أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة-*الجزء الثاني















المزيد.....

حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة-*الجزء الثاني


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3746 - 2012 / 6 / 2 - 13:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة*
الجزء الثاني
وسرعان ما وجد الشيوعيون واليساريون أنفسهم جنباً إلى جنب مع الإسلاميين وبقية القوى الأخرى في السجون وفي مواجهة حاكم واحد، وهو المغتصب لحرياتهم وكراماتهم بغض النظر عن اختلافاتهم الآيديولوجية والسياسية، هكذا وحدّهم القمع وجمعتهم المصيبة، لذلك لا ينبغي أن يكون الاختلاف والتناقض الايديولوجي سبباً للاحتراب السياسي، خصوصا وأن المشتركات التي تقرّب بين القوى السياسية أكثر مما تفرّقها ومنها حريتها جميعاً في التعبير وممارسة النشاط السياسي العلني والقانوني وحقها في المشاركة واتخاذ القرار وتقلّد المناصب العامة والاحتكام إلى الشعب باعتباره الفيصل في الحكم على شعبية وبرامج أي تيار سياسي ومن يريد ان يمنحه ثقته.
ولا يكفي أن يكون الاستهلال بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" سبباً للاختلاف وعدم الالتقاء الذي دام بضعة أشهر( حدث هذا الأمر على نحو مفتعل من الفريقين، فالمتشددون من (الحزب الشيوعي) رفضوا بدء بيان مشترك يبدأ بالبسملة ( بسم الله الرحمن الرحيم) والمشترطون والصقور من الجانب الآخر (التيار الإسلامي وخصوصاً المجلس الإسلامي الأعلى وحزب الدعوة) اعتبروا ذلك شرطاً لأي اتفاق، وهو شرط لا غنى عنه ولكن بعد غزو الكويت في آب (أغسطس) 1990 نسي الفريقان الأمر واتفقا على إبرام جبهة العمل المشترك في 27/12/1990)، خصوصاً وأن ما يهم الإنسان ومصيره ومستقبله وخياراته الحرة هو المعيار في ما يريده ويعمل من أجله الشعب، وما ينبغي للحركة السياسية الإسلامية أو العلمانية من تجسيده فعليا على صعيد التنظير وادعاء الافضليات حسب.
وإذا كان موقف التيار الشيوعي- الماركسي من الحركة الإسلامية خلال تحالفه مع حزب البعث الحاكم انعزالياً وعدائياً، فإن موقف الحركة الإسلامية من الحركة الشيوعية واليسارية ظلّ سلبياً وتكفيرياً هو الآخر، وغالباً ما كان يتصدّر مواقفها التقييمات الآيديولوجية والعقائدية، التي تنظر إلى اليسار بشك عام وبمنظار غير ايجابي، باعتباره علمانياً وفي تناقض أساسي مع التيار الإسلامي وأطروحاته الأساسية وأحياناً بتكفيره وتأثيمه، دون النظر إلى امكانية التعاون السياسي والاتفاق معه ومع القوى الأخرى على آليات ومشتركات لتنظيم العلاقات والاحتكام في ما بعد إلى الشعب باعتباره مصدر السلطات، ليكون هو معيار التقييم لاختيار الحاكم. وقد لعبت (فتوى الحكيم 1960: الشيوعية كفر وإلحاد") دوراً سلبياً في ذلك.
وإذا كانت الحملة ضد الحركة الإسلامية العام 1977، فإنها امتدّت لتشمل حلفاء النظام، وطالت عشرات الآلاف واضطرت أعداد كبيرة من قيادات الحزب الشيوعي وملاكات الكادر الأساسي والوسطي وما دونه إلى مغادرة العراق.
وفي المنافي القريبة: سورية وإيران ولبنان والكويت وبعض بلدان الخليج كان كل طرف ينظر بارتياب إلى الطرف الآخر، بل يتعامل معه بحذر شديد باعتباره خصماً إنْ لم يكن عدواً.
وأتذكّر مبادرة إيجابية طرحها حزب الدعوة الإسلامي العام 1981 بإصداره " بيان التفاهم" الذي قوبل بتفهم كبير من بعض أوساط اليسار، ولم يكن ذلك من دون حسابات أيضاً. وبعد مناقشات كتبنا في "طريق الشعب" تعليقاً بهذا الخصوص يؤكد ما هو إيجابي في بيان التفاهم الذي يشكّل توجّهاً جديداً وإيجابياً يفتح المجال للحوار، ولكن للأسف لم يحدث ذلك وتدريجياً فقد طوي الأمر بما يتناسب مع تطورات الحرب العراقية- الايرانية واحتمالاتها التقدّم الايراني في الأراضي العراقية. وقد أهمل حزب الدعوة ذاته بيانه المذكور، لاسيما بعد تعرّضه إلى ضغوطات، وربما لم تكن إيران بعيدة عنها.
كما أتذكّر أيضاً وكنّا في دمشق أنني حضرت بمبادرة شخصية أول حفل تأبيني بمناسبة ذكرى استشهاد السيد الصدر أقامه المجلس الإسلامي الاعلى، ولعلها رغبة في الانفتاح وإقامة العلاقات الطيبة ومدّ الجسور.
* * *
لقد تردّد اسم السيد الصدر خلال أحداث العام1977 على الرغم من أنه لم يكن على صلة مباشرة بها. ولكنه اعتبر ملهماً روحياً وداعية سياسياً وآيديولوجياً لها، مما دفع الحكومة إلى تشديد الخناق عليه سواءً بالاستدعاءات أو التهديدات أو الاعتقال، وخصوصاً بعد نجاح الثورة الإيرانية في شباط (فبراير) 1979، حيث تم اعتقاله في العام 1980 مع أخته العلوية بنت الهدى، واختفى أثرهما منذ ذلك التاريخ ولحد الآن، فلم يصدر أي تصريح أو اعلان رسمي عن مصيرهما، وأغلب الظن انه تم تصفيتهما في 9 نيسان (ابريل) من العام نفسه، حيث أعلن صدام حسين أثناء زيارته لبعض الجرحى الذين يرقدون في مستشفى مدينة الطب اثر حادث قيل أنه مدبّر " حادث الجامعة المستنصرية":سنرسل الخمينيين إلى خمينيهم تعبيراً عن بدء حملة جديدة ولكنها نوعية لتصفية الخصوم السياسيين، وخاصة من الحركة الإسلامية وتمهيدا للحرب العراقية- الإيرانية.
وكان الاجراء الأكثر قسوة قد اتخذ قبل هذا التاريخ أي في 31/3/1980 بتجريم " حزب الدعوة الإسلامي" الذي اتهم بالعمالة بقرار رسمي من مجلس قيادة الثورة، والغريب في الأمر إن هذا القرار اتّخذ بأثر رجعي ويشكّل ذلك سابقة خطيرة، فإضافة إلى أنه تم تشريع القسوة على هذا النحو، فانه ليس من المألوف اتخاذ القرارات أو سن قوانين بأثر رجعي وخاصة في " الجرائم السياسية".
وفي نيسان (ابريل) 1980 وبالترافق مع تغييب السيد الصدر شنّت السلطات حملة واسعة لتهجير أعداد غفيرة من العراقيين بحجة التبعية الايرانية وصل عددهم إلى نحو نصف مليون انسان وغالبيتهم الساحقة من أبناء العراق الذين ولدوا في العراق وعاشوا فيه أباً عن جد ولم يعرفوا وطناً سواه.
أتذكّر بعد تسريب إشاعة عن مقتل السيد الصدر خرجت تظاهرة سريعة وخاطفة في مدينة الكاظمية ندّدت بشعارات الحكومة وأعلنت احتجاجها وسخطها على اغتيال المفكر الصدر، لكنّها تعرّضت لقمع شديد. وشنّت السلطات حملة قاسية ضد الحركة الإسلامية والمتدينين بشكل عام وأخذت تراقب الجوامع والمساجد وأماكن العبادة على نحو لم يسبقه مثيل، متخذة اجراءات مشددة، مع محاولات للتغلغل في الوسط الديني وفي الحضرة العلوية والحسينية والعباسية والكاظمية والعسكرية في سامراء وبقية المراكز الإسلامية.
وأصبح الكثير من الإسلاميين وأعضاء الحركة الإسلامية في وضع لا يحسدون عليه حيث اعتبرت آلاف العوائل بمثابة أسرى أو رعايا في أحسن الأحوال، خصوصاً ضمن قرارات مجلس قيادة الثورة التي تصل التبعات القانونية " للمرتكبين" و"المعادين" إلى الأقارب من الدرجة الرابعة، ولم تبق العقوبة شخصانية، بل امتدّت على نحو عشائري وشملت أحياناً الجيران والأصدقاء الذين عليهم " التبليغ" عن أعضاء الحركة الإسلامية والاّ تعرضوا للعقاب!
وأخبرني عزيز عقراوي بعد وصوله إلى دمشق العام 1981 إثر هروبه من بغداد حيث كان وزيراً وقتها: أن الرئيس صدام حسين أبلغه وهو في حالة طبيعية أنه وقّع صباح أحد الأيام (أواسط حزيران/يونيو) العام 1980 على قرارات بتنفيذ أحكام الإعدام بحق 600 من أعضاء ومنتسبي حزب الدعوة والحركة الإسلامية.
وأتذكر حادثاً آخر عندما كنت لا أزال في العراق وبعد اختفاء السيد الصدر قسرياً، حيث كنت على موعد بالقرب من غرفة المحامين (شارع المتنبي) ووصلت قبل الموعد بـ15 دقيقة تقريباً ودفعاً لأي التباس قررت أن أقضي الوقت في المكتبات، وخطرت لي فكرة السؤال عن كتب السيد الصدر: لا أدري ما الذي دفعني إلى ذلك أهي الرغبة في التحدي أو استيطاب المغامرة أو رغبة في جسّ نبض الشارع بالحديث مع الناس البسطاء. وتوجهت إلى إحدى المكتبات التي كانت تبيعنا الكتب "الممنوعة"، ففوجئت بوجود شخص قد سبقني بالسؤال وعلى الرغم من خفوت الصوت علمت أنه الاستاذ سهيل السهيل المحامي (عضو القيادة القومية لحزب البعث- جناح سوريا لاحقاً)، وبعد أن وعده صاحب المكتبة بجلبها في اليوم التالي، استدار السهيل ليواجهني وجهاً لوجه، وليغمزني بعينيه بابتسامة من يبحث عن " المغامرة"!! وعندما إلتقينا بعد أشهر قليلة في دمشق إستذكرنا تلك الحادثة ومتعلقاتها واحتمالاتها، فأصبنا بالرعب!
وكنت قد قرأت آخر كتاب للسيد الصدر عن " البنك اللاربوي في الإسلام" والذي يعتبر إضافة مهمة على الصعيد الفكري ومحاولة لربط الشريعة بالمعاملات الاقتصادية والمعرفية المعاصرة في إطار من المرونة والعملية التي تستوجبها التطورات.
* * *
أول الانطباعات التي كوّنتها عن السيد الصدر هو تميّزه بالاطلاع على الثقافة المعاصرة ومتابعته للمتغيرات والتطورات التي أخذها بنظر الاعتبار في صياغة أطروحاته. فلم يكن السيد الصدر سلفياً يبحث في النصوص وتفسيراتها الجامدة أحيانا، بل أخضعها لسياقها التاريخي والاجتماعي ومنهجه التاريخاني- السسيولوجي إذا جاز التعبير. كان يعتمد على الفهم الاجتماعي للنص وليس من خلال البناء اللغوي أو اللفظي، فالقرآن الكريم والسنّة المحمدية الشريفة استوعبا أسباب النزول وحجية الظهور، وذلك بالكشف عن الوظيفة الاجتماعية للنص وقت صدوره ومتابعة ذلك في الأزمان اللاحقة، أي تحديد العلاقة بين النص وحركة الواقع من خلال وظيفته.
ثاني هذه الانطباعات هو الفكر المنفتح والمتفتح الذي كان يتميّز به عن أقرانه، إذ رفض العزلة الحضارية وأصرّ على التفاعل الثقافي. ولهذا بقدر انفتاحه على العالم وعلى الأفكار والتيارات السياسية والدينية المعاصرة، فقد انفتح العالم عليه أيضاً، وقرأ ما كتبه من خلال رؤية نقدية.
ثالث هذه الانطباعات هو الديناميكة الفكرية. فلم يضع الجهاد الفكري وظيفة وواجبا حسب، بل اعتبر الصراع الفكري الحيّز الأكبر من عمله ومشروعه الفلسفي، إذ كان يدرك أهمية ذلك من خلال حيويته الفكرية وقدرته في توظيف أدواته بحيث يستطيع تقديم فكرته على نحو مقنع ولكن غير تلقيني. ولهذا فقد ابتعد عن اسلوب الاجترار والتقليد، واتجه صوب الابداع والتجديد، مستلهماً فكرة أصيلة قال بها الامام الشافعي فإن أصاب فله حسنتان وإن أخطأ فله حسنة واحدة.
ورابع هذه الانطباعات هو اطلاعه على الفكر الآخر، فحين كتب عن الفكر الماركسي أو البرجوازي، لم يكن ينطلق من تعميمات وأحكام مسبقة، بل تبنّى أسلوباً حوارياً وسجالياً وقارع الحجة بمثلها والمنطق الأول بالمنطق الآخر. ولم يطلق الأحكام الجاهزة، كما لم يلجأ إلى التحريم والتجريم لخصومه الفكريين كالكفر والإلحاد وما شابه ذلك، بل غاص في نقض الفكر الآخر وسعى لتحطيم أركانه الأساسية من خلال أطروحات مضادة، لكنها متينة ومحكمة، سواء نجح أم أخفق فقد كوّن تياراً فكرياً متميّزاً ومدرسة خاصة على هذا الصعيد.
وخامس هذه الانطباعات أن السيد الصدر كان حريصاً على أن يقرأه الاسلاميون أينما كانوا فلم يكتف بمذهب أو طائفة، بل كان حريصاً على أن يتوجّه إلى جميع المسلمين والنخبة منهم بشكل خاص للتقريب والبحث في المشتركات وما هو جامع، فتحرّك في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة، ولذلك اتّخذ بعداً عربياً واسلامياً بعد أن تجاوز الدائرة العراقية إلى الدائرة العربية والاسلامية، ثم أصبح مداه العالم كلّه والانسان أينما كان!
وسادس هذه الانطباعات أن السيد الصدر رغم مخاطبته الدائرة الاسلامية، لكنه كان حريصاً على قراءة غير الإسلاميين والمسلمين غير المتدينين أيضاً، في حين كان من يكتب من الإسلاميين يوجّه كلامه إلى الدائرة التي يخاطبها، بينما توّجه السيد الصدر إلى مختلف الدوائر مخاطباً إياها من موقع البشر والعقل.
وإذا كان هناك ثمة قطيعة فكرية، ناهيكم عن كونها سياسية بين الإسلاميين والماركسيين والقوميين بشكل عام، فذلك ربما ناجم في أحد أسبابه أن الماركسيين والتيارات الأخرى لا يقرأون الإسلاميين، وتلك ربما احدى شكاوى الفكر. وفي الوقت نفسه ربما قلة قليلة جداً من الإسلاميين من قرأت فكر التيارات الأخرى، وخاصة اليسارية والماركسية والقومية، بل أنهم وهذا ما كان سائداً يحرمونها ويحاولون حجبها عن الآخرين خوفاً من التأثر فيها!.
وقد أخبرني السيد طالب الرفاعي الذي كان أحد نشطاء الحركة الإسلامية ومن مؤسسي حزب الدعوة أنه هو الذي كان يجلب للسيد الصدر الكتب الماركسية بهدف قراءتها والردّ عليها، وهو يشتريها له من مكتبة محمد الحلو في مدخل السوق الكبير في النجف، معترفاً بحقيقة مهمة وهي وذكر على الرغم من أن الصدر كان أصغرهم سنًّا، الاّ أنه ألمعهم، وأكفأهم، ولذلك وقع عليه الاختيار في الرد على التيار الشيوعي الصاعد حينها.
عندما يكتب الماركسي في قضايا الإسلام والتاريخ الإسلامي يخاطب جمهوراً معيناً، وعندما يكتب الإسلامي يخاطب جمهوراً معيناً أيضاً. قلّة من الماركسيين أبرزهم الدكتور حسين مروة من كتبوا مخاطبين دائرة أبعد من دائرة تيارهم الفكري. ويعتبر السيد الصدر أبرز من كتب من التيار الإسلامي متجاوزاً الدائرة الإسلامية. كتب الصدر بلغة جديدة مخاطبة دائرة الآخرين وكتب عن الحاضر وبلغة الحاضر، وليس كما يفعل البعض حين يكتبون عن الحاضر بلغة الماضي، كما توجّه إلى العقول قبل القلوب والعواطف.
ورغم إيمانية السيد الصدر الشديدة واستغراقه في ملكوت الله، لكنه لم يضع حاجزا بينه وبين العلوم التجريبية ولم يجد فيها تناقضاً مع الدين.
* * *
بعد قراءة كتاب السيد الصدر " فلسفتنا" الذي بقيت أعود إليه للتدقيق والنقد، أخذتني رغبة شديدة في التعرّف عليه(شخصياً) وقررت زيادة النجف وهداني أحد الأصدقاء إلى داره، وقدمني إليه هو (فلان) من عائلة (كذا) عاد لتوه من أوروبا (براغ) وقرأ كتابكم " فلسفتنا" وهو معجبٌ به على الرغم من انه "علماني"، ولكنه يوّد التبرك بمعرفتكم وبفكركم النيّر والاستماع إليكم. أول تعليق قاله السيد الصدر: ومهما يكن من أمر فكل امرئ تحكمه أصوله!!
بهذه الطريقة استقبلني السيد الصدر، وقبل أن يتحدث عن الحتميات التاريخية وتعاقب المراحل الذي أخذ نصف اللقاء، أشار موجهاً الكلام إلى صاحبي إلى أن الايمان في القلوب، والأساس هو خلوص النيّة وعمل الخير والبحث عن الحقيقة، فالنخبة والمعنيون من رجال الفكر والرأي مسؤولياتهم أكبر، وعليهم يقع في نهاية المطاف تحديد الطريق الصحيحة، واكتشاف الحقيقة كما هي وكما يريدها راعي العباد.
كنت أشعر أنا في حضرة رجل يتسامى في جهاده الفكري، ولعل ذلك كان المعنى الأعظم لحياته الغنية...! تلك الحياة التي قال عنها " ليس لحياة أي انسان قيمة الاّ بقدر ما يعطي لأمته من وجوده وحياته وفكره..."
لقد غاب السيد الصدر وهو في أوج نضجه الفكري وفي ذروة عطائه، حيث اختزن تجربة عميقة واكتسب بعداً ريادياً، لدرجة جعلت غيابه يترك فراغاً كبيراً ليس على صعيد الحركة الإسلامية بل على الصعيد الانساني.
لقد أعطى السيد الصدر المثل في حياته وحين اختتمها مرتاح الضمير، أعطى المثل مرة أخرى في استرخاص النفس دفاعا عن الفكرة والكرامة الانسانية وذلك خير ما يمكن أن تستلهم الاجيال القادمة!!
* * *
وإذا كنت قد قرأت السيد الصدر قراءة انتقادية ومن موقع الاختلاف، فقد حرصت دائماً على تمييز آرائه الفلسفية واجتهاداته الفكرية، لاسيما في منطقة الفراغ بين النص والإبداع في استنباط الأحكام، عن آرائه السياسية، ففي الأولى يوجد الكثير من التأمل والتأني والدقة على الرغم من تعارضي مع المنهج، في حين أن الثانية وخصوصاً بعد الثورة الإيرانية كان فيها بعض من الاستنساخ والتقليد وحرق المراحل، وقد يكون ضغط الواقع وتسارع الأحداث جزءًا من ذلك، ومن جهة أخرى لا أستبعد النداءات الإيرانية المتكررة التي دفعت السلطات الحاكمة إلى الإسراع في تصفيته والتخلّص منه .
إن المسافة بين الفكر والواقع لا يمكن أن تردم إلاّ بالمران والتجربة والتراكم، فليس جميع المفكرين بإمكانهم ممارسة العمل السياسي الذي له شروطه وتكتيكاته وانقلاباته، تلك التي قد لا تصلح لقادة الرأي وأصحاب الفكر، مثلما هي الحالة التي نحن إزاءها والتي تسببت في الفداحة والفقدان، لاسيما ونحن آزاء سلطة غاشمة ليس لها ضفاف.

صحيفة الناس العراقية ، العدد 252، 20 أيار 2012



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحق في الجمال
- الأسرى الفلسطينيون والوعي النقدي المطلوب!
- المساءلة والحقيقة في بعض تجارب العدالة الانتقالية
- المفكر السيد الصدر حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة*( ...
- اشتراكي جديد في قصر الإليزيه
- الهوّية وأدب المنفى !
- الدولة البسيطة والدولة المركّبة
- الربيع العربي والأقليّات
- ليبيا: الفيدرالية المدنّسة والمركزية المقدّسة
- مواقف خاطئة للحزب الشيوعي
- القضاء الدولي والقضاء الوطني: علاقة تكامل أم تعارض؟
- نقد قيادة الحزب الشيوعي
- 50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني
- مواطنة -إسرائيل-
- عن ثقافة التغيير
- رسالة الى الحزب الشيوعي السوداني
- نعمة النفط أو نقمته في الميزان الراهن
- السياسة والطائفة
- حقوق الإنسان والمواقف السياسية
- الأحزاب العراقية بلا قانون


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة-*الجزء الثاني