أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - يوسف سلمان يوسف ..(فهد)-( 2 – 3 )















المزيد.....


يوسف سلمان يوسف ..(فهد)-( 2 – 3 )


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3760 - 2012 / 6 / 16 - 13:31
المحور: مقابلات و حوارات
    



• جدل

قال د. عبد الحسين شعبان: ان فهد استطاع ضمن المتوفر له من كتب ومطالعات ودراسة حزبية في مدرسة كادحي الشرق في موسكو 1939-1941 وجولات قبل ذلك ومشاركات في الكومنترن (1935) قراءة الوضع السياسي والاجتماعي في العراق في ضوء المنهج، واستخدم معرفته لتحليل طبيعة المجتمع العراقي، من خلال رؤية عراقية وإن خضعت للسائد من الأفكار. وبالطبع فإنه لم يكن مفكّراً ولم يكن أكاديمياً، لكنه كان مناضلاً كبيراً وقائداً سياسياً شجاعاً ومجتهداً، وليس بالضرورة أن يكون القائد مفكّراً . وأضاف في حوار مع مشروع مراجعات في الفكر العراقي الحديث : إن فهد كان يمتلك حلماً كبيراً أسمه تحرير العراق وسيره نحو الإشتراكية، لاسيما بوجود الاتحاد السوفيتي " محرر" الشعوب وأبو البروليتاريا العالمية " ستالين"، كما كان يُطلق عليه، ولم يكن لديه تصوّرات واضحة عن الاشتراكية وهو ما عكسته مؤلفاته، كما لم توجد لديه ضمن العقلية الستالينية السائدة أية إشارة سلبية على التطبيقات الاشتراكية، سواءً خلال فترة الحرب العالمية الثانية أو ما بعدها، واتّسمت صحافة الحزب والكراريس التي كان يصدرها على محدوديتها، بالتمجيد والإشادة بدور الجيش الأحمر وتضحياته.
***
كان فهد يمتلك حلماً كبيراً إسمه تحرير العراق وسيره نحو الإشتراكية، لاسيما بوجود الاتحاد السوفيتي " محرر" الشعوب وأبو البروليتاريا العالمية " ستالين"، كما كان يُطلق عليه ولم يكن لديه تصورات واضحة عن الاشتراكية وهو ما عكسته مؤلفاته، كما لم توجد لديه ضمن العقلية الستالينية السائدة أية إشارة سلبية على التطبيقات الاشتراكية، سواءً خلال فترة الحرب العالمية الثانية أو ما بعدها، واتسمت صحافة الحزب والكراريس التي كان يصدرها على محدوديتها، بالتمجيد والاشادة بدور الجيش الأحمر وتضحياته.





تعريق النسخة السوفيتية

س / هل استطاع يوسف سلمان يوسف ( فهد ) تعريب ، تعريق النسخة السوفيتية من الماركسية ؟ و تقديم قراءه متحررة للماركسية ؟

 استطاع فهد ضمن المتوفر له من كتب ومطالعات ودراسة حزبية في مدرسة كادحي الشرق في موسكو 1939-1941 وجولات قبل ذلك ومشاركات في الكومنترن (1935) قراءة الوضع السياسي والاجتماعي في العراق في ضوء المنهج، واستخدم معرفته لتحليل طبيعة المجتمع العراقي، من خلال رؤية عراقية وإن خضعت للسائد من الأفكار. وبالطبع فإنه لم يكن مفكّراً ولم يكن أكاديمياً، لكنه كان مناضلاً كبيراً وقائداً سياسياً شجاعاً ومجتهداً، وليس بالضرورة أن يكون القائد مفكّراً، فجيفارا كان بطلاً وقائداً مقداماً وجورج حبش وياسر عرفات كانا قائدين كبيرين، وكان الملاّ مصطفى البارزاني زعيماً كردياً كبيراً، وشعلان أبو الجون والشيخ الخالصي والشيخ الضاري وكامل الجادرجي ومحمد مهدي كبّه وسلام عادل الذين كانوا قادة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، في حين جمع غاندي بين الفكر والقيادة مثلما هو نيلسون مانديلا ومثلهما لينين وماوتسي تونغ وهوشيه منه ومحمد باقر الصدر والإمام الخميني وغرامشي.
لعلّ المفكر الخالص بمعنى انصرافه للفكر بالدرجة الأساسية هو من أمثال طه حسين وعلي الوردي وعبد العزيز الدوري، وجون بول سارتر وميشيل فوكو وهابرماز وجواد علي والياس مرقص وياسين الحافظ ومحمد عابد الجابري وأراكون ونصر حامد أبو زيد ومحمود أمين العالم وحسين مروّة وغيرهم، وإن كان لكل منهم مشروعه الخاص.
وقد لا تجتمع صفة القائد والمناضل مع صفة المفكر والباحث، لكن القائد هو الذي بإمكانه الاستفادة ممن حوله من المفكرين والباحثين وتسخير طاقاتهم وكفاءاتهم لخدمة مشروعه السياسي، لاسيما بمشاركتهم وإقناعهم، فمثلاً في الوقت الذي كانت النظرة إلى الدين في الوسط الشيوعي سلبية، فقد دعا فهد لاحترام الأديان والطقوس والشعائر الدينية، وطلب من الرفاق في السجن دراسة القرآن والاحتكاك برجال الدين ومحاورتهم بروح إيجابية. وإذا كان فهد لم يقرأ الماركسية من مصادرها كما أعتقد، لكنه قرأ ما كُتب عنها في تلك الفترة التي هيمن عليها الفكر الستاليني، وإذا توخيّنا الدقة أكثر فيمكن القول أن فهد قد لا يكون تبحّر في الماركسية بحكم مهماته النضالية والمسلكية اليومية، لكنه بحسّه الثوري وسليقته الإنسانية وشجاعته، حاول ونجح إلى حدود غير قليلة في تكييف بعض قواعدها لكي تكون منسجمة مع الواقع العراقي، وتلك لعمري براعة وخلقاً وإبداعاً لا يمكن نكرانه.

فهم مشوش وغمض
س/ من خلال قراءتكم أعمال يوسف سلمان يوسف ما هو تصوره عن الاشتراكية ، الماركسية ، هل لدية صور واضحة؟ أو فهم مشوش وغامض عن الأفكار ؟

 / كان فهد يمتلك حلماً كبيراً إسمه تحرير العراق وسيره نحو الإشتراكية، لاسيما بوجود الاتحاد السوفيتي " محرر" الشعوب وأبو البروليتاريا العالمية " ستالين"، كما كان يُطلق عليه ولم يكن لديه تصوّرات واضحة عن الاشتراكية وهو ما عكسته مؤلفاته، كما لم توجد لديه ضمن العقلية الستالينية السائدة أية إشارة سلبية على التطبيقات الاشتراكية، سواءً خلال فترة الحرب العالمية الثانية أو ما بعدها، واتّسمت صحافة الحزب والكراريس التي كان يصدرها على محدوديتها، بالتمجيد والاشادة بدور الجيش الأحمر وتضحياته.
لعل انقسام العالم إلى معسكرين: معسكر الفاشية والنازية، وجبهة التحالف المعادية لهما وخصوصاً بعد انضمام الاتحاد السوفييتي إليها في حزيران (يونيو) 1941 قد لعب دوراً في الانحياز والاصطفاف المسبق. لقد كان فهد واعياً لدور قوى التحالف المعادي للفاشية، لاسيما بانضمام الاتحاد السوفيتي، ولذلك ركّز جهود الحزب خلال تلك الفترة في فضح النازية والفاشية فكرياً وسياسياً مبيّناً خطرها على الشعوب، بما فيها العربية.
وبحكم إلتقاطه للحلقة المركزية في النضال فقد خفّض من نبرة العداء لبريطانيا، على الرغم من تأييده لحركة رشيد عالي الكيلاني (المعروفة بثورة مايس ايار/مايوالعام 1941) لكن ذلك كان قبل انضمام الاتحاد السوفييتي إلى التحالف المعادي للفاشية.
وبهذا المعنى فقد كان فهد كقائد ومثقف قادراً على تحديد الحلقة المركزية واخضاع بقية الحلقات إليها وبالانتقال بتكتيكات مرنة لتغيير المواقع تبعاً لتغيّر المواقف، فقد كانت أطروحاته متقدّمة وجريئة وواقعية وبرغماتية في الآن ذاته على الرغم من بساطتها، ولكن ينبغي أخذها ضمن سياقها التاريخي والثقافة السائدة آنذاك، لاسيما بخصوص الشأن العراقي، دون محاولة إضفاء أبعاد فلسفية أو تنظيرية عليها، لأن مثل تلك الأبعاد تحتاج إلى خلفية فكرية لم يكن فهد يمتلكها بحكم ثقافته ومصادرها المحدودة، إضافة إلى أنه طغى عليها الإسلوب التربوي أو المدرسي، لكن ذلك يعكس في الوقت نفسه قدرته وحيويته على فهم المجتمع العراقي وخصوصياته، فضلاً عن مستوى الرفاق الذين ينتمون إلى الحركة آنذاك والذين هم بحاجة إلى أسلوب مبسّط لكي يلامس عقولهم ويدخل إلى شغاف قلوبهم، وهو ما حصل للعشرات، بل للمئات الذين انضموا إلى الحزب الشيوعي، عبر شعارات بسيطة، لكنها واقعية فضلاً عن شعبيتها وحتى شعبويتها أحياناً، ناهيكم عن صدقية المُثل والقيم التي تمت الدعوة إليها، وخصوصاً التي تم تجسيدها عبر شخصيات كارزمية مثل فهد ورفاقه الأوائل.

مقت للمثقفين
س / هناك مقت شديد يمارسه يوسف سلمان يوسف ضد المثقف الافندي هل يستمد هذا المقت والكراهية من التقاليد اللينينية – الستالينية لكون هولاء يفتقدون إلى الضبط الحديدي الذي تحتاجة الاحزاب السياسية وخاصة في العمل السري ؟ تذكر بعض المصادر أن بعض الأفندية في الحزب طالبوا يوسف سلمان يوسف بعقد مؤتمر ديمقراطي وصفهم ( بالفراشات العاهرة) حيث قال ( إنّ تعشقهم للديمقراطية وحرية العمل والتفكير والتصرف يشبة تعشق تلك الفراشات العاهرة التي تنتقل من مستنقعٍ الى آخر ) القيادة الحديدية هذه ليوسف سلمان يوسف ، لماذا أوجدت أرضاً خصبة في العراق؟ هل تعود إلى طبيعة الثقافة السياسية في المجتمع العراقي؟


 لعل الاعتراف بهذه الحقيقة لا يعني عدم وجود سلبيات أو نواقص لدى قيادة فهد، فقد كانت احدى نقاط ضعفه الأساسية هي نظرته السلبية إلى المثقف وهي امتداد لنظرة لينين ذاته، وفيما بعد نظرة ستالين الاستصغارية أيضاً، إضافة إلى تجربته العملية غير المشجعة، لدرجة أخذ يزدري المثقفين ويشعر بالضيق إزاءهم، ولعل هذا حصل مع العديد منهم داخل الحزب وخارجه، من عبد الفتاح إبراهيم إلى ذو النون أيوب إلى داود الصايغ إلى زكي خيري وإلى غيرهم، وهي النظرة التي إستلهمها هادي العلوي في موقفه من المثقفين، في حديثه عن الأغيار الأربعة، وهم الحكّام والمثقفون والرأسمالية والاستعمار. وقد عبّر عن ذلك في بياناته المشاعية في التسعينيات حين يقول: المثقفون مأخوذون بالخساسات الثلاث ويجعلونها من صميم العمل الثقافي، وبعد أن يتهمهم بالرخاوة حسب لينين يحدد الخساسات الثلاث بالمال والسلطة والجنس.
وكان ضيق صدر فهد من المثقفين يستند إلى 1- مطالبتهم له بعقد مؤتمر للحزب 2- اعتراضهم على قيادته، لاسيما تفرّده بالقرارات 3- حدّته في التعاطي مع النقد 4- اعتقاده أن المثقف سريع العطب وليبرالي، في حين كان هو يبحث عن ضبط حديدي يحتاج له العمل السري، انطلاقاً من كتاب لينين "ما العمل؟" الذي صدر في العام 1903، ولذلك ورد في تثقيفه، لاسيما في كتاب "حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية" ردّاً على سؤال الرفيق رياض ما يحقّر المثقفين ويزدريهم ويطلق عليهم لقب الأفندية، بل ويطلق عليه وصف "الفراشات العاهرة" التي تنتقل من مستنقع إلى آخر، وذلك في نقده للفكرة الديمقراطية والمطالبة بحرية العمل والفكر.
ولعل هذه الفكرة الازدرائية ليست خاطئة فحسب، بل تمثّل قصور نظر، فحتى الاشتراكية لا يمكن تحقيقها بطريق آخر غير الديمقراطية، لأنها حسب لينين (نظرياً على الأقل) ستصل إلى استنتاجات رجعية وخرقاء.
وقد كان هادي العلوي يكرر ما يذهب إليه فهد عن شيوعية الأفندية- والأفندي تعني باللغة التركية- السيد الكبير. وعلى الرغم من أن زكي خيري كان من ضحايا هذه النزعة السلبية إزاء المثقفين، من جانب فهد الذي كان ينتقص من موقعه القيادي، الاّ أنه هو الآخر حمل فيروس العداء للمثقفين أيضاً، الذي لولاهم لما استطاع الحزب أن يتوسع ويمتد إلى الأوساط العمالية والفلاحية وعموم الشعب.

المثاقفة مع الفكر الغربي
س / ألم ترى معي أن الماركسية التي وصلت إلى العالم العربي بشكل عام والعراق بشكل خاص ( نسخة حسين الرحال ويوسف سلمان يوسف ) والتي تمثّل القاعدة الآيديولوجية لفكر الطبقة العاملة، لم تكن تعبّر عن محتوى طبقي ، وإنما كانت نتاجاً للمثاقفة مع الثقافة الغربية ؟

 / من قال أن الماركسية تنظر إلى النضال الاجتماعي بوصفه نضالاًَ طبقياً حسب، وإنما هو نضال وطني أيضاً، لاسيما في مرحلة ما يطلق عليه الثورة الوطنية الديمقراطية التي تنتصب أمامها مهمات ديمقراطية، يتداخل فيها الاجتماعي والوطني، وهي مهمات انتقالية أساسية للتحوّل الاشتراكي. قد يكون حسين الرحّال بثقافته الماركسية وإطلاعه على ثورة سبارتاكوس 1919 في ألمانيا وإتقانه التركية والألمانية إضافة إلى الانكليزية ساعدته في تعزيز قراءاته، وهو بتوجهاته أقرب إلى المثاقفة، لاسيما إطلالاته على ماركس وانجلز ودعوته المبكّرة إلى تحرير المرأة ومشاركته في الحوار الدائر حول السفور والحجاب، لكن قيادة فهد كانت نسخة عراقية من الثقافة الماركسية السائدة بحدودها الدنيا في الثلاثينينات، لاسيما بعد أن ترجم خالد بكداش "البيان الشيوعي" ولم تُظهر دراساته في مدرسة كادحي الشرق سوى الاطلاع على أسس الاقتصاد بالطبعة الستالينية ومبادئ اللينينية التي وضعها ستالين، واهتمام كبير بكتاب لينين "ما العمل؟" وفيه ردود على المارتوفية، والتشدد باتجاه الضبط الحديدي البروليتاري.
ابتكارات فهد وإبداعاته
س / إن ماركسية يوسف سلمان يوسف تقع في سوء استعمال الكليات العلمية للماركسية حيث تعمم النتائج المعرفية والسياسية على المجتمع العراقي حيث تم اختراع الطبقات الاجتماعية ( ارستقراطية ) (برجوازية ) (برجوازية صغيرة ) (بروليتارية ) ماهو قولك ؟
 أظن أن أطروحات فهد تلك كانت جديدة على المجتمع العراقي، وأبدع فهد في تكييفها للظروف العراقية، حتى الأمثلة التي كان يضربها لتفسير الديالكتيك كانت بسيطة ومن واقع المجتمع، وتردد على لسانه أكثر من مرّة منارة سوق الغزل وسوق هرج "والباسورك" (وهو نوع المكسّرات المشهورة آنذاك)، وكانت جريدة القاعدة تنقل حياة الناس وما يدور بأسلوب مبسّط وقابل على الفهم بالنسبة لبسطاء الناس، الذين استطاع جذبهم، على الرغم من الانشقاقات والانقسامات التي سادت فترة قيادته.
وفي محاولة اضفاء تقسيمات طبقية على المجتمع العراقي، تحدّث فهد عن أرستقراطية وكومبرادور وبرجوازية وسطى وبرجوازية صغيرة وبروليتاريا، وهي تصنيفات غير دقيقة آنذاك في حين أن أهم المنشآت الكبرى عهد ذاك كانت في النفط والميناء والسكك الحديدية، في مجتمع شبه إقطاعي يحتاج إلى نشوء وتنمية البرجوازية الوطنية ودعم الصناعات والمنتجات المحلية لكي تستقيم، وعلى الرغم من أنه رفع شعاراً صحيحاً " قوّوا تنظيم حزبكم.. قوّوا تنظيم الحركة الوطنية"، الاّ أن اتجاهاً انعزالياً ساد آنذاك في الموقف من الكتل والتنظيمات الماركسية، سواءً التي انشقت عن الحزب أو كوّنت لها تنظيمات خاصة مثل حزب الشعب بقيادة عزيز شريف أو حزب الاتحاد الوطني بقيادة عبد الفتاح ابراهيم، وهذا الموقف الاستعلائي انسحب على تنظيم الحزب الوطني الديمقراطي بقيادة كامل الجادرجي، وكذلك الموقف السلبي من حزب الاستقلال القومي العربي بقيادة محمد مهدي كبّه.
لعل النهج الستاليني الإقصائي واحتدام الصراع خلال الحرب العالمية الثانية وسرّية العمل، دفعت إلى مثل هذه التوجهات التي تركت تأثيراتها على مجمل عمل الحزب في إطار ثقافة الأفضليات وتحريم وتجريم، بل وحتى تخوين الآخر في لحظة الاختلاف، ونتذكّر لاحقاً حديث جماعة القاعدة عن راية الشغيلة " راية البلاط" ومعظمهم سجناء يقضون أحكاماً ثقيلة خلف القضبان.
وكانت قيادة فهد والقيادات التي من بعده أخشى ما تخشاه هو استقلالية الرأي والتفكير الحر، وهذا ينطبق إلى حدود كبيرة على تعامل فهد مع المثقفين الشيوعيين عهد ذاك، وهي النزعة التي تمسكت بها الأحزاب الشمولية جميعها سواءً كانت قومية بما فيها حزب البعث أو إسلامية، وكلّها يمكن اعتبارها " أحزاب لينينية " بطبعة ستالين خصوصاً إزاء الرأي الآخر وقواعد الضبط والصرامة.

التأويل وإعادة التأويل
س / في الماركسية العراقية تم تحويل النصوص الماركسية الأم إلى نصوص مقدسة ( كانت تجري عملية تأويلها واعادة التاويل ) باستمرار بوصفها تحمل الحقيقة المطلقة ولا تقبل ( صراع النزوعات ) أو نسبية المعرفة التاريخية) ولا تسعى إلى التمازج بين الماركسية العالمة والحس الشعبي العام ؟

 / كان ستالين يقول كلّما استعصي أمرٌ علينا استدعينا لينين من قبره، وكلما كانت تستعصي مسألة على لينين يستدعي ماركس من لحده، وهكذا فإن التعبّد في النصوص كان سمةً سائدة للاعتقاد الخاطئ، أن ماركس هو نهاية الماركسية لا بدايتها ، وحين تم " روسنة" الماركسية عبر "لنينتها"، وهي محاولة قام بها ستالين لإسكات معارضته الحزبية، لاسيما إزاء تروتسكي وبوخارين وزينوفيف وغيرهم فقد تم توسيع دائرة القدسية، وهكذا أضيفت اللينينية إلى الماركسية، لتصبح الماركسية اللينينية، وخلال حكم ستالين الذي استمر من العام 1924 ولغاية العام 1953 انتشرت تدريجياً صور الأربعة الكبار: ماركس، انجلز ، لينين، ستالين، وعندما انتصرت الثورة الصينية وجرت محاولة لاحقة لصنينة الماركسية، فقد تم وضع صورة ماوتسي تونغ جنب صور ماركس ولينين وهكذا.
وكجزء من التراث الشيوعي، فقد كان فهد يُسكتْ خصومه كلما اقتبس من أبو البروليتاريا العالمية أو نسب قولاً إليه، وعندها لا بدّ للمناقشسة أن تنتهي، حتى وإن كان القول المقتبس في غير سياقه وفي غير محلّه، ولعل تلك التوجهات لم تكن بعيدة عن تعليمات الكومنترن والسياسات السائدة آنذاك.
لقد تعبّدنا كثيراً في محراب النصوص ونظرنا إليها بقدسية، باعتبارها غير قابلة للخطأ، فضلاً عن النقد، مثلما يفعل بعض المتدينين عندما يرددون ببغائياً أقوال بعض رجال الدين أو يستخدمونها بطريقة لا سياق فيها وفي غير موضعها، وغالباً ما استخدم هؤلاء القادة السياسيون، مثلما استخدم بعض رجال الدين، المنتسبين أو المقلدين، لأغراض سياسية وأحياناً خارج نطاق الدين، مثلما يستخدمهم بعض السياسيين خارج نطاق المبادئ التي يدعون إليها.

هامشية النسخة السوفيتية
س / أن الماركسية القادمة من سياسات( الكومنترن ) و( مدرسة كادحي الشرق ) ظلت برّانية وهامشية في الثقافة العراقية ، بقيت عروض بيداغوجية مبسّطة لمقولات في التاريخ والسياسة والاقتصاد فماذا تقول؟

 / قام فهد بمحاولات عديدة لتكييف ما كان يقرأه على الواقع العراقي، ولعل أهم إنجازاته هو بناء حركة شيوعية مقدامة وإصراره على المواصلة والاستمرارية، وقدّم قوة مثل للقائد الشجاع الذي كان مستعداً لتقديم حياته دفاعاً عن مبادئه، وفعل ذلك مختتماً ومودعاً العالم أجمع بتلك العبارة الأثيرة:"الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق" . وكانت تلك الصرخة المدوية أشبه بكلمة السر التي احتفظ بها الكثير من الشيوعيين واستحضروها لحظة الامتحان، على الرغم من حبهم للحياة، لكن تفانيهم من أجلها ومن أجل مثل الخير والحرية والعدالة والجمال جعلهم لا يهابون الموت إنْ اضطروا عليه.
لكن ذلك لا يمنع من أنه هناك الكثير من الأخطاء التي صاحبت فترة قيادة فهد، والتي يمكن إخضاعها إلى سياقها التاريخي، مثل تشبثه بعبادة الفرد وازدراء دور المثقفين والتقليل من شأن القوى الوطنية الأخرى، وتحويل الحياة الحزبية الداخلية إلى حياة شبه عسكرية، حيث لا يمكن مناقشة القائد بقدر تنفيذ وإطاعة أوامره وقراراته.
كانت الماركسية ثورة على الآيديولوجيا، الاّ أنها تحوّلت إلى معتقد آيديولوجي محدد ومنغلق لدى الكثيرين من أتباعها، الذين اكتفوا بقراءتها، كما توصل إليه ماركس، دون أن يستمروا في تطبيق قراءة الماركسية كمنهج للجدل وإمكانية تطبيقه على ماركس نفسه، أي أن الأجدر هو قراءة المنهج الذي قرأ به ماركس ماركسيته وواقع المجتمعات الأوروبية.
وبموجب هذا المنهج بإمكاننا قراءة واقع مجتمعاتنا العربية، ولكن بعضنا وهو الأعم الأغلب قرأ ماركس بعد تحنيطه وترك ماركسيته وجدليته جانباً، لدرجة أقرب إلى موتها، لاسيما باندثار الأحلام وغياب النزوع إلى التحرر وضعف الإرادة وتعطل الاستقلالية، وهي بلا أدنى شك التحوّل عن حيوية الماركسية ومنهجها الجدلي إلى مقولات أقرب إلى " المعلبات" حتى وإن كانت "صائبة"، لكنها في غير محلّها وفي قسم كبير منها دون روح، أو تكون قد فقدت عافيتها بعد أن تجاوزها الزمن.
ولعل ماركس هو من تحدّث عن "الوعي الزائف" في كتابه "الآيديولوجيا الألمانية" بمعارضة مفهوم هيغل "الوعي الشقي" عندما تكون الآيديولوجيا شكلاً نسقياً محدداً، فإنها تصبح وعياً زائفاً لا يعكس الصراع الداخلي منها ولا يعرض لنا أضدادها.
قلت في كتابي تحطيم المرايا: ماذا يحدث لو كان ماركس" مَفْهَم (أي قدّمه كمفهوم) كل شيء أو قال فيه، فلن يحدث شيء، بعد ذلك مثلما اختلف الناس بعد موت النبي محمد، حينها خرج أبو بكر الصديق على الناس ليقول قولته الشهيرة " من كان يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت" وسواءً كان الأمر لهذه الحالة أو للحالة الأولى، فإن الحياة تتطور وتحتاج دائماً إلى التجديد والتغيير والانفتاح، ولن تصمد القوالب والنسقيات، بل ستتحول الى يباس في حين أن الحياة ستمضي، مثل نهر جارف وبحر لا يستكين.
من خلال قراءتي الوضعية النقدية للماركسية فإن ماركس ساهم بمحاولة إجرائية مرهونة بظروف ماركس الشخصية من جهة، بالقراءة والتنقيب والبحث، ومن خلال منهج لازال صائباً ويمكن استخدامه، لكن ماركس لم يكن مُلقناً أو مروّجاً أو دعائياً كما يتصوره أصحابنا المتشبثين بأذيال الماركسية من "المتمركسين"، بل باحثاً ومفكّراً وإنساناً عظيماً، لكنه وفي الوقت نفسه كان يخطئ ويصيب أيضاً مثل كل البشر دون مقدسات، وإنْ كان قد تمتع بقدرات فكرية هائلة وموهبة نادرة وعقل جبار.
أما فهد فقد حاول تمثيل وهضم أفكار ماركس، وإن كان بطبعتها الستالينية التي وصلتنا، لاسيما التشبث بتقليدها أو استنساخها، لكنه في الوقت نفسه امتلك قدرات تنظيمية كبيرة وبسالة نادرة ومعرفة عميقة بالمجتمع العراقي، وللأسف فإن العمر لم يسعفه لمواصلة مشواره النضالي، لاسيما بعد أن اختزن تجربة غنية وخبرة طويلة وتمرّساً حزبياً وسياسياً كبيراً .
تنصيصات

 دعا فهد لاحترام الأديان والطقوس والشعائر الدينية، وطلب من الرفاق في السجن دراسة القرآن والاحتكاك برجال الدين ومحاورتهم بروح إيجابية.
 فهد حاول تمثيل وهضم أفكار ماركس، وإن كان بطبعتها الستالينية التي وصلتنا، لاسيما التشبث بتقليدها أو استنساخها لكنه في الوقت نفسه امتلك قدرات تنظيمية كبيرة وبسالة نادرة ومعرفة عميقة بالمجتمع العراقي.
 هناك الكثير من الأخطاء التي صاحبت فترة قيادة فهد، والتي يمكن إخضاعها إلى سياقها التاريخي، مثل تشبثه بعبادة الفرد وازدراء دور المثقفين والتقليل من شأن القوى الوطنية الأخرى، وتحويل الحياة الحزبية الداخلية إلى حياة شبه عسكرية، حيث لا يمكن مناقشة القائد بقدر تنفيذ وإطاعة أوامره وقراراته.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوسف سلمان يوسف ... فهد ( 3 – 3 )
- تعويض الضحايا!
- يوسف سلمان يوسف -فهد-...(1 – 3 )
- زمن الفتاوى ومغزاها
- خمسة آراء بصدد المسألة الكردية في العراق
- السياسة في معناها
- حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة-*الجزء الثاني
- الحق في الجمال
- الأسرى الفلسطينيون والوعي النقدي المطلوب!
- المساءلة والحقيقة في بعض تجارب العدالة الانتقالية
- المفكر السيد الصدر حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة*( ...
- اشتراكي جديد في قصر الإليزيه
- الهوّية وأدب المنفى !
- الدولة البسيطة والدولة المركّبة
- الربيع العربي والأقليّات
- ليبيا: الفيدرالية المدنّسة والمركزية المقدّسة
- مواقف خاطئة للحزب الشيوعي
- القضاء الدولي والقضاء الوطني: علاقة تكامل أم تعارض؟
- نقد قيادة الحزب الشيوعي
- 50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - يوسف سلمان يوسف ..(فهد)-( 2 – 3 )