أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - السياسة والطائفة















المزيد.....


السياسة والطائفة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3702 - 2012 / 4 / 19 - 17:22
المحور: مقابلات و حوارات
    


(القسم 17)

البيت الشيعي وقضايا أخرى
يواصل الدكتور شعبان حديثه عن الطائفة والعمل السياسي:
- كما أن بعض الذين يرفضون التوجه الديني من منظور آخر، كانوا يرغبون في وجود كيان أو مجموعة من الشيعة العلمانيين، لمعارضة الشيعة الطائفيين، وبتقدير هؤلاء أن ذلك هو الرد النوعي، وبهذا المعنى كان البعض يريد أن يأكل الثوم بلسان الغير، وتحت أي مسمّيات سيكون مثل هذا التوجّه هو الآخر طائفياً حتى إذا افترضنا فيه حسن النية، وسيكون الخلاف من يمثل الطائفة أو يعبّر عنها، في حين أن المسألة لديّ هي إلغاء الطائفية وتحريمها من أي أتت وتحت أي ثوب اختفت.

والأمر ينطبق على العشائرية أيضاً، فلا يمكنك أن تكون حداثياً وأنت مع العودة إلى العشائرية وقيمها وتقاليدها، فلعل ذلك يتعارض مع فكرة الدولة التي ينبغي أن تخضع لها كل المكوّنات، لا أن تصبح العشيرة فوقها، بحيث تتوقف حدود الدولة فيما إذا تعارضت مع حدود العشيرة، وإذا كنت أعتز بانتسابي العراقي وأرومتي العربية، ورابطتي العشائرية الكبيرة، لكن ذلك ليس على حساب الدولة وقوانينها وآلياتها.
إعتذرت بأدب من الأزري صاحب الدعوة لشيعة علمانيين ومن زملائه الأكارم، مع استمرار علاقتي الوطيدة بكل منهم حتى مغادرتهم الدنيا الفانية، وأعتزّ بتلك العلاقات الإنسانية ونزاهتها.
لقد بلور د. أحمد الجلبي فكرة "البيت الشيعي"، وأقنع أوساطاً دينية شيعية واسعة للانخراط بها، وأظن أنه نجح في تشكيل كتلة سياسية مؤثرة، لاسيما في ظل قانون انتخاب، لا يسمح الاّ للحيتان الكبيرة على العيش، وعلى الرغم من مخالفتي للفكرة أساساً ولأي مشروع مشابه، لاسيما باعتمادها على المسألة الطائفية، التي سبق أن دعوت لتحريمها تعزيزاً للمواطنة، لكنني بكل صراحة أقول لك أن ذلك كان براعة سياسية من الجلبي وحشداً انتخابياً وقوة كبيرة، بحيث أثّرت في المشهد السياسي اللاحق، ولا أبالغ إذا قلت لولاها، لكان الأمر قد اتّخذ مسارات أخرى، لكن نجاحها أسس لكيانية لها حضور فاعل، وكما قلت لك ولا أخفي ذلك أنني لست مع أي توجّه يستثمر الطائفة أو قطاعات واسعة منها بسبب الأوضاع المزرية في الماضي والمعاناة الفائقة التي عاشتها، ولاسيما خلال الحرب العراقية- الإيرانية وما بعدها.
ولعل مثل هذا التوجّه يجمع الضد النوعي في مواجهته أيضاً، حيث تكتلت المجاميع السنية الدينية ممثلة بالحزب الاسلامي، الأمر الذي دفع البلاد إلى هاوية طائفية، كان بول بريمر قد وضع العراق على عتبتها، بتكريس ما هو قائم وجعله عرفاً سائداً من خلال ما سمّي بنظام المحاصصة والتقاسم الوظيفي.
لا أظن أن موقفي هذا من الطائفية أو دعوتي للدولة المدنية يتعارض مع الدين، والدين كما يُقال "معاملة" على حد قول الرسول الأعظم، وليس من حق المفسّرين أو المؤّلين أن يحللوا ويحرّموا ويقدسوا ويدنسوا، فالعقل الذي هو هبة ربانية وهو المعيار والحكم على كل شيء.
وهنا لا بدّ من التمييز بين الطائفة والطائفية، فالأولى هي فرقة من الفرق الإسلامية لها تاريخها وطقوسها وشعائرها وخصائصها التاريخية، مثلها مثل غيرها من الطوائف، أما الثانية فهي محاولة سياسية للتميّز أو للتسيّد وإدعاء الأفضليات تحت حجج مختلفة، لكن أهدافها سياسية، وهي حسب تقديري تضرّ بمصلحة الطائفة والمنتسبين إليها تاريخياً وهذا الأمر بقدر انطباقه على الشيعة، فهو ينطبق على السنّة أيضاً.
لا أخفي موقفي ضد المشاهد المقززة لتعذيب النفس والتي لا علاقة لها بالمذهب الشيعي وقد جاءت عن طريق الصفويين من إيران، وحتى لو كانت هذه المواقف تهمة ضد الدين أو غيره فأنا غير عابئ أو معنيّ بها، خصوصاً وإنني أحترم أتباع الديانات والمذاهب، وأنا من عائلة دينية، لكنني استخدم العقل في دعواتي لما أراه لا علاقة له بالدين أو المذهب. فقد ولدت في النجف وأعرف مدى تأثير مثل تلك الطقوس، ولكن على رجل الدين أن لا يتخلّى عن واجباته، وعليه أن يقول رأيه لا أن يلعب على مشاعر الناس البسطاء. أما التقاعس أو مجاملة " العامة" فيما استقرت عليه بعض العادات والطقوس التي لا علاقة لها بالدين، فهو نكوص عن واحدة من واجبات رجل الدين، وسيكفّ أن يكون يكون مرجعاً بدونها. وإذا كان هذا دور رجل الدين، فحرّي بالمثقف، لاسيما التنويري والمعرفي والحداثي أن يكون سبّاقاً إلى ذلك.
ممارسات مؤذية
كما أن بعض رجال الفقه والدين المتنورين كانوا ضد تلك الممارسات التي تؤذي الانسان، ولأكثر من مرّة أثرت الموضوع مع السيد بحر العلوم، الذي كان جوابه أنه لا يحبّذها، لكن الحديث عنها، لاسيما على نطاق علني، يسبب المتاعب لأصحاب تلك الدعوات. وقلت له وليكن الأمر، فهو واجب عليكم وعلى من يعتقد ذلك، وكان عدد من رجال الدين ضد التطبير وضرب القامات والزناجيل على الظهور لإدماء النفس، وفي مقدمتهم السيد أبو الحسن الأصبهاني، حين قال إن استخدام السيوف والسلاسل والطبول والأبواق وما يجري من أمثالها في مواكب العزاء بيوم عاشوراء بإسم الحزن على الحسين، إنما هو محرّم وغير شرعي.
وأدان السيد محمد حسين فضل الله ضرب الرأس بالسيف أو جرح الجسد أو حرقه حزناً على الإمام الحسين، واعتبر ذلك مخالفاً لأحكام الاسلام الذي يحرّم إيقاع النفس في أمثال ذلك الضرر حتى وإن صار مألوفاً أو مغلّفاً ببعض التقاليد. وكان محمد جواد مغنية أكثر جذرية عندما اعتبر ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان والعراق وإيران كلبس الأكفان وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في العاشر من محرم، هي عادات مشينة وبدعة من بدع الدين والمذهب. ولم يكن معها كذلك السيد محسن الحكيم وابو القاسم الخوئي، ناهيكم عن محمد باقر الصدر الذي اعتبرها فعلا من أفعال العوام وجهّالهم، ولا يفعل ذلك أي واحد من العلماء، بل دائبون على منعه وتحريمه وذلك في ردّه على محمد التيجاني السماوي (صاحب كتاب ثم اهتديت) وهو ما أخبرني به في حديث لي معه خلال حضورنا ندوة في الولايات المتحدة (ديترويت) العام 1992. وبالمناسبة فقد وجدت ما كتبه ليس أكثر من حب ظهور سياسي في مخالفة ما هو سائد، كما أن الاهتمام به ليس سوى محاولة سياسية أيضاً بحجة انتشار المذهب. وقد دخلت في حوارات معه لمدّة أربعة أيام واكتشفت ذلك، وهو ما ذكرته للسيد بحر العلوم ومحمد عبد الجبار في حينها.
أتلاحظ أن ما يفعله البعض باسم الدين أو الطائفة، هو الذي يعدّ إساءة للدين وتجاوزاً عليه وعلى العقل الإنساني، وكما أشرت واجب رجال الدين هو تنبيه عموم الناس من خطورة ذلك، ومن تلك الترهات التي لحقت بالدين أو المذهب، أما سكوتهم فأعتبره مساهمة في استمرار التجهيل.
قلت لأكثر من مرّة وأقول أيضاً لا أجد ضرورة في مسيرات مليونية كما يُقال سيراً على الأقدام والمسافات الطويلة بين مدن متباعدة، لزيارة المقامات المقدسة وفي مناسبات دينية معينة. ولكي لا يتم تفسير هذا الموقف تفسيراً خاطئاً ووضعه في خانة العداء للدين، فقد أضفت ذلك بتجنّب الإشكالات والتفجيرات التي وقعت طيلة السنوات الثماني الماضية، الاّ إذا أراد بعض رجال الدين إظهار الولاء لهم والشعور بالقوة لجمهور يعتقد البعض أنه يتحرك لمجرد إشارة من هذا المرجع أو ذاك، لكن هذا شيء والولاء الحقيقي- الايماني شيء آخر، فقد كانت الجماهير التي تخرج بمناسبة استشهاد الحسين في الاربعينيات والخمسينيات كلها تهتف للشعارات التي كان يعبئ لها ويقودها الحزب الشيوعي وبعض القوى السياسية لاحقاً. ولم يكن لرجل الدين أو للحركة الدينية من تلك التأثيرات المذكورة.

ولأن الارهاب ضارب الأطناب ولأن القوى الإرهابية متغلغلة ومندسّة كما تقول الحكومة، فكان على رجال الدين أن يقولوا كلمة بشأن توفير هذه الطاقات والإمكانات وادّخارها لبناء مدارس أو مستوصفات أو تبليط شوارع أو تنظيفها من الأوساخ والقاذورات المتجمعة في الأحياء السكنية أو إعادة إصلاح الكهرباء أو غير ذلك في الأعمال المفيدة، وأظن أن ذلك سيكون أكثر نفعاً للدين وللعقل وللحاضر الإنساني، وللدولة والأمن أيضاً، ولكن المرجعية لم تقل شيئاً بهذا الخصوص لكنها توافقت مع رأي الحكومة بخصوص تظاهرة 25 شباط (فبراير) 2011 فحذّرت من الاندساس في حين لم تحذّر ولم تمانع من الحشود المليونية، وهو الأمر الذي أحرجها لاحقاً فشكرت من حضر في التظاهرات وشكرت من لم يحضر أيضاً، أي من لبّى دعوتها ومن لم يلبِّها، علماً بأن ممثلين عن السيد السيستاني وهما الصافي والكربلائي كانا لنحو شهرين يحرّضان الناس على المطالبة بتحسين الخدمات الصحية والتعليمية ومفردات البطاقة التموينية وتخفيض رواتب المسؤولين ومكافحة الفساد والرشى.
عن المرجعية
لقد قلت رأيي بخصوص مرجعية الدولة ولا أجد مرجعية فوقها أو موازية لها دينية أو طائفية أو حزبية أو عشائرية أو مناطقية أو غيرها،وعندما أقول دولة فأعني الدولة المدنية، العلمانية، العقلانية، الديمقراطية القانونية، وليس غيرها وهو أعظم ما أنجزته البشرية من تنظيم حتى الآن. وليس لديّ أي وهم بأننا لمجرد رفع مثل هذه الاعلانات سيتحقق كل شيء دفعة واحدة، لكن إعلان هذا التوجه شيء مهم والقياس عليه وبموجبه باعتباره معياراً للحكم أمر لا غنى عنه، ومن ثم البناء عليه وتطويره بما يتناسب مع ظروف العراق القومية والدينية واللغوية والفكرية والثقافية.

والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن التوفيق بين مقلدٍ يرى علاقته بالله من خلال نائب الامام (وكيله) أي فقيه الامة في حال غياب الامام (المقصود الامام الثاني عشر، المهدي المنتظر " صاحب الزمان") وبين مسؤولياته في الدولة بما ترتبه الأولى والأخيرة من استحقاقات وأولويات وآليات.. وفي حالة التعارض لمن ستكون الغلبة؟ وكيف السبيل لفك الاشتباك أو التعارض!؟

واذا كان السيستاني لا يتبنّى مسألة ولاية الفقيه حسب الطبعة الخمينية أو الايرانية، مثلما ورد في كتاب الخميني " الحكومة الاسلامية"، الاّ انه من الناحية العملية يضع نفسه بالمقام الذي يكون فيه ولي الفقيه دون تحديد او توكيد، بل بطريقة مرنة ودون اكراه، ولكنها لا تخلو من محددات بما فيها الدعم والمساندة وبالتالي إفتراض الامتثال والطاعة.

الفارق بين الطبعة الخمينية والطبعة السيستانية لولاية الفقيه، هي أن الأول سعى اليها بنفسه وطالب بها ونظّر لها ودخلها من باب السياسة متحمّلاً النفي والتشرد، في حين أن الثاني ظل صامتاً وهو جالس في مهجعه لا يبارحه، وهو يريد على نحو غير مباشر ان تأتي الولاية بنفسها إليه لا أن يذهب هو إليها. هكذا على طريقة المرجعية التقليدية : لم يكن يصرّح أو يلتقي الناس أو يظهر على الملأ أو في وسائل الاعلام (الاّ اضطراراً)، مضيفاً نوعاً من الكارزمية والغموض مضافاً إليه أعلميته وزهده وورعه وتقواه وخصائصه الشخصية الاخرى، واذا ظهر من يصرّح بإسمه لمن ينوب عنه بين الحين والآخر، فإنه يحصد ردود الافعال، لينفي أو يكذب أو يهمل ما يقال من الاحاديث التي تنسب اليه.

ولعل مرجعية النجف تاريخياً لم تتبن مسألة ولاية الفقيه او تتحمس لها، أشير بالذكر إلى مرجعية محمد تقي الشيرازي وشيخ الشريعة والسيد ابو الحسن الاصبهاني والسيد محسن الحكيم والسيد الخوئي اضافة إلى السيد السيستاني وعدد من المراجع العليا، خصوصاً وأن علاقتهم بالدولة لم تكن ودية، في حين كانت المرجعية الايرانية وبخاصة أيام الدولة الصفوية وما بعدها تتسم بالايجابية، فالمرجعية تدعم الدولة، والدولة تضفي عليها نوعاً من القداسة والعصمة، ويعتبر المساس بمكانتها وكأنه خروج على "إجماع" حتى وإن كان مصطنعاً.
ويدعي بول بريمر الحاكم المدني الاميركي في العراق في كتابه " عام قضيته في العراق" أيار (مايو) 2003- حزيران (يونيو)2004، انه تلقى من السيد السيستاني أكثر من 30 رسالة، الاّ انه لم يفصح فيما اذا كانت الرسائل مكتوبة أو شفوية!؟ وحسب اعتقادي ومن معرفة بالمرجعية وآليات حركتها وحذرها، انها كانت رسائل شفوية ينقلها من أسماهم بريمر "القنوات السرية" اليه وهم: الدكتور موفق الربيعي (مستشار الامن القومي السابق)، والسيد حسين اسماعيل الصدر (الكاظمية) وعماد ضياء (الخرسان) المسؤول عن ملف اعادة الاعمار والذي جاء مع وصول الجيش الاميركي إلى بغداد.
ويقول بريمر إنه أرسل عماد ضياء " الخرسان" أكثر من 10 مرات بطائرة خاصة إلى النجف لاستطلاع رأي السيستاني، الذي لم يحبذ اللقاء المباشر " السيستاني لا يمانع الاجتماع مع الإئتلاف (الدولي) بسبب عدائه، بل إنه تجّنب الاتصال معه ... وإنه قد يفقد صدقيته في أواسط المؤمنين اذا تعاون علناً... ونحن نتقاسم الأهداف نفسها ..."(ص 213- 214) ويضيف بريمر أنه لم يلّح عليه أيضاً لكنه كما ينقل، كان ذا فائدة أكبر لمساعينا المشتركة ... ويبدي إعجابه بالديمقراطية، وببريمر شخصياً كما يذكر!

وبغض النظر عن إحتمال فبركة هذه المعلومات أو الافتراء في بعضها أو المبالغة فيها بهدف ادّعاء دور أو إنساب موقف (ولكنها تبقى احدى الروايات للحدث وعلى الاخرين أن يصححوا حقيقة ما ورد في هذا الكتاب المهم خصوصاً الذين وردت اسماؤهم)، الاّ أن المرّجح في تردّد السيستاني من لقاء بريمر والمسؤولين الاميركان الكبار، هو الخوف من تصدع صدقيته ومكانة المرجعية، لكن ذلك لم يكن بمعزل عن حضوره كفاعل سياسي من الدرجة الاولى ومحاولة قوى الاحتلال التعامل معه لدعم العملية السياسية.
واذا كان العديد من مراجع الشيعة لا يدعو إلى ولاية الفقيه، بل يعتبرون أن لا أساس لها في الفقه الشيعي " الجعفري" (نسبة إلى الإمام جعفر الصادق) فإن البعض ما يزال ليس بعيداً عنها. وقد انقسم حزب الدعوة الاسلامية بسبب ذلك واضطر أحد زعمائه الروحيين "الشيخ الآصفي" إلى التخلي عنه ( ويمثل الجناح الايراني كما يقال) بدعوته الصريحة والواضحة لولاية الفقيه ممثلة بالسيد علي الخامنئي، في حين كان الجناح "البريطاني- السوري" (النسبة جغرافية) ممثلا برئيسي الوزراء "الجعفري- المالكي" يبتعدان عن الفكرة وان لم يعارضاها على نحو شديد، حاولا الاستفادة منها لاحقاً.
حاول السيستاني بعد الاحتلال مباشرة أن يحوّل المرجعية من صامتة إلى ناطقة، فاتّخذ عدداً من المواقف، لعل أبرزها دعوته إلى الوحدة الوطنية وحق الشعب العراقي في تقرير المصير واجراء انتخابات حرة وكتابة دستور بأيد عراقية، لكن اعلان تأييده لدور متميّز للشيعة باعتبارهم " أغلبية" إحتسبه البعض باعتباره طرفاً من الاطراف، حيث لم يعد بعضها يرى فيه " مرجعاً جامعاً "، وهو ما يفسر تصريحات سابقة لعدد من قادة " جبهة التوافق" و" هيئة علماء المسلمين" و"جبهة الحوار" ناهيكم عن رأي بعض القوى والشخصيات السياسية غير الطائفية (القائمة العراقية) او التي تدعو إلى فصل الدين عن الدولة.

إن اعتبار المشاركة في الانتخابات واجب شرعي، ثم امتّد هذا الواجب لتأييد قائمة الائتلاف الشيعية (انتخابات العام 2005)، والتي حصلت على أغلبية كبيرة يرّتب مسؤوليات واستحقاقات ذات قيمة خطيرة، خصوصاً وان خطواتها لم تؤدِ إلى تحقيق الوحدة الوطنية، بل إتسعت في ظل حكمها الهوة الطائفية والاحتراب المذهبي وازداد الاحتقان والتوتر لدرجة الحرب الاهلية والتطهير والاجلاء، بحيث أصبح الناس يُقتلون على الهوية وتنتشر ظاهرة الجثث المقطوعة الرؤوس والمجهولة الهوية، في حين لم تستطع المرجعية بما فيها السيد السيستاني أن تفعل شيئاً أو تحرك ساكناً، اللهم الاّ اذا استثنينا نداءات وعظية وتصريحات ارشادية، لم يكن لها التأثير المطلوب ولم تستطع من إيقاف حرفة الموت اليومي المجاني!
وقد زجّت قائمة الائتلاف الشيعية بإسم المرجعية السيستانية وصورها خلال الحملة الانتخابية لاهدافها السياسية، ووظفت ذلك على نحو ناجح جداً، والشيء نفسه حصل عند مباركة رئاسة وزارة الجعفري وفيما بعد المالكي، بما أخذ البعض ينظر اليها باعتبارها الغطاء الروحي أو السقف الايديولوجي ذا الوزن الثقيل للتيارات الشيعية، وقد يحملّها المسؤولية في ذلك، ولم يصدر أي إيضاح من المرجع ذاته أو بتوقيعه وختمه كما يقال لفك هذا الاشتباك، وهو ما يُفسر الامر باعتباره درجة معينة من درجات ولاية الفقيه غير المعلنة أو ربما الصامتة، إذْ أن مجرد إعلانها أو التمسك بها سيؤدي إلى معارضة شديدة، من الحكمة تجنّبها وفقاً لهذه الصيغة المرنة.
وإذا كان السيد السيستاني لا يسعى إلى ولاية الفقيه لادراكه بتعقيدات الواقع، فإن الجماعات السياسية الشيعية هي التي تسعى لتتويجه، بهدف الاستفادة من مكانته ودوره، لكن الأمر سيلحق ضرراً كبيراً بمستقبل المرجعية إذا حصل او استمر هذا التماهي بينها وبين المجموعات السياسية الشيعية، خصوصاً وأن الآخرين سيتعاملون مع المرجعية كطرف مؤثر بل ومسؤول في الصراع، خاضع للمصالح والتوازنات، في حين يفترض في المرجعية التنّزه عن أغراض وحاجات الدنيا، ببلوغها درجة من العلم والمعرفة تؤهلها في استنباط الأحكام أو القول برأي أو ترجيح وجهة نظر بحكم الخبرة والكفاءة، وفي كل الاحوال يبقى المرجع بشراً غير مقدس، يخطئ ويصيب ولعل مثل هذا الامر عند الانخراط في السياسة سيكون معرضاً للنقد بل والتجريح باختلاف المصالح والاهداف.

إن موقع رجال الدين من الفريقين ( الشيعة والسنّة) بل بشكل عام مسلمين ومسيحيين وغيرهم هو المساجد والجوامع والكنائس ودور العبادة والعلم بشكل عام، وليس الانخراط في العمل السياسي، ذلك أن الاستمرار في التدخل بالشأن السياسي وبخاصة اليومي وربما الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي وغيره، سيفقده المكانة التي ينبغي أن يكون فيها باعتباره " مرجعاً " وليس طرفاً او داعماً لطرف في محاولة لابتلاع الدولة من جانب المؤسسة الدينية او توجيهها!

ولا يمكن بالتالي للدولة الاّ أن تكون دولة أو ستكفّ عن ذلك كلما تماهت مع المؤسسة الدينية، فالدولة هي التي لا بدّ لها ان تحمي المرجعية من كل الالوان والاشكال والاديان والتوجهات، وتساعدها من القيام بدورها التوجيهي الارشادي- الادبي لا ان تحل المرجعية، مهما عَظُمَ شأنها، محل الدولة أو تكون فوقها او خارج حدود رقابتها بما فيها المالية!

الهم الحقوقي
* بوصفك مهووساً بالهمّ الحقوقي، الذي لا تدعه يبتعد عنك وأنت تقدّم استنتاجاتك الفكرية في القضايا الستراتيجية المعقدة أحياناً.. متى بدأت حركة حقوق الإنسان في العراق والعالم العربي وما هي أبرز علاماتها وملامحها في السابق والحاضر؟ وقد لمست في كتاباتك، لاسيما كتابك من هو العراقي الصادر أيام المعارضة وقائع حقوقية موثقة فيما يتعلق بتسفير اليهود العام 1950 والمشهد الوحشي ضد الأكراد الفيلية بإلقاء الالاف منهم خارج الحدود في الثمانينيات. وهل ترى مستقبلاً للحركة الحقوقية يؤثر على المشهد السياسي؟
- منذ عقود من الزمان وأنا أسعى لتكييف مواقفي في إطارات حقوقية وقانونية، فيما يتعلق برؤيتي إزاء قضايا التطور والتنمية والديمقراطية والعدالة. وقد تعمقت هذه الرؤية تدريجياً، ويمكن متابعة ذلك من خلال آرائي وأطروحاتي منذ ربع قرن من الزمان على أقل تقدير، ارتباطاً مع عملي في إطار منظمات حقوقية عربية ودولية ومنظمات خاصة بالمجتمع المدني، وقد كتبت الكثير عنه طيلة الفترة المنصرمة، وألقيت بخصوصه محاضرات في عدد من الجامعات وقمت بتدريب وتأهيل قيادات له كخبير دولي على هذا الصعيد، على الرغم من الاشتباك أحياناً بينه وبين السياسي، فالسياسي يريدك أن تنحاز إلى رؤيته وهو يأخذ ويتقبّل ما يصدر عنك طالما لا يتعارض مع آرائه سواءً كان في المعارضة أو في السلطة، أما إذا جاءه النقد من طرفك فقد يعتبره ممالأة أو حتى انحيازاً للطرف الآخر، خصمه، طالما يخالفه الرأي.
ومثل ذلك سبّب إشكالية ومشكلة في بناء حركة حقوقية مهنية، في ظل انحيازات دينية أو طائفية أو مذهبية أو إثنية أو سياسية، ويتم أحياناً بانتقائية كبيرة اتخاذ بعض المواقف أو تركها، على الرغم من أن الرؤية الحقوقية متكاملة ولا يمكن اقتطاع جزء منها بما يتناسب أو لا يتناسب مع المصالح أو المواقف والأفكار المسبقة ، كأن تكون داعية لحقوق الإنسان وأنت ضد حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل، أو أنت ضد الحقوق الثقافية وخصوصاً التنوّع والتعددية، بما فيها حق تقرير المصير للقوميات، أو تنظر إلى الأديان الأخرى نظرة أدنى إذا كنت من " أغلبية" دينية، وذلك تحت تبريرات ومزاعم آيديولوجية أو دينية.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقوق الإنسان والمواقف السياسية
- الأحزاب العراقية بلا قانون
- 3 تريليونات دولار خسرتها أمريكا في العراق
- لا تقديم للنظرية على حساب الوقائع الموضوعية
- الشيوعيون والوحدة العربية
- الحرب العراقية – الإيرانية عبثية ، خدمت القوى الإمبريالية وا ...
- الميثاق الاجتماعي العربي: تنازع شرعيتين
- الحزب الشيوعي وتشكيل الجبهة
- معارضة الحصار
- في بشتاشان
- كلمة تحية بمناسبة تكريم الدكتور سليم الحص
- كلمة الدكتور شعبان في تكريم الاستاذ عزالدين الأصبحي
- الأكراد في النجف
- الحركة الطلابية
- من هو العراقي؟
- الحركة الوطنية بقضّها وقضيضها لم تكن ناضجة
- ماذا بعد الربيع العربي!
- قراءتنا للماركسية كانت أقرب إلى -المحفوظات-
- المساءلة: عدالة أم انتقام؟
- الماركسية تحررت واستعادت عافيتها بعد تخلّصها من البطريركية ( ...


المزيد.....




- حفل -ميت غالا- 2024.. إليكم أغرب الإطلالات على السجادة الحمر ...
- خارجية الصين تدعو إسرائيل إلى وقف الهجوم على رفح: نشعر بقلق ...
- أول تعليق من خارجية مصر بعد سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطي ...
- -سأعمل كل ما بوسعي للدفاع عن الوطن بكل إخلاص-.. مراسم تنصيب ...
- ذروة النشاط الشمسي تنتج شفقا غير مسبوق على الكوكب الأحمر
- مينسك تعرب عن قلقها إزاء خطاب الغرب العدائي
- وسائل إعلام: زوارق مسيرة أوكرانية تسلّح بصواريخ -جو – جو- (ف ...
- الأمن الروسي: إسقاط ما يقرب من 500 طائرة مسيرة أوكرانية في د ...
- أنطونوف: روسيا تضطر للرد على سياسات الغرب الوقحة بإجراء مناو ...
- قتلى وجرحى خلال هجوم طعن جنوب غرب الصين


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - السياسة والطائفة