أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - الثورة التونسية ومسار التغيير العربي















المزيد.....


الثورة التونسية ومسار التغيير العربي


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3776 - 2012 / 7 / 2 - 21:04
المحور: مقابلات و حوارات
    


بدعوة من مركز الدراسات الوطنية التونسية الذي يترأسه الإعلامي والباحث الدكتور خالد شوكات الأمين العام للاتحاد الوطني الحرّ، قدّم المفكر العراقي د. عبد الحسين شعبان محاضرة حول العدالة الانتقالية، وهو ضيفنا هذا الاسبوع في حوار حول عديد المسائل المتعلقة بثورات الربيع العربي ودور الأحزاب الإسلامية في إعادة صياغة وبلورة المشهد السياسي، والوضع في العراق وما يعيشه من أزمات. كما تطرقنا معه إلى مفهوم العدالة الانتقالية مقارنة بواقع دول الربيع العربي.

كيف تفاعلتم مع اللحظة الثورية التونسية التي فاجأت العالم وغيّرت الخارطة السياسية العربية وأصبحت » الملهم« لثورات الربيع العربي؟
قلت كأوّل تعبير لي عن الثورة التونسية أنها مثل الريح الخفيفة المنعشة التي تسبق المطر، ويبدو أنّ أجهزة الإرصاد الدولية لم تتمكّن من قراءة الأجواء والمناخات التونسية على نحو صحيح، بل إنها أخطأت حتى وإن شاهدت الزخّة الأولى للمزنة الشفيفة التي أرادت تطهير أرض تونس وتنقية مناخاتها وأجوائها من الاستبداد والفساد في إطار من البحث عن الحرية المفقودة والكرامة المهدورة والثروات المنهوبة.
كان عناد الرّئيس الفرنسي ساركوزي، بل عدم حكمته ومعرفته قد استمر إلى عشية نجاح الثورة، حين عرض على الرئيس السابق زين العابدين بن علي إنقاذه والدفاع عن نظامه الذي تهاوى كنمر من ورق، بسرعة خاطفة لدرجة أقرب إلى الخيال.
انهار النظام الذي حكم بالسجون والمخبرين والقمع المنظم وغير المنظم وشراء الذمم والديماغوجيا، وذاب أركانه مثل الملح في الماء، وامتدّ تأثيره إلى مصر التي التقطت الشرارة الأولى لتسري فيها النار كما تسري في الهشيم وليشتعل » السهل « كلّه على حد تعبير ماوتسي تونغ.
كان يكفي شرارة واحدة بعد أن اتحدت العوامل الذاتية الناضجة مع العوامل الموضوعية المهيأة محليا ودوليا واقليميا، لكي تمتد نار الثورة وتشمل العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، حتى وإن بدى أنه كان يغطّ في نوم عميق.
الثورة التونسية لم تغيّر الخارطة السياسية العربية فحسب، سواء في البلدان التي انتصرت فيها الثورة أو لم تنتصر بعد، بل يمكن القول إنها ساهمت في إحداث تغييرات ستظهر تأثيراتها خلال العقود الثلاثة القادمة في افريقيا وآسيا وغيرها، باعتبارها تمثل الموجة الثالثة من التغيير إذا احتسبنا أن الموجة الأولى كانت قد بدأت في أوروبا الغربية خلال السبعينات من القرن الماضي، لاسيما في البرتغال بالإطاحة بحكم الدكتاتور سالازار وفي اسبانيا بعد موت فرانكو، وفي اليونان باسقاط دكتاتورية الجنرالات ، والتوجه في هذه البلدان الثلاثة نحو الديمقراطية والمسار الديمقراطي. أما الموجة الثانية فقد بدأت في أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينات لاسيما بانهيار جدار برلين في العام) 1989 نوفمبر( وفي الوقت نفسه تعاقبت مع التغييرات الديمقراطية التي شهدتها بعض دول أمريكا اللاتينية.
ما يميّز ثورات الربيع العربي هو هذا الشباب الثائرالحي والناشط باعتباره الوعاء الحامل والمحرّك للتغيير، فهل هي فعلا ثورات شبابية بامتياز؟
الثورات العربية هي ثورات شبابية بامتياز حتى وإن كانت جميع الثورات وعلى مرّ العصور هي في واقع الأمر مادتها الأساسية هم، والاختلاف أن الشباب، في الثورات السابقة كانت تعتمد على كون الشباب هم من ينفذ وكان هناك من يخطّط ويقود.
الشباب هذه المرّة استعمل معارفه ومهاراته العلمية والتقنية وسخّرها لخدمة الثورة وانتصارها، ولاسيما تكنولوجيا الإعلام والثورة العلمية، التقنية والطفرة الرقمية » الديجتيل « وكان للفسبوك والتويتر والأنترنات والهاتف النقّال دور في ذلك، على صعيد التحريض والتعبئة والإدارة والقيادة التي انطلقت من الميادين دون نظريات مسبقة أو ادعاءات بامتلاك الأفضليات باسم الدين أو زعم تمثيل الكادحين أو النضال من أجل دولة الوحدة وتحرير فلسطين.
انطلقت الثورات بكلّ بساطة بعد وصول اللحظة لثورية إلى ذروتها، لاسيما بانتقال الخوف من المحكومين إلى الحكام، الذين لم يعد بوسعهم الاستمرار في السلطة، ففروا أو تنحوا أو قتلوا أو أخرجوا، وضجّت الميادين بانتصار تاريخي للشباب وحركتهم المقدامة وأحلامهم الكبرى في الحرية والكرامة والقضاء على الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية.

بماذا تفسّرون هذا الصعود »الصاروخي « للحركات والأ حزاب الإسلامية بعد الثورات العربية؟ وهل تعتقدون أنّ هذه الأحزاب قادرة على ممارسة وترسيخ مبادئ الديمقراطية، خاصة أنها تعتبر نفسها البديل الوحيد القوي والمنظم الذي سيقود التغيير في المنطقة العربية؟
لعلّه أمر طبيعي أن تصعد الحركات والأحزاب الإسلامية بعد الثورات العربية، بل أن تتصدّر المشهد السياسي، فكلّ ما حولنا كان يوحي بذلك، فهي الأحزاب الأكثر تنظيما وتعرضت إلى اضطهاد كبير وعلى فترات زمنية طويلة وكانت قريبة من الناس مثلما كان الشيوعيون واليساريون قريبون منها في الأربعينيات والخمسينيات، وللإسلاميين مشاريع خيرية وإنسانية كثيرة يتعلق بعضها بالخدمات والمساعدات ولتأدية حاجات الناس.
والإسلاميون حتى وإن تعرضوا للقمع فإنهم موجودون في المساجد والجوامع ولديهم اجتماعات خمس مرات في اليوم وعلى امتداد البلاد وعرضها، والإسلام السياسي يختفي في الكثير من الأحيان وراء الإسلام العفوي والتلقائي، غير المؤدلج الذي هو جزء من عقيدة الشعب وتراثها وتاريخها، ولهذا تراه موجوداً في حين غابت الحركات اليسارية والعروبية أو لجأت إلى المساومات أحيانا أو إلى المكوث في المكاتب بعيداً عن الناس وحاجاتهم وهمومهم وهو فراغ ملأه الإسلاميون بجدارة وبراعة وذكاء.
ثم هناك الإسلام السياسي منتشر في كل من : باكستان وأفغانستان وإيران وتركيا والعراق والسودان والمملكة العربية السعودية ونضيف لبنان )حزب الله (وفلسطين )حماس في غزة( وفاز الإسلاميون في مصر وتونس والمغرب، وهم قوى مؤثرة في ليبيا ولديهم نفوذ كبير في الجزائر وكذلك في موريتانيا، ولديهم حضور مؤثر في البحرين )حوالي نصف أعضاء البرلمان18 عضوا من مجموع 40 عضوا( وهم يحركون الشارع منذ عام ويتصدرون المشهد السياسي هناك.
وتعززت مواقع القوى الإسلامية في الكويت لاسيما في الانتخابات الأخيرة بُعَيْد الربيع العربي ولديهم نشاط في المناطق الشرقية في المملكة العربية السعودية، كما أنّ حضورهم قوي في الأردن، وهناك نفوذ للإسلام السياسي في بعض جمهوريات آسيا الوسطى، خصوصاً ما بعد انشطارها من الاتحاد السوفياتي القديم.
هكذا، لو لاحظت الخريطة السياسية ميدانيا سترى أن الموجة الإسلامية صاعدة وطاغية، لأسباب ضعف القوى الديمقراطية واليسارية: الماركسية والعروبية من جهة، ولوجود منافذ ظلّ الإسلاميون يستخدمونها على الرغم من قمعهم لتنمية قدراتهم وقابلياتهم وصولا إلى اليوم المنشود، وكان لزوال الأنظمة التي حاربتهم فرصة للظهور شعبيا باعتبارهم الأشد كفاحا ضد الاستبداد.
أمّا الشق الثاني من سؤالك هل هم جديرون بممارسة وترسيخ مبادئ الديمقراطية باعتبارهم البديل المنشود عن الأنظمة السابقة، فالأمر يتعلق بتوازن القوى وبدرجة الحراك الاجتماعي وعلى قدرة القوى والأحزاب العلمانية: ديمقراطية، يسارية، ليبرالية، مؤسسات مجتمع مدني على فرض قواعد اللّعبة أو المشاركة فيها لمنع الانفراد بالسلطة أو احتكارها لمصلحة مجموعة قائمة باسم الإسلام السياسي وتلحق بها قوى أخرى تابعة بحجّة المشاركة دون أن يعني ذلك توافقاً في اتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية، لاسيما فيما يتعلق بالدستور والقواعد الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
وبالمناسبة فإن الإسلاميين بقدر كونهم يدعون للديمقراطية اليوم، فهذا لا يعني أنهم سيتغيرون بين ليلة وضحاها، كما أن العلمانيين: اليساريين، الماركسيين والعروبيين الذين يدعون اليوم إلى الديمقراطية، لم يكونوا ديمقراطيين في السابق عندما حكم بعضهم أو في علاقتهم مع الغير.
الأمر يتعلّق اليوم بتوازن القوى وبمدى برغماتية القوى السياسية للوصول إلى حلول وسط وفقا لتوافقات ولقواعد جديدة لإدارة الحكم وفي إطار آليات جديدة نطلق عليها الديمقراطية، خصوصا وأن نظام الحزب الواحد والدولة الاستبدادية والدكتاتوريات الشمولية كلّها فشلت فشلاً ذريعاً على المستوى المحلّي والعالمي.
أنتم دعوتم إلى إعادة قراءة الماركسية على نحو نقدي وضعي بعيدا عن القوالب الجامدة والصيغ الجاهزة، فهل أنتم تقرون بأن اليسار العربي قد أفلس وهو يعاني من مشكلات مزمنة وإخفاقات مستمرّة لدرجة الإحباط واليأس أحيانا؟
اليسار فشل بسبب عدم قراءته للماركسية قراءة وضعية نقدية، بل إنه أخذها كوصفة جاهزة أقرب إلى التعاويذ والأدعية بعيداً عن روحها الحية ومنهجها الجدلي الديالكتيكي. لقد أهمل اليسار ولاسيما الماركسي منهج ماركس في حين تمسك ببعض مقولاته وأطروحاته التي عفا عليها الزمن، وإذا كانت بعض تعاليمه تصلح لعصره فإن علينا استنباط تعاليم جديدة تنسجم مع عصرنا.
وللأسف لم تتم مراجعات جدية ونقدية لمسيرة اليسار العربي حتى الآن، وما حصل كان محدوداً حتى بعد انهيار الكتلة الاشتراكية، وكان النقدُ أقرب إلى نقر في السطح وليس فعلا في العمق أو حفرا في الأساس. وكانت اخفاقات اليسار في جزء كبير منها من واضعه.
لقد قولب اليسار النظرية وتعبّد في محرابها وحولها إلى أيقونة، دون التفكير بما يمكن أن تضيفه الحياة لها بعيداً عن التحجر والصنميّة. وأعتقد أنّ أكثر من كان ضد ماركس هم الماركسيون، الذين حولوا الماركسية إلى ماركسلوجيا، أيّ الماركسية ضد الماركسية بتصنيمها باعتبارها حقائق ثابتة لا يأتيها الباطل من خلفها أو من أمامها. في حين أنّ أي تغيير أو اكتشاف حسب انجلز حتى في العلوم العسكرية يقتضي تغيير استراتيجياتنا. وكان أكثر الناس ضد العروبة هم العروبيون أي الذين تعاملوا مع العروبة كأيديولوجيا وليس كرابطة وجدانية، هكذا حوّلوا القومية إلى قوملوجيا، في حين حوّل الإسلاميون الإسلام إلى إسلاملوجيا، أي الإسلام ضد الإسلام بما وضعوه من أحكام متزمتة وقراءات مغايرة لروحه السمحاء وجوهره الانساني.
لم يثبت اليسار العربي خلال مسيرته على الرغم من التضحيات والبطولات والمساهمات الوطنية والاجتماعية انه قادر على قراءة مجتمعاتنا بروح نقدية وضعية، وكثيراً ما استخدم أطروحات بدت وكأنها مفروضة من الخارج باعتبارها مقولات من مركز أممي.» أممية «موسكو أو بكين أو غيرها وغالبا ما كان يتم ذلك بطريقة فيها الكثير من الاغتراب والسماجة.
كيف تقيمون الوضع في العراق الآن من وجهة نظر المختص في القانون الدولي والخبير في حقوق الإنسان بعد سنوات من الحرب والدمار والمعاناة إثر الغزو الأمريكي؟
لازال الوضع في العراق يعاني من تحديات كبيرة أولها: هشاشة الوضع الأمني على الرغم من تحسنه النسبي خلال السنوات الثلاث ونيّف الماضية لكنه يتعرض الى اختراقات بين فترة وأخرى، مما يجعل القلق سائداً ومستمراً، فضلا عن عدم ثقة الأطراف السياسية ببعضها البعض، حيث تستمر ظاهرة المحاصصة الأثنية الطائفية وهو ما جاء به بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق، عندما اعتبر العراق مكوّناً من شيعة وسنّة وأكراد بعيداً عن الوحدة والهوية الوطنية، وزاد»التمترس«الطائفي والإثني أعمال عنف وارهاب لا تزال تشكّل تحديا مستمراً، وهناك تحدّ خطير لا يقل، عن التحدي الطائفي حالياً وأعني به تفشي الفساد المالي والإداري وظاهرة الرشا التي أصبحت سائدة، ناهيكم عن وجود السلاح بل وانتشاره على نحو واسع، الأمر الذي يمس من هيبة الدولة وأحيانا يمنعها من بسط نفوذها على كامل الأراضي العراقية.
ومع كل هذه التحديات هناك تحدّ مستمرّ هو وجود واستمرار الاحتلال حتى وان انسحبت القوات الأمريكية، فلا زال العراق يرتبط بمعاهدة تحالف استراتيجي (اتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة أواخر العام 2008 ( ولازالت قوات أمريكية نظامية وغير نظامية )الشركات الأمنية) بعيدة عن أنظار الدولة بحجة قيامها بمهمات التدريب والتأهيل، كما أن السفارة الأمريكية في بغداد وهي أكبر س فارة في العالم لديها نفوذ كبير وخارج الأطر والقواعد الديبلوماسية في الكثير من الأحيان.
أشرتم في كتابكم »الشعب يريد «تأملات فكرية في الربيع العربي إلى أن أهمّ وأخطر ما يواجه الثورات العربية المنتصرة اليوم والتي ستليها فيما بعد هو موضوع العدالة الانتقالية، وكيف سيتم التعامل مع الماضي... فما هي شروط نجاح العدالة الانتقالية؟ وهل هي من المفاهيم التي مازالت غامضة وملتبسة الى اليوم؟
إنّ موضوع العدالة الانتقالية هو في غاية الأهمية، لاسيما لدولة مثل تونس ولبقية دول الربيع العربي، وقد تم تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية في نحو 40 بلدا، والمقصود بها كشف الحقيقة كاملة ثم لابد من المساءلة عن الارتكابات لكي لا يتم الإفلات من العقاب، والمقصود بذلك هو تحقيق وانصاف الضحايا وليس الانتقام وأفرّق دائما بين العدالة الانتقالية التي ينبغي أن تكون قانونية ومحدّدة ومؤقتة وتنسجم مع مبادئ العدالة بشكل عام، وبين ما يسمى بالعدالة الانتقامية أو ما يطلق عليه العدالة الانتقائية.
العدالة الانتقالية تتم في حالة انهيار نظام قانوني أو الانتقال من حالة حرب إلى سلم أو من نزاع مسلح أو حرب أهلية إلى السلام أو من نظام استبدادي دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي، أو من احتلال إلى استقلال، وهنا لابد من وجود قواعد مؤقتة وقانونية لعبور المرحلة الانتقالية غير تلك القواعد التقليدية، في محاولة لرأب الصدع وتحقيق السلام المجتمعي وضمان الوحدة الوطنية وانصاف الضحايا.
إن جبر الضرر وتعويض الضحايا هو واحد من أهم أسس العدالة الانتقالية ولن تتحقق المساءلة والعدالة والانصاف ويمنع عودة الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية، دون إصلاح الأنظمة القانونية والدستورية والقضائية وأجهزة انفاذ القانون، لاسيما أجهزة الشرطة والأمن.
شخصيا أقدر أن مفهوم العدالة الانتقالية هو مفهوم جديد لازال غامضا وملتبسا بل وينظر إليه البعض بارتياب خصوصا وأنّ ثقافتنا القانونية والحقوقية لا تزال محدودة، لا سيما النخب الحاكمة. والسياسية اضافة الى مؤسسات المجتمع المدني، والأمر يحتاج إلى مستلزمات لتوفير أسس سليمة للتدريب والتأهيل والأهم لتطبيق العدالة الانتقالية.
هناك طريقان للتعامل مع الماضي، إمّا أن يتم في إطار فقه التواصل أو في إطار فقه القطيعة، ولكل مسلتزماته وتبعاته، ولكلّ بلد ظروفه التاريخية، وهناك بلدان اختارت التواصل وأخرى اختارت القطيعة، ولا يمكن استنساخ تجارب دولية أو تقليدها بشكل أعمى، بل يمكن الاستفادة منها باعتبارها جزءًا من التراث الحقوقي.
اختارت بولونيا وهنغاريا) المجر ( فقه التواصل، في حين اختارت ألمانيا الديمقراطية فقه القطيعة لاسيما بعد انضمامها أو اتحادها مع ألمانيا الاتحادية بحيث أصبحت جزء منها. أما تشيكوسلوفاكيا فقد اختارت في البداية طريق القطيعة لكنها عادت للطريق التواصلي. وهناك الكثير من التجارب الدولية، فمثلا كانت جنوب افريقيا على الرغم من التمييز العنصري لكنها اختارت طريق التواصل وكذا الحال بالمغرب وقبلها التشيلي لاسيما بخصائص كل بلد وظروفه. والأمر يتعلق بالضحايا أولا وانصافهم وبتحقيق العدالة ثانيا والتعامل مع المرتكبين وفقا لمبادئ الحق والعدل، كما أن الأمر يتعلق بمدة التعويض المادي والمعنوي وجبر الضرر. والمهم إصلاح الأنظمة القانونية والدستورية والقضائية وأجهزة البوليس والأمن وكل جهات انفاذ القانون.
قد يكون التعامل مع الماضي حسّاساً، فالقطيعة التي شهدها العراق في التعامل مع الماضي، لاسيما بارتكاباته الكبيرة واللا محدودة دفعت الحكم الجديد إلى تبني قانون للاجتثاث شمل الأفكار أحيانا في حين ظل بعض المرتكبين طلقاء، بل إن بعضهم غيّر اتجاهه فأصبح جزءًا من الماكينة الجديدة.
التعامل مع الماضي لا ينبغي أن يكون على أساس الكراهية والثأر والكيدية والانتقام بل باستيعاب ذلك في إطار إعادة وحدة المجتمع وتقديم المرتكبين إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل مع مراعاة مبادئ التسامح والوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي بنظر الاعتبار.


كلمة الختام؟
أنا أثق أن الارادة التي صنعت الثورة هي القادرة على استمرارها وديمومتها لاسيما جيل الشباب الدينمو المحرك لها، وأظن أن أيّ توافقات سياسية ستخدم هذا الهدف وتمنع انزلاق الوضع باتجاه الاحتراب أو التباعد أو الابتعاد عن أهداف الثورة.
مازالت الثورة التونسية شابة وطرية العود وتحتاج الى وقت كي تنضج وكي تتلمّس السبل الصائبة لتحقيق الأهداف التي انبثقت من أجلها.

المفكر الدكتور عبد الحسين شعبان









أكاديمي ومفكر من الجيل الثاني للمجددين العراقيين، استكمل دراسته الجامعي ة في بغداد وتخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد وواصل دراساته العليا في براغ وجامعة تشارلس )كلية الحقوق) وأكاديمية العلوم التشيكوسلوفاكية (معهد الدولة والقانون) حيث نال درجتيْ الماجستير والدكتوراه (مرشح علوم) في القانون )دكتوراه فلسفة في العلوم القانونية(.
وهو مختص في القانون الدولي وخبير في ميدان حقوق الانسان ومستشار في عدد من المنظمات والدوريات الثقافية والاعلامية وعضو في عدد م ن المنظمات العربية والدولية، كانت له مساهمات متميزة في إطار التجديد والتغيير والنقد للتيار الاشتراكي واليساري، ألّف زهاء 50 كتابا في القانون والسياسة الدولية وفي الاسلام والقضايا الفكرية والصراع العربي الصهيوني وفي الثقافة والأدب، وتعكس مؤلفاته وكتبه ومساهماته المتنوّعة انشغالات خاصة بقضايا
الديمقراطية والإصلاح والمجتمع المدني، واختصاصات فكرية بتطوير الفهم المتجدد لقضايا حقوق الانسان ونشر ثقافتها.
من مؤلفاته:
• النزاع العراقي الايراني
• بانوراما حرب الخليج
• جامعة الدول العربية والمجتمع المدني الاصلاح والنبرة الخافتة
• العراق: الدستور والدولة
• الصهيونية المعاصرة والقانوني الدولي
• القضايا الجديدة في الصراع العربي الاسرائيلي
• الصراع الايديولوجي في العلاقات الدولية
• أمريكا والإسلام
• فقه التسامح في الفكر العربي الاسلامي
• تحطيم المرايا في الماركسية والاختلاف
• الجواهري في العيون من أشعاره
• بعيدا عن أعين الرقيب: محطات بين الثقافة والسياسة
• الشعب يريد: تأملات فكرية في الربيع العربي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسيحيون والبيئة الطاردة
- النموذج الإسلامي
- يوسف سلمان يوسف ... فهد- الأخيرة
- الاتجار بالبشر
- يوسف سلمان يوسف ..(فهد)-( 2 – 3 )
- يوسف سلمان يوسف ... فهد ( 3 – 3 )
- تعويض الضحايا!
- يوسف سلمان يوسف -فهد-...(1 – 3 )
- زمن الفتاوى ومغزاها
- خمسة آراء بصدد المسألة الكردية في العراق
- السياسة في معناها
- حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة-*الجزء الثاني
- الحق في الجمال
- الأسرى الفلسطينيون والوعي النقدي المطلوب!
- المساءلة والحقيقة في بعض تجارب العدالة الانتقالية
- المفكر السيد الصدر حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة*( ...
- اشتراكي جديد في قصر الإليزيه
- الهوّية وأدب المنفى !
- الدولة البسيطة والدولة المركّبة
- الربيع العربي والأقليّات


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - الثورة التونسية ومسار التغيير العربي