب الشعب الكردي.

ووعد البارزاني في رسالته بذل ما يستطيع لوقف الانتهاكات والارهاب مختتما اياها بالاية القرانية الكريمة "لا يكلّف الله نفسا الا وسعَها" صدق الله العظيم.

ولكي تتم متابعة توجيهاته حاول تنظيم صلة خاصة مع الاستاذ سامي عبد الرحمن (وزير الدولة آنذاك) لمتابعة الموضوع عن طريق صحيفة التآخي وأخرى عن طريق الفرع الخامس للحزب في بغداد، وهناك تلقى الأخوة المسؤولون مني مطالعات ومعلومات عن الحملة التي قامت بها السلطات الحكومية ضد عدد من اليساريين والقوميين، إضافة إلى بعض المنظمات الفلسطينية في حينها، وذلك في ظروف بالغة الدقة والحساسية.

* * *

عراقي الهوى كردي الهوية

كان البارزاني عراقي الهوية، كردي الانتماء، وطني الملامح وقومي السمات. كان لديه القدرة على التقاط الجوهري من الأشياء رغم الرياح العاتية وعوامل الجذب الكثيرة والاستقطابات الدولية والاقليمية والضغوط الكثيرة. فلديه جميع مؤهلات القيادة : الشجاعة، القدرة على حسم الأمور واتخاذ القرار، المبادرة، المرونة، والواقعية... وقبل كل شيء الاخلاص والوفاء للشعب الكردي وقضيته العادلة... كل ذلك في إطار من الصلابة العالية والحزم والحساسية إزاء مظاهر الظلم والاستبداد.

لعلّي هنا أستعيد قصيدة الجواهري الكبير التي نظمها عام 1964 وألقاها في مؤتمر جمعية الطلبة الأكراد في ميونيخ":

" قلبي لكردستان يُهدى والفمُ ولقد يجود بأصغريه المعدمُ

إلى أن يقول فيها:

سلّم على الجبل الأشم وأهله ولأنت تعرف عن بنيه من همُ

باسم الأمين المصطفى من أمة بحياته عند التخاصم تقسمُ

صلب الملامح تتقي نظراته شهب النسور ويدرّيها الضغيم

* * *

تجربة للدراسة!

وكصديق عربي وباحث ومختص أقول في الختام، لا بدّ من دراسة تجربة البارزاني بسياقها التاريخي وضمن ظروف المرحلة التي عاشها وتنظيم حلقات وورش عمل خاصة بذلك بروح انتقادية ومنفتحة بما لها وما عليها، لتسليط الضوء على آرائه ووجهات نظره السياسية والعسكرية والاجتماعية وعلاقاته الدولية وخبراته الخاصة، سواءً في المنفى وهي فترة لم تعطَّ إلى الآن حقها وأعني بها تجربتي نكسة جمهورية مهاباد العام 1946-1947 واعدام القاضي محمد وتجربة نكسة العام 1975 وخصوصاً التواطؤ الإيراني- الأمريكي أو عند ممارسته دور القيادة والتوجيه والاشراف المباشر عام 1961-1975 وما بعده.

ان هذه المهمة تحتاج إلى فريق عمل ومتخصصين ومتفرّغين لجمع هذا التراث ووضعه بيد الجيل الحالي والأجيال القادمة للاستفادة منه واستلهام الدروس والعبر لما فيه مصلحة الشعب الكردي والأمة الكردية بما يساهم في تعزيز نضاله من أجل حقوقه وبالأساس حقه في تقرير المصير وإقامة كيان خاص به يلبي طموحاته وينظّم علاقاته مع جيرانه والشعوب الصديقة على أساس من الشراكة والتكافؤ والمساواة والمصالح المشتركة والمنافع المشاركة وبما يعزز التطور السلمي والتنمية والديمقراطية وحقوق الانسان في كردستان بجميع أجزائها وفي بلدان ودول المنطقة بجميع أقطارها.

ومن هذا المنطلق فإن حواراً بين أمم المنطقة الأربع وخصوصاً الأمة العربية والأمة التركية والأمة الفارسية والأمة الكردية، ضروري جداً لتحقيق الأمن الإقليمي إذْْ دون علاقات متكافئة وسلمية أساسها المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، لا يمكن للمنطقة أن تنعم بالسلام والأمن والتنمية. ولن يكون ذلك واقعاً دون علاقات وطيدة بين أبناء هذه الأمم وحقها في تقرير مصيرها.

وإذا كان للأمة العربية أكثر من دولة وكيان ومن حقها المشروع قيام وحدتها وللأمة التركية دولة وللأمة الفارسية دولة، فإن الأمة الكردية هي الوحيدة المحرومة من إقامة دولة خاصة بها وكعربي أشعر باعتزاز بعروبتي أقدّر في الوقت نفسه حق الأمة الكردية في الوحدة، حيث ظلّت موزعة بين بلدان المنطقة: تركيا وإيران والعراق وسوريا وتفتقد إلى كيان خاص بها، بل أنها تعرضت وتحت أسماء ومبررات مختلفة إلى الاضطهاد والقمع والتنكر للحقوق تاريخياً.

ودون قيام أنظمة ديمقراطية حقيقية في بلدان المنطقة لا يمكن حل المسألة القومية الكردية، التي لن تجد اعترافاً بها وبحق الأمة الكردية عن تقرير المصير الاّ في إطار انتقال ديمقراطي لدول المنطقة، وعندها سيكون الحوار والسلام والتسامح والمشترك الانساني السبيل السليم لإخراج هذه المسألة إلى حيّز التنفيذ.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمن أولا والحرية أخيراً.. والعنف بينهما
- العدالة وإرث الماضي
- الجنادرية والروح الجامعة
- العدالة الانتقالية وخصوصيات المنطقة العربية
- العدالة الانتقالية: مقاربات عربية للتجربة الدولية!
- كلام في ثقافة التغيير!
- الهوِيّة الوطنية والربيع العربي
- الربيع العربي منظور إليه استشراقياً
- فريضة التسامح وجدلية القطيعة والتواصل!
- مصير الإمام موسى الصدر: متى خاتمة الأحزان؟
- التواصل والقطيعة في فريضة التسامح
- مقهى وروّاد ومدينة: ذاكرة المكان ونستولوجيا التاريخ!
- العنف واللاعنف في الربيع العربي
- محنة العراق بين الديمقراطية والحرية
- الربيع العربي وردّ الاعتبار إلى السياسة
- تعويم الدستور العراقي
- إشكاليات ما بعد الربيع العربي
- الشيخوخة
- اللحظة الثورية وربيع التغيير
- الإسلاميون والعلمانيون


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الحسين شعبان - البارزاني في ذكرى رحيله الثالثة والثلاثين..الكاريزما الشخصية والواقعية السياسية