أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وديع شامخ - الإصغاء الى الآخر...ومحنة العبودية















المزيد.....

الإصغاء الى الآخر...ومحنة العبودية


وديع شامخ

الحوار المتمدن-العدد: 3791 - 2012 / 7 / 17 - 16:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مهاد
قد يبدو من المستغرب أن َتحمل المعرفة البشرية سرها من خلال الموت.. الموت الذي يعني موت الآخر " الغريم ، الند" .. لكن موت الآخر يؤدي الى إنبثاق قيمة عامة للحياة ، تتضمن معرفة الكائن بنفسه وبالآخر المقصي " الميت".
الموت هنا فكرة جسدية والمعرفة فكرة عقلية ورحية .. فالميت هو مقصي جسديا بحسب القانون الذي ُطبق عليه ..ووفقا لقرار القضاة الذين نطقوا بالحكم ، المقيد تنفيذه بآلية معلومة الأداة .. ولكن الموت الجسدي والذي يفسر أقصاءً لجسد الند ، الغريم ، سوف يكون مبعث إنتاج أسئلة وجودية عميقة جدا سوف تطال حقيقة الموت ذاته كنهاية .
ومن خلال النفي " الموت" والإثبات " الموت " أيضا .. هناك جملة من التفاصيل التي يمكن من خلالها الوصول الى شعور الجاني والضحية معا .. لنأخذ مثال المعلم سقراط الذي قُتل قبل أكثر من الفين سنة .
ربما كان درس " جلجامش وأنكيدو" يستحق الريادة في البحث عن سر الخلود ومحاولة الإنتصار على الموت بطريقة الحصول الى الأسرار الإلهية . ولكن درس سقراط أهمل تماما موضوعة الخلود الجسدي وسره .. بل ذهب سقراط لتفعيل السؤال الفلسفي عن الوجود والكائن .. وكان سقراط مشاكسا " ندا" عنيدا .. لنخبة "أثينا" بكل مستويات إنتاجها العقلي والعاطفي .
.......................
مشهد

الإسم : سقراط بن سوفرونيسكوس ..
الصفة : معلم وفيلسوف أغريقي عظيم ..
التهمة : إفساد عقول الشباب وطرح أسئلة محرجة للجميع .
هيئة الحكم : "ميليتوس" و"أنيتوس" و"بوليقراط" من الطبقة الأرستقراطية في أثينا .
نص الإتهام : "إلى متى سيبقى هذا الهرِم الخرِف يثير أسئلته السخيفة ويحاول إحراج الجميع ... لم يسلم من لسانه أحد .. لا الشعراء ولا المسرحيون ولا حتى الاستراتيجيون - وهم القيادة العسكرية العليا في أثينا والمكونة من عشرة أشخاص"
وسيلة الإتهام : "في السوق جاء الصوت الجهوري للمنادي حليق الرأس قوياً وواضحاً لفت انتباه الجميع إليه... ووقف يتلو البيانات الرسمية والأحكام القضائية عليهم" سقراط بن سوفرونيسكوس .. إن عليك المثول أمام المحكمة العليا في أديون في الشكوى المقدمة من قبل ميليتوس بن ميليتوس ".
..لم يحرك سقراط ساكناً وإنما أخذ الأمر ببرود وثقة .... وكان المنادي يذيع أحكاما آخرى " آيونيس بن ستراتون .. متهم بتوجيه الإهانة للأماكن المقدسة المرتبطة بديميترا .. الحكم.. إعدام..
آكريب بن هويسيبوس.. متهم بقطع شجرة الزيتون المقدسة .. الحكم .. إعدام!!..فلان بن فلان .. ............إعدام.." أحكام قرقوشية في فضاء السوق .
رأي المشتكين : أحدهم " إن أكثر ما يقلقني هو حماس الشباب لتبني أفكاره .. ولا أخفيكم أيها الأصدقاء بأن ابني واحد منهم ...أنا قلق للغاية...، أخر يقول : لقد سرق سقراط مني الأضواء وأنا الكاتب المسرحي المرموق!!.
الحكم : الموت ..
طريقة التنفيذ: لقد كانت " المحكمة العليا في أديون" كريمة جدا مع سقراط ، فأعطته خيارات متعدد لموته .. " يعتقدون الموت هو النهاية القصوى للإقصاء / لذا كان هذا العرض السخي ".
سقراط يرفض دعوته تلاميذه للهرب ويوافق على تنفيذ الحكم ، مختارا " السم " كوسيلة لموته .."
إستدراك: " أعتقدُ أن إختيار السم من قبل سقراط يمثل فعلا مضاد للموت الجسدي الذي اراد الخصوم له ، لان تناول السم يأتي بطريقة الإرادة الشخصية " كأس يتم شربه بإرادة واعية مشتركة بين الجسد والعقل معا وليس كالمقصلة مثلا ."
إن سقراط أسقط الموت كعقوبة من يد الحاكم ، وحوله الى إداة معرفة لادانة الحاكم والانتصار للمعرفة ليس بصفته ضحية .. وانما بصفته سؤالا مشاكسا حرا غير قابل للموت .
...........................................
سؤال المَتن

لقد أنتج سقراط في موته قيما معرفية في دروب الحق والخير والجمال .. أمات جسده .. ولكنه حلّق عاليا في معرفة النفس " إعرف نفسك" ..وهو بداية الجدل الإنساني مع خرافة التجهيل .. تجهيل الآخر بنفسه أولا ... اعتمادا على إعلان مضبّب حول الذات .. اعلان يستمد قوته من غفلة الأخرين ، ميوعتهم ، وعبوديتهم .. لذا إنتصر سقراط للموت الذي يؤدي الى إثارة الأسئلة بمعرفة الذات مفضلا التواري الجسدي ، ومخلصا الى حقيقة الحضور العقلي والروحي ..
لقد فضل سقراط الحضور في الذات وليس على موائد ومسارح الأخرين .. حتى أنه صمت تماما ولن يتكلم ويدافع عن نفسه ، لانه كان يعيّ تماما ان موت جسده " وهو مطلب المشتكين" سوف لن يحقق لهم ما أرادوه .. لان سقراط أينع أسئلة خصبة في معنى الحوار الجدلي والفعال .. وليس الإصغاء السلبي لآخرين لا تجربة لهم ولا حياة .. سوى مهمة الاقصاء المنظم للآخر بالحيلة وسواها ..
كان سقراط يعي تماما أن كأس السم لا يلغيه روحيا وعقليا .. بل أن الموت سيكون معادلا لحضور الفكر .. لحضور الجدل والاسئلة . أكثر مما يثيره الحضور الفيزيقي من نتانة وخفة .
.. ومن الطريف جدا أن سقراط طلب من سجانه .. أن يسكب قليلا من السم قربانا للآلهة .. ولكن السجان رفض وقال له: السم في الكأس مخصص فقط لموتك .. وبهذا فأن سقراط قد تناول قربانه كاملا دون شفاعة ..
المعرفة التي أطلقها سقراط هي معرفة معجونة بالروح والإيثار ضد الإقصاء .. ضد وجود الجسد " ميتا" بهيئة الحي . .. المعرفة التي أثارها سقراط في مجتمع " أثينا " هي الإنصات الى صوت الروح الداخلي وليس الإنشغال بتواطأت ومخادمات إجتماعية " نفعية " .. الإصغاء الى الآخر وفقا لسقراط يعني التعريف أولا بماهية " الندّ، الغريم" .. وعندما سعى سقراط الى الموت فانه اقرّ حوارية من نمط آخر .. ليس حوار الضحية والجلاد .. ليس حضور القوي وغياب الضعيف . ليس موت سقراط هو الانتصار أو الضعف .. بقدر ما هو إقتراح لألق الفكرة .إذ ان الفكر لا يمكن أن يموت ..
كان سقراط قد عقد العزم الإخلاص للسؤال " لواجبه الفلسفي" ولو كلفه الغياب المؤقت بوجوده جسدا .. وهو كان مخلصا لإزعاج السلطات كما يقول " سارتر ، لاحقا " إن مهمة المثقف الأساسية هي ازعاج السلطات" والسلطة مع سقراط هي الآخر الذي لا يمكن الاصغاء اليه ومحاولة فهمه لانه كان عارفا طبيعة " الند" الذي لا يطرح شيئا للتأمل والمعاينة ، بقدر ما يلزم سقراط والآخرين بالتسليم له فقط.
وهذا الوهم الذي يقع فيه الكثير من المنتجين " المنتفخين بذواتهم" قبل إمتلائهم من الآخر .. هنا سوف يكون الإصغاء لهؤلاء ضرب من العبث المعرفي والأخلاقي معا .. لانه يشيعون ثقافة " العبد والسيد" في الإصغاء .. وليس الانتصار الى قيمة الحوار بوصفه إثارة زوابع ، وحلول بركانين ضد اليقين الذي يُطرح بدم بارد وبمعية مريدين سفهاء ، لايملكون ألسنة ناطقة وعقول ، بل رؤوس لا تجيد سوى الإيماءة تصديقا .، والإبتسامة الباهتة تسليما .
.. كان سقراط يعرف تماما قبل فولتير " أن تحرر السذّج من الأغلال التي يبجلونها قضية غاية في الصعوبة" ..
ولكن عظمة سقراط تجلّت في أنه كان مزعجا جدا للآخرين.. الذين لا يمكن الإصغاء لهم دون مشاكسة وإحراج .. إخلاصا لرسالة الدرس الفلسفي والإنساني والتاريخي معا .
لقد مات جسد سقراط ولكنه بقي خالدا في فكره وأسئلته التي لا تصدأ ..



#وديع_شامخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنقذوا المدرسة المستنصرية من -مكاره الأخلاق -
- برطله واللعب بنار العراق
- النصف المليان في كأس الإخوان ...
- اللغة... سلاح دمار فتّاك
- من يحرس المحروسة .. مصر??
- الطاولة المستديرة وساسة العراق
- زوجة الظواهري ... بازار الجهاد ..... والربيع العربي
- مبارك يرتدي بدلة السجن الزرقاء
- السياسة .. فن الممكن الوطني، أم طبخ سريّ للمكائد؟ .
- فصل في الحقوق والعقوق الوطنية / عراقيون .. ولكن بعد هذا الفا ...
- حوار مع الشاعر العرقي وديع شامخ
- ديمقراطية القرف الشرقية
- المالكي... يستغيث
- المالكي .. الهاشمي .. المطلك .. فساد الدهر وترقيع العطار
- لى محمود عبد الوهاب في القبر..
- لماذا يعود البعث؟
- قذافي .... مَن هو الجرذ حقا؟؟
- جلعاد شاليط بأكثر من ألف.. والدم العراقي بالمجان
- السيادة الوطنية وأمرضها
- مازن لطيف .. نورس المتنبي وبشير عراقي ثقافي ..


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وديع شامخ - الإصغاء الى الآخر...ومحنة العبودية