أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - ليبيا: الفيدرالية المدنّسة والمركزية المقدّسة















المزيد.....

ليبيا: الفيدرالية المدنّسة والمركزية المقدّسة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3715 - 2012 / 5 / 2 - 17:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



أعاد إعلان بنغازي “برقة إقليماً فيدرالياً” النقاش الحاد والجدل الساخن على مفهوم الفيدرالية وحدودها وسقفها ومدى ملاءمتها لهذا البلد أو ذاك من بلدان المنطقة، حيث مازالت الفكرة مطروحة ولها أنصار متحمّسون، مثلما لها معارضون شرسون في الوطن العربي وخارجه .

كانت ليبيا بعد الاستقلال ومنذ عهد الملك إدريس السنوسي، إقليماً فيدرالياً يضم ثلاث ولايات، حسب دستور العام ،1951 واستمرّت في هذا النظام إلى العام ،1963 حيث جرت تعديلات دستورية ألغي بموجبها النظام الاتحادي وحلّت الولايات الثلاث، وأقيم بدلاً منها نظام مركزي يتألف من عشر محافظات .

الأقاليم الثلاثة التي تكوّنت منها ليبيا الفيدرالية هي: إقليم الشرق (برقة) التي أعلنت بعد عام من انتصار الثورة وإطاحة العقيد القذافي رغبتها في التحوّل إلى إقليم (من جانب واحد)، وبرّر الداعون إلى الفيدرالية أسباب هذا الخيار بأنه التهميش الذي عاناه سكان الشرق، وهو الإقليم الأغنى، حيث تتمركز معظم حقول إنتاج النفط فيه، والأكبر مساحة وثقافة . أما الإقليم الثاني فهو إقليم طرابلس (الغرب) الذي تمركزت فيه السلطات وتم التغوّل على الإقليمين الآخرين . وكان الإقليم الثالث هو إقليم فزّان (الجنوب الغربي) .

قد يعود تبنّي بعض الليبيين خيار الفيدرالية في هذه المرحلة الانتقالية إلى أن انهيار الدولة المركزية أوجد فرصاً أوسع وأكبر لحرية التعبير وللرغبة في تأكيد الخصوصية والهويّة الفرعية، بعد أن عانت البلاد لأكثر من أربعة عقود الرأي الواحد والفكر الواحد والزعيم الواحد، وبعد إطاحة الحكم الشمولي الشديد الصرامة والمركزية، انبثقت رغبات ومطامح إلى التخلّص من آثاره وتبعاته، تلك التي أضرّت بمبدأ المساواة في التعامل مع مناطق البلاد المختلفة، لاسيما المنطقة الشرقية وعاصمتها بنغازي، وهكذا انطلقت الدعوات لإقامة النظام الفيدرالي وإنهاء عهد التهميش والإقصاء .

وبقدر توزّع الليبيين بين مؤيّد للخيار الفيدرالي ومندد به، فإن الأمر يحتاج إلى استكمال الشكل الدستوري لنظام الحكم، لاسيما أن الاعلان الدستوري هو مؤقت، وليبيا لا تزال لم تشرّع بعد دستوراً جديداً، فضلاً عن أنه لم يتم استفتاء السكان في شكل الدولة الجديدة، سواءً كانت دولة بسيطة أي مركزية أو دولة مركّبة أي لا مركزية: فيدرالية كانت أو عبر قيام أشكال من الحكم الذاتي اللامركزي، فإن المسألة مطروحة على الليبيين وعلى المجلس الوطني الانتقالي، وهو المجلس الشرعي .

لقد عانى الشعب الليبي من هدر الحريات وامتهان الكرامة وتبديد المال العام والفساد الإداري والمالي، في ظل حكم تسلطي، أعلى من دور الفرد إلى درجة التأليه أو العبادة ، ولاسيما بغياب المؤسسات والرقابة، وأخضع الدولة ومرافقها ومنشآتها إلى إرادة الفرد الذي وضع نفسه فوق الجميع، حيث “ألغى” الدولة والمجتمع في آن، لتصبح إرادته فوق جميع الاعتبارات القانونية والاجتماعية والإنسانية، وما على الجميع سوى الامتثال إنْ لم يكن الانصياع إليها دون أية حقوق، باستثناء “مكرمات” يقرر الزعيم منحها بين الفينة والأخرى، وبما يتماشى مع مزاجه ورغباته الشخصية الأكثر إثارة للجدل في التاريخ العربي المعاصر .

عندما ألغى القذافي ونظام حكمه، الدولة الليبية الناشئة ب”ثورة” الفاتح من سبتمبر/أيلول 1969 وعد الشعب بالكثير، لكن أولى خطواته بعد الانقلاب العسكري كانت وقف التطور التدريجي للدولة التي راكمت خبرة لا بأس بها، وبرّر ذلك بنظريته المعروفة عن “الجماهيرية” التي دوّنها “بالكتاب الأخضر”، لاسيما الفكرة الرومانسية التي تقول: الشعب يحكم نفسه بنفسه، ولكن كيف؟ يجيب الكتاب الأخضر “ من خلال المؤتمرات الشعبية” وهذه تنتخب “ اللجان الثورية”، وخلال فترة أربعة عقود ونيّف من الزمان كانت تقوم وتقعد لجان دون أن يحكم الشعب نفسه، حيث ظلّ بعيداً عن مركز القرار الذي يعود بالنتيجة إلى شخص واحد، اعتبر نفسه لا يحكم، وهو ما حاول تبريره لآخر لحظة، حين انفجرت الجماهير في بنغازي مطالبة برحيله، وامتدّ اللهيب الثوري، لينتقل من مدينة إلى أخرى، فقال ردا على الشعب المنتفض والمطالب برحيله: الذي يحكم هو اللجان الثورية المنتخبة من المؤتمرات الشعبية، حيث يحكم الشعب نفسه بنفسه، في فكرة يوتوبية ساذجة وسمجة في الآن .

لقد ألغى القذافي الدولة ومؤسساتها وقوانينها، وأصبحت إرادته وقرارته، بل ورغباته لها قوة القانون، ولا يعلو قانون فوقها، وبعد كل ذلك ألغى المجتمع، فحوّله إلى ملحق وتابع للجان الثورية التي أسسها، وطبّق عليها “مبدأ الإجماع المصطنع” دون أي اعتراف بالتعددية والتنوّع واختلاف الرأي الذي كان بمنزلة خطيئة، لاسيما إذا كان الأمر يتعلق برأيه، ولم يعرف المجتمع الليبي خلاله فترة حكمه أية هوامش ديمقراطية أو منظمات للمجتمع المدني مستقلة أو بعيدة عن التدخلات الحكومية ولجانها الثورية، وهكذا ضعف إلى درجة الإلغاء الصوت الآخر وحرّمت الحياة الحزبية قانوناً، بل إنها جرّمت على الصعيد النظري، ضمن شعار “من تحزّب خان”، وهي اليافطات التي كانت ترفعها المؤتمرات الشعبية .

وبانهيار النظام ظهرت على السطح الاختلافات والتناقضات الداخلية، وأصبحت هناك برامج متنوّعة، وهو أمر طبيعي، بين قوى إسلامية أكثرها تنظيماً هي حركة الإخوان المسلمين، إضافة إلى الجماعة الإسلامية المقاتلة، فضلاً عن السلفيين، وهي قوى لها حضور غير قليل، وقوى ليبرالية أو يسارية أو حتى نيوليبرالية تختلف في تصوّراتها وتقديراتها على بناء الدولة، الأمر الذي انعكس عند طرح موضوع شكل الدولة وخيار الفيدرالية، وربما سيتعاظم الأمر عند إعداد الدستور، خصوصاً في الموضوع الشائك والمعقد وهو علاقة الدين بالدولة .

الفيدرالية لا تعني التقسيم أو الانفصال بالضرورة، كما أنها لا تملك عصاً سحرية لإقامة العدل وإنهاء التهميش، بل هي نظام قانوني وإداري متطوّر قد يصلح لهذا البلد ولا يصلح لذاك، وهو مطبق في نحو 25 بلداً بما فيها بلدان كبرى ومتقدمة مثل الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وكندا وبعض البلدان النامية مثل الهند، كما هو مطبق في دولة الإمارات العربية التي تمثل شكلاً من أشكال النظام الفيدرالي، وهذا ما دعا أحمد الزبير السنوسي وهو من أقارب الملك السابق وأقدم سجين سياسي في عهد القذافي كما تم تقديمه، والذي تم اختياره ممثلاً لإقليم برقة، إلى تحبيذ النموذج الإماراتي، علماً أنه عضو في المجلس الوطني الانتقالي الحاكم في ليبيا حالياً .

بعض المؤيدين للنظام الفيدرالي قالوا إن الفيدرالية سواء في ليبيا أو غيرها هي أنسب نظام، وهي ستوحّد ليبيا والبلاد الأخرى بدلاً من استغراقها بالصراعات والتناحرات التي ستؤدي إلى تقسيمها فعلياً، وبرروا الخيار الفيدرالي بأنه سيضع حدّاً للإهمال المزمن وسيوزّع الثروة والصلاحيات بين الدولة الاتحادية والسلطات الإقليمية (الفيدرالية)، ويمنع عودة المركزية التي تذكّر بعهد الديكتاتورية .

في حين أن المعارضين لفكرة الفيدرالية يعدّونها بداية الكارثة، وهي طريق ملغوم ومحفوف بالمخاطر، حيث سيتم تقسيم البلاد تمهيداً لانفصالها، وكانت فيدرالية تشيكوسلوفاكيا تمهيداً لانقسامها مثلما هي فيدرالية يوغسلافيا وفيدرالية الاتحاد السوفييتي السابق، حيث تم انفصال هذه البلدان إلى دول وأقاليم عديدة، بعد أن كانت موحّدة . ويذهب أصحاب الاتجاه المناوئ للفيدرالية أكثر من ذلك، حين يشكك بعضهم بما حصل من تغيير في ليبيا، حيث يعدونه الخطوة التدميرية للكيانية الليبية الواحدة الموحّدة، فبعد أن كان التطلّع إلى وحدة عربية أو لوحدات مناطقية، وإذا بنا نصل إلى تفتيت الدول القائمة بدلاً من تعزيز وحدتها أملاً إلى وحدات أكبر . وينسى أصحاب هذا الرأي أن الفيدرالية قد لا تكون سبباً في الانفصال بقدر ما كانت الديكتاتوريات والتسلّط والمركزية الصارمة هي المسؤولة الأساسية .

وبغض النظر عن رأي المؤيدين أو المعارضين بخصوص صلاحية أو عدم صلاحية النظام الفيدرالي، سواء في ليبيا أو غيرها من البلدان العربية، فالأمر يحتاج إلى انتخاب جمعية تأسيسية واعتماد دستور توافقي واستفتاء الشعب في ظروف سلمية وطبيعية ودون إكراه، وفي إطار آليات ديمقراطية لإجلاء إرادته بشأن نظام الحكم الذي يريده .

والمهم أولاً وقبل كل شيء تحقيق المصالحة واستعادة هيبة الدولة وإنهاء المظاهر المسلحة وحلّ الجماعات والميليشيات خارج نطاق القانون ونبذ العنف، ووضع حد للجوء إلى الثأر والانتقام والالتزام بسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية، وفي ذلك سيكون المدخل الصحيح للخيارات المفتوحة سواءً كانت الفيدرالية أو غيرها .

الفيدرالية ليست نقمة تحلّ على البلاد، كما أنها ليست نعمة بموجبها يمكن حل المشكلات المزمنة والمعقّدة، وحتى في البلاد الديمقراطية التي اختارت الفيدرالية فهناك مشكلات جديدة قد تقود إلى انفصالها كما هي بلجيكا حالياً .

الفيدرالية يمكن أن تتحقق بالديمقراطية والتفاهم والتعايش، علماً أنه ليس كل نظام فيدرالي هو نظام ديمقراطي، ولكن كل نظام ديمقراطي يمكن أن يصبح نظاماً فيدرالياً، وكلتا المسألتين ليستا أوتوماتيكيتين . وبين المقدّس والمدّنس، يبقى خيار الشعب هو الأساس، سواء اختار الفيدرالية أو غيرها، وذلك تبعاً لآليات وتوجهات ديمقراطية تضمن مبادئ الحرية والمساواة والمواطنة والشراكة والعدالة، وتلكم هي أسس الدولة العصرية .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواقف خاطئة للحزب الشيوعي
- القضاء الدولي والقضاء الوطني: علاقة تكامل أم تعارض؟
- نقد قيادة الحزب الشيوعي
- 50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني
- مواطنة -إسرائيل-
- عن ثقافة التغيير
- رسالة الى الحزب الشيوعي السوداني
- نعمة النفط أو نقمته في الميزان الراهن
- السياسة والطائفة
- حقوق الإنسان والمواقف السياسية
- الأحزاب العراقية بلا قانون
- 3 تريليونات دولار خسرتها أمريكا في العراق
- لا تقديم للنظرية على حساب الوقائع الموضوعية
- الشيوعيون والوحدة العربية
- الحرب العراقية – الإيرانية عبثية ، خدمت القوى الإمبريالية وا ...
- الميثاق الاجتماعي العربي: تنازع شرعيتين
- الحزب الشيوعي وتشكيل الجبهة
- معارضة الحصار
- في بشتاشان
- كلمة تحية بمناسبة تكريم الدكتور سليم الحص


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - ليبيا: الفيدرالية المدنّسة والمركزية المقدّسة